أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (16)















المزيد.....

احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (16)


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 4329 - 2014 / 1 / 8 - 22:08
المحور: الادب والفن
    



احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (16)
الأخضر.. الصوفي..
الشعرُ حالة كونية ميتافيزيقية لا تتيسّر مفاتيحها إلا لسلالة معينة حافظت على صلتها الرحمية الأولى عبر حبل سريري اسمُه اللغة وصفته الشعرية. واللغة الشعرية الأصلية هي جملة إشارات وعلامات وأصوات وأصداء كهربائية يترجمها شاعرها في أوعية لغوية تناسب ثقافة المجتمع المستوطن فيه.
وكما أن عقول العلماء تنماز بخواص ووظائف معينة لا تنشط لدى سواهم من البشر، فأن عقول الشعراء الملهَمين تنماز بمجسّات خاصة قادرة على استلام وتمييز إشارات كونية وترجمتها إلى مفردات وصور وتعابير تناسب المتلقي. وقد أدرك القدماء البعد الغيبي للشعر فنسبوه لقوى فوق بشرية وجعلوا للشعراء مكانة خاصة في مجتمعاتهم، وأعاروا لغاتهم ونصوصهم أهمية مميزة. وقد نقل العرب عن ذلك نسبة الشعر إلى قوى خارجية. ولتمييز عالم (الشعر) عن عالم (الدين)، اختصوا الوحي الديني بالملائكة، ونسبوا وحي الشعر للجنّ. ثم خصّوا الشعر بمكان مميز سمّوه بوادي (عبقر) أو – وادي الجنّ-.
فلا غرو أن يقع الشعر ضحية صعود نجم الدين- كما في بدايات الاسلام- وتمييز لغة القرآن بالنثر المسجوع عن لغة العروض الشعري. وقد عُرِفَ العربُ بالشعر واشتهروا به، وكانت الكتب الدينية تأتي كلّ قوم بما اشتهروا به وتسودهم. ولم يعرف العرب بالنثر، الذي هو لغة الأغريق وأهل الكلام (الفلسفة). وبها انمازت الأناجيل المكتوبة بلغة الأغريق، بينما جاءت التوراة حافظة لروح الشعر السومري ولغة بابل القديمة التي هي لغة التوراة البابلية. بينما كانت اللغة البابلية الحديثة لغة التلمود البابلي المحفوظة حتى اليوم، والمختلف بشأنها بين أتباع الهيكل وأتباع جبل جرزيم.
الشعرُ سابقٌ الدينَ في ثقافة الانسان على الأرض، وأوائل الشعراء في سومر عرفوا بالعرّافين [صيغة مبالغة من المصدر ع ر ف]. وكان أولئك جوّالين في البريّة، يخرج إليهم الناس، أو يمرّون بأطرف الحواضر، يستمع إليهم الناس ويحتفون بهم رغبة في بركاتهم. وبعد تطور الفكر الديني وهندسة المعابد، استمرت آثار العراّافين الجوّالة الزهاد إلا مما يقوتهم، منهم الرهابنة أو المتصوفة أو الغورو أي المعلمين الناطقين بحقائق وأسرار المطلق.
لقد كان - وما زال وسيبقى- الدين في أساسه صناعة لغوية وفنا لغويا، تلين له الألباب. وهو سرّ تعلق الديانات باللغة واعتبارها أساسا ولازمة للعبادة وتقوية عرى الجماعة [العرب انموذجا]. ومن الأمثلة البارزة على ظاهرة العارفين الجوّالين السيد يسوع المسيح المشهور أنه [كان يجول ويصنع خيرا]، ويوصف من قبل الجمهور بقولهم: [لم نسمع قطّ إنسانا يتكلّم بمثل كلامه!]/ (يوحنا 7: 46). ويصف المسيح اولئك الملهَمين [receiver] في صلاته [أحمدك أيّها الأبُ، ربّ السماء والأرض، لأنّك حجبت هذه الأمور عن الحُكماء والفُهَماء، وكشفتها للأطفال، نعم، أيّها الأبُ، لأنّه هكذا حسُنَ في نظرك!]/ (لوقا 10: 21).
أنا أحمد (الأعمى)
أنا (الطوّاف) في الطرقات
والساري مع النجم الذي في جبهتي
أنا (سيّد الأصوات)
أعرفها
أعزفها
عصاي جوادي الأبهى
ومركبتي (خطاي)
ورحلتي أوبات
أنا أحمد الأعمى
أدق سدى على أبوابكم!
[الكلمات داخل الأقواس للتأكيد، من قبل المؤلف]
ان الشعر الذي يجري دراسته وتدريسه في دور العلم والكتابة، هو الشعر الاجتماعي أو فن لغوي استساغ هزيمته على يد الكهنوت، وارتضى لنفسه الخروج من سوق المنافسة على سلطة الغيب. بل أن المغالاة في تحديد معاني الشعر وأغراضه وعروضه، هو من باب الافتئات على حرية الشعر وتحجيم سلطته وحصرها في أغراض تتبع الناس ورغباتهم، بعدما كان الشعر يقود الناس ويوجه أفكارهم وغرائزهم.
الشعرُ ليس صنعة لغوية، ولا رياضة وتسلية ذهنية، وانما هو رحلة (روحية) للبحث عن الذات، ليس الذات الفيزياوية وانما الذات الكونية الأولى التي منها يصدر النور والعرفان والطريق، الذي تؤسسه الغربة والخلوة، ولا تحدّه حدود أو تنتظره نهاية، إلا في حالة الاتحاد أو الذوبان، (الوجد الصوفي).
والأدب الصوفي والشعر منه بخاصة، هو محاولة لاستعادة الريادة الأصلية، لغة وفكرا وروحا وسلوكا. وقد قطع الشعر الحديث مسيرة غير هيّنة للخروج على النمط السائد، واختطاط القضايا الاجتماعية، والتماهي في هموم الفقراء والكادحين، طريقا للعروج في مدارج الروح وتجاوز الظاهر لما وراءه. ومنذ ستينيات القرن الماضي تتلبس شعر الحداثة أجواء وتهويمات وإشارات تتجاوز المألوف والمادي وتستنطق الغيبي بأشكال وأنماط ودرجات تتفاوت من نص لآخر، ومن شاعر لغيره. ومعظم شعراء الحداثة تتردد في نصوصهم تلك الأصداء قليلا أو كثيرا.
ويعتبر سعدي يوسف أحد أكثر شعراء الحداثة وعيا بجوهر كونية الشعر كما يراه في بيانه الشعري: [أن الشِعرَ يقدِّمُ الخطوةَ الأولى في السُّـلَّـمِ الذي يحملُ البشرَ إلى السماءِ.] والتي ينبغي استحضارها الدائم لقراءة سعدي وفهمه. السماء -كمفردة- هي إحالة على الغيب والميتافيزيك، أكثر مما هي الصورة الشعبية المتداولة. وفي شعر سعدي – أكثر من أي شاعر آخر- تتردد لفظة السماء/ السماوات= كناية عن الغيب، والعمى والظلام= كناية عن الرؤية القلبية والنور المطلق، والماء والنبات= كناية عن الخلق والحياة.
[الشعر خبزي اليومي]
يقول الشاعر في فقرة أخرى واصفا علاقته بالشعر، كحالة يومية مستمرة= حالة الوجد لدى المتصوفة. الخبز هو حياة الجسد، والشعر حياة الروح. مركزية الخبز/الشعر لدى سعدي تعني أيضا تهميش ما عداها من رغبات ومتطلبات. وهنا يبرز سؤال عن سرّ استمرار شعرية سعدي بنفس الحماس والشوق كما لو كان في بدء مسيرته الشعرية. [الملاحظة هنا ان بعض الشعراء تراجع انتاجهم أو توقف قبل هذه السن؛ (البياتي، النواب، مثلا)]. والواقع أن علاقته الشعرية تتمثل في سباق دائم مع الشعر، ليس من أجل الشعر ذاته، وانما ما هو وراء ذلك. يكتب الشاعر نصوصا يومية، وأحيانا أكثر من نص في اليوم، متأملا أن يُبلِغَه النصُّ الجديد ما لم يُبلِغْهُ سابقُه. فهو لا ينظر للمنظور، وانما للروحي خلف رداء الكلمات.
توصيف الشعر بالخبز، يذكر بعبارة يسوع الشهيرة [أناهو خبز الحياة]/ (يوحنا 9: 35). وعندما يخاطب المسيح الجمهور قائلا: [لا تسعوا وراء الطعام الفاني، بل الطعام الباقي إلى الحياة الأبدية؛ الذي يعطيكم إياه ابن الانسان، لأن هذا الطعام قد وضع الله ختمه عليه .]/ (يوحنا 9: 27) يقول الشاعر في بيانه الشعري: [الشِعرُ خبزي اليومي. وأريدُ له أن يكونَ خبزَ الناسِ جميعاً.]. فالشاعر هنا لا يتحدث عن أوزان وقوافي، أو عروض وبيان، وانما ينظر إلى جوهر روح الشعر التي سحقتها عجلات التطور السياسي والمادي، روح الشعر التي تضيء وتعمل وتمنح حياة وقوة.
قصيدة سعدي يوسف هي السهل الممتنع في لغته وانسجامه النفسي، وهي اللحظة اليومية التي يعيشها الناس ويتشاركون بها، وكأنهم فرد واحد. [ليكونوا واحداً، كما نحن واحد]/ (يوحنا 17: 22). هذا الذوبان الجمعي في [الواحد] هو أحد أركان نظرية التصوف الثلاثة : [وحدة الوجود- المعرفة الألهية- المحبة الالهية].
علاقة سعدي بالشعر لا تكتمل بدون الناس، طريقا لتحقيق نظرية الأبعاد الثلاثة للمكان النفسي [psycho- poetic-atmosphare]. ويعتبر أدونيس أول من وصف أثر هندسة البناء الداخلي للكنيسة والموسيقى الكنسية في تهيأة نفس المتلقي للدخول في الجوّ الروحي للعبادة، والانفصال عن جغرافيا المادة، وصولا لادراك المعنى الحقيقي لكلمة الشعر.



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (15)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (14)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (13)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (12)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (11)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (10)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (9)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (8)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (7)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (6)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (5)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (4)
- انحطاط الأمة.. والخوف من الكلمة
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (3)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (2)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (1)
- اتجاهات الرأي.. والرؤية العراقية
- الكراهية.. الأكثر كراهية!..
- في علم الاجتماع القبلي (10)
- في علم الاجتماع القبلي (9)


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (16)