أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (4)















المزيد.....

احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (4)


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 4318 - 2013 / 12 / 27 - 14:27
المحور: الادب والفن
    


الآن فقط..
نحن اليوم لسنا قبل قرن من الآن.. ولا نصف قرن.. ولسنا في شرق المتوسط.. الآن مختلف جدا.. عن كلّ لحظة سالفة.. ونحن أيضا اختلفنا.. اختلفنا كثيرا عن أنفسنا.. اختلف كلّ شيء فينا، حتى أفكارنا ومشاعرنا ورؤانا ومحبتنا ورغبتنا.. اختلفت علاقتنا بالشعر والكتابة والوجود.. وانتم أيضا اختلفتم.. اختلفتم كثيرا.. وهذا ليس وقت محاكمة.. ولا أحد يحبّ الاعتراف.. هكذا اختلفت طرقاتنا واتجاهاتنا وأسماء المقاهي والحانات التي تحتوينا أو نحتويها.. اختلفت المدن والبلاد والجزر التي تحملنا ولا نحملها.. والبلاد والمدن والمقاهي التي حملناها طويلا وما زلنا.. رغم أنها نسيتنا.. وذلك حسب القانون البلدي المشئوم..
الما تشوفه العين.. تنساه القلوب!..
نحن على الأقلّ لم ننسَ.. ليس لأننا أبطال، ولا لمنّة فينا.. ولكنا عاجزون عن النسيان.. ولأنّ زمن القرف الذي نعيشه لم يترك لنا شيئا جميلا أو جديرا، جعلنا عاجزين عن الموت.. الديناصورات كانت أكثر شجاعة منا وكذلك بغال الموت.. لأنها اختارت موتها.. لذلك صارت الذكريات هي الحبل السري الوحيد الذي يربطنا بالعالم.. العالم الذي هو الوطن الماضي..
وأنتم أيها الاخوة والأخوات والأصدقاء والصديقات.. يا من دفنتونا أحياء بدافع من الخجل أو أمر من الحاكم الأمريكي.. لم تموتوا.. ما زلتم في ذكرياتنا، بنفس ابتساماتكم القديمة وكلماتكم التي لا تهش ولا تنش، ولكنكم ما زلتم أصدقاءنا.. وما زلنا نحبّكم.. كأنكم لم تتغيّروا.. ولذلك لا نريد ملاحظة قمصانكم الجديدة.. ولا نريد سماع شتائمكم إلينا كأنكم ورثتم عقلية دكتاتور عقب مقتله..
الشعر أيضا اختلف طعمه.. اختلف مذاقه ورائحته.. العولمة جعلت الألفاظ أكثر بلاستيكية وبلادة.. لذلك نحن نجترّ أحيانا.. وأحيانا نتقيأ أو نتجشأ بصوت مسموع.. لكننا ما نزال نمتلك كثيرا من الحرية التي تجعلنا شعراء.. ما زلنا نمتلك كثيرا من الجرأة لمواجهة موت لم يعد حكرا على معتقلات ابي غريب.. ولا يتحدّد بنصوص القانون ومؤسسات النظام.. فالعولمة أنتجت مشاعية الموت والذل والجوع.. وهذه أول ثلاثة مصطلحات شيوعية فاتت على الأمريكان.. الكتابة على الأثير هي صورة موت بلا ملامح.. عدوّ يترصدك ولا تراه.. يغريك كالعنكبوت.. ليسحبك إلى داخل الشبكة..
الكتابة والرغبة والغاية اليوم أكثر صعوبة.. لأنها كتابة تعترف بتغير كمية الهواء واختلاف كثافته.. كتابة لا تتجاهل نسبة الـ(fake) في بضاعة السوق المفتوحة.. التي طالت حتى المفاهيم والآداب والأيديولوجيات والكرامات الشخصية.. لا أستطيع في هذه العجالة تأليف قاموس جديد مثل – معجم العين- لتداول مفردات جديدة لم تتلوث بالعولمة والاحتلال وتجارة السوق.. ولكنّ هذا أيضا ليس اعتذارا ولا بيانا للاحتجاج أو التنديد.. ولا دعوة من أجل موقف أو مراجعة موقف.. انه مجرد "بوح" افترضته لحظة الكتابة التي ما زال ثمة كفاية من ايمان، لامتلاك نفسها، والانتصار للحقيقة والمحبة والوجود حسب ما تراه..
خيار الكتابة عن الأخضر سعدي بن يوسف هو خيار التاريخ والجغرافيا والشعر والفلسفة والواقع والاحتمال المثقف.. لا شكّ.. ان الكتابة عن الأخضر سعدي ليست نزهة ولا تسلية.. خاصة في هذا الوقت.. والآن!.. ولكن..
إذا كان للكتابة ثمة مبرر.. وثمة فعل، وثمة معنى.. فأنها لا تكون إلا الآن، وبالتحديد المطلق للآن!.. حيث الكتابة عن سعدي بن يوسف ليست الكتابة عن سعدي يوسف.. الكتابة عن سعدي بن يوسف هي كتابة عن الموقف الغائب.. الموقف الذي طال غيابه.. الكتابة عن سعدي يوسف هي المواجهة الأكثر مباشرة مع العالم والامبريالية وكلّ أعداء الشعر والحقيقة والخليقة الكادحة.. الكتابة عن الأخضر بن يوسف هي امتحان الضمير.. في زمن ليس فيه شيء لم يتلوث.. حتى الكلمات والمشاعر والحنين للوطن والأم والحبيبة..
من زمن طويل والأخضر بن يوسف يحاصرنا.. ينثر علينا حبّات الرمل وقطرات المنفى وألوانا من أقواس قزح المدن والبلدان والقارات والجزر.. ونحن نهرب منه.. نسدّ الشبابيك ونرتج الأبواب ونتسلى برسوم الستائر المخملية..
أنا أحمد الأعمى
أنا الطوّاف في الطرقات
والساري مع النجم الذي في جبهتي
أنا سيّد الأصوات
أعرفها
أعزفها
عصاي جوادي الأبهى
ومركبتي خطاي
ورحلتي أوبات
أنا أحمد الأعمى
أدق سدى على أبوابكم
لا تفتحوا
...
أنا أحمد الأعمى
ظلامي واضح..
/ اغنية الاعمى

زمنا طويلا تركنا فيه الأخضر بن يوسف وحيدا.. خلف ستائرنا.. يستقبل مدينة وتطرده مدينة.. يخرج من قارة ويدخل جزيرة.. مرة يبحر ومرة يطير.. ونحن نغطى عنه أوجهنا ونرفع أصوات البرامج والأفلام الأميركية وحركة نقل أساطيلها وموسيقى انفجاراتها باسم الحرية والدمقراطية على القنوات الفضائية.. نتسلى بجثثنا المشوّهة المبعثرة بين بساطيل جنود اليانكي ونخدع أنفسنا ونقول لا بأس.. الغد لأطفالنا.. وقد كبر أطفالنا اليوم.. وتلاشى الغد.. مثل أشياء أخرى كثيرة..
رأيت كتّاب الأمير، سألتهم ، وخرجتُ. هل امضي
إلى (قيثارة العميان)؟ ريثما سمعت قصيدة وشربت
كأسا، لم تكن (قيثارة العميان) قد فتحت، طرقت
الباب ، قالت لي فتاة:
ـ غادر الشعراء!
أين؟
ـ إلى الوليمة!
كلّهم؟
ـ كلّ الذين عرفتهم!
ودّعتها قبل انطباق الباب، ثم مضيت عبر أزقة
الفقراء، نحو النهر مغتما، جلست ونخلة قربي.
- / قصيدة الرماة

لقد انزلقت الأرض من تحت أقدامنا والتراب ساح.. والشجر ارتدى أجنحة وطار إلى أرض تمنحه ماء وتربة مستقرة.. اشجارُنا صارت تنمو في بلاد أخرى.. وتمرُ البصرة لا يشرب من ماء البصرة.. والعراق السومريّ يحتضن رأسه مختفيا في ثقب كوني أسود..
هربنا من الصوت طويلا.. هربنا منك طويلا يا سعدي ابن يوسف.. وأنت تدقّ على أبواب بيوتنا في الليالي الطويلة ونحن نتظاهر بالصّمم..
سيّدي
سيّدي الأخضر المرّْ
يا سيّدي يا بن يوسف
من لي سواك إذا أغلقت حانة بالرباط؟
ومن لي سواك إذا أغلقت بالعراق النوافذ؟
..
ويا سيّدي الأخضر المرّ
يا سيّدي بن يوسف
من قال أنا شقينا
ومن قال أنّا لقينا
ومن قال أنا حكمنا معا...
- حوار مع الأخضر بن يوسف

على مدى ستة عقود كان الأخضر ابن يوسف نبيا جوّالا يبيع كلماته في كلّ أحياء العرب.. في المدن البحرية والبرية.. في أحياء الفقراء وفي ورشات العمل وحقول الفلاحين.. في ساحات المدارس والمحلات ودرابين الطفولة.. كان سعدي يوزع كلماته تارة مثل مناشير وتارة مثل طيارات ملونة.. في ساحات بيروت.. أيام الحصار الفلسطيني.. والأردن ودمشق.. وصنعاء وعدن والقاهرة وعُمان.. في الرباط والجزائر وفي شقوق الأطلسي.. وعندما كفّت عن السمع المدن.. والبلاد انفتحت للعدوّ والمريب والمغتصب.. حمل الأخضر صوته وعبر البحر نحو الشمال.. مدينة مدينة استقبل المنفى وقال وجدت عشيرة من ألف بيت.. قال وجدت أبي الخصيب.. فإذا البلاد تسيح كالبراكين الجوفية.. ساحت البلاد والعباد حتى وجد العبدُ الفقير نفسه وحيدا..
"لم يتبقَّ لديَّ اليوم، ومنذ سنين
من سأصافحه
في منعطف الشارع
- لا شارع –
أو في الحفلة
- قد راحت حفلتنا –
ولهذا كانت قفازاتي.
................
...............
..............
قفازاتي
تمنعني أن ألمس ما لا يتلامسُ
حقاً
والآنَ أفكّر في أن أبتاعَ
لأذنيّ القفازات
فلا أسمع ما لا يُسمَع
أبتاع الـ Headphones
مثلاً...
................
..............
.............
لكنْ ، ماذا عن عينيَّ؟
، فلأكنِ الأعمى!"
- حانة القرد المفكر- قصيدة القفازات-
*



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انحطاط الأمة.. والخوف من الكلمة
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (3)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (2)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (1)
- اتجاهات الرأي.. والرؤية العراقية
- الكراهية.. الأكثر كراهية!..
- في علم الاجتماع القبلي (10)
- في علم الاجتماع القبلي (9)
- في علم الاجتماع القبلي (8)
- في علم الاجتماع القبلي (7)
- في علم الاجتماع القبلي (6)
- في علم الاجتماع القبلي (5)
- في علم الاجتماع القبلي (4)
- في علم الاجتماع القبلي (3)
- في علم الاجتماع القبلي (2)
- في علم الاجتماع القبلي (1)
- مصر ونظرية الأمن القومي الستراتيجي
- أوراق شخصية (5)
- هل الدمقراطية كلمة عربية؟!..
- أوراق شخصية (4)


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (4)