أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (1)















المزيد.....

احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (1)


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 4315 - 2013 / 12 / 24 - 16:54
المحور: الادب والفن
    


وديع العبيدي
سعدي يوسف: صورة في الثمانين

أن الشِعرَ يقدِّمُ الخطوةَ الأولى في السُّـلَّـمِ الذي يحملُ البشرَ إلى السماءِ.
ومن هنا إغراؤهُ.
وأقولُ عن نفسي : ليس لي من حياةٍ فِعليّةٍ ، خارج الشِعر .
الشِعرُ خبزي اليومي .
وأريدُ له أن يكونَ خبزَ الناسِ جميعاً .
"سعدي يوسف"


بَدَهيّة
سعدي يوسف
لستُ الـمُـقـامرَ
أنت تعرفُني ، طويلاً ، من نخيلِ أبي الخصيبِ
إلى تمارينِ الصباحِ بـ " نقرة السلمانِ " ...
حتى لندنَ ... الآن !
انتبهْتَ ؟
أريدُ أن تُصْغي إليّ الآنَ :
لم أكن المقامرَ
هكذا !
لكنني غامرتُ ... كنتُ ولا أزالُ ، هنا ،
المغامرَ
لا الـمُقامرَ ...
هل فهِمْتَ؟
عليكَ أن تُصْغي إليّ الآنَ !
واحفَظْ ما أقولُ
احفَظْ
نعمْ
عن ظَهرِ قلبٍ ...

قُلْ لأهلي: بين دجلةَ والفراتِ ،
هنالكَ اسمٌ واحدٌ
هو ما ظللتُ لأجْلهِ ، أبداً ، أغامرُ
هو أوّلُ الأسماءِ
آخرُها
وأعظمُهــــا ،
وما يصِلُ الحمادةَ بالسماءِ :
هو العراقُ الأولُ العربيّ


سعدي يوسف
صورة الشاعر في الثمانين
سعدي يوسف.. صوت قوي في الضمير العراقي.. بدأ قويّا.. واستمرّ يقوى ويقوى.. دون أن يتسنى له أن يتراجع أو يخفت قليلاً.. وكأنّ ظهوره كان قدرا عراقيا.. له قوّة القدر وحكمة القدر الذي لا يستطيع التراجع، ولا يمكن دفعه للتراجع ولو اجتمعت عليه الأقدار.
ذلك القدر الذي ربط ظهوره، بظهور جيل الحداثة العراقية.. ليس كتوأم.. ولكن ك(يعقوب) .. ولنتصوّر لحظة.. ظاهرة الحداثة العراقية من غير (سعدي يوسف)!!..
لنجمع كلّ حصيلة أولئك الروّاد ومن يدخل تحت تصنيفهم في كفة، ونضع حصيلة سعدي يوسف في كفة مقابلة!.. لا أعتقد أن معادلة الريادة أو الحداثة، كان لها أن يكون هذا الزخم، لولا وجود (توربينات دفع رباعية) حملت تلك الظاهرة، وارتقت بها بقوة وزخم ثقافي وجماهيري، لم يهدأ أو يتوانى منذ انطلاقته، مع بواكير النصف الثاني للقرن العشرين المنصرم، دخولا عارما في القرن التالي، وكأنه يكتسب ويجتذب قوة على قوّة.. فشعريّة سعدي يوسف ليست موجة في بحر الزمن، وانما هي القوّة الموازية والمناظرة له. ان مبدأ شعريّة سعدي منذ انطلاقتها تجترح زمنها الخاص، وتسعى لتجيير الزمن لصالحها، تجيير الزمن العام لزمنها الشعري الخالص. ومن هنا سرّ قوّتها، وديمومتها، وقدرتها على المناجزة والمناكدة واختراق المجهول.
سرّ قوّة شاعرية سعدي، انّها عصيّة على التنميط، عصيّة على القولبة والتشخيص. خلال أكثر من نصف قرن، اجترحت شاعرية سعدي عديد الأنماط والظواهر والقوالب، التي تركت أثرها على الآخرين، وبعضهم تنمّط بها وعجز عن الخروج منها. بينما كانت قاطرة سعدي تتجاوز تلك الأنماط والظواهر، مثل المحطات، وتتجه لاستشراف محطات وطرق جديدة، تقرّب الشعر من الحياة، وتقدّم الحياة للناس، وترفع الناس إلى مستوى التاريخانية.
لم يكتفِ سعدي بالتجديد.. وانما كان منفتحا على كلّ التجارب الأدبية والشعرية، الفنية واللغوية، الفلسفية والظاهراتية، المحلية والتراثية والعالمية. ولعلّه كان من أوائل الذين حوّلوا النص الشعري العربي إلى لوحة فنية، فكرية، نفسية، صورية صائتة.
منذ أبي نؤاس حتى بول شاؤول والزهاوي ونازك والسيّاب.. راهن كثيرون على التجديد والخروج على النمط، سواء من باب الموضة أو النزوة أو التقليد. أما التجديد لدى سعدي يوسف فقد كان جزء من فهمه لحيوية القصيدة وتفاعلها مع اللحظة والواقع، جعل عملياته التجديدية جزء من النمو العضوي للشعر.. فلا يمكن فهم أو استيعاب قصيدة سعدي الأخيرة، دون مراجعة مراحل نموها وخصائصها البنيوية والنصية على مدى سنيّها السالفة.
"أن الشِعرَ يقدِّمُ الخطوةَ الأولى في السُّـلَّـمِ، الذي يحملُ البشرَ إلى السماءِ. ومن هنا إغراؤهُ. وأقولُ عن نفسي : ليس لي من حياةٍ فِعليّةٍ ، خارج الشِعر . الشِعرُ خبزي اليومي ."
فَهْمُ سعدي للشعرِ، حالة سابقة لقصيدته. فهو لا - يُشَعْرِنُ- اللحظة والمفردة والخبز، وانما يجدُ الشعر مبثوثا في كلّ شيء، الشعر كحالة سابقة للغة، أي أنها شعرية الوجود، شعرية النسمة، شعرية السعفة، شعرية الصوت. هذه الرؤية الوجودية للشعر، تعطي نصوص سعدي مذاقا ونكهة على درجة من الخصوصية.
ويحسب له، قيامه بشعرنة كثير من الحالات الانسانية والألفاظ الدارجة والأجنبية، إلى جانب مصطلحات "حياة" ما بعد الحداثة، كالنت والفيس بوك والهيدفون وما إليها.
شاعرية سعدي يوسف لها سلطة، مثل سلطة الكهنوت، تجعل الشخص عاجزا عن رؤيتها من الخارج، وعاجزا عن فصل ذاته عنها من الداخل. القصيدة عند سعدي حالة تلبّس، تخرج من ذات الشاعر لتتلبّس المتلقي. ثمة ليس كثير من الشعر الذي تشعر وأنت تقرأه أنك تتكلم عن نفسك أو من ذاتك. وأعتقد أن هذه أحد خصائص الشعر. فالشعر ليس ظاهرة خارجية أو حالة وصفية، أو فذلكة بلاغية، انّه روح وحياة. وسعدي اليوم شاب في الثمانين بفعل الحيوية المتدفقة من نبع الشعر، وتماهيه العجيب في اللحظة الشعريّة.
صوته واسع.. عند استعارة التصنيف الموسيقى.. واسع جدا.. ويكاد لا تتناهى شواطئه في باصرة الراهن.. هذه اللامتناهية الشعرية هي نظير اللامتناهية الزمنية الفيزيائية..
نخلُ السّماااااااااااااااااااااوةِ أمْ نخلُ السّماااااااااااااااووووووووووواااااااااااااااااااااااااااةِ
ان الواقف على شاطئ البحر لا يستطيع رؤية حدودِ البحرِ أو شاطئه الآخر.. ذلك في مجال فيزياء التعبير.. لأنّ الشعر الحقيقي يستخدم الألفاظ كمادة فيزياوية لصناعة اللغة، ولكنه يمتح من أعماق الروح التي ترى وتعرف، ما لا نرى ونعرف في الحالة العيانية. هذه الروح أيضا هي سرّ قوّة سعدي يوسف الانسان، وسرّ قوّة شاعريته.
من مظاهر سعة الصوت استيعابه الشعر العربي المعاصر، بكل اتجاهاته وتياراته وأنماطه وآفاقه، دون أن يتوقف أو يتأخر لدى أيّ منها، أو يتعثّر بها ويتلكّأ. فالشاعر الذي يصفه البعض بالخمسينيّ ، طبع أول خمسينيّة الشعر العربي الحديث ببصماته. وليس من السهل التوقف لدى جيل شعريّ لا تجد فيه نبرات صوت سعدي أو أفكاره أو اعتمالاته الشعرية. فسعدي يوسف من القلة القليلة، على شاكلة الجواهري، يتماهى داخل الحالة الشعرية، ويستغرق في المفردة الشعرية وكأنها العالم كلّه.. كأنها القصيدة!.
وإذا كانت القصيدة – كما يراها أدونيس- طقسا صوفيا، فأنها لدى سعدي حالة صوفية متصلة، طالما اندمجت القصيدة والحياة اليومية في سياق واحد. لكن صوفية سعدي ليست "روحية"، وانما صوفية "ذهنية" كما يجسدها الطاهر بن جلون في (تلك العتمة الباهرة) أو ابن سبعين في (وحدة الوجود)، أو كولن ولسن في (طفيليات العقل). سعدي يتماس مع كلّ شيء في الطبيعة والحياة باعتباره جزء منها وهي جزء منه؛ وهو يعيش في المجتمع ومتغيراته دون أن يخضع لها أو يتركها تقتنصه. فالشعر هنا حالة كونية، حالة استبصار ومعايشة متجاوزة، تستمدّ طاقتها من نقطة بعيدة في روح الكون.
قصيدة سعدي تقتنص طقسها الخاص، وحضورها الفاعل لدى المتلقي. انها تطرق أو تخترق غشاء الحسّ، وتنمو هناك مثل لحن أو أغنية. وقد ظهر أثر قصيدة سعدي بقوة واسعة وعمق، في القصيدة الستينية والثمانينية العراقية، بشكل رسّخ البصمات العراقية للحداثة الشعرية وسهّل اندفاعها خارج الحدود. فعلى خلاف السبعينيين، عاد الثمانينيون لاستعادة الاشتغال على المنجز الستيني العراقي، ولم يخطر لهم أنهم يتشرّبون بصمات سعدي من طرف آخر. لقد حرّر سعدي يوسف الشعر الحديث، من نمطية التقطيع الشعري إلى انسيابية الايقاع والنقلات اللحنية داخل الصوت.. وأتاح للشاعر الحديث حرية أو صلاحيات كثيرة، ما كان لغيره اجتراحها أمام قداسة القصيدة السيّابيّة (النمطية).
رفع سعدي الواقع اليومي محلّ الاسطورة في قصيدة السيّاب، وجعل اللحظة اليومية تتدفق بحيوية الملفوظ الشعري المتدفق.. فظهرت شخصية الشاعر (الذات الفردية) [شخصيات الناس البسطاء]، لتحتل مكانة الرمز التاريخي أو الاسطوري، واتحدت العناصر الثلاثة [الشعر، اللحظة، الذات] لتشكّل هوية القصيدة الجديدة التي اصطلح عليها السبعينيون [القصيدة اليومية] وحاول التسعينيون ترجمتها لتكون اطارا يمنطق الفوضى التي انتهى اليها الرّاهن العراقي.
الظاهرة الثالثة في صوت سعدي يوسف هي عمقه!.
هذا العمق هو الذي يحرّر الصوت من أيّة نمطية أو ظاهرة زمنية لحظوية. انه منفتح باستمرار على التدفق والتجدد وفتح سواقي جديدة. ويجمع على حفاوته وتقدير تجديده معظم النقاد منذ الخمسينيات، لكنه ما كان يمكن، استشراف أو استقراء صور وملامح الجدّة والكثرة المتدفقة لديه..
وعندما نقف اليوم بعد منجز ستة عقود من هذه الظاهرة الشعرية المشرقة، فليس ثمة عرّاف قادر على التكهّن بالجديد اللاحق.. حتى ولا الشاعر نفسه، يجازف بتلك المعرفة؛ لأنّ القصيدة هي بنت ذاتها، وبنت اللحظة التي لم تتجسّد للآن، والعصيّة على التصوّر. لكن جدلية هذه الظاهرة الشعرية لها منطقها الخاص، منطقها الذي يوازي منطق الزمن ولا يخذل نفسه، أو ناسه.
*



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اتجاهات الرأي.. والرؤية العراقية
- الكراهية.. الأكثر كراهية!..
- في علم الاجتماع القبلي (10)
- في علم الاجتماع القبلي (9)
- في علم الاجتماع القبلي (8)
- في علم الاجتماع القبلي (7)
- في علم الاجتماع القبلي (6)
- في علم الاجتماع القبلي (5)
- في علم الاجتماع القبلي (4)
- في علم الاجتماع القبلي (3)
- في علم الاجتماع القبلي (2)
- في علم الاجتماع القبلي (1)
- مصر ونظرية الأمن القومي الستراتيجي
- أوراق شخصية (5)
- هل الدمقراطية كلمة عربية؟!..
- أوراق شخصية (4)
- الدين (و) الاستعمار
- أوراق شخصية (3)
- أوراق شخصية (2)
- مصر (و) أمريكا.. من يحتاج من؟..


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (1)