أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (15)















المزيد.....


احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (15)


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 4328 - 2014 / 1 / 7 - 17:19
المحور: الادب والفن
    



احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (15)
الأخضر.. بأقلام النقاد
حظي الأخضر بمساحة واسعة من الأصداء والترددات النقدية والشعرية منذ ظهوره، ورغم اجتماعهم في الاشادة بكونه منجزا مميزا عن سابقيه، وتسجيل البعض له بكونه ابتكارا غير مسبوق في تاريخ الحداثة الشعرية منذ ظهورها، نلمس ثمة اختلافات في الرؤية والمنظور النقدي والمعرفي إليه، وذلك بحسب الاتجاهات المنهجية والمدرسية التي تمثل ميول النقاد والباحثين واتجاهاتهم. ويمكن تصنيف زوايا الرؤى بحسب ذلك الى..
- اتجاهات عنيت بتوظيف "الرموز" في الشعر..
- اتجاهات عنيت بتوظيف "الأساطير" في الشعر..
- اتجاهات عنيت بتوظيف "القناع" في الشعر..
وقد نتج عن تعدد هذه الاتجاهات وعدم حسم اختلافاتها، أو التوصل لقاعدة أكادمية واضحة تميز بين تلك المفاهيم وتوضح الفوارق بينها، أن العلامات والتقنيات الفنية في الشعر الحديث اختلفت تسميتها ومعالجتها من ناقد لآخر بحسب انحيازه/(مزاجه) النقدي. فالباحث في مجال الرموز يضمّ التوظيفات الفنية والتراثية للشاعر ضمن مبحثه، وتجد نفس التوظيفات والنصوص في مبحث آخر يعنى بدراسة الأساطير في الشعر العربي، بينما يتكرر الأمر نفسه ويجري اختزال الرمز والأسطورة، لصالح منظور القناع في القصيدة الحديثة. وإذا كان لذلك من مبرر، فهو يؤكد هشاشة الأسس الفكرية والقواعد النظرية لاتجاهات النقد العربي التي ما زال ينقصها الوضوح والاستقرار، وتغلبها المزاجية والرؤى الانطباعية، وإن تلبّست بأطر المنهجية الأكادمية ومنحت أصحابها -درجات علمية- ترفعهم لصف مدرّسيهم.
وقد وقع الأخضر بن يوسف ضحية التباس الرؤى النقدية هذه، فمنهم من وصفه بـ"الرمز"، ومنهم من نسبه لـ"لأسطورة"، وآخر اعتبره "قناعا" يختفي وراءه المؤلف لتوصيل خطاب معين.. وأدناه محاولة لتمثيل بعض تلك الطروحات..
أولا: الأخضر.. رمزا" شعريا..
الدكتور جابر عصفور..
[هذا الصوت الأول لغربة المنفى لا يخفي علامات البداية, سواء في توحده, أو رومانتيكيته الناضجة بالحزن, أو إطلاقه الحكم الذي يدنو بالمعنى من أفعل التفضيل, لكنه - مع ذلك كله أو رغم ذلك كله - يرهص بما سوف يغدو تقنية لاحقة, ناضجة, مكتملة, مائزة.

هي تقنية التركيز على التفاصيل الصغيرة, والعثور فيها على الموازيات الرمزية لتوحد المغترب المنفي عن وطنه. وسوف يغدو هذا الغصن الحزين الذي كتب عنه الشاعر - في الجزائر سنة 1965 - فرعا مقطوعا من غصن بعد ما يزيد على ربع قرن, في باريس سنة 1991, حيث كتب الشاعر قصيدته (مصير) التي نقرأ فيها:

في الصالة

هذا الفرعُ المقطوعُ عن الغصنِ

الفرع المنقوعُ بكأس الماء

مع الأوراق الخمس

الصامت في غير هواء الشجرهْ

والثابتُ

والنابتُ

والباهتُ

هذا الفرع إلى كم سيدومْ

منقوعا في كأس الماءْ

مقطوعا عن سر الشجرة

مرتعشا كلّ مساء

مختلفا عن كل أثاث الصالةْ
وهي قصيدة تتحدث عن المنفى, وعن تجربة النفي, من غير أن تذكر كلمة واحدة عنه, فلا لزوم للتصريح في مقام الموازيات الرمزية التي تؤدي المعنى المقصود بالتلميح, مستغلة القرينة التي تصل الحضور بالغياب, أو ترد علاقات الغياب على علاقات الحضور, فتبين عن مصير الانقطاع عن الجذور, الابتعاد عن الأصل والحياة في أرض غريبة, تحت سماء أخرى بعيدة عن السماء الأولى, وفي ماء محبوس في كأس مقطوع عن أصله المتدفق, تماما كالفرع المقطوع عن الغصن, وعن سر الشجرة, رغم إرادته, أو بإرادة غيره, فإرادته المنفية ماثلة في البقاء الصامت في غير هواء الشجرة, البقاء الثابت الباهت بلا نمو. وذلك وضع يطرح السؤال عن النهاية, عن المدى الزمني الذي يدوم فيه هذا الفرع, أو يبقى مرتعشا في اختلافه عن كل أثاث الصالة, ولا حاجة إلى الإجابة, فمصير الفرع المقطوع عن الغصن, وعن سر الشجرة, كمصير الماء المحبوس بكأس الماء, العطن والموت. وكل ذلك دون صراخ, أو إعلانات حزن, أو حتى تصريح, بل استغلال الموازاة الرمزية الدالة التي تبين عن تجربة المنفى في أعمق معنى لاغترابها وانقطاعها بصاحبها عن نسغ عصارة الحياة في شجرة الأصل تحت السماء الأولى.]/ (سعدي يوسف شاعر مرتحل عبر المنافي)
..
الباحث عبد القادر جبار طه..
[الجدلية المولدة للرمز والاسطورة:
يلعب استثمار الاسطورة ورمزها دورا مهما في قصيدة سعدي يوسف، وينبع هذا الدور من دوافع متعددة لعل اهمها الجوانب الثقافية والنفسية والايديولوجية والسياسية والفنية، اذ اتيح للشاعر الاطلاع على الفكر الانساني العالمي ضمن ثقافته الاممية(1) ويعد رمز الاخضر بن يوسف من ابرز الرموز التي استخدمها الشاعر، وتقنع بها، ففي ديوان (الليالي كلها)(2)، يستخدم الشاعر قناع الاخضر في قصيدة بعنوان (حوار مع الاخضر بن يوسف) (3) ، يقول فيها:
سيدي
سيدي الاخضر المرْ
ياسيدي يا بن يوسف
من لي سواك اذا اغلقت حانة بالرباط؟
ومن لي سواك اذا اغلقت بالعراق النوافذ؟
وفي مقطع اخر يقول:
ويا سيدي الاخضر المر
يا سيدي بن يوسف
من قال انا شقينا
ومن قال انّا لقينا
ومن قال انا حكمنا معا... بالتداخل
وفي قصيدة بعنوان (الاخضر ايضا) (1) يقول الشاعر:
حين يضغط هذا الحديد الثقيل
على موضع العقدة الناتئة
خلف عنقي
ايها الاخضر المتطاول
اين تكون المدينة؟
كما اصدر الشاعر ديوانا بعنوان (الاخضر بن يوسف ومشاغله)(2)، ومن القصائد الاخرى التي كتبها الشاعر عن الاخضر قصيدة، (كيف كتب الاخضر بن يوسف قصائده)(3)، يطرح فيها معاناته في كتابة الشعر، ويقول في مقطع منها: (وعندما يبتعد الاخضر بن يوسف عن الارض يفقد قواه هكذا يظل جناحه مشدودا بخيط سائب.. خيط يمسح وجه الارض) وهذا مقطع نثري ضمن قصيدة من الشعر الحر.
وفي القصائد الاخيرة اوضح الشاعر ما يريده من الرمز اذ يقول:
قلت: التجىء الصباح الى قميص الخضر، او خضراء (لوركا) او الى هذا النبات المعتلي بابي..
ويحمّل سعدي يوسف في هذه المقاطع صورة الخضر رمزها واسطوريتها، جاعلا اياها معادلا موضوعيا لذاته، واحيانا قناعا لوجوده الذي يتحرك في الموضوع، فالخضر شخصية اسطورية متحولة في رمزها سواء أكان ذلك في الاساطير القديمة ام في الاديان. ففي الدين الاسلامي يتفق المفسرون لايات القران الكريم على ان العبد الذي التقاه النبي موسى وفتاه هو الخضر(4)، في قوله تعالى ((فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلَّمناه من لدنا علما))(5).
وتقع حكاية الخضر في القسم الاوثق في تفسير الاسرائيليات بالنسبة لمفسري القرآن الكريم(1)، اما في الاسطورة البابلية فهو مصدر الحياة، وفي الثقافة الهندية اصبح الخضر إلها نهريا يصور جالسا على سمكه(2) وفي الديانة المسيحية قيل ((انما سمي الخضر لانه اينما صلى اخضر حوله))(3). ان هذا الاطار الانساني لرمز الخضر يتوافق مع الاتجاه الفكري والعقائدي للشاعر، لذلك استخدم العلائم التي ترتبط بالخضر للتعبير عن موقفه في النضال السياسي ضد الطغيان والظلم، ففي قصيدة (حوار مع الاخضر بن يوسف)(4)، يكون المغرب العربي هو المشكِّل لموقف الشاعر مكانيا، ولكن زمانيا، يستدرج الشاعر الاسطورة في الصورة الشعرية لتوليد صور ذات طابع معاصر بروح اسطورية اذ يقول:
وبين الجبال ـ القبيلة... كنّا غريبين
لم نأكل القمح اخضر
والورد اخضر
لم نعرف الورد المتساقط
هذا البذار البعيد ، وتلك النجوم القليلة
غريبين كنا عن الصخر تحت المياه
عن الماء تحت الصخور.
وفي هذا المقطع اشارات اخرى غير الخصب تومىء الى شخصية الخضر، (الصخرة، المياه، موقع الصخرة)، وهذه الاشارات جاءت في قصص الثعلبي حين قال: ((سأل موسى الله اين يطلب الخضر فقال على الساحل عند الصخرة)) (5).
وتمثل هذه القصيدة الصراع السياسي في المغرب العربي ففي هذا المكان يلتقي، الماء المالح بالماء العذب حيث يرتبط بهما اسم (الخضر) في الاساطير، ويتضح ذلك من التفاصيل اليومية لحياة السياسيين في القصيدة اذ يقول الشاعر فيها:
في ان تكون الرباط الحياد،
في ان يكون المحيط الخليج...
بأطراف تطوان ادركنا الليل والبندقية
عبداللطيف الذي لم يكن بعد في السجن ادركنا
والجبال الشقية بالماء ما ادركتنا
وتقع تطوان في اقصى المغرب العربي وهي الموقع الدقيق لالتقاء الماء المالح بالماء العذب.
ولاحظ الباحث ان اللون (الاخضر) هو اللون الطاغي في قصائد الشاعر، الامر الذي يؤكد حركة الرمز الاسطورية المتعلقة بـ(الخضر) داخل القصيدة، فالعلاقات المتولدة في قصائد الشاعر تستند إلى هذه الشخصية ورمزها الاسطوري ،ففي القصائد السياسية غالبا، ما يكون (الاخضر بن يوسف) حاضرا برموزه فيها ويتضح ذلك في قصيدته (دائرة المثلث)(1) ، التي يتناول فيها الشاعر الصراع السياسي في التاريخ العربي اذ يقول:
(سومريون يخفون تحت السماوات اسماكهم)
وفي مقطع آخر يقول:
(فلنعترف الليلة ان الماء يحاصرنا.. والصحراء بعيدة).
وفي هذه القصيدة هناك اشارتان لرمز (الخضر)، وهما (السمكة والماء) اللذان يؤكدان ان الخضر هو رمز الخصب، وتذهب الناقدة ريتا عوض في هذا الصدد قائلة ((يتأكد من رمزي الماء والسمكة ان الخضر رمز الخصب والحياة))(2] عبد القادر جبار طه- البنية الفنية في شعر سعدي يوسف/ 2007-

ثانيا: الأخضر.. "أسطورة" شعرية..
الناقد جابر عصفور..
[لا يعرف شعر سعدي الشعائر التمهيدية لهذا المنفى - الملكوت, التي استحضرت أقنعة الخلاص الكونية أو التموزية بلا فارق, كما لا تعرف الأبطال الأسطوريين من الآلهة أو أشباه الآلهة, بل لا تعرف الشاعر المتأله أو المتنبئ, ولا تغوص في الرؤيا حتى تضيق بها العبارة, ولا تستهويها قرارة القرار من أندلس الأعماق التي تتفجر فيها حمم اللاوعي, مدمرة قواعد المنطلق والمنظور وحدود المكان والزمان, وإنما تعرف الشاعر الإنسان, العادي, المواطن البسيط, الماكر, المراوغ كالقنفذ, المرهف الحواس, الشاعر الذي يفتح العينين على ملامح العالم الدالة مهما دَقْت, مشرعا حواسه التي تتلقى أصغر هذه الملامح وتواجه العالم بها وفيها, مستبدلا الفيزيقي بالميتافيزيقي, المجاز بالتصريح, الكناية المباشرة بتداخلات الاستعارة المكنية, مأخوذا بالأشياء كالطفل, مشدودا كجلد القوس:

والعينان تشتفان صوت النمل

والرجفة في الماء الذي يخترق الجذع]/ (سعدي يوسف شاعر مرتحل عبر المنافي)
..
عبد القادر جبار طه.. [الأطروحة نفسها في باب الرمز تصلح هنا، طبقا لقوله (يلعب استثمار الاسطورة ورمزها دورا مهما في قصيدة سعدي يوسف،..)] م. س.

ثالثا: الأخضر.. "قناعا" شعريا..
الناقد جابر عصفور..
[ ولاأزال أذكر, إلى اليوم, كيف قرأت قصيدة سعدي يوسف (الأخضر بن يوسف ومشاغله) مع أمل دنقل في مطالع السبعينيات, وشدّنا "القناع" الذي تتبعت تجلياته في الدواوين اللاحقة, ولاأزال معجبا بقدرته على الانقطاع عن الامتداد الأسطوري للأقنعة التموزية, وحرصه على تقديم نموذج إنساني ينتسب إلى زمننا السبعيني, ويشبهنا نحن البسطاء الذين رأينا فيه تحطيما إبداعيا متعمدا لمجلى الشاعر المتمددي, واستبدال مجلى من نوع آخر به. مجلى لكائن مألوف, ملموس, يقاسمنا شقتنا ويسبقنا إلى حدود المنافي التي يعيش فيها, والتي تصل النوافذ المغلقة في الرباط بالنوافذ المغلقة في العراق, على امتداد النوافذ المغلقة في كل مكان, فيلفتنا هذا الكائن, ولايزال إلى أهمية المنافي في صياغة تجارب سعدي يوسف الشعرية, وإكسابها الملامح التي مايزت بينها وبين غيرها من التجارب التي اعتصمت بالأقنعة التموزية, ورأت فيها سبيلا إلى تجسيد أحلام الزمن الآتي بالبعث.]/ (سعدي يوسف شاعر مرتحل عبر المنافي)

الباحث أحمد ياسين السليماني..
[أما سعدي يوسف، فتبدو عنده ظاهرة توظيف صوت آخر ينوب عن صوته، واضحة، وهو بهذا ينأى بنفسه عن الغنائية والمباشرة، أو كما حددها طراد الكبيسي باستخدام الصوت الثاني، أو الشخص الثاني، أي ما يمكن أن نسميه بـ"كوموفلاج" بديلاً عن الصوت الأول، أو الشخص الأول (الشاعر). هذا الخط (النفس – اجتماعي) الذي انتهجه سعدي يوسف في بعض قصائده، أو حين اتجه نحو الدخول في حوار مع صوت آخر، أو (شخص آخر) يتجاذب معه أطراف الحديث، كل هذه الأصوات كما في "الأخضر بن يوسف". و"الشخص الثاني"، و"العمل اليومي"، تنبع من موقف أيديولوجي يتحرر الشاعر فيه من ذاتيته، متجهًا نحو الآخر، مخاطبًا ذاته وغاصًّا في أعماقها. هذه العملية انطوت على مكاشفة، جعلت سعدي يوسف نادر الاستخدام للشخصية قناعًا، إلا في قناع "الأخضر بن يوسف" مرة واحدة، لأن لغة سعدي تعتمد دائمًا على بساطة التركيب التي تحيي من داخلها عمقًا مؤثرًا في المتلقي. وشخصية "الأخضر بن يوسف" شخصية موظفة بطريقة جديدة عند سعدي، فهو لا يلبسها قناعًا مباشرًا أسوة بغيره من الشعراء، ولكنه يجعلها تلبس نفسها هذا القناع، هي ليست قناعًا له، بل هو قناع لها من خلال ما يسوق من حوار معها، فتجيء شخصية مخترعة، ممزوجة الاسم من قبل، مركبة من اسم شخصية في جزئها الأول، ومن اسمه في جزئها الثاني.]
.. [ سنجلس – إن شئتَ – حينًا
نفكر في أمرنا مرةً
نفكر في أمرنا مرتين.
إنه يحاول في قصيدة "الأخضر بن يوسف ومشاغله"، أن يتحسس القناع، ويباشر في تقمصه من خلال "الشخصية المركبة" التي اخترعها، وحاول أن يطورها ليتخذها قناعًا له في هذا القصيدة، وهي شخصية، دونًا عن غيره، ليست مستدعاة من التراث الإنساني الأسطوري أو الإغريقي القديم، ولا من التراث العربي والإسلامي، ولا إشكاليتها في الغياب تتداخل مع إشكاليته؛ إنه هنا يجعلها حاضرة اسمًا وإشكاليةً، يجعل الحضور هو الذي يستدعيه الغياب؛ لأن الحضور هنا، بإشكاليته، يمكن أن يحيل إلى الغياب. يريد سعدي أن يكون أكثر إيمانًا وقربًا بالواقع، وأكثر التحامًا معه.
سأستخدم اسمك...
معذرةً
ثم وجهك...
أنت ترى أن وجهك في الصفحة الثانية
قناع لوجهي
وأنت ترى أنني أرتدي الربطة القانية
أتذكرها؟(ديوان الليالي كلها)] (د. احمد ياسين السليماني/ نفسية القناع الشعري (2)- مجلة غيمان/ ع4- ربيع 2008).
..
الدكتور كمال أبو اصبع..
[قناع سعدي يوسف "الأخضر بن يوسف"، حين قال: "وهذه الشخصيّة هي النموذج الأكثر كمالاً وإثارة في شعر سعدي يوسف لمفهوم الظل - الآخر، وقد وصل في تطويره صيغة "القناع". ويبدو لي أن جميع الابتكارات التي ظهرت في شعر الحداثة، ابتداء من أوائل الستينيات لشخصيّات قناعيّة قابلة للتفسير في إطار ظهور مفهوم الظل – الآخر، كما أصفه هنا، وقابلة للوصف في إطار مصطلح مثل "الذات الأخرى" أو "الأنا الآخر". وينطبق ما أقترحه على شخصيّات مثل مهيار والحلاج والخيّام... لدى أدونيس وصلاح عبد الصبور وعبد الوهاب البياتي... وقد أسهمت هذه التجليّات لمفهوم "الذات الآخر" أو "الظل" أو "الشخص الآخر" في خلق لغة الغياب وتجذيرها وتناميها في قصيدة الحداثة"]/ (د. كما ابو ديب- عن: د. أحمد ياسين السليماني- م. س.)
..
الباحث محمد رضوان..
[استخدم الشاعر أسلوب "القناع" كغيره من الشعراء، للتعبير عن موقف ما، فاختيار شخصية "الأخضر بن يوسف" وهو رجل خَلقه سعدي يوسف من عامة الناس وجعله مادة للتعبير عن ذاته.‏
إن سعدي يوسف عَبْرَ التنويع على شخصية واحدة، في حواره مع الذات بقي مفتوحاً على هاجس التجديد باستمرار. فالأخضر بن يوسف قرين الشاعر وقناعه، هو محاولة لخلق حالة شعرية تقترب من فهم الواقع، بمكوناته الدرامية. عَبْرَ معاينة الذات، في فهم تناقضاته، وجدل الصراع داخلها، في القصيدة الأولى يمثّل الأخضر حالة من القوة والترفّع والنبوّة:‏
"نبي يقاسمني شقتي‏
يسكن الغرفة المستطيلةْ‏
وكل صباح يشاركني قهوتي والحليب،..‏
وسرّ الليالي الطويلةْ"
وظلّ لصيقاً به كظلّهِ، يخضع إلى تعاليمه،..‏
كاشفاً له أسرار الحياة الصعبة التي ينبغي اجتيازها:‏
"كان يلبس يوماً قميصي‏
وألبس يوماً قميصَهْ‏
ولكنه حين يحتدُّ.. يرفضُ أن يرتدي غيرَ بُرنُسهِ الصوفِ..‏
يرفضني دفعةً واحدةْ‏
ويدخل كل المزارع: يحرث‏
أو يشتري سكراً‏
أو يقول العلامة"
لكن القناع في القصيدة الثانية (حوار مع الأخضر بن يوسف) يتحول إلى جليس يصغي بكل جوارحه إلى شكوى القرين. إنه يتحول إلى مرآة يرى الشاعر فيها نفسه، يحاورها دون أن يتوقع جواباً:‏
"سيدي الأخضر المر‏
يا سيدي يا بن يوسف‏
من لي سواك إذا أغلقت حانة في الرباط؟‏
من لي سواك إذا أغلقت بالعراق النوافذ؟"
ويستمر في حواره مع الذات /القناع/ /المرآة/، مخضباً بوحشة الغربة وقسوة الحصار، وفجيعة الزمن المساوم. عبر مازوشية مؤلمة:‏
"رأيتك في قرطبة‏
وكنت تبيع الجلود التي حملت رسمنا‏
والجلود التي حملت وسمنا‏
والجلود التي نرتديها"
ثم ينتقل بالأخضر إلى موقف آخر، في حكاية أخرى، وبناء فني آخر في قصيدة أخرى استخدم فيها الشاعر ما سمي بقصيدة النثر، جنباً إلى جنب مع قصيدة التفعيلة. فالأخضر ما يزال يعيش المحنة على مستويين، الشخصي والفني، أراد أن يمسك بها- عبر تلك الوصايا الملحوظة في القصيدة- من طرفيها، ويحيلها نسيجاً فنياً مركباً، يمثل صوت الجماعة:‏
"حسناً ها هو الأخضر بن يوسف أمام مهمة أكثر تعقيداً‏
مما كان يظن. صحيح أنه حين يكتب القصيدة يفكر قليلاً‏
بمصيرها.. إلا أن الكتابة تصبح يسيرة عندما يستطيع‏
التركيز على شيء. لحظة. رجفة. ورقة عشب..‏
أما الآن فهو أمام وصايا عشر. لا يدري أيها يختار..‏
والأهم من هذا كله: كيف يبتدئ‏
النهايات مفتوحة دائماً. والبدايات مغلقة. "
هكذا، عندما يبتعد الأخضر بن يوسف عن الأرض، يفقد قواه، يتحول إلى طائرٍ يحلّق في منطقة انعدام الوزن.. بجناحين منفصلين سائبين..!‏]/ (محمد رضوان- المنفيّ إلى الشعر)
..
الباحث بنعيسى بوحماله..
[وحسبنا أن نتفطن إلى عنوانه, >, وهي التسمية المتخيلة, رغما من رنتها الجزائرية الواضحة, التي استحدثها, لتقنيع أناه الشعرية في إبان مقامه المغاربي, وسهر عليها بالتنشئة والإنماء حتى أمست واحدة من مبتكراته الترميزية,]/ بن عيسى بوحمالة- أرض التاريخ.. أرض القصيدة- مج نزوى- 2009.

الخلاصة..
ثمة خلط أكاديمي بين "الاسطورة" و"الرمز" كما يلحظ لدى الباحث (عبد القادر جبار طه)، واعتبار ["القناع" أداة رمزية] - أحمد ياسين السليماني-. جاءت إشارة الدكتور جابر عصفور لتوظيفات "الرمز" في غير قصائد الأخضر، كما نفى – د. عصفور- التوظيفات الاسطورية وشبه الاسطورية في شعر سعدي. مما يضعف التوظيف الرمزي والاسطوري في شعر سعدي/ شخصية الأخضر تحديدا.
بينما أيدت بحوث عديدة اعتبار (الأخضر) "قناعا" شعريا.
تقوم فكرة "القناع" على أغراض [التخفي، التقمص] – بحث الدكتور أحمد ياسين السليماني (م. س.)-، وهذا يقتضي شعريا استخدام لغة تصطنع نوعا من القطيعة بين الذات الشاعرة والذات الناطقة داخل القصيدة، بينما تؤكد شخصية (الأخضر بن يوسف) حالة من التماهي والتطابق والوحدة العضوية والفكرية بين الشخصية والشاعر. واللغة الشعرية للأخضر، أو في القصائد المسجلة تحت هذا العنوان، تسمها حالة من الوضوح والشفافية التي هي سمة عامة في لغة سعدي يوسف، بعيدا عن أي موارَبة أو مراوَغة أو محاولة التفاف على القارئ.
شفافية لغة سعدي/ الأخضر وبساطتها تنسف أرضية القناع التي التجأت إليها بعض الدراسات مدخلا لدراسة هذه الظاهرة الشعرية. فالأخضر ليس رمزا، ولا استعارة اسطورية، ولا قناعا، وانما هي صورة أخرى (مطابقة) للشاعر. لا احد يستطيع اعتبار شخصية (جورج أرويل) رمزا أو اسطورة أو قناعا لصاحبها [أريك آرثر بلير(1903- 1950)]، وكذلك لورد بايرون [جورج غوردن بايرون/ جورج غوردن نويل(1788- 1824)]، باعتباره البارون السادس في عائلته؟.. وهل ثمة بعدا رمزيا أو اسطوريا أو قناعيا وراء لغز المؤلف الأكثر شهرة المعروف بـ (شيكسبير)؟ أو إسم (أدونيس) الذي تخذه الشاعر علي أحمد سعيد إسبر منذ 1948؟؟!!..



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (14)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (13)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (12)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (11)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (10)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (9)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (8)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (7)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (6)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (5)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (4)
- انحطاط الأمة.. والخوف من الكلمة
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (3)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (2)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (1)
- اتجاهات الرأي.. والرؤية العراقية
- الكراهية.. الأكثر كراهية!..
- في علم الاجتماع القبلي (10)
- في علم الاجتماع القبلي (9)
- في علم الاجتماع القبلي (8)


المزيد.....




- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (15)