أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - الحمار و عبد الكريم















المزيد.....

الحمار و عبد الكريم


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 4304 - 2013 / 12 / 13 - 19:39
المحور: الادب والفن
    


بَكّرَ عبد الكريم في الخروج من داره في الساعة السادسة و النصف من صباح ذاك اليوم الماطر . طلبت منه والدته الإنتظار قليلاً لتناول طعام إفطاره الجاهز ، و شرب الشاي ، مؤكدة له أن الوقت ما يزال مبكراً للذهاب لمدرسته الإبتدائية ؛ و لكنه لم يستمع لنصيحتها ، بل دسَّ فطوره المكوَّن من البيضة المسلوقة و رغيف الخبز في كيس ، و أدخله في حقيبة كتبه ، و هو يبين لها أن المطر الغزير الهاطل طوال الليلة السابقة لا بد أن يكون قد حوّل الطريق الترابية المؤدية للمدرسة إلى برك طينية غير قابلة للمشي ؛ لذا فسيتوجب عليه أخذ الطرق النيسمية ذات القشرة الطينية النحيفة غير الزلقة فوق الحصى و الممتدة أشرطة رشيقة متماوجة بين تضاعيف سفوح التلال ، و هذا ما سيستغرق منه وقتاً أطول لبلوغ مدرسته التي تبعد خمسة كيلومترات عن داره لكي يؤدي إمتحان مادة الحساب في الدرس الأول من ذلك اليوم .
لم يكد يقطع الكيلومتر الأول من الطريق حتى لاقى حماراً أبيض واقفاً يتفكر مسترخياً على سفح التل .
- صباح الخير أيها أبا صابر الجميل ! أراك واقفاً هنا لوحدك ، بماذا تفكر ؟
- أفكر في شذى كعكة الشعير !
- أوه ! جوعان ! مسكين ! إسمع : لدي في حقيبتي بيضة و رغيف خبز ، هل تريدهما ؟
- كلا ، شكراً ! لست جائعاً ! الدنيا ربيع !
- لست جائعاً ؟ ألم تقل لي أنك واقف هنا تفكر في شذى كعكعة الشعير ؟
- بلى !
- و لماذا تفكر في شذى كعكعة الشعير و أنت غير جائع ؟
- كعكعة الشعير هي حبيبتي ! هذا هو الأسم المفضل لديها !
- مم . جميل ! و لماذا هي ليست معك الآن ؟
- بسبب الجذع الذي منعها من ملاقاتي اليوم حسب موعدنا !
- الجذع ؟ و كيف يمكن للجذع منعها من اللقاء بك ؟
- لقد أغلق باب الزريبة عليها !
- همم . و من الذي وضعه على الباب فمنعها من الخروج لملاقاتك على الميعاد ؟
- الجذع هو الذئب صاحب الأغنام الذي تشتغل عنده !
- فهمت ! و لماذا لم يخرج بها لرعي أغنامه اليوم و الدنيا ربيع ؟
- أعطى لنفسه إجازة ليتدفأ بأحضان الرغيف المحروق !
- الرغيف المحروق ؟
- نعم ! ذلك هو إسم قرينته الجديدة الرابعة ، حسبما أكدته لي حبيبتي !
- و لماذا ترك ذلك الراعي الرغيف المحمص و أخذ الرغيف المحروق ؟
- لأنه ذئب غبي ! لديه ثلاث إناث كعكعات بيض ، و لكنه باع نصف أغنامه ليقترن بالرغيف المحروق في اليوم القائض الطبول ذاك !
- و لماذا ؟
- دناءة نفس ! فبعض ذكور الذئاب من الجذوع لا تشبع ، و لا تفكر بغيرها ! زره في داره الآن ، و ستجده يتدفأ بحبيبته ، و ذلك على حساب منعي من رؤية حبيبتي !
- أوه ، أهل الحب مساكين ! أبي يقول أن الحب هو سبب كل المشاكل التي تحصل للكبار ! هل هذا صحيح ؟
- الحب سياط جميلة ! هل جرَّبته ؟
- نعم ، فأنا أحب بابا و ماما و أخواتي الثلاث !
- مم . و كم هو عمرك ؟
- أحد عشر عاماً .
- هذا يعني أنك لم تجرِّب الحب الحقيقي بعد !
- صحيح ؟ و كيف أجرِّبه ؟
- إكبر قليلاً ، فترى ، و تدرك ، و تفعل .
- الله كريم ! عذراً ؛ و لكنني مضطر لتوديعك الآن كي لا أتأخر عن جرس الإصطفاف الصباحي . لدي إمتحان في الدرس الأول بمادّة الحساب.
- ما ذا تقصد بالإمتحان ؟
- الإمتحان ؟ الإمتحان – يعني .. يعني : الإمتحان ! المعلمة تسأل ، و التلاميذ يجيبون على الأسئلة .
- همم . و لماذا تسأل المعلمة ؟
- لإختبار معارفنا في موضوعات المواد التي درستنا بها المعلمة . هذا هو شغل المعلمات : التدريس و الإمتحان و الضرب للطلاب الكسالى مثل فهمي عبد الحسن و قادر عبد الحق و يونيّة كوركيس ! التعليم مهنة جيدة ، و قد زاد الزعيم في معاشات المعلمات مؤخراً !
- هل تقصد أنهن يتقاضين المعاشات لقاء ضرب الأطفال ؟
- هم ؟ لا أعلم ! و لكن بعض الطلاب لا يدرسون إلا خوفاً من الضرب ؛ و لو أن أبي يقول : لا يوجد طالب غبي ، و لكن يوجد معلم فاشل . غير أني أرى المعلمات يتعبن في الشغل كثيراً ، و يرتدين أفخر الحلي و الملابس و الأحذية الغالية !
- و من هو الزعيم ؟
- مؤسس الجمهورية العراقية . عسكري أنيق ، وسيم ، بشعره الحليق و غرته الممشطة للخلف . و هو يحب الشعب ، و يساعد الفقراء كثيراً ، و يتكلم بالفصحى لساعات دون أن يخطيء في النحو ، مثلما يقول أبي . هل سمعت خطابه الأخير لست ساعات في الراديو بعد أن شفي من جروحه ؟
- هل كلامه سريع مثل عدو الرهوان ؟
- نعم ، إنه هو !
- من المؤسف أن الكلام الكثير لا يفيد هنا ؛ و مثله أشرف من أن لا يستشهد وسط أشرار البلاد و عداوات ذئاب دول الجوار و غير الجوار ! أغلب الذئاب قطيع خطير مولع بالغدر .
- أرجوك أن لا تتفوه بشيء سيء ضد الزعيم ، و إلا زعلت عليك ! والدي و أمي و أنا كلنا نحبه . و صوره المزججة تملأ جدران غرفة الإستقبال في بيتنا ! أووف ! لقد تأخرت . عليَّ بالعدو الآن إلى المدرسة .
- إصعد على ظهري ! بوسعي إيصالك ، و لو كنتُ لا أحبذ الخوض في برك المياه و الوحول . إنني بحاجة إلى صديق . هل أنت صديق ، أم ذئب ؟
- أنا صديق صدوق ، و أحب بني صابر !
- هل أستطيع الإعتماد عليك فلا تسيء معاملتي مثلما إعتاد أن يفعل غيرك من الذئاب ؟
- تستطيع ، بشرفي !
- سنرى ! كل ما أريده هو القليل من الحب و الإهتمام و الإحترام . هل هذا كثير ؟
- كلا ، بالتأكيد ؛ فأنت تستحق كل الحب و الإحترام لأنك مخلوق هاديء و رقيق و قوي و ذكي !
- شكراً ، و لكن عدني ألّا تمتحنني بضربي بالعصي على قفاي مثل ما فعل بي ذلك الذئب العجوز مما إضطرني إلى الهروب من إصطبلي . أرجوك ألّا تضربني ، لئلّا يتعكر مزاجي ، فتلفني الكآبة !
- أعدك بذلك !
- و إياك و أن تقيِّد رقبتي و وجهي بالأفاعي !
- الأفاعي ؟ هل تقصد اللجام ؟ ككلا ، كلا . أنت صديقي ، الصديق لا يقيِّد صديقه . و لكن ظهرك عال ، لا أستطيع الصعود عليه !
- صحيح . تعال معي إلى ذلك الكتف الترابي الصغير الحاد أمامنا . سأقف إلى جانب الحد ، و أنت إصعد منه علي .
بعد أن صعد عبد الكريم على ظهر أبي صابر ، تعجَّب من سرعة مسيره .
- ممتاز ! إنك سريع المشي ، يا صديقي .
- شكراً . أليست مدرستك هي ذلك الإصطبل الكبير ذا الرحبة الواسعة عند أسفل الوادي هناك ، و المبني من حجر الملح ؟
- همم ؟ إصطبل ؟ حجر الملح ؟ مم ، ببلى ، ننعم ، إنه هو !
- تمسك برقبتي جيداً ، فسأعدو إليه كالطير !
قبل أمتار من بوابة المدرسة ، خفف الحمار من سرعة عدوه .
- أنا ممتن لك ، يا أحسن صديق في العالم ! ها هو حارس المدرسة يفتح الأبواب . أنا أول من وصل من الطلاب بفضلك ، و لدي الوقت الكافي لمراجعة قاعدة نسبة الفائدة المركبة التي أكَّدت عليها كثيراً ألست سعاد ، معلمة الحساب .
- سأنتظرك فوق الربوة هناك حتى تخرج من الإصطبل ، و لو أن الذباب يحب تكدير مزاجي بقرص ساعديَّ و ساقيَّ كلما وقفت أتشمس متواصلاً مع حبيتي من بعيد !
- و لكن الدروس ستستمر لخمس ساعات متواصلة !
- لا بأس ! سأنتظر ، فأنا معتاد على الإسترخاء و التلبُّث بمزاج رائق ؛ و ليس من طبعي التعلل بالمشاغل بغية التهرب عن أداء الواجب تجاه الأصدقاء ! نحن قوم نحب أصدقاءنا ، و لا نعرف النفاق و الشقاق و مساويء الأخلاق ، و لا الحروب و القتال . هل رأيت أحداً منّا يحارب الآخرين ، أو يؤذيهم ، أو يزعجهم ؟
- مم ؟ نعم ! هاهاها ! أبي يقول لي : يوجد حزب في أمريكا أسمه : "حزب الحمير" ، و صقوره تتلذذ بقتل الملايين من البشر الضعفاء ؛ و يتبادل قادته شرب أنخاب النصر على صهر عيون الأطفال ! سأنزل .
- ويلٌ للضعيف من القوي ! هؤلاء ليسوا حميراً ؛ أنهم ذئابٌ تلبس لبوس ضحاياهم من الحمير !
- النزول أسهل من الصعود ! هههه ! لا أدري ! إسمع يا صديقي : سألوَّح لك من جدار المدرسة في كل الفرص بين درس و آخر . هل تستطيع رؤيتي من هناك ؟
- نعم ، فعيناي أوسع من عيني الذئب ، و هما تميزان كل شيء ؛ خصوصاً حركات الأجسام !
- أدعو لي أن لا يحصل غيري على درجة أعلى منّي في إمتحان اليوم ، فأكون الأول على الصف !
- و لماذا يجب أن تكون الأول ؟
- كي يفرح أبي بي ! في أمان الله !
- هوهت !

أربيل ، 13 / 12 / 2013



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوانين الديالكتيك و ظواهر فيزياء علم الكم / 7 - الأخيرة
- قوانين الديالكتيك و ظواهر فيزياء علم الكم / 6
- قوانين الديالكتيك و تخريفات أبراهامي بصدد عدم وجود الصراع دا ...
- قوانين الديالكتيك و تخريفات أبراهامي بصدد عدم وجود الصراع دا ...
- ألحمار المناضل
- طبيعة قوانين الديالكتيك و طريقة إستنباطها و فحصها و علاقتها ...
- قصة البغل المتهوِّر
- قصة العيد
- رفسة إسطنبول
- تخريفات إبراهامي و التشكيك بصدد طبيعة الصراع و قوانين الديال ...
- تخريفات إبراهامي و التشكيك بصدد طبيعة الصراع و قوانين الديال ...
- نَجْلاء
- الخِطّة الأمنيّة العبقريّة
- تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 7 الأخيرة
- مهرجان الصماخات
- تطور الشعر الإنگليزي 1920 - 1950 / 6
- خروف الطاقة و سيّده
- شعشوع ، تائه الرأي
- البومة زلومة المشؤومة و خماسي الحُكم
- تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 5


المزيد.....




- جو بايدن يقتحم موقع تصوير مسلسل شهير أثناء مطاردة الشرطة (صو ...
- باللغة العربية.. موسكو وسان بطرسبورغ ترحبان بالوفد البحريني ...
- انهيار منزل الفنان نور الشريف في السيدة زينب.. وابنة تعلق! ( ...
- كيف أعاد شفيق البيطار بادية بني سعد إلى البيوت بلغة عربية فص ...
- قتلى أو شهداء أو ضحايا؟ عن مفهوم التضحية ما بين اللغة والفلس ...
- الرواية بين المحلية والعالمية.. علامات من الرواية الأردنية
- خامنئي يبث رسالة باللغة العربية: لن نساوم الصهاينة أبدا ويجب ...
- خامنئي يبث رسالة باللغة العربية: لن نساوم الصهاينة أبدا ويجب ...
- حضور لافت للسينما العراقية في مهرجان عمان السينمائي
- إستذكار الفنان طالب مكي ..تجربة فنية فريدة تتجاوز كل التحديا ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - الحمار و عبد الكريم