أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمن خضير عباس - فنانون ..بلاحدود















المزيد.....

فنانون ..بلاحدود


رحمن خضير عباس

الحوار المتمدن-العدد: 4239 - 2013 / 10 / 8 - 09:15
المحور: الادب والفن
    


فنانون ..بلاحدود

رحمن خضير عباس
للجمعة في بغداد نكهة فريدة ومذاق خاص . ولاسيما لدى فناني المرسم الحرّ. يأتون من احياء بغداد ، او من المحافظات البعيدة حاملين الخفيف من ادواتهم والثقيل من احلامهم ، يتوهجون شوقا الى مرسمهم الحر ما بين ( المتنبي النُصب) ،الشامخ في عبقريته الشعرية التي اسمعت من " به صمم "وبين (المتنبي الشارع ) الذي اكتسب صيته عبر السنين كأعرق عش للوراقين والكتبيين وعشّاقي الحرف . يصل هؤلاء الفنانون بصعوبة الى وجهتهم ، مخترقين زحام الطريق واخطاره ، الزمن الضائع في السيطرات - التي لاتسيطر الا على الزحام - . وسائل النقل التي تنتمي الى عصور غابرة . يكملون مشوارهم مشيا ، بعد ان يتعذر على السيارات العادية الوصول ،. هاهو المتنبي الشارع يتجلى امامهم بلون الحلم وبمذاق الألم . رائحة الكتب تسيل مع خيوط الصباح . تلك ألكتب التي تستلقي على قارعة الرصيف ، او تتسلق الرفوف ، او تنزوي في الواجهات الزجاجية لمكتبات قديمة او مستحدثة ، لم يجدوا نعيم الشطري في مكتبته او يسمعوا صوته وهو يعلن مزاد الجمعة . مات نعيم بعد ان عاش للكتب كل حياته واصبح من ذكريات الشارع ، حيث كانت ( بسطته ) قبلة الباحثين عن الكتب في مزاده العلني . دار المدى واصبوحاتها الأسبوعية. حيث الكتب والبوسترات وقاعة المحاضرات . اصبحت هذه الدارفضاءا فسيحا للثقافة ، فقد كرست جهودها من أجل تقديم الأدب الأنساني ،ومن أجل احياء التراث . وذالك عبر مساهماتها المتعددة في إنعاش الثقافة العراقية ، من خلال تقديم المحاضرات في مختلف المجالات الأدبية والفنية . كما لم تدخر وسعا في تكريم الأدباء او تأبين المفكرين .كما ابدعت في اختيار المحاضرات الأسبوعية ،إضافة الى اهتمامها بالتراث الغنائي القديم .
سوق السراي عامر بمحلات القرطاسية يتوسطهم المحل الصغير حجما والكبير تأثيرا لعلي المندلاوي الذي اصبح محطة للفنانين ، فهو يزودهم بمستلزمات الفن ، ولايتردد ان يقدم نصائحه الى هواة الرسم ومحترفيه . سوق القرطاسية لايستغني عن مطعمه الصغيرلبيع الكبة. هذا المطعم كان من بقايا الزمن الجميل . مرة في شهر نيسان الماضي وجدت فيه السيد احمد القبانجي ياكل كبته بهدوء لكن سيل من الشباب والشابات لم يتركوه يزدرد لقمته كانوا فخورين ان يلتقطوا معه صورا تذكارية . قلت في نفسي : ما ابهى الفكر العقلاني الحر الذي يمثله هذا الرجل المعمم .
في الزاوية تبدو مقهى الشابندرطافحة بتخوت السمر وكؤوس الشاي وحكايات الأدب . يؤوي اليها رواد المتنبي والطارؤون على المدينة ،هذه المقهى التي تعرضت للعنف الأرهابي ، ولكنها تحدت الموت ، وعادت الى الحياة من جديد. تستقبل الناس على اختلاف خلفياتهم ، تقدم لهم قدحا من الشاي مشفوعا باغان تحكي قصة حزن عاشها الوطن ، في جدران هذه المقهى تتنفس تأريخ بغداد كما تستعيد مجد العراق من خلال ارشيف الصور واللوحات التي تمثل امكنته واعلامه ومفكريه وادباءه . رواد المقهى يستعيدون بغدادهم . منهم من لم يستطع ان يغادرها ، ومنهم من يبحث فيهاعن سمار الأمس الذين اختفوا وراء غبار الأزمنة ، مغتربون يبحثون عما تناثر من اعمارهم في المنافي البعيدة . شعراء يبحثون صدى همس أشعارهم، نقاد ومسرحيون وطلاب علم وأدب واكاديميون .
المتنبي والقشلة والقيصرية ودجلة والدوبة والكتب المعلقة على غسيل العرض ، ومقهى الشابندر واروقة السراي وافواج الناس.ألا يكفي هذا المزيج ان يصبح واحة لعطش بغدادي ؟ هذه الواحة تبدا من اول مكتبة في المتنبي وتنتهي بموجات دجلة ، ياتي محبو الشارع مسرعي الخطوات، وكأنهم يغتنمون لحظة شحيحة تؤطرها المخاوف والأحتمالات . منهم من يبحث عن كتب جديدة ومنهم من يبحث عن الفرجة وهو يقايض صباحا ( متنبيا ) بهموم اسبوع كامل .
المرسم الحر رئة المتنبي التي تنبض بسحر اللون وجمالية الفكرة . وهو يقع في هذه البقعة الغارقة باطياف الحروف والكلمات . أما على صعيد التأسيس فيعود الفضل في انشاء المرسم الحر الى الفنان التشكيلي حسن الصباغ - كما ذكر ذالك في مقابلة صحفية - هذا الفنان النحيل والشفاف والقادم من مدينة العزيزية ، اراد ان يضع لمسة حب وحنان على وجنة بغداد . كان يحلم ان يصبح الفن حرا والمرسم متاحا للجميع بعد ان ينعتق من أغلاله الأكاديمية ، ليلتقي بالناس على اختلاف اعمارهم وثقافاتهم ومهاراتهم ، وليجعل من هؤلاء الناس من مجرد مشاهدين الى مشاركين . لذالك فقد اجتهد هو وزميله الفنان كريم الواسطي لكي يكرسا هذه الفكرة . في البداية كان يعرضان رسوماتهما على نهر دجلة . وقد حققا نجاحا من خلال الحشود التي كانت تشاهد اعمالهم . وبعد النجاح الذي تحقق انضم اليهما عدد كبير من الفنانين ، حيث انتقلوا معا الى اروقة القشلة . وقد اشاعا فكرة الأندماج الحقيقي بين الفن ومتلقيه . في كل جمعة تثمر الفكرة وتتسع وتستوعب اعدادا اخرى من الناس. وهكذا اصبح المرسم الحر حقيقة ماثلة للجميع ، واصبح مدرسة فنية تستعصي على الحدود .
لقد كرس المرسم الحر اهتماما كبيرا باشراك الأطفال في الإبداع ، وذالك من خلال تهيء مستلزمات الرسم من اقلام واوراق وأصباغ ، وقد اصبح تظاهرة فنية ىكبيرة ، تركت أثرها على الكثير من الناس . لذا فقد تحول الى لقطات من الفرح والمحبة والإلفة بين الناس . وهذا ما نحن بحاجة اليه . اشاعة روح المواطنة بين العراقيين ، لأن الفن ليس فيه محاصصة . الفن تتويج لجهد انساني يهدف الى العناق بين البشر ، بغض النظر عن خلفياتهم الفكرية والوانهم وعقائدهم ، المرسم الحر ساهم في إشاعة هذه الثيمة التي انست هؤلاء المتعبين بعض همومهم . اذن فالمرسم الحر إجتهد كي يقدم البديل عن اليأس والنكوص والإذعان للموت البطيء .. المرسم الحر إقترح الحياة . إمتص هول الفاجعة وحوّلها الى فرح فني .هذه اللقطات الفنية في المرسم الحر بحاجة ان تستمر وتتعزز ليعود للوطن بهائه ، اي أنها تحتاج الى الديمومة ،وان لاتنتهي بانتهاء الفعاليات الرسمية لبغداد كعاصمة للثقافة. لذالك اتمنى ان يتكرس هذا التقليد وان يتوطد . وذالك لأن المرسم الحر سيساهم في حماية المجتمع من النزعات السلبية التي تنخر به. اذا اردنا ان نحرر المجتمع من اوجاعه ، فعلينا أنْ نغرس هذا الفن بين الجميع ولاسيما الأطفال الذين نعوّل عليهم في بناء مستقبل اكثر امنا .
لقد كانت جهود هؤلاء الفنانين اكبر من انجازات وزارية لها ميزانياتها وحاشيتها وإعلامها . حيث انهم - اي الفنانين - استطاعوا ان يعملوا المستحيل لأنجاز هذه الأعراس الفنية ، معتمدين على قدراتهم الذاتية . فكانوا يهيؤون لوازم الرسم والأصباغ والأوراق ، ثم يقومون بعرض مهاراتهم الفنية ، او يعطون دروسا مجانية ونصائح الى الأطفال والشباب ويتحملون مشقات الطريق واخطاره . وبعد انتهاء فعالياتهم يقومون حتى بتنظيف الممرات من الأوساخ والأوراق والأصباغ . وبعد انتها الفعالية يتوجهون الى الفيس بك من اجل نشر ما فاموا . فطوبى لهم وهم يبدعون وطوبى لهم وهم يزرعون قيم الفن الحرية والأخاء بين الناس .اليس حريا بوزارة الثقافة ان تدعمهم ماديا ومعنويا ؟ وذالك من اجل الأستمرار لنهج محفوف بالعطاء .
ان فكرة المرسم الحر هي تحد كبير لعوامل الأحباط الذي يعيشها الأنسان العراقي . انها جرعة الأمل التي لابدّ منها . لذا فكم هو جميل أن تنتقل هذه الفكرة الى عموم العراق ، لجميع مدنه ومراكزه . وذالك في محاولة لرأب الصدع وتمزيق اليأس . لذا فنستطيع من خلالها بناء انساننا فنيا ، ان نسوره من الأنحدار الى مستنقعات العنف والكراهية .
أوتاوة /كندا



#رحمن_خضير_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرى الناي .. سِفر الوجع المزمن
- على صهوة المجد.. واشكالية الهوية الشعرية
- عيّنة من نوابك ..ايها الشعب العراقي
- مظاهرات اليوم
- تجليات الواقع والخيال ..في رواية طوفان صدفي
- هروب سجناء القاعدة
- السطوع
- مدن اخرى ..وقلق المكان
- الجونوسايد في مصر
- رواية (كوميديا الحب الألهي) والذاكرة المعطوبة
- الرحيل ..وحزن اوتار العود
- علي دواي .. بصيص أمل في عراق جريح
- قف بالمعرة ..
- وأد الأطفال ..في بلاد النفط
- أحمد القبانجي .. سجينا
- بغداد عاصمة ..لأية ثقافة
- الوطن بعيون مهاجرة ( الأمن السياحي )
- شكري بلعيد .. وداعا
- لاشيء فوق العراق
- بهاء الأعرجي والمصباح السحري


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمن خضير عباس - فنانون ..بلاحدود