العالم يمشي على رأسه...

غسان صابور

الحوار المتمدن-العدد: 4199 - 2013 / 8 / 29 - 11:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

الـعـالـم يـمـشـي عـلـى رأســه...
العالم يمشي على رأسه... وفرنسا هذا البلد الذي اخترته وعشقته, وتعلمت فيه معنى الحياة.. تمشى على مؤخرتها الشمطاء المتعبة. أو بالأحرى يشحطها رئيسها الاشتراكي فرانسوا هولاند François , HOLLAND والذي مزق كل مبادئ الاشتراكية, وتبع الديكتات الأمريكي, وقرر مهاجمة سوريا وضـربـهـا عسكريا. الانتقام من بشار الأسد كما يقول. وهذا يعني أنه قرر قتل مئات الآلاف من السوريين, بالإضافة إلى مئات الآلاف الذين ماتوا خلال السنتين ونصف السنة التي تشنها على سوريا, كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل وتركيا وقطر والسعودية, وآلاف من المقاتلين الإسلامويين التكفيريين والوهابيين الآتين من البلدان الأوروبية والعربية ومن شمالي إفريقيا...
لم أكن أنتظر من فرانسوا هولاند هذا الانجرار وهذه التبعية للسياسة الأمريكية. وكنت أنتظر منه ردة فعل أبية كريمة ضد أي تدخل غاشم في سوريا, كما فعل وزير خارجية جاك شيراك Jacques CHIRAC السيد دومينيك دو فيلبان Dominique De VILLEPIN في قلب الأمم المتحدة معترضا ضد الغزو الأمريكي للعراق.. في حينه.. وقفة عــز.. وقفة كـرامة. أما اليوم يا مسيو هولاند موقفك مخذل, وتبعيتك للأمريكي والصهيوني مخجلة. وخاصة تخاذلك تجاه اختيار وزير خارجيتك السيد فــابــيــوس, صديق برنار هنري ليفي, المعروف بعدائه المريض لسوريا ورئيسها وجيشها ودولتها. والتزامه مع فابيوس باتجاه الخط الصهيوني الإسرائيلي, وأجندته بتصحير وتفجير كل ما يعيق امتداد السياسة الإسرائيلية وتوسعها السرطاني في المنطقة والعالم العربي...
ما يحزنني يا سيد هولاند أنني كنت أصوت لك ولحزبك, منذ أكثر من خمسين سنة.. وخلال حملتك الانتخابية الرئاسية الأخيرة, سعيت بكل إمكاناتي وعلاقاتي مع الجالية السورية بفرنسا لنجاحك. لأنني ظننت ــ خطأ ــ أنك سوف تبتعد عن سياسة ساركوزي العدائية لسوريا. ولكنك اليوم تـجـاوزته بكل الأخطاء السياسية, بما فيها من مكر وخداع ةغطرسة.. أو تبعية سياسية... وخاصة بالشأن السوري. علما أنه خلال فترة حكمه والتزاماته وصداقاته, مع برنار هنري ليفي وغيره من رؤؤس العلاقات والدعايات والاختراقات الصهيونية, لتدمير وتفجير البلاد المجاورة لإسرائيل.. لم يتطرق ولا مرة واحدة, ولم يتوصل مثلك لتجهيز فرنسا وقواها.. لــضــرب ســـوريــا. وها أنت تستبق لجنة تفتيش الأمم المتحدة, متهما السلطات السورية. بينما هذه اللجنة لن تكتمل تفتيشها قبل يوم الاثنين 02 أيلول 2013
لم يتجاوزك بهذا القرار وهذا الحماس وهذا التهيج ضد ســوريا, سوى ممثلي الدول العربية في هذه الرابطة الكراكوزية, باستثناء ممثلي مــصــر والـجـزائـر ولـبـنـان والـعراق, الذين رفضوا كليا أية إدانة, مهما كان شكلها وكتابتها, قبل انتهاء مهمة المفتشين الأمميين, لتحديد منشأ ونوع المواد الكيمائية الممنوعة.. ومن استعملها ضد المدنيين...
ولكنك أنت يا سيد هولاند, مع زميلك البريطاني السيد كاميرون.. والسيد باراك حسين أوباما, جاهزون للضرب بحرا وجوا ومن الحدود التركية أو الأردنية.. ومن الجانب الإسرائيلي أيضا.. رغم انسحاب ممثلي الصين وروسيا من مجلس الأمن رفضا لاتخاذ أي قرار... وحماسكم للضرب والحرب تجاوز كل الحدود.. حتى الرئيس أوباما, ويا للسخرية أن حامل جائزة نوبل للسلام.. جاهز للحرب والضرب. يسميها رئيس اركانه الحربجي..ضـربـات جـراحـيـة Frappes chirurgicales... كأنما صواريخ الموت تميز بين موال أو معارض...
يا للخجل يا للعار... ونصف العالم حيادي.. ونصفه الآخر صـامـت جامد. ما عدا بعض التحركات المعترضة في شوارع لندن ضد السيد كاميرون المتحمس الحربجي والساعي للضرب الفوري ضد ســـوريــا... باسم السلام وجمعيات السلام وضد الحروب بجميع أشكالها. علما أن الإحصائيات في غالب وسائل الإعلام الأوروبي هذا الصباح, تشير أن غالب المصوتين هم ضد الحرب.. وضد أي تدخل عسكري مباشر في سوريا.
كما أن الخبير الفرنسي بدراسات الشؤون السياسية والمخابراتية العالمية السيد Eric Denécé صرح على قناة B F M TV أن كل تدخل عسكري امريكي غربي على المنطقة ستكون عواقبه مؤسفة وخيمة على المنطقة كلها. وخاصة على لبنان. كما استغرب تمويل وتسليح السلطات والمخابرات الفرنسية لجبهة النصرة والقاعدة في سوريا.. بينما كانت تحاربها في مالي والصومال. كما أن السيد Dominique De Villepin استغرب استعمال مسيو هولاند لكلمة معاقبة بشار الأسد, مستنكرا هذه الكلمة الخارجة عن كل أصول وحكمة أو ديبلوماسية منطقية, معتبرا أن مهمة الجيش الفرنسي ليست معاقبة كائن من كان. وإن ثبتت أية ادعاءات بخصوص استعمال مواد كيميائية ممنوعة. فهذه مهمة المحكمة الدولية في لاهاي. وليس شــن حروب ضد أمم ومعاقبتها. كما ذكرنا بكذب السلطات الأمريكية وادعاءاتها ضد العراق, حين أرادت غزو العراق... وفجرت كيان هذه الدولة.. وتسببت بموت ملايين الضحايا المدنيين... وما زالت ظاهرة هذه المأساة واضحة حتى هذه الساعة... ومحفورة بدم الشعب العراقي على صفحات التاريخ.
ولكن السيد هولاند ووزيره السيد فابيوس.. وخاصة السيد فابيوس.. ذاهبان إلى المعركة.. ومنحازان للتدخل العسكري في سوريا.. بأية طريقة.. وبأي جيش.. وبأية ميزانية؟؟؟... بانتظار تصريحاتهما هذا الصباح...
أما تصريحات صقور المعارضات الصالونية السورية في العواصم الأوروبية والإسطنبولية وفي الرياض أو في الدوحة... فهي أكثر من جريمة أو من خيانة بحق الشعب السوري. لأن حماسهم واندفاعهم لاقتحام بلدهم من قوات أجنبية.. إن تبقى لديهم بلد...تصنف بأكثر من جريمة ضد الوطن وضد الإنسانية......
البرامج العسكرية الحربجية الهجومية, جاهزة.. استعرضها السيد هولاند.. حتى لا يتأخر عن عراضات زميله أو معلمه الأمريكي... وكلاهما يتظاهران ويتمختران.. رغم اعتراض شعوبهما اللذين يعيشان اليوم أقسى أزمات الفقر والبطالة... منذ بداية أزمات بداية القرن الماضي... ولكن مليارات الأمير بندر السعودي الذي يتنقل من عاصمة إلى عاصمة.. يستطيع فــك الأزمات المالية المترتبة ونتائجها... وإخراس كل الضمائر.
هذا الصباح أهلنا.. أحباؤنا... ينظرون إلى السماء في ســوريـا... وينتظرون.........
وأنا أنتظر معهم... وكلي قـلـق وحــب ولـهـفـة...
للقارئات والقراء الأحبة, كل مودتي وصداقتي واحترامي وأصدق تحية مهذبة.. حــزيــنــة.
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا

#غسان_صابور (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل