أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر اسكيف - (إعادة إنتاج التخلّف-نزار قباني نموذجاً(1-4















المزيد.....

(إعادة إنتاج التخلّف-نزار قباني نموذجاً(1-4


ياسر اسكيف

الحوار المتمدن-العدد: 1195 - 2005 / 5 / 12 - 11:47
المحور: الادب والفن
    


( مقدّمة شبه عامّة )
في الحديث عن المغيّب والمسكوت عنه تعدّدت النتاجات النصيّة والبحثية في ثقافتنا العربية المعاصرة . ولعلّ
( الثالوث المحرّم – بحث في الدين والجنس والصراع الطبقي ) للباحث السوري الراحل ( بو علي ياسين ) كان سبّاقاً ورائداً في تحديد محرّمات المنطوق العربي ووضعها في دائرة الضوء البحثي ( مع تحفّظنا على أن الصراع الطبقي كان في أي وقت من المحرّمات البحثية , حيث لم يتّخذ في أي وقت صفة المحرّم الذي للدين أو الجنس ) . وقدّمت ( نوال السعداوي ) مشروعها النسوي , الذي بحث وضع المرأة العربية في سياقيه التاريخي والإنساني لتصل الى نتائج لا تقلّ خطورة عن الأسباب الدافعة الى مشروع البحث ذاته حينما خلصت الى اختصار المشكلة , بل الكارثة , بثنائية الصراع ( ذكورة – أنوثة ) .
وفي الجانب المحايث كانت نصوصاً أدبية تتخلّق متساوقة مع الدعوات والأبحاث , لكنّها لم تجرؤ على الاقتراب من جوهر المسكوت عنه فلجأت الى اختزاله بأشد تعبيراته تكثيفا ومباشرة , نعني المرأة . المرأة التي نالت من الدين ظلامية فقهائه , ومن الجنس سطوة الذكور ووحشيتهم , ومن الصراع الطبقي قهراً مضاعفاً . وصار الانتصار للمرأة وقضاياها بيان انتماء الى معارضة التخلّف . غير أنّ هذا الانتصار ظلّ محكوماً بما يؤشّر الى جوهره النفعي الذي صدّر حريّة المرأة كمرادف لحريّة الوصول إليها دون اهتمام باعتبارها ذاتاً مستقلّة .

فالمرأة لم توجد في الأدب العربي , والشعر منه على وجه التحديد , كتعيّن واستقلال بذاتها , إنما وجدت , على الأغلب , كتعريف وتعيين سلبيين محقّقة من خلال وجودها وتحولاتها مشيئة رغبة ذكورية في الصياغة والإظهار . وهذا التحقّق الملتبس والمنقوص , لا يخصّ النص الشعري التقليدي الذي أنتجته ذهنيّة تقليدية منغلقة ومتحجّرة فحسب إنما انسحب الأمر على الكثير الكثير من النصوص والتجارب التي تدّعي الانتماء إلى الحداثة شكلاً ومضموناً , بل نستطيع تلمّس تلك الذات المنقوصة والمحجور عليها , بداعي القصور وعدم الأهلية , في نصوص تذهب في ادعائها إلى حدود التطرّف الحداثي الثوري . وتأتي إهانة المرأة وسحقها كخلفيّة لأشعار يتخيّل أصحابها بأنّهم يدافعون بها عن قيم الحق والعدالة والحريّة , وأجد في المقطع التالي نموذجاً يفيض على الحاجة في توضيح فكرتي :

( القدس عروس عروبتكم
فلم َ أدخلتم كلّ زناة الأرض إلى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب
لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم , وتنافختم شرفاً
وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض ..
أبناء القحبة
هل تسكت مغتصبة . – مظفّر النواب – وتريات ليلية – ط2 – ص 71 )

لن أتصدى هنا أي ملمح شعري في المقطع السابق , وهذا برأيي يمكن قوله في أغلب الشعر الذي كتبه النوّاب باللغة الفصحى . لكنّ الذي لا بدّ من التوقف عنده وتفكيكه بشيء من الاستفاضة هو المحمول المفجع والمخيّب للأمل الذي يظهره هذا المقطع فيما يخصّ المرأة .
إنّ المقطع السابق , الذي استعار تشبيه القدس بالعروس من خصومه , قد أفسد غايته إذ أضمر غاية أبعد , وكان له لولا إضماره لغايته البعيدة أن يخبر عن القدس بأية كلمة أخرى تفيد معنى الأهميّة والأولوية .
لقد أعاد الشاعر إنتاج الاغتصاب بمحموله الجنسي المجرّد , مع أنّ للاغتصاب معانيه الأخرى الأشدّ إيلاماً وأذيّة , ومنها ما حصل لمدينة القدس ذاتها مدينة الشوارع العتيقة والبيوت والناس , وليس المرأة / العروس .
ما الهدف إذاً من إعادة إنتاج الواقعة بهذا السيناريو وهذا الإخراج . هل هو تثوير الجماهير العربية ؟ وهذه الجماهير ألا تثور إلا إذا أغتصبت نساءها ؟ وما الموقف لو أنّ الرجال هم الذين تمّ عليهم فعل الاغتصاب ؟ أم أن الرجال العرب لا يتعرّضون للاغتصاب ؟
ولماذا الحكّام العرب أبناء قحبة ؟ لماذا ليسوا سفلة أو أبناء سفلة , كلاب أو أبناء كلاب . ؟ أقصد لماذا وجّه الشاعر شتيمته بالأمّهات وليس بالآباء . وهل أمهات الحكّام العرب مذنبات ليتحملن الشتيمة عن أبنائهنّ , ألم ينتبه الشاعر إلى أن شتيمته هذه لا تصيب الحكام العرب بل أمهاتهم , لأنّه ليس من الضروري أن يكون ابن القحبة قحباً , فهذه صفة لا تورّث .؟ !
في العرف البدوي قد تؤدي الشتيمة بالأم أو الأخت أو الابنة أو الزوجة إلى القتل . وقد لا يكون الأمر ذا أهمية في حالات القرابة الذكرية المعادلة . لماذا يندفع الرجل الذي لم يشتم إلى القتل ؟
أليست عقلية النيابة والكفالة والحجر التي تبرزها وتؤكدها الشتيمة السابقة , حيث لا يختلف هنا الشاتم عن المشتوم ؟
كما أن المنطق الذي يحصر كرامة المرأة وشرفها ( أكثر القيم الأخلاقية التباساً في العربية ) والذي قام عليه المقطع السابق , هو منطق متخلف وظالم وغبي . ولا يختلف فيه الشاعر عن أي مرتكس حضاري يقتل أخته التي تمزّق غشاء بكارتها لأن تكوينه الناقص لا يساعده على تصوّر غشاء البكارة دون عضو ذكري منتعظ ومعاد ٍ .
إذاً علينا عدم الاطمئنان إلى المنطق الذي يبدو مناصراً للمرأة , لأن في عمق الكثير منه هيمنة خفية للذكورة . ولا يستثنى المنطق النسوي في الكثير من الأحيان , ذلك أنّه يتعيّن , على الأغلب , كردّ فعل على المنطق الذكوري , ويتحدّد بالتالي كمنطق ضدّ ذكوري فحسب .
إن المرأة في النص الشعري الحديث تبدو على الدوام خليطاً معقّداً من المدلولات التي تشير للوهلة الأولى إلى انبثاق شعور ومنطق مغايرين للخطاب التقليدي العام المنتج في العالم العربي المعاصر . لكنّ ذلك الخليط سرعان ما ينفصل إلى مكوّناته الأساسية عند النجاح في النفاذ إلى الوجه الخفي من النص , حيث نجد المرأة عارية قابعة في الحريم الحلمي منتظرة دورها في التقدّم لإشباع رغبات سيّدها وخالقها . أو تصارع ضدّ التحوّلات التي يشاءها الذكر الخالق تأكيداً لإرادته , غير عابيء أو مكترث بما تريد أن تكونه هي .
وفي البحث عن صورة المرأة في النص الشعري العربي الحديث , تتقدّم تجربة بعينها لتفرض نفسها كعتبة أولى لا بدّ لأي دارس أو باحث من اجتيازها بكل حذر وتأمّل وتبصّر . إنها تجربة الشاعر السوري نزار قبّاني . تلك التجربة التي استمرّت ما يزيد عن نصف قرن محدثة تأثيراً لم تحظ به أيّة تجربة شعرية أخرى , تأثير اخترق المجتمع العربي أفقياً ( عدد القراء) وعمودياً ( السويات العمرية والثقافية ) بشكل غير مسبوق . وكما أرى لا يعتبر هذا التأثير دليلاً على سوية التجربة فنيّاً وإنسانياً , كما تذهب الآراء الإحصائية التي تقرن النجاح أو الفشل لتجربة ما بعدد النسخ المباعة أو المتداولة , بقدر ما يحيل إلى الأسباب الكامنة وراء فعاليته العالية .
وفي البحث عن صورة المرأة وتحولاتها في هذه التجربة , لا بدّ من بعض التفكيك , دون الأخذ بعين الاعتبار التفكيك الزمني الذي لجأ إليه البعض ( مراهقة – نضج – كهولة - ...الخ ) في محاولة منهم للرد على منتقدي التجربة القبّانية . وذلك لأنّني أرى في تلك التجربة مسيرة لا تتضمن نقاط انعطاف مهمّة , أو انكسارات بيانية حادّة ( سلباً أو إيجاباً ) فيما يخصّ موضوع المرأة الذي هو غرض هذه الدراسة , وإن ظهر أحياناً في الفترات المتقدّمة من حياة الشاعر , وليس التجربة , انخفاضاً في حدّة الجموح الرغبوي , وبالتالي خطاباً أقلّ عنفاً ذكورياً . دون أن يعني ذلك أنّه خطاب مؤازر فيما يخصّ المرأة . وحتى القول ( سيأتي نهار به أتعلّم كيف تكون الحضارة أنثى , وكيف تكون القصيدة أنثى ... ) الذي يحتفي به موقّروا التجربة القبّانية كدليل على المرتبة السامية التي وضع نزار قبّاني المرأة فيها , لا يبدو في جوهره سوى صدى ل ( هذا حصرم رأيته في حلب ) ونزار ذاته يؤكد بقوله أنه لم يتعلّم , بل سيتعلّم .
وتفكيك التجربة الذي قصدته هو دراسة تموضع المرأة حسب الزوايا المنظور إليها منها , تلك الزوايا التي تتحدّد بمشيئة القدرة الذكورية في لحظاتها المختلفة , حيث تبدو المرأة عند عرض توضعاتها وكأنما هي محض تجليات للرغبة والإرادة الذكريين .



#ياسر_اسكيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الممارسة المدنية / حكاية مدينة ومشغل ثقافي
- حكاياالجدات التي أطاحت برأس التوثيق / حسن علي يوّثق لتجربة ل ...
- درج الليل.. درج النهار - جديد الروائي السوري نبيل سليمان
- لتعزيزثقافة الخطأ
- أجدني هكذا
- الذات العارية كوردة / نحن لا نتبادل الكلام - جديد الشاعر حسي ...
- الحداثة المعطوبة - إعادة إنتاج المثال 5 – الحداثة من جديد
- الحداثة المعطوبة - إعدة إنتاج المثال
- مظلّة وإناء وحظيرة - بعض من أزمة الطرح الديموقراطي
- عناصر الفائدة المركّبة
- الحداثة المعطوبة - إعادة إنتاج المثال
- الحداثة المعطوبة ( إعادة إنتاج المثال )
- الحداثة المعطوبة ) إعادة إنتاج المثال)
- أطفال يلعبون ومقاطع أخرى
- حرّ يمضي الى القفص
- بيان التجمّع الليبرالي السوري - مدخل للحوار
- رماد ضاحك وغيور
- هل من معيار
- الشعر والمتلقي- ملامح أزمة نوعية جديدة -
- التعين الوظيفي وأنوثة الطاعة


المزيد.....




- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر اسكيف - (إعادة إنتاج التخلّف-نزار قباني نموذجاً(1-4