سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 1177 - 2005 / 4 / 24 - 10:18
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في سعير العمليات الارهابية المتقد كل يوم في بعض المدن العراقية يموت الابرياء من العراقيين الذين لا ذنب لهم ، ولا جرم يذكر ، وقد تساوى في هذا الموت الرجل ، والمرأة ، مثلما تساوى الشيخ ، والطفل ، إذ يصادف أن يكون أحد من هؤلاء مارا في شارع ، أو مراجعا لدائرة رسمية معينة ، وفجأة يجد نفسه بين لهيب نيران الموت ، وذلك حين يقتل ارهابي ، يائس ، بائس ، لا يجد طريقة يعبر فيها عن هزيمته الحضارية غير أن يقتل نفسه كمدا على الماضي التليد الذي لن يعود أبدا ، معلقا اسباب هزيمته وسقوطه هذا بعناق آخرين أبرياء من أبناء جلدته ، ووطنه ، أو قومه ، مشحونا بثقافة طائفية ، رديئة ، صديئة ، أكل الدهر عليها وشرب ، زينتها له زمر مهزومة ، مفلسة حضاريا ، ومتخلفة ثقافية مثله من أتباع الحركة الوهابية ، دعاة الدين زيفا ، والذين وضعوا أيديهم في حلف غير مقدس بأيدي عتاة المجرمين من البعثيين العراقيين ، فراحوا يصبون نيرانهم على امرأة شيعية تسير في شارع ، أو مجموعة من المصلين الشيعة في هذا الجامع ، أو تلك الحسينية ، وكأنهم لم يسمعوا بقول الرسول الكريم : ( انطلقوا باسم الله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخا فانيا " أي متقدما في السن" ولا طفلا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلوا، " أي ولا تخونوا " وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) وحجتهم في ذلك أن شيعة العراق هم المسؤولون عن جلب الأمريكان الى العراق والمنطقة ، وهم السبب في اسقاط نظام صدام المجرم ، مع أن الحقيقة هي ليس كذلك، فالمسؤول الاول والاخير عن الاتيان بجيوش النصارى واليهود ، مثلما يسمونهم هم ، قد جاء بهم محبوبهم صدام ، رجل أمريكا في المنطقة ، حيث استطاع دهاة الرأسمالية العالمية ، وعلى إثر نجاح الثورة في ايران التي أرادوا لها أن تنجح ، دفع صدام نيابة عنهم لحرب ضروس ضد ايران بعيد نجاح تلك الثورة مباشرة ، وذلك من أجل استرجاع كل الثروات الضخمة التي تكدست في منطقة الخليج ، والعراق ، وايران بسبب من ارتفاع اسعار النفط نتيجة القرار العربي الوحيد والخطير الذي اتخذه القادة العرب في الوقت القريب ، والذي أصاب القلب من الرأسمالية الغربية ، ذلك القرار الذي أوقف تصدير النفط العربي غبّ حرب اكتوبر سنة 1973م بين العرب واسرائيل ، وعليه تكون حرب النيابة التي شنها صدام على ايران حربا أمريكية بشهادة الرئيس الامريكي السابق ، رولاند ريغن ، الذي قال بوضح معلقا على تلك الحرب : نحن الذين بدأنا هذه الحرب ، ونحن من سيضع نهاية لها . وبذلك قد أضاع ريغن النشوة الكاذبة التي راح صدام يبديها امام انظار العرب ، مخرجا لهم أضلع القعقاع بن عمرو من قبره ، ومسميا قادسيتهم بقادسية صدام نفاقا .
وحين شن صدام حربه على الكويت بعد قادسيته تلك تكاثر الوجود العسكري الامريكي ، وتضاعف مرات عديدة في المنطقة العربية ، وصار رجال البيت الابيض يجاهرون علنا من أن حشودهم العسكرية متوجهة صوب الخليج حماية لمصالح الماكنة الرأسمالية الضخمة التي تحركها عيون النفط المتدفقة على شواطىء الخليج ، ومن أحشاء الارض في المنطقة تلك ، فساسة البيت الابيض ، ومعهم ساسة الغرب ، يدركون ادراكا عميقا مقدار الضرر الذي سيُصب الحضارة في الغربية ، ويعيد تقدمها سنوات الى الوراء من جراء توقف شريان هذا التقدم المتمثل بالنفط ، والذي سيشل الحياة في الغرب شللا تاما لا يمكن للناس التي تعيش في الشرق الاوسط أن تتخيله أبدا .
لقد كان صدام ونظامه هما المسؤولان المباشران في استقدام الجيوش الغربية الى العراق والمنطقة ، وإن لا ، فهما ، على الاقل ، الذريعة التي أستغلت من أجل القدوم هذا ، تلك الذريعة التي قامت على تصرفات صدام الخطيرة ، وحروبه المتصلة ضد بلدان تعتبر من بلدان النفوذ الامريكي الذي لا يمكن لاصحاب هذا النفوذ أن يتجاهلوا مصالحهم الحيوية فيها ، ولهذا السبب قرروا إزالة عميل متمرد عليهم بنظامه من على وجه العراق ، وذلك حين شنت القوات الامريكية حربها الاخيرة على صدام وجيشه ، تلك الحرب التي ما استطاعت قوى دولية فاعلة مثل فرنسا وألمانيا ، ولا تلك التظاهرات الحاشدة التي طافت شوارع أوربا أن توقف قرار شن الحرب على صدام ونظامه الذي اتخذه رجال البيت الابيض ، ومن ثمة ساهمت دول أخرى في تنفيذه على الارض ، وعليه فما ذنب الشيعي الفقير ، الجائع الذي خرج من بيته ليصلي في حسينية أو جامع ، أن يقتل بجسد متفجر من طائفي بغيض ، مهزوم حضاريا ، أو طائفي ضمه حزب فاشي فقد كل مصالحه في العراق بسبب من تصرفاته هو ، وليس بسبب ذلك الشيعي الفقير الذي ذهب ليؤدي الصلاة تلك بعيدا عن كل من يريد أن يتاجر باسمه من احزاب وحركات ، وعن كل من يريد أن يذبحه على قبلة الولي الفقيه القابع في طهران أو قم ؟ فشيعة العراق في أغلبهم يدركون أو في طريقهم للادراك أن مصلحتهم الحقيقة تتحقق حين يتشبثون بالعراق ، ويعقدوا أمالهم عليه ، وعليه فقط ، وأن ينبذوا أيا من الذين يحاولون دق اسفين العداء بينهم ، وبين اخوانهم من العراقيين الذين يختلفون معهم في المذهب أو في المحتد ، مثلما يتوجب على السنة أن لا يعلقوا أمالهم على الملك عبدالله ، ملك الاردن ، وليتأكدوا أن الملك عبد الله ، ومن هو على شاكلته من العرب ما هم الا طلاب رشوة ، طالما سقاهم صدام بزقوم من مائها ، وها هم قد استعاضوا عنها برشوة الامريكان ، حكام العراق الجدد ، وعلى حساب العراقيين الجياع من شيعة وسنة ، عرب واكراد ، وأخرين غيرهم ، وعلى المؤمنين من شيعة العراق ، وأخص بالذكر ما يسمون بالمبلغين منهم ، أن يدركوا أن ولي الفقيه في ايران لا يدخلهم جنة ، ولا يقيهم من نار ، تماما مثلما لا يقي القرضاوي سنة العراق منها ، ولا يدخلهم جنة الله ، وعلى هؤلاء المؤمنين من المذهبين أن يعي أن اللوبي الايراني يعبث فيهم ، مثلما يعبث بهم جند الزرقاوي الذين استكثروا على أهل العراق اسمه ، فأسموه بلاد الرافدين بدلا من العراق ، وهي تسمية يتشبث بها صهيوني حاقد ، ومتعصب غربي ، تماما مثلما يتشبث بها متعصب فارسي، هؤلاء الذين يريدون مسح دولة ذات حضارة عريقة ، وشعبا أبيا كابد المحن والويلات ، من على وجه خارطة العالم .
وحري بكل العراقيين أن يدركون أن فلول الارهابيين على مختلف مللهم ونحلهم قد صعدوا من محاولاتهم الهادفة الى قيام حرب أهلية في العراق هذه الايام ، فهم يعمدون ، وعن سبق اصرار ، الى زج الاخوة من أهل السنة في الحرب المتخيلة تلك ، ولا يمكن لاحد أن يبرأ ساحة بعض من العرب ، مثلما لا يبرأ ساحة ايران الاسلام ! من تلك المحاولات اليائسة ، والتي لن تنجح لا اليوم ، ولا غدا ، رغم فتوى آية الله ، كاظم الحائري ، بحمل السلاح ، والتي مرت وما ضرت كما يقول أهلنا في العراق ! وإذا ما أراد الشيعة الرد فعليهم أن يردوا على قاتليهم ، وسافكي دماء أطفالهم ونسائهم ، فالموت خبط عشواء الذي يمارسه القتلة من فلول البعث ، وسقطة ابن لادن ، لا يقره شرع ، ولا بشر به دين ، فهؤلاء القتلة من دعاة قطع رؤوس البشر ، دونما وجه حق ما هم إلا أناس قد هُزموا حضاريا حتى في حروبهم ، وسقطوا سقطة لم يستطيعوا نهوضا بعدها ، رغم أن برنارد شو ، الكاتب الانجليزي الساخر ، قد قال مرة: ليس عيبا أن تزل قدماك فتسقط ، إنما العيب أن تذهلك السقطة ، فتظل حيث أنت دونما تحاول الصعود !
#سهر_العامري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟