سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 1103 - 2005 / 2 / 8 - 10:37
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يتطاحن السادة في قيادات الاحزاب ، والحركات السياسية العراقية في تصريحات شتى ، تدور حول : من سيحل على كرسي حكم بلد الرافدين بعد أن وضعت معركة الانتخابات فيه أوزارها ؟ هذا السؤال الذي يطير في سماء العراق ، ويحط في مخيلة الناس فيه ، هؤلاء الناس الذين هبوا الى صنايق الاقتراع زرافات، ووحدانا ، وشيبا ، وولدانا ، متطلعين نحو مستقبل زاهر لهم ولوطنهم ، لم تمنعهم في ذلك تخرصات وحوش العرب الضواري ، ولا مفخخات عديم الضمير ، أبي مصعب الزرقاوي !
لقد اجتمع الفرس ، والعرب هذه المرة في دعاء مخلص ، واماني حرى باجهاض وليد من رحم ديمقراطية يافعة ، وفي أرض ما عرفت غير الملك المفدى ، والرئيس القائد ، وآية الله العظمى قدس سره ، ومُد ظله العالي0
لقد اجتمع كل هؤلاء على ذبح شعب خرج للتو من أتون المقابر الجماعية ، ومحارق حروب المدن ، ليضعوه في جحيم الارهاب ، وليمدوا في ليله الطويل الحالك المخيم عليه منذ أن حلته سجف عتمة افكار عفلق الدجال ، وصنيعه صدام الساقط0
من العراقيين من شد الرحال الى ايران ، ومنهم من شدها الى العربان ، والثالث هو الذي اعطى العهد ، وشد الحبل الى الامريكان ، ومنهم بين هذا ، وذاك ، فأغلبهم توزعتهم الاهواء ، يقدمون خطوة ، ويؤخرون أخرى ، يقولون كل شيء للناس ، وينسون كلمة يجب أن تُقال ، تلك الكلمة التي رهنوا أنفسهم لها منذ البداية حين أشرعت لهم أبواب مؤتمر لندن ، فدخلوه بأمان ، وسلام ، وقبلوا كل ما خفي من قراراته ، وما عُلن ! وقت ذاك المؤتمر كان يأخذني حديث طريق مع أبي علي المغرم بايران ، واتباعها ، وهو بعد ذلك من ( أهل الله ) ، مثلما تقول الناس في العراق عن أي واحد يبسط الاشياء على شاكلته0 قال لي أبو علي ساعتها : دع أمريكا تسقط صدام أولا ، ثم نأتي نحن عن طريق الانتخابات الى الحكم في العراق ! قلت له : لو كانت أمريكا عربنجي ( صاحب عربة ) ، لوجب عليكم أن تعطوها أجرا ! قال: لماذا ؟ ألا تريد هي نظاما ديمقراطيا في العراق ؟ قلت له : نعم 0 نظاما ديمقراطيا تريد ، ولكن بمواصفات أمريكية ، وليس بمواصفات تأخذ النظام في العراق الى نظام ولاية الفقيه ، أو نظام ديني ! أنا أدري يا أبا علي أن وقع كلامي هذا شديد على نفسك ، ولكنها الحقيقة التي يجب تواجه بها أنت ، ويواجه بها الناس كل الناس في العراق ، فاقتصاد القدوة التي تريده أمريكا للعراق ، مثلما فعلت ذلك في بلدان عديدة منها السويد في أوربا ، وكوريا الجنوبية في آسيا ، لا يمكن له أن ينهض من وجهة نظر المخطط الامريكي إلا ببناء فوقي ، هو النظام السياسي العلماني الذي أشاد دولة للدين ، هي الفاتكان ، على كيلومترات نزرة ، وقال للبابا والمصلين من خلفه صلوا حتى مطلع الفجر !
حديث أبي علي ذاك ذكرني بحديث رفيق شيوعي من ( أهل الله ) كذلك ، وبالمواصفات التي ذكرتها السيدة الفاضلة ، سعاد خيري ، في أحرف رثائها للشهيد ، هادي صالح ، قبل أيام من الآن 0
كان هذا الرفيق من أهالي البصرة ، ويُكنى أبو جوهرة ، أخذني في حديث طريق كذلك ، وبتوجيه على ما يبدو ، وانا أحط الاقدام للتو على أرض جمهورية اليمن الديمقراطية ، قائلا لي : يا رفيق لا تزال الجبهة الوطنية 00 الخ تحتفظ بحيوتها في العراق ! رددت عليه من فوري : أ هذه الحيوية حتى بعد وصولنا الى اليمن !؟ قال الخطأ ليس خطأنا ، وانما خطأ البعث ! قلت : دعني أبسط عليك القول ، لو كنت تسير في طريق ، وتعرض لك لص بضربة على رأسك ، دون أن تعد نفسك أنت لمخاطر الطريق ، فماذا ستقول للناس ؟ هل تقول إن الدماء التي تسيل على جبيني كانت بخطأ من لص ، وليس بخطأ من سوء تقديري أنا لمخاطر الطريق ؟ لم أتلقَ أنا ، الذي خرجت قبيل أيام من سرداب معتم من سراديب مقام الأمام الحسين عليه السلام ، ردا من أبي جوهرة على سؤالي في مدار حديثنا عن حيوية الجبهة المشؤمة ، ومن ساعتها ما مرني هو أبدا !
حقيقة الوجود الامريكي في العراق ، وتأثيره الهائل في صنع الأحداث في العراق، ما وجدا لهما صدى في أحاديث السادة من قادة العراق الجدد ، وكأنهم لم يسمعوا قول وزير الدفاع الامريكي ، دونالد رامسفيلد ، وهو يعلن صراحة من أن الولايات المتحدة الامريكية ستشيد جهاز مخابرات في العراق ، قوامه مئتا ألف عنصر ، تدعمه وسائل غاية في التطور ، قيل أن بعض من طلاعها قد انتصبت شاهقة في سماء شط العرب ، وعلى أرض جزيرة أم الرصاص فيه ، وهي عيون متقدمة ، تصل الى عمق خمسين كلم داخل الاراضي الايرانية 0 وبعد حديث رامسفيلد ذاك يأتي خبر السيد سفير الولايات المتحدة في العراق ، وملك العراق الجديد ، الذي نقلته بعض وسائل الاعلام ، وكتبت عنه : إنه سيكون على رأس أكثر من ثلاثة آلاف موظف هم عماد بلاطه الملكي الجديد في بغداد !
هذه الحقيقة التي يحاول بعض الساسة من العراقيين أن يتجاهلها خجلا من الناس في العراق ، وخشية على ريشه المنفوخ ، وهو يقف أمام عدسات الصحفيين ، مع أنها هي التي ستحدد ملامح الحالة السياسية التي سيكون عليها العراق في مرحلة ما بعد الانتخابات الى حد بعيد ، تلك الحالة التي عبر عنها وزير الدفاع الامريكي بآخر تصريح واضح له ، حيث قال في مقابلة مع محطة تلفزيون (ان.بي.سي) الأمريكية ( الشيعة في العراق عراقيون ، وليسوا ايرانيين ، والفكرة القائلة بأنهم سيشكلون في نهاية المطاف حكومة مماثلة لايران مع سيطرة حفنة من الملالي على البلاد 00 أعتقد أنها مستبعدة 0 ) ، وأضاف : ( إن العراق كسائر البلدان الاسلامية سيجد طريقة لتضمين المباديء الاسلامية داخل الدستور الجديد الذي سيدون بعد ظهور نتائج الانتخابات التي أجريت الاسبوع الماضي دون أن يهيمن الدين على الحكومة الجديدة 0 )
ويبدو أن هذا التصريح ، ومن قبله كلمات الرئيس الامريكي ، جورج بوش ، حول النظام الايراني في خطابه الاخير أمام اعضاء الكونغرس الامريكي ، قد جعلت ما يسمى بخط المخابرات الايرانية ( اطلاعات ) داخل أحدى الحركات الدينية الشيعية العراقية أن يرد على ذلك ، وهو ملتف بعباءة المرجعية ، مصرحا أن الدين الاسلامي سيكون هو المصدر الوحيد للدستور العراقي المرتقب ، والذي لا زال هو واعضاء المجلس الوطني العراقي ( البرلمان ) الذين سيشرعونه في بطن الغيب ، مثلما لا زالت نتائج الانتخابات التي تحمل الاعضاء المرتقبين هؤلاء لم تعلن بصورة رسمية للان ! ومع ذلك يضيف مصدر اطلاعات المشار اليه : إن هذا المطلب غير قابل للمساومة ! ومعنى هذا إن البرلمان العراقي القادم بعربه ، واكراده ، وبشيعة ، وسنته، ومسيحيه ، وسائر ملله ، ونحله سيكون خاضعا لمجلس صيانة دستور على غرار ما معمول فيه في ايران اليوم ، ولكن مجلس صيانة الدستور هذا في العراق سيكون هو المرجعية الشيعية ، أو من يتحدث عوضا عنها من اتباع ما يعرف في العراق المبتلى اليوم بخط المخابرات الايرانية ( اطلاعات ) ، وعليه سيكون البرلمان العراقي القادم جهة تنفيذ ، وليس جهة تشريع ، والغريب في أمر الرد هذا هو التوقيت الذي صدر به ، مستبقا قيام البرلمان ذاك ، ومتخطيا قانون ادارة الدولة الصادر عن مجلس الحكم البائد ، والذي يقر بتعدد مصادر تشريع الدستور في العراق ، يضاف لذلك هو أن الدستور العراقي الحالي متعدد مصادر التشريع منذ سنوات طويلة خلت ، فلماذا لم نسمع صوتا معترضا من هؤلاء الذين يريدون أن ينصبوا مجلس صيانة دستور ايراني على العراقيين اليوم ؟ أم أن تصريحاتهم يُراد لها أن تكون قنبلة ايرانية تشعل نيران فتنة سيكون الشيعة في العراق لهوتها ولهاها 0
على مشعلي الفتن هؤلاء ، والذين يريدون الخوض في دماء شيعة العراق لحساب ايران أن يتأكدوا أن الشيعة في العراق لن يخوضوا حرب نيابة قذرة ضد أحد بعد اليوم ، وتحت أي مسمى كان ، وعليهم أن يتأكدوا كذلك أن القوى الوطنية العراقية بجميع فصائلها تدرك أنهم يزحفون للحكم في العراق بتدبير ايراني خطوة ، خطوة وتحت هذا الستار أو ذاك ، وتدرك كذلك أنهم ذئاب متعطشة لدماء العراقيين ممن يخالفونهم الرأي ، تلك الدماء التي سيتقربون بها الى الله ! على حد تعبير رئيس محاكم الثورة في ايران ، آية الله ، صادق خلخالي ، حين كان يردد ذلك ، وهو يصفي المعارضين من الايرانيين بمسدسه الشخصي !
ومع هذا الادراك نجد أن تحرك خط المخابرات الايرانية ( اطلاعات ) المحموم في العراق لم يواجه برد فعل من قبل الحكومة العراقية المؤقتة ، ولا من قبل القوات الحليفة ، وكان المفترض بأجهزة الأمن العراقية أن تلقى القبض على هؤلاء النفر ، وأن تعرضهم للتحقيق قبل فوات الأوان ، وذلك بسبب تحركاتهم المشبوهة التي ستلحق أفدح الاضرار بالعراق والعراقيين ، وبالشيعة منهم على وجه الخصوص ، تلك التحركات التي راحت تنفث سمومها في جسد الاحزاب ، والحركات السياسية العراقية ، مستغلين علاقات قديمة لايران مع هذا الطرف العراقي ، أو ذاك ، حين كان في المعارضة العراقية زمن صدام الساقط ، خاصة ذاك التحرك الذي قام به ممثل عن خط اطلاعات المذكور على البعض من اطراف الحركة الكردية العراقية ، وبهدف تقاسم السلطات العليا في تركيبة الحكم الجديد في العراق ، ولكنها تظل محاولات بائسة لناس سذج لم يحدقوا مليلا بوجه ملك العراق الجديد ، جون نيغروبونتي !
وعلى شيعة العراق ، بعد هذا ، أن يدركوا أن الامريكان الذين قطعوا في الطريق لهم السباسب ، والبحار لا يمكن لهم أن يسلموا الحكم في العراق لحجة ايرانية بثياب عراقية ، ولن يسمحوا بقيام حكم ثيوقراطي متخلف ، وظالم ، يذبح الناس باسم الله عبر الديمقراطية فيه ، فالامريكان يعرفون جيدا أن النازية الالمانية المجرمة ، التي كلفت العالم غاليا ، قد مرت عبر الانتخابات الى البرلمان الالماني ( الرايخشتاغ ) ، لتقيم المجازرة في اصقاع كثيرة منه ، وذلك بحجة تفوق ذوي الدم الازرق على بني البشر الآخرين ، تماما مثلما يقول دعاة المذهب الجعفري من الايرانيين : إن الاكراد المسلمين بسنتهم ، وشيعتهم هم من صلب الجن ، وليس من صلب آدم أبي البشر!
وعلى شعة العراق أن يدركوا كذلك أن الامريكان ، وبوجودهم الكثيف على أرض العراق ، قادرين على صنع أكثر من صدام من بين صفوف العراقيين أنفسهم ، وصنع أكثر من حرس جمهوري ، وبخبرتهم هذه المرة ، رغم أن صداما لا زال حيا يرزق ، وكلابه تنتظر صافرة أمريكية للتجمع ، كي تنهش الجميع هذه المرة ، وعندها سيجدون أيران تقف متفرجة عليهم ، مثلما تفرجت عليكم إبان انتفاضة آذار سنة 1991م ، وهم يذبحون في مجزرة قل نظيرها ، وسيرون كذلك أن اتباع ايران ، وعملاءها من العراقيين سوف لا تلحق بهم عمائمهم ، وهم يعبرون الحدود ، هاربين اليها من معبر الشلامجة الحدودي ، أو من معبر غيره 0 فما لكم - يا شيعة - من نار أمريكا التي تتميز من الغيض إلا القبول برجل شيعي ، علماني ، مثل علاوي ، أو رجل شيعي ، متدين ، مبارك من جند بوش الذين يطوفون في شوارع العراق ليل نهار ، فهذا هو أهون الشرين !
#سهر_العامري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟