أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - محطات للوجع.. قصة قصيرة.. إلى شاعر العامية الرائع/ محمد بهاء صبحي















المزيد.....

محطات للوجع.. قصة قصيرة.. إلى شاعر العامية الرائع/ محمد بهاء صبحي


مختار سعد شحاته

الحوار المتمدن-العدد: 4061 - 2013 / 4 / 13 - 02:38
المحور: الادب والفن
    



- توطئة -
الآن تحط به المحطات هنا، حيث محطة فرحه الوحيدة التى لا يذكر سببًا لكونها محطته المفرحة، دومًا تأخذه أسفاره إلى محطاتٍ عجيبة، كلها تحاول الوصول حيث تقبع فى واحدة من تلك المحطات المأهولة بالأحلام الطازجة، والتى تسمح لسذاجة العُشاق أن تختلط بها. كل المحطات الآن صارت تتشابه إلا هنا، هنا -وفقط- محطة الفرح السرمدى العتيق، وبلا سبب للفرح.

( 1 ) قبل كل المحطات
يطالع الشمس من كوة تعلو شباك الجدة، فلا يراها كالمعتاد، اليوم تسرف فى ضوئها على غير عادتها تجاه زاوية الضوء التى تتموضع فيها الكوة فى حائط الجدة، تجىء لسعات حرارتها على قدر غير محتمل، لا ترفق اليوم فى صفعتها وجهه، فيصحو مذعورا، صراخها يسمعه لأول مرة، نواح الجدة يستحث الصرخة أن تباشر هذا الطقس الجنائزى القروى فى صخب مضجر لصور الجدّ التى تزين حائط الجدة أسفل الكوة، فيزيد التجهم فى وجهه كلما صرخت أو جاوبتها الجدة بالنحيب اللامتناهى، فيغرق فى بحر دموع يجرف غرفته وبقية سنواته الممتدة فى كل المستقبل، فيبقى مصحوبًا بإحساس الغرق لبقية حياته، فاليوم جاءت الندّابة بصوتها المميز:
-" يا سبع الدار يا عزيز عينى".
فتُبقى من أثر الدمعات فى حلقه، تصيبه ملوحة دمعها طوال عمره كلما شرب كوب الماء هنا، فلا يرتوى للأبد حيث هُنا مات والده، وتبقى ملوحة دموعها فى حلقة لعنته الأبدية كلما شرب الماء.

( 2 ) محطة من محطات التكوين
الآن يأتى بطلته السمجة، يتبختر فى الطرقة الممتدة بين الفصول، فى تباهٍ بكونه منوطًا بحل أزماتهم الشخصية والنفسية، فلا كائنًا ما فى الكون الفسيح فى خياله الفسيح يمكنه أن يعوض التلاميذ اليتامى فقدهم الأبوى، مَن من كافة المعلمين والمعلمات يملك هذا الحق الاستثناء فى أن ينادى أسماء الآباء مصحوبًا بلقبه الذى بات يمقته.
- " متوفى!".
هذا اللقب البغيض الذى أثار المرارة فيه، كلما ذكَّره به فى مطلع كل عام، وكونه من هؤلاء اليتامى الذين منَّ عليهم هذا المتبختر.
- "إعفى من المصروفات".
يومها حين جاء يحجل حجلته التى تميزه، وعصاه الحديدية التى يستند إليها تلمع فى طرقة امتدت سيطرتها على كل الأبواب لقاعات الدرس؛ ليبقى ظلها الطويل يسبقها على الدوام نحو فصولهم، لا يقطع سكونها السخيف -سخف مناهجه التعليمية- سوى دقات عكازه التى تعلن قدومه المباشر نحو قاعة درسه. يعرف أنه لا محالة سيغطي صوته على كل الأصوات التى تناديه فى كل الكشوف الكثيرة التى أُدرج اسمه فيها فيما بعد من حياته. تحين اللحظة الفارقة، حين طرق باب قاعة الدرس، وتهيأ للإجابة التى اكتسبها منذ اكتسح ملح دموعها طعم اللعاب فى فمه، ولازمه للأبد، قبل أن يسأله وهو مدفوع بنطره نحوه يستحثه بالإجابة التى يعرفها كل البلدة باعتباره أحد اليتامى، ومباشرة بعد سؤاله عن يتامى الفصل، قرر أنه لن يرفع يده، أو يستجيب لأمر الوقوف، وفى دهشة الجميع من سكونه سكون ليل شتوى خال من الأعاصير، أجابهم
- "أنا كالمسيح بلا أب بيد أنى لستُ يتيمًا".

( 3 ) محطة قبل الوجع الأول
فى يوم لا يشبه النور فى صباحه سوى محياها، أو بعض تفاصيل نورها السني، أشعل سيجارته المستوردة متخيلا ملامح وجهه، فلا يبين له ملمحٌ واحد، لكن شخوص الكثيرين من رفاق طفولته، ورفاق فكره المجنون يتسارعون فى زحام مرير حين يرشف أول طعم للبن فى الفنجان فى كافيتريا الجامعة، فتهرع الصفقات حيث توجد ذاكرة المملوءة بفيوض الأحداث ما بينه وبين رفاقه، يتقافزون من حقيبة سفره التى أسندها بأناقة متكلفة إلى جواره، فلا تشى إلا بالكبرياء الزائف الذى يجيد الفقراء اصطناعه، يصدعون وجه فنجان قهوته، فيقرر إعادتهم إلى حقيبة سفره حيث سكنوا إلى جوار كتب لينين وماركس وديكارت.
- "يلعن أبوهم كلهم كدابين تاجروا بالفقرا".
سمح لهم أن يهمسوا إلى البعض الذى نام فى الجيب الخلفى من الحقيبة ببعض القراءات حول تاريخ الاتحاد السوفيتى، والتجربة الحمراء، وأن يقارنوا كل مفاهيم العدالة الاجتماعية فى كل السطور التى تختلط فى حقيبته كلما تهتز حين سفره، ثم يبدأ فى تعليمهم جميعا طقسًا جديدًا للعدالة حين رأى وجهها أول مرة تدخل حيث جلس، وفى لحظته الآنية تختل موازين العدالة والجغرافيا والتاريخ، ووحدها بابتسامتها تُعدَل الموازين حين تسأله بعفوية بنات القصور.
- " أنت محمد بهاء بتاع تالتة سياحة؟".

( 4 ) محطة الوجع
فى حادثة فريدة حين استسلم لمبضع الجراح، اجتهد قبل أن يغيب عن الوعي فى تذكر ملامحها، فتجيء ملامح الأب واضحة كما لم يحدث من قبل، لكنه فى ابتسام -غاية الروعة- يمسك رابطة عنقه الحمراء يدغدغها بسبابته وابهامه، ويعلن انتصاره العجيب حين قهر الأموات فى مدفن البلدة وقت اصطفوا فى طابور العطاء الملائكى، وكيف أقنعت حُججه القانونية ملائكة المقبرة، بأن فقراء القرية لا يجوز دخولهم الجنة الآن قبل أن يطهرهم الله من فقرهم الدنيوى، فيُلقى فى أرواحهم بعض الغنى من رحمته؛ فيقنعون ويتأهلون لكونهم من أصحاب الحظ الألمعي المستحقين لدخول الجنة.
- "كمان يدخلوا الجنة يقرفونا، كفاية قرفونا في الدنيا؟!".
يرفع حاجبيه فى عجب من كلامه، يسأل الأب فى وعيه وحده، فتجيبه ابتسامات الممرضات اللائى تجمعن حوله، يتمنى أن تتحرشن به، وتلقى أغنجهن فوران نهدها حيث تمدد جسده الغني بما تحلم به نساءٌ من الجنة المحرمة على الفقراء الذين أجلهم دفاع الأب فى المقبرة عن دخول الجنة، تسأله فى همس داعر:
- " تطلع مين (الدوك) دي اللى مبطلتش حلفان لها إنك بتحبها وأنت فى البنج".
ساعتها يرجوه أن يفك رابطة عنقه الحمراء، وأن يستبدلها بالببيون الأسود الذى يحتفظ به منذ تبرعت إدارة المدرسة للأيتام بملابس هذا العيد، فابتسم الأب وهو يطوى رابطة العنق الحمراء فى عناية شديدة
- " ملعون أبوهم كلهم، فقرا ولاد كلب".

( 5 ) محطة تالية لمحطات بعد الوجع، لكنها ليست الأخيرة
يدخل السوق متزامنًا مع صوت قارىء القرآن قبل صلاة الجمعة، ينظر نحو المصلى بازدراء شديد حين تسمَّع الحوقلات التى تسبق أحلامهم فى الثروة وبناء البيوت وزواج الأولاد والستر المبين، كلهم يحلم فى فرديته المقيتة معلنًا تجرده التام من مقولة تعلمها من عمه.
- " الإنسان كائن اجتماعى بطبعه".
- " كائن أنانى ابن مرة ".
تتطارده أدعيتهم الفُرادى تحمل أحلامهم بما تعكس من رطوبة البيوت وملح الحوائط الذى طغى فوق ألوان المرمر المزين لحوائط بيوتهم منذ أمد بعيد، فتراجع فى انكسار واضح، وانحياز بيِّن نحو الضمور. قرر أن يناطح الأحلام الصاعدة فى جو السماء، على الفور جلس إلى أول مقعد فى المقهى المتاخم للمصلى، أسند حقيبة سفره التى تلازمه أينما يسافر، فتش فى جيوبها الأمامية عن علبة سجائره المستوردة، فى تعال واضح للعيان أخرج سيجارته متباهيًا بفلترها الأحمر، سبَّ "الكيلو باترا، والسوبر"، ولم تنجُ تلك التى عمت الأسواق المشهورة بأنها ماركة.
- " صنع فى الصين".
خرجت من بين فلاتر سيجارته كما تخرج فاجعة حب أول من قلب زوج أربعينى، تسللت فى غفلة حيث تموضعت فى واحد من جيوب حقيبته الداخلية التى بدأ فى إفراغها من الأصدقاء، تخيل كم الأشياء التى تستوعبها الحقيبة المحمولة على كتفه، واندهش من كثرتها، سأل النادل فى المقهى أن يأتيه بطعم لاذع يساعد فى محو أثر الملح الذى تكلس فى حلقة منذ غرقت حجرته بالدموع يوم صرخت وناحت وراءها الجدة، ثم جاءت الندّابة تعلن موته. مد يده فى لعبته العجيبة التى تعودها كلما جلس منفردا إلى حقيبته، أخرج الرفاق من جيوب الحقيبة.
رفيق الروضة،
وهذا رفيق الإبتدائية،
وذاك رفيق الثانوية،
وذاك وذاك ...
كثير هم رفاقه حين تأملهم، ويعجب كيف يفلح في حفظهم فوق البطاقات، لكنه أبدًا لم يأتِ على تلك التى تتقافز من جيب إلى آخر، كلما يكاد أن يمسك بها حيث سكنت فى حقيبة سفره إلى جوار كل الرفاق، تناول المشروب غير مهتم بطعمه ولا مادته التى اصطنعوه منها باحتراف قذر لا يقل عن قذارة ذكرياته هناك حيث محطتة التالية لمحطة وجعه مباشرةً. تشاحن الرفاق فى تموضعهم فوق المنضدة المستديرة أمامه، أشاح عنهم بنظره نحو المصلى، ابتسم ، سمع صوتها من داخل الحقيبة يدندن بأغنية منير التى يحبها.
- "واقف لك فى الشباك.. بأستنى اليوم الجاي".
جُن جنونه، انتبه الرفاق لحالته التى توترت، وعلى الفور تقافزوا نحو مخابئهم فى حقيبة سفره التى تلازمه منذ كُتب عليه قدر المحطات، والتزموا بطاقاتهم. فتش فى جيوب الحقيبة بانفعال، هب واقفًا، قلب محتويات الحقيبة فوق المنضدة، تناثرت الأحداث، وحبات الملح التى احتفظ فيها بطعم وجعه الأول يوم أسموه " اليتيم"؛ الرفاق يقعون رأسأ على عقب، لكنها أبدًا لم تقع، واختفت للأبد فى واحد من جيوب حقيبته السرية، تلك التى تعود أن ينساها على الدوام حتى يلحظها بمحض صدفة سعيدة.
تمت.

مختار سعد شحاته
Bo Mima
روائي.
مصر- الإسكندرية.



#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ريبورتاج المدينة.. موهبة ووعي مبدع.
- بائعة الطماطم.. قصة قصيرة.
- ويل الوطن.. ويل ليه -أغنية-.
- كيف نرى؟
- شارع سيرلانكا.. نص أدبي.
- مزاد علني
- رحلة صعود إلى أعلى الدرج.
- راجع م السفر
- أحفاد القردة والخنازير.. حقيقة أم وافتراء؟
- حكاية النملة.. إلى النملة التي تحركت من فروة رأس الجد نحو وج ...
- امرأة كانت ذات يوم مراهقة محبب لها الفرح .. -قصة قصيرة.-.. ن ...
- مزج مقدس.. حالة من حالات الرجل. -نص أدبي-.
- جبريل لم يعد ملاكًا!! ولا أي إندهاشة.
- نِفيسة.. قصة قصيرة إلى نفيسة التي عرفتها، وعرفها نجيب محفوظ ...
- حلقة ذِكر.. قصة قصيرة.
- شعب الطُرشان
- -كليك يمين-. أنا افتراض؛ أنا موجود.
- حاجز الخوف.. كسرناه أم استبدلناه؟
- (ست-حكايات لحبيبي الذي يحب القهوة والأحلام تريحني، وحكاية لا ...
- (خريطة سكندرية خاصة)


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - محطات للوجع.. قصة قصيرة.. إلى شاعر العامية الرائع/ محمد بهاء صبحي