|
عشرة اعوام على حرب (تحرير)العراق-تحليل سيكوبولتك( 4- 4)
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 4045 - 2013 / 3 / 28 - 09:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الدرس الرابع :كارثة الانتخابات الديمقراطية. كان آخر مرّة مارس فيها العراقيون عملية الانتخابات قبل التغيير ، تلك المتعلقة باستفتائهم على مبايعة صدام حسين رئيسا لجمهورية العراق . وفيها كان المواطن العراقي يذهب الى المركز الانتخابي فيستلم ورقة تحمل سؤالا واحدا يتضمن اسم مرشح واحد لرئاسة الجمهورية هو صدام حسين ، وامام السؤال بديلان: " نعم " و " لا " . وكانت نتيجة الاستفتاء أن العراقيين اجابوا بـ " نعم " بنسبة قدرها " 99 % " . واذكر أن نائب رئيس مجلس قيادة الثورة " عزت الدوري " عّلق على هذه النتيجة بقوله " ان الذي لم ينتخب صدام حسين اما معادي أو مجنون " موحيا" بآن النتيجة كان ينبغي ان تكون 100 % وان الواحد بالمئة لا يشكلون من الخمسة عشر مليون ناخب عراقي سوى بضعة آلاف " معادين أو مجانين " وان صدام حسين يحظى بحب العراقيين بنسبة لم ينلها رئيس جمهورية أو ملك في التاريخين الحديث والقديم . والواقع ان تعليق " الدوري " كان صحيحا" ، ولكن من وجهة نظر أخرى . ذلك ان على صندوق الاستفتاء كان يقف شخص يستلم منك الورقة ليضعها هو بنفسه في الصندوق ولكن بعد ان يفتحها ، فان وجدك قد وضعت اشارة " صح " في خانة " نعم " فانت تغادر المركز الانتخابي الى بيتك مصحوبا" بالسلامة . وعلى افتراض ان غيرك قد وضع الاشارة في خانة " لا " فان طريقة يكون الى السجن والتعذيب وربما القتل ويا ويل أهله مما سيصيبهم . كان العراقيون الـ "99 % " الذين اجابوا " بنعم" يتوزعون بين من اراد دفع الشر عنه وعن عائلته ، وبين يائس يعرف أنه حتى لو اجاب بـ " لا " ومستعد لتحمّل تبعتها فان صوته لا يغير من واقع الحال شيئا" ، وبين من كان يحب صدام فعلا" ومنهم من كتب " نعم " بدمه { حبا" أو نفاقا" } ولكن ليس بالطريقة التي صورتها في حينه اغنية لمطرب عراقي تقول { بايعناك مو بس بالورق والله .. احنه قلوب بالصندوق خلينا } . وكان آخر مرّة مارس فيها العراقيون الانتخابات بعد 9 ـ ابريل ـ 2003 هي تلك التي جاءت بأول برلمان بعد التغيير . وفي الواقع انني لا ارى فرقا" جوهريا" في العملية العقلية بين الانتخابات التي ثبّتت صدام حسين رئيسا للجمهورية وبين الانتخابات التي جاءت باعضاء ذالك البرلمان ، واليك التحليل : أننا نرى ان الانتخابات من هذا النوع يجب ان يتوافر لها شرطان هما : الحرية والمسؤولية . ونعني بالحرية ان يمارس الناخب حقه في الادلاء بصوته من دون رقيب عليه أو شعور بالخوف أو توقع عقوبة معنوية أو ماديه . فيما تعني المسؤولية ان الناخب اذا اختار البديل " ع " من بين عشرة بدائل مثلا" فانه مسؤول عن هذا الاختيار بأن " ع " هو الافضل والاكفأ من التسعة الآخرين للمهمة التي سيكلف بها . وما حصل في انتخابات صدام حسين هو ان شرط الحرية كان معدوما" ، بمعنى ان الناخب العراقي (أعني الأغلبية ) كان مجبرا" ان يضع علامة " صح " في خانة " نعم " في مبايعة صدام رئيسا" للجمهورية . وحين ينعدم شرط الحرية في الانتخابات ينتفي شرط المسؤولية بالتبعية . اما ماحصل في انتخابات اول برلمان ديمقرطي فان الناخب العراقي كان يتمتع بالحرية " الشرط الخارجي " ولكنه ما كان يتمتع بالمسؤولية " الشرط الذاتي " اعني الاختيار الصح..اختيار البديل الافضل . ولهذا قلنا ان النوعين من الانتخابات ( انتخاب صدام حسين ، وانتخاب اول برلمان ) لا فرق بينهما في المحصلة النهائية من الناحية العقلية . ذلك ان الناخب العراقي في انتخابات صدام حسين كانت يده قد تلقت امرا" من المركز الدماغي المتخصص بالخوف، فيما تلقت يده أمرا" من المركز الدماغي المتخصص بالانفعال في انتخابات برلمان 2005 . بمعنى، أنه في كلا الحالين لم تتلق يد الناخب أمرا" من المركز الدماغي الخاص " باتخاذ القرار " الذي يصدر عن ادراك ووعي ومفاضلة . وقد تعزى الحالة الانفعالية التي تحكمت في الجماهير العراقية لدى ممارستها الانتخابات التي جاءت بأول برلمان ديمقراطي (لم ينتخبه الشعب لأن الذين اجتازوا العتبة الانتخابية 15 نائبا فقط !)..الى أربعة أمور اساسية . الاول : ان الشخصية العراقية انفعالية سيكولوجيا" بطبيعتها . الثاني : ان استجابات العراقيين في الانتخابات كانت ردّ فعل على ظلم النظام السابق ومن يحسب عليه. الثالث : ان ثقافة الضحية التي اشاعها السياسيون عملت على تعطيل أو تخدير العمليات العقلية الخاصة بعواقب الأمور . والرابع : ان القيم الدينية تكون أقوى تأثيرا في الجماهير الشعبية، العربية الاسلامية، من القيم السياسية في الانتخابات الوطنية.
ان ادلاء الفرد بصوته بشكل حر حق كفله الدستور العراقي ، ولكن حريته في اعطاء صوته في الانتخابات التشريعية أو المحلية ينبغي ان تكون مصحوبة بــ " المسؤولية " ، لأن الانتخابات ( لاسيما مجلس النواب ) تقرر مستقبل الوطن وتحدد نوعية الحياة للناس بشكل عام . والذي حصل في انتخابات دورتي (2005 ) و (2010) ان العراقيين ، بشكل عام ، لم يمارسوا " المسؤولية " الوطنية ولا حتى الشخصية في اعطاء اصواتهم التي منحوها لولاءات طائفية وقومية ودينية . ومارس كثيرون منهم نفس الزيف على الذات الذي مارسوه في النظام السابق ، وبنفس ألية " سيكولوجيا الحمايه " .. ولكن بدلا" من ان يحمي نفسه من غضب السلطة عليه تحول الى الحمايه من خطر مكوّن اجتماعي . واذا كان قد اعطى صوته مكرها" في الانتخابات التي اجراها النظام السابق فأنه ايضا" اعطى صوته مكرها" ، أو مضطرا" ، في النظام الجديد..ولا فرق بين الحالين ، لأن في كليهما لم يمارس " المسؤولية " في اعطاء صوته الانتخابي ..فضلا عن ان هذا النوع من الانتخابات اشاع رذيلة النفاق بنوعيه السياسي والاجتماعي. والدرس الذي نستخلصه هو : ( ان الجماهير الشعبية التي تمارس الانتخابات في اجواء انفعالية بعد تحررها من نظام استبدادي قد تجني على نفسها بكارثة جديدة تكون اوجع واشمل من كارثة النظام الدكتاتوري الذي تخلصت منه ). اخيرا: نكرر القول ان هذه الدراسة لم تستوعب تحليل كل ما نجم عن حرب (تحرير او غزو )العراق..غير انها تطرح "نظريات" او فرضيات ،وتقدم مؤشرات تصلح لأن تكون مشروعا بحثيا تتبناه جامعة عراقية بالتعاون مع جامعة امريكية معنية بهذا الشأن العلمي ،سيما وأن الأمريكيين صاروا الآن اكثر اختلافا في الرأي بخصوص تقويم ما حدث.فبحسب صحيفتي "لوس انجلوس تايمز" و "جلوبل بوست" فأنه بعد مرور عشرة اعوام على حرب (تحرير العراق)التي اودت بحياة 4500جندي امريكي وانفاق نحو تريليون دولار امريكي "يرى معظم المحللين والدبلوماسيين ان هذه الحرب لم تقدم شيئا لتعزيز وضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط..وانها خلقت فراغا في السلطة..ليس في بغداد فقط بل وفي المنطقة التي اغرقت العديد من دول الجوار في بيئة متوترة من التداعيات".ولأول مرّة يعترف الامريكيون بغطرسة امريكا في العراق..وهو ما كنّا قد نبهنا اليه بعد ثلاثة اشهر من احتلالها العراق بمقالة موثقة في صحف عراقية بعنوان:(نصيحة الى حاكم العراق..السيد بريمر).
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عشر سنوات على حرب (تحرير) العراق-تحليل سيكوبولتك (3-4)
-
عشر سنوات على حرب (تحرير ) العراق_تحليل سيكوبولتك (2-4)
-
عشر سنوات على حرب (تحرير ) العراق-تحليل سيكوبولتك
-
حذار من الترامادول
-
الناخب العراقي..من سيكولوجيا الضحية الى سيكولوجيا التردد(1-3
...
-
حذار من اليأس..سنة خامسة
-
الشك بين الأزواج
-
التستر على المرض العقلي
-
الشخصية الفلوجية
-
ثقافة نفسية(75): الشعور بالذنب..والضمير
-
العشائر العراقية..قراءة في ازدواجية المواقف
-
الحكومة تريد..اسقاط الشعب!
-
الطلاق.. صار يوازي الارهاب!
-
ايها السياسيّون..كلكّم أحول عقل!
-
من عام النكد الى عام الرهان على العراقيين
-
سيكولوجيا الكذب
-
الصعاليك
-
رسالة الأقليم الى العرب المقيمين فيه
-
يستر الله..المسألة معكوسة!
-
ثقافة نفسية(74):نصائح للمعلمين والمعلمات..مع التحية
المزيد.....
-
خبير: الكرملين لا يسعى لإسقاط النظام الإيراني بل يراهن على ج
...
-
في ملجأ محصن.. خامنئي يعزل نفسه ويحدّد خليفته تحسبًا لاغتيال
...
-
القبض على أول شخص من عائلة بشار الأسد في سابقة أمنية لافتة ب
...
-
تل أبيب تصعّد حملتها ضدّ المنشآت النووية ال?إيران?ية وتلوّح
...
-
مساعدات التنمية: ألمانيا تقلص الإنفاق على الناس الأكثر فقراً
...
-
فرنسا: المنطاد الأولمبي سيعود للتحليق في سماء باريس بعد تحول
...
-
بالأرقام.. هكذا يضيّق الاحتلال الخناق على خان يونس
-
عبر الخارطة التفاعلية.. آخر التطورات في المواجهة الإيرانية ا
...
-
ردّا على ترامب.. الكنديون يلغون رحلاتهم إلى أمريكا.. من يدفع
...
-
الجيش الإسرائيلي: قتلنا قائدا آخر بفيلق القدس.. ونخوض -واحدة
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|