أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد قنوت - الثورة السورية على مدار عامين (المقالة 3) – الجزء الثاني















المزيد.....

الثورة السورية على مدار عامين (المقالة 3) – الجزء الثاني


خالد قنوت

الحوار المتمدن-العدد: 4044 - 2013 / 3 / 27 - 11:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سأبدأ, متابعاً الجزء الأول من المقالة الثالثة, من العناصر الأقل أهمية في الثورة السورية إلى العناصر الأكثر أهمية:
3- المجموعة العربية:
و قد يكون تمثيلها الهزيل في جامعة الدول العربية هو الأكثر صدقاً لنعرف محدودية التأثير العربي في الحدث السوري, رغم كل الضخ المالي لكلا طرفي الصراع, فالسياسة العربية لم تعرف الاستقلالية و لم تعكس مصالح الشعوب العربية بالمطلق منذ رحيل جمال عبد الناصر, لأنها سياسات كولونيالية خالصة, مرتبطة بالقوى العالمية. في التحليل العلمي, كل سياسات الدول العربية و جامعتها العريقة تصب بالنهاية في مصلحة النظام السوري و في مصلحة بقاء المنظومة العربية بعيدة عن التسونامي الذي اجتاح بعضها و سيجتاحها في المدى المنظور. في بداية الثورة, انتظرت الدول العربية قضاء النظام على الحراك الشعبي لأكثر من خمسة شهور ليقينهم بأن النظام يملك القدرة على ذلك و لديه تغطية دولية واضحة. حصل التباين, بعد دخول قطر أولاً على خط المعارضات و من ثم السعودية و لكل منهما أجندة خاصة به. كان من الواضح تبني قطر للإخوان المسلمين في تنافس واضح مع السعودية التي تتبنى الفكر الوهابي السلفي و هذا ما انعكس سلباً على طبيعة الصراع و دخوله بقصد أم بدون قصد في متاهات لا تلمس الواقع السوري و طبيعته المنفتحة على التعايش بين كل أطيافه و مكوناته, و هذا ما كان النظام منذ اليوم الأول يعمل من أجله لتشويه الثورة و من ثم القضاء عليها. موقف مصر المغيبة منذ عقود و التي لم تلتقط أنفاسها بعد ثورتها التي لم تكتمل بعد, فلا يمكن لها أن تقدم شيئاً للشعب السوري. دول الطوق السوري, الأكثر توجساً من الثورة لأنها المعنية مباشرةً بانتصارها و انتقال ربيعها إلى ربوع تلك الدول فهي لم تقدم للثورة السورية ما يمكن أن يكون حاسماً و واضحاً فمن جهة تستقبل الأردن و لبنان السوريون و من جهة يعتمدون التسول على حساب حاجة اللاجئين بينما تقول التقارير أن التعاون الأمني و الاستخباراتي مازال قوياً حتى اليوم لأنهم يعرفون انتقام النظام السوري و يخشون استعادته لزمام الأمور من جديد, في العراق الأمر أكثر وضوحاً حيث أعلن رئيس وزرائه الذي عاش في سورية أيام صدام حسين, أن انتصار الثورة يعني حروب في لبنان و العراق و تقسيم للأردن مردداً تحذيرات الأسد عن الزلزال الذي سيضرب الشرق ليصل لروسيا و الصين. كان جلياً الانحياز الطائفي للنظام العراقي الحاكم نحو النظام السوري. الموضوع الأكثر حزناً أن الشعب السوري احتضن جميع اللاجئين العرب طوال تاريخه و لكنه قوبل بالنكران و الإساءة بشكل عام, حيث يعامل السوريون اللاجئون كحالة وبائية ستنقل الثورة مع أنفاسهم. طبعاً, هذه سياسات أنظمة و ليست مشاعر شعوب, و أيضاً دون تعميم.
الجامعة العربية لعبت دوراً أقرب للتآمري المريب في تقديم المبادرات و إرسال بعثة لتقصي الحقائق يترأسها من لا يمكن الوثوق بنزاهته فكانت كشهود زور لصالح النظام.
و اليوم تقوم بتفيذ أجندات دول النفط العربي حيث لا أجندة قومية عربية لها, مطالبةً بقرار تحت فصل سابع لمجلس الأمن سيكبل سورية الجديدة, لعقود قادمة.
4- تركيا:
يذكرني دور تركيا في الثورة السورية بدور الحاوي. في بداية الثورة كانت تصريحات المسؤولين الأتراك تتصاعد إلى حد التهديد بأن وصول عدد اللاجئين السوريين على أراضيها إلى العشرة آلاف سيغير من سياسة تركيا جذرياً و لكنه اليوم وصل إلى عشرات الألوف و لم تنفذ تركيا ما هددت به رغم إسقاط النظام السوري طائرتين حربيتين تركيتين و استهداف مناطق داخلها بالقصف, طبعاً تركيا دولة تعرف مصالحها و تعرف موازين القوى في المنطقة و تدرك تبعات الثورة السورية على مسائل تركية جوهرية, كمسالة الأكراد و مسألة العلويين فيها. لكن تركيا التي احتضنت بشكل أفضل نوعياً اللاجئين السوريين حاولت أن تكون لاعباً أساسياً في مصير سورية من خلال تدخلها في تركيبات المعارضات السورية و في طرح البعض تدخلها العسكري المباشر كأحد السيناريوهات الممكنة و لكن حساباتها الوطنية و الضغوط الأمريكية أزاحت هذا السيناريو, حتى الآن. الأخطر أن تركيا شرعت حدودها لانتقال المقاتلين الإسلاميين بكل انتماآتهم إلى العمق السوري, مستنسخة دور النظام السوري في العراق خلال الاحتلال الأمريكي له. في الحسابات السياسية من المهم وضع الدور التركي في ميزان دقيق لأنها بقدر ما يمكن أن يكون لها دور إيجابي سياسي و اقتصادي في سورية بعد انتهاء أزمتها بقدر ما يمكن أن يكون دوراً سلبياً و مؤثراً على قطاعات سورية واسعة. هذا يتبع عدة معايير أهمها بقاء حزب الحرية و العدالة في السلطة و هو النموذج الغربي المفضل للإسلام السياسي المعتدل في حال وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في سورية الجديدة.
5- إيران:
لقد استثمرت إيران في النظام السوري سياسياً و اقتصادياً خاصة في ظل حكم بشار الأسد و جاهدت اجتماعياً, لتكون سورية حلقة رئيسية في مشاريع مصالحها, لذلك لم و لن تتوقف إيران عن دعم النظام السوري بكل الطاقات المالية و العسكرية و البشرية و ستسخر قواها و حلفائها من نظام المالكي إلى حزب الله اللبناني من أجل ذلك. لكن إيران, لن تقاتل إذا تدخلت بعض الدول عسكرياً, بشكل مباشر, فهي تمتلك البدائل البشرية و ستخوض حربها عن طريق حلفائها بكل شراسة لأنها تدرك أن قطاعات واسعة من الشعب الإيراني تنتظر التجربة السورية المريرة و التي ستستخلص العبر منها في صراعها مع أحد آخر الأنظمة الدينية الشمولية في العالم, نظام الملالي الإيراني.
6- اسرائيل:
لم يرف جفن النظام السوري و هو يعلن بفم أحد أهم أركانه رامي مخلوف بأن أمن النظام السوري من أمن اسرائيل. اسرائيل التي يعلن النظام عداوتها لم تهنأ بحدودها على الجولان المحتل آمنة إلا بسلطة الأسدين, بعد حرب تشرين. لقد سارع رئيس وزراء اسرائيل إلى كبح جماح تصريحات الرئيس الأمريكي التي تدعو لتنحي بشار الأسد عن الحكم مدرك كل منهما أن النظام لن يتوقف عن حله الأمني العسكري و أن تدميراً ذاتياً سورياًً سيكون أفضل السيناريوهات الحالية. إسرائيل التي تعرف أن العالم مقبل على تفكيك كل الأنظمة الشمولية فيه, تعتبر النظام السوري المكشوف لها أفضل من أي بديل قد يكون ديمقراطياً يكشف عوراتها و عيوبها التي تغطيها بادعائها أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في محيط من الأنظمة الدكتاتورية البدائية. يظهر ذلك, ببنائها سور على حدود اتفاقيتها مع الأسد الأب سنة 1974 بعد أن اكتشف الشباب السوري و الفلسطيني خلوها من الألغام المزعومة. في مراحل متقدمة من مسار الثورة سيكون لاسرائيل دوراً تخريبياً و عدوانياً أكثر وضوحاً و ربما ستلجأ لتدخل وقائي في حال انتصرت الحالة الوطنية السورية.
7- روسيا الاتحادية:
لن أخوض في طبيعة النظام الروسي هنا بقدر ما يهم في انتقاله الحاسم من موقف المتردد إلى موقف الراعي المباشر للنظام السوري سياسياً و عسكرياً. روسيا التي ابتعدت عن سورية منذ أمد بعيد و التي لم تكن مصالحها الحيوية متأثرة بوجود النظام السوري بل كانت ارتباطها باسرائيل واضح للعيان, حتى القاعدة البحرية الروسية في طرطوس ليست قاعدة استراتيجية اساسية و لم يكن الميزان التجاري بين البلدين ذي أهمية اقتصادية, وقفت تنتظر تداعيات الأزمة السورية لكن من سوء حظ الشعب السوري أن روسيا التي شعرت بتحايل الغرب عليها في الأزمة الليبية و بتعامل المعارضة السورية المتمثلة بالمجلس الوطني بكل خفة و استهزاء عندما زارها في موسكو في تشرين الثاني 2011 و أن الأمور تتجه لتحجيم دورها في المنطقة انتقلت بكل ثقلها الكبير إلى دعم النظام بعد زيارة وزير خارجيتها و رئيس جهاز استخباراتها. لقد نجحت روسيا حتى الآن في دعم النظام دولياً بثلاثة فيتو و بدعم سياسي و عسكري و استخباراتي هائل و مازالت تشكل الدفة الثانية في ميزان استعصاء الأزمة السورية إلى حين.
8- الولايات المتحدة الأمريكية:
بكل المعايير تعتبر أمريكا اللاعب الأكبر في منطقة الشرق الأوسط مستبعدةً أي دور أوربي فاعل. السياسة الأمريكية التي صدمت بانتشار تسونامي الربيع العربي استطاعت أن تجد حلولاً آنية في تونس و مصر و لكنها في الحالة السورية لا يمكن أن تسمح باختلال ميزان توازنات دقيق للغاية, فبقدر ما للسياسة الأمريكية من ثوابت كحفاظها على مصالحها الاستراتيجية و مصالح أمن إسرائيل فهي ديناميكية أيضاً. لكن من الواضح ان سياسة الرئيس أوباما تعبر بشكل واضح عن حالة اقتصادية أمريكية سيئة و على انحسار دورها في مناطق عديدة من العالم لحساب قوى أقليمية و دولية أخرى. بعد الضغط الاسرائيلي, كان تجاهل الإدارة الأمريكية للأزمة السورية ظاهراً للعيان و كان أغلب ما صرح به مسؤوليها شكلاً هلامياً متزبزباً سمح للنظام السوري أن يزيد من جرعات عنفه و بطشه على الشعب السوري حتى يمكن سماع تناغم الإيقاعات بين النظام السوري و الإدارة الأمريكية و كأن الاثنين يعرفان بعضهما تمام المعرفة.
فبينما تصرح وزيرة خارجيتها السابقة بضرورة وقف النظام لاستخدام العنف كانت الإدارة الأمريكية تفرض حصاراً على شحنات السلاح لمقاتلي كتائب الجيش الحر مبقية الأمور على خطوط محددة بينه و بين قوات النظام, حيث لا تسمح بانتصار أحد الطرفين في شكل واضح لاستنزافهما ليوم تستطيع استثمار انتصار أحدهما على الآخر. مبقية من ناحية أخرى, ورقة ارتباط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة شماعة لتدخل عسكري في المستقبل عندما لا تكون النتائج في صالحها على الأرض.
لا شك أنها بالنهاية تريد حلاً يرضيها للأزمة السورية و لكنها لم تستطع حتى هذا اليوم أن تستقبل من يعطيها ضمانات لمصالحها في سورية بعد أن وضعت إطاراً سياسياً جديداً في جنيف مع روسيا.
ستظل الطروحات الأمريكية مثار شك و ريبة لكل السوريين لأنها بالنهاية تبحث عن مصالحها و مصالح حلفائها في المنطقة و هذا ما صرح به وزير خارجيتها الجديد كيري تماماً و الأمريكون يعرفون الرفض التاريخي للشعب السوري لسياساتهم في المنطقة.
9- الشعب السوري:
و هو العنصر الأهم و الأقوى, حيث كان على مدى خمسين سنة هو العنصر المغيب في كل الحسابات السياسية للنظام و للدول الفاعلة. الثورة السورية فرزت الشعب السوري إلى عدة أقسام. لكل قسم انتماآته السياسية و العقائدية و له موقف من الثورة:
القسم الأول: و يتألف من موالين للنظام و يرون فيه إما مصالحهم الخاصة في الاستفادة من حالة الفساد السائدة و الترهل الإداري و القضائي و التنظيمي في كل مرافق الدولة فلا تشكل ثورة تطالب بالعدالة و مكافحة الفساد إلا تهديداً لمصالحهم و كشفاً لسقوطهم الأخلاقي في الفساد, و منهم عدد كبير من المغتربين السوريين. و إما موالين يعتبرون أن النظام علماني و يحمي أقليته الدينية أو الطائفية أو الإثنية و خروج ثورة من المساجد يعني حكم الاسلام السياسي الاقصائي, متناسين أن لا مكان في سورية قابل لتجميع الناس إلا صلاة الجمعة. هناك موالين مرتبطين بالنظام ارتباطاً عضوياً و هم من كل أطياف الشعب السوري, يعملون بشكل أو بآخر بأجهزته الأمنية و مجندين منذ حكم حافظ الأسد كي يقاتلوا من أجل النظام و يقتلوا دون حساب كل من يقف ضده و هم من شكلوا المليشيات المسلحة التي عرفت بالشبيحة. كل هؤلاء, يؤمنون بنظرية المؤامرة الكونية على سورية و على موقفها الممانع المقاوم حتى على حساب كرامتهم و أرواح أخوتهم و مصير وطنهم المنهوب من النظام منذ أكثر من أربعين سنة.
القسم الثاني: يتألف من شريحة كبيرة من الشعب السوري التي عرفت بالصامتون, منهم الانتهازيون اللذين لا قرار لهم في حياتهم الشخصية فكيف بقرار قد يدفعون ثمنه حياتهم أو رزقهم و لكنهم متزمرون من حالة الفوضى و مشككين بالثورة و بأهدافها و بكل شيء أصلاً. و هناك الصامتون اللذين يكنون للنظام كل الحقد و الكره و لكنهم لا يريدون تدمير البلد و لا يريدون احتلالاً لوطنهم و لا يريدون أن يدفعوا ثمناً لأي شيء و يرون أن الحياة تحت ظل هذا النظام أفضل من الفوضى و الأمان الزائف أفضل من مواجهة مخرز النظام العنيف. قد يكون قطاع كبير منهم انتقلوا إلى صف الثورة بعد تعرضهم لقسوة و بطش النظام غير المنضبطين. هناك العديد من الصامتين يخفون غضبهم على النظام و أساليبه و لكنهم لا يملكون قراراً شجاعاً قد يكلفهم الكثير و هم أعجز عن تحمل النتائج, هؤلاء منهم الكثيرين ممن يعملون بدوائر الدولة و مؤسساته و منها مؤسسة الجيش.
القسم الثالث: هذا القسم هو ما سيذكر التاريخ عنه الكثير و بحروف من ذهب سيكتب عن قيامته و تضحياته و إصراره. هو رمز الكرامة و العنفوان السوري.
من صبره على عقود القهر و الظلم, إلى بيارق الأمل مع الربيع العربي الذي فجره البوعزيزي ليكون تسونامي الحرية. محاولات البعض الأولى لم تنجح في بداية شهر شباط 2011 حيث كان الجميع ينتظر مآل ثورة مصر. عند سقوط مبارك, كان القيامة قدرية, صيحات شباب و شابات سوريين في سوق الحميدية كانت أولى صيحات الفجر الجديد, هتاف تجار الحريقة (الشعب السوري ما بينذل) قرعت أجراس الحرية. ما لم يكن متوقعاً هو القيامة من حوران التي كانت تعتبر خزان البعث البشري و الشعبي. من أنامل أطفال درعا التي خطت عبارات بشائر الثورة و تعامل النظام الأسدي ممثلاً بعاطف نجيب الأرعن كانت شرارة الانطلاق للثورة السورية. نعم, النظام المتعجرف الهمجي هو أكبر المساهمين بالثورة السورية و هو بطلها الحقيقي.
من حسن حظ السوريين, أن من يحكمهم لم يستوعب الناس و لم يتعامل معهم سوى بالرصاص بعد أن حسم أمره بأن سر نجاحه في سحق التسونامي القادم لسورية سيكون بالنار و لا شيء سوى النار. كان أول ردود فعله على خروج أهل حوران, هو إنزال دبابات الجيش السوري, زاجاً بالجيش و آلته الحربية الضخمة في حرب أعلنها على الشعب الأعزل السلمي. الناس طالبت بأولادها المعتقلين و محاسبة من أذلهم. أنتقلوا للمطالبة بإصلاح النظام دون أسقاطه لكن استشهاد شبابهم و جبروت رأس النظام جعلهم ينادون بأسقاطه. منذ اليوم الأول تعامل النظام في سيناريوهات العصابات المسلحة و الإمارات الإسلامية, لكن أهل حوران حافظوا على سلميتهم و على ضبط غرائزهم و هم أهل الأرياف و العشائر. تنادت المدن السورية لنجدة أهل حوران في استعادة للروح الوطنية و الأخلاقية التي اعتبر النظام أنه قضى عليها تماماً في ضمير السوريين. قامت اللاذقية و بانياس و جبلة ليقابلها النظام بشدة مضاعفة و دموية أكبر. كانت لحادثة قرية البيضا البانياسية الأثر الأكبر من تعبئة السوريين باتجاه الثورة لما رأوه من إهانة و تحقير لأهالي القرية من أهالي قرى قريبة لها. كان التطيف أحد أهم سيناريوهات النظام للقضاء على أي تمرد أو انتفاضة شعبية و لكن الثائرين كانوا يعرفون هذا النظام و قد خبروه جيداً. لم يحمل الناس السلاح مع أن الثورة انطلقت من الريف السوري و لم يستجيبوا للغرائز الطائفية لإدراكهم بأنها شرك أمني خطير.
اتسعت شرارة الثورة لتصل لمدينة حمص فإدلب فحماة فدير الزور فريف دمشق, لتعم معظم المناطق السورية. استمر الحراك الشعبي سلمياً عاصفاً, لو قدر له أن يفرز قيادة سياسية واعية و متماسكة لكان للثورة شأن آخر, لكن عوامل كثيرة أعاقت ذلك, منها:
- عنف النظام الدموي و تصيده لأي حالة ثورية واعية قد تشكل نواة قيادة للحراك على الأرض, فقام باعتقال و تصفية جيلين من الشخصيات القيادية الشعبية بشكل ممنهج كتصفية الشهداء, معن العودات و غياث مطر و مشعل تمو و عدنان وهبة و الكثيرين. من جهة أخرى, فتح المجال لخروج المعارضين السياسيين خارج سورية.
- تنازع المعارضات الخارجية و محاولة البعض منها إدعاء قيادتها للثورة في حالة إقصائية للآخرين مستخدمة نفوذها المالي و السياسي بحكم علاقاتها الخارجية, رغم عدم وجود أي وزن سياسي على الأرض.
- وقوف معظم النخب الثقافية السورية موقف متخاذلاً تجاه حراك شعبي عفوي أصيل كان ريفياً بالبداية, لم يقم أي وزن لقاماتهم الثقافية العاجية. فكانوا في غربة و توحد أمام ثورة لم تلامس خيالاتهم و تصوراتهم النموذجية لشكل الثورات.
أكثر من ستة شهور, كان السوريون يخرجون كل ليلة في مظاهرات سلمية يغنون للحرية و يرقصون في حالة صوفية بعد أن زفوا شهدائهم نهاراً.

السؤال كان دائماً, كم سيصبر هذا الشعب على سلميته, و قد وجد كل هذه الدموية من النظام و أدرك أن النظام قد بنى شبكة علاقاته الإقليمية و الدولية على اساس بقائه الراسخ؟ و هناك من كان دائماً يدفعه باتجاه مواجهة العنف الأسدي بالسلاح و التسلح إن كان النظام نفسه و إن كانت بعض أطراف المعارضة التي اعتبرت أن سيناريو التدخل الأجنبي العسكري في ليبيا سيطبق في سورية ليكون جسراً لهم لاستلام السلطة على طبق من ذهب و لوكان غارق بالدم السوري.
في البداية, عناصر الجيش السوري الذين انشقوا عن النظام اختفوا بين الناس و شاركوا بالحراك السلمي و لم يحملوا السلاح, لكن مع بداية تشكيل الضباط الأحرار بقيادة المقدم حسين الهرموش ثم تشكيل الجيش الحر بقيادة العقيد رياض الأسعد حملت تلك العناصر السلاح لحماية المتظاهرين من نذالة قطعان الشبيحة و وضاعتها الأخلاقية و الوطنية.
بعد انتهاء شهر رمضان, و تتويجاً لوعود المجلس الوطني بتدخل الأساطيل الغربية لنصرة الشعب السوري انتقلت بعض المناطق الثائرة إلى الكفاح المسلح المباشر ضد آلة النظام الأمنية و العسكرية التي استباحت الأرواح و الأرزاق و الأعراض و البنية التحتية للمواطنين السوريين كافة.
* * *
لقد دخلت الثورة السورية عامها الثالث دون أن يتوقع أحد ما: السوريون أنفسهم, النظام, المعارضات و دول العالم قاطبة, أنها ستستمر كل هذا الوقت. كان رهان السوريين الثائرين على أنفسهم بعد أن خذلهم الجميع و بقدراتهم الذاتية تستمر ثورتهم لأن عامل بقائها سلمية أو مسلحة, مازال قائماً و هو النظام نفسه الذي لا يمكن له بنيوياً أن يسير في أي حل سياسي و خاصة بعد كل هذا الدمار و الدم. بينما كان رهان الآخرين هو سحق النظام لهذه الثورة بعد أن نجح في تسلحها و إدخال عناصر التطرف في أماكن عدة فيها و حاصر الحاضنة الشعبية لها معاقباً و منتقماً دائماً لوقوفها مع الثورة و دعمها لتعاظم إمكانيات الجيش الحر الذي بدأ يهدد هذا النظام في قلعته الأخيرة, دمشق الفيحاء.



#خالد_قنوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة السورية على مدار عامين (المقالة 3) – الجزء الأول
- التمثال الغبي
- الثورة السورية أسباب و مقارنات 2
- التحليل السياسي في الثورة السورية 1
- التكوينات الطائفية من موقع المقاوم إلى موقع العدو
- تشيخوف في الثورة السورية
- في نهاية العام الثاني للثورة...ما العمل؟ أيضاً
- الممكن, في الوصول لأهداف الثورة
- كم كنت وحدك؟
- السوريون الأحرار ضمانة لأهداف الثورة
- الثورة السورية اليتيمة بين حصارها و عنادها
- لدينا خادمات سوريات..
- العيد يأتي قريباً
- لافروف و عودة الابن الضال
- طلاب الولاية لا يولون
- بين خبزنا و دمنا, رسائل
- الانتلجنسيا السورية و سراب الحل السياسي
- سيناريو وطني يوم تحرير الوطن
- أين ذهبت أموال الإغاثة و التبرعات؟؟
- إلى ما قبل قبل العصور الحجرية


المزيد.....




- شاهد: دروس خاصة للتلاميذ الأمريكيين تحضيراً لاستقبال كسوف ال ...
- خان يونس تحت نيران القوات الإسرائيلية مجددا
- انطلاق شفق قطبي مبهر بسبب أقوى عاصفة شمسية تضرب الأرض منذ 20 ...
- صحيفة تكشف سبب قطع العلاقة بين توم كروز وعارضة أزياء روسية
- الصين.. تطوير بطارية قابلة للزرع يعاد شحنها بواسطة الجسم
- بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار!
- وزير خارجية الهند: سنواصل التشجيع على إيجاد حل سلمي للصراع ف ...
- الهند.. قرار قضائي جديد بحق أحد كبار زعماء المعارضة على خلفي ...
- ملك شعب الماوري يطلب من نيوزيلندا منح الحيتان نفس حقوق البشر ...
- بالأسماء والصور.. ولي العهد السعودي يستقبل 13 أميرا على مناط ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد قنوت - الثورة السورية على مدار عامين (المقالة 3) – الجزء الثاني