أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد قنوت - إلى ما قبل قبل العصور الحجرية














المزيد.....

إلى ما قبل قبل العصور الحجرية


خالد قنوت

الحوار المتمدن-العدد: 3934 - 2012 / 12 / 7 - 08:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الطريق إلى المنزل بعد يوم عمل طويل, يستغرق الساعة و النصف ركوباً بوسائل النقل العامة. لم أكن أمتلك سيارة بعد, لأني كنت قادماً جديداً لهذا البلد المتشح بالثلوج طوال السنة. عند موقف الحافلة توقفت اتقي شر البرد الذي ينخر العظام, نخراً. لاحظت رجل مسن و زوجته لديهما ملامح بلادنا, سرعان ما اكتشفت من لهجتهما الجميلة أنهما عراقيان. إلتقت عيوننا مع بعض و كأننا كنا نبحث عن بعضنا منذ زمن. اقتربت منهما و سلمت عليهما بالعربية. دخل الدفء إلى قلوبنا جميعاً. سألته كيف الأحوال في العراق؟ شاح بنظره عني و كأنه كان يريد أن يلملم دمعة لاحظتها بين عينيه. عالجت المشكلة بسؤال آخر: منذ متى و أنتم هنا؟ قال لي: (منذ شهر), و شرح لي أنه اضطر لمغادرة العراق بسبب الفوضى التي تعمه. سألني ماذا أعمل فكان حزنه واضحاَ عندما قلت له أني مهندس. قال لي أنه بروفسور في الهندسة و رئيس قسم الكهرباء و مدير أبحاث في جامعة بغداد.
سألته عن أحوله المعيشية فقال أن لديه أبنتان تقومان بتعديل شهادتيهما في الطب لتستطيعان العمل هنا و قد اقترضتا من الحكومة تكاليف الدراسة و من هذه التكاليف يعيشان جميعاً. قلت له إن كان يحب أن أساعده في الحصول على عمل. ابتسم و قال لي باللهجة العراقية : (يا أبن أخي, بعد هذا العمر, صعب جداً أن أتقدم بطلب توظيف من أحد قد يكون بعمر أولادي و لا يملك من العلم ما أملك, صعب).
انقطع الحديث عندما وصلت الحافلة في موعدها المحدد على شبكة الأنترنت, بالدقيقة.

اليوم اعتصر الحزن و الألم قلبي عندما سمعت بخبر اختطاف صديق عزيز علي. هو بكل المقاييس عالم و يعمل في مركز البحوث العلمية. منذ شهر وجدوا سيارته على طريق الربوة و لم تصل لأهله أي أخبارعنه و لم يتلقوا اتصالاً, كما هو معهود هذه الأيام, طلباً للفدية. الأنكى من ذلك أن النظام أوقف راتبه الشهري بسبب تغيبه عن العمل.
لقد درس هذا الرجل على نفقته الخاصة في فرنسا و اختص في مجال البحوث العلمية و له عدة محاضرات تتناقلها مراكز البحوث العلمية العالمية, اهتمامته السياسية منعدمة تقريباً, جل اهتمامه العلم و لا شيء غير العلم. مهذب و علاقته مع عائلته مثالية و حب أصدقائه له كبير.

تتقاطع المسألتان السابقتان مع تكرر استهداف ما للعلماء السوريين في ظل هذه الفوضى التي تعصف ببلادنا. من يذكر منكم الرقم الحقيقي لعدد العلماء العراقيين الذي اغتيلوا أو اختطفوا بعد الاحتلال الأمريكي للعراق, و من يعرف عدد العلماء العراقيين الذين غادروا العراق و تاهوا في العالم.
الفوضى دائماً, أفضل الوسائل للأنظمة الدكتاتورية لكي تمنن الشعوب بضرورة بقائها جاثمة على صدور الجميع و لكن الفوضى أيضاً أسهل الطرق للجماعات المسلحة المتطرفة و الجماعات الإجرامية التي أطلق النظام سراحها من سجونه لتعيث فساداً و قتلاً و اختطافاً و لتحقق مكاسبها سياسيةً كانت أم مادية.
أحد السوريين ذهب لمخفر الشرطة يطلب مساعدتهم لتنفيذ قرار محكمة بإخلاء بيته المستأجر, فكان جواب رجال الشرطة: (إذهب و اقتله و ادعي أن الجيش الحر قتله) هذه الحادثة حقيقية و لست خيالاً, تحدث في بلادنا.
لكن سؤال كبير و مهم علينا نحن السوريين أن نسأله لأنفسنا: (من مصلحة من التعرض للعلماء السوريين و أصحاب الكفاءات العلمية و الاختصاصات؟ إلا يكفي سياسة النظام الذي شرع أبواب الهجرة للعقول السورية و لم يحمها بإيجاد سبل العيش الكريم لهم في وطنهم و لم يحقق لهم المكان و الزمان لإبداعاتهم؟)
العلماء السوريون الذين رفضوا إغراءات الدول المتقدمة للعمل و العيش هناك و عادوا بعد تحصيلهم العملي العالي, للوطن للعمل في ظروف سيئة و مشحونة ترفض نجاحهم في جو من الفشل العام الذي أنتجه نظام أبعد ما يكون عن العلم و البحث العلمي و هو الذي أنفق ملايين الدولارات على طلاب فاشلين درسوا في جامعات فاشلة فقط لأنهم بعثيون و عادوا ليكونوا عالة على العلم و الوطن بشكل عام.
هنا و بكل صدق لا استبعد العامل الخارجي الذي من مصلحته غياب أي عقول و أدمغة سورية وطنية سيكون لها الريادة بعد سقوط النظام و بهذا يتعثر الوطن بالجهل و التطرف و الاحفاقات لزمن طويل حتى يرمم هذه الشريحة العلمية من جديد.

أعرف العديد من هؤلاء و أخشى عليهم خشيتي على سورية الجديدة التي سيعاد بنائها من جديد و سيكون لهؤلاء العلماء و لأصحاب الكفاءات العلمية المهمة الأساسية في ذلك.
النظام الذي استحلف بالقول: الأسد أو نحرق البلد, مهدداً الوطن الثائر بأنه سيعيده إلى العصور الحجرية و قد أنجز الكثير من خراب الوطن و فوضى بلا حدود فتأتي طيور الظلام و قوى داخلية و إقليمية و دولية لتستكمل خراب الوطن و تقضي على أسس و كوادر إعادة بنائه من جديد لترمينا كسوريين إلى ما قبل قبل العصور الحجرية.
أيها السوريون حافظوا و احرصوا على ما تبقى من علمائكم رجالاً و نساءً لأنهم سينيرون طريقكم إلى سورية الحديثة.
و أنت يا صديقي الغائب, أدعو الله أن تعود سليماً لعائلتك و لأصدقائك و لوطنك الذي يحتاج نور عقلك و علمك و أخلاقك.



#خالد_قنوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأكراد السوريون..سوريون أكراد
- ثلاثة مشاهد في اسبوع واحد
- لماذا جرمانا؟
- قصة من مطار مرج السلطان
- سورية الجديدة تحت المظلة الديمقراطية
- نكسة أم انتكاسة؟
- الائتلاف الوطني السوري. ما العمل؟
- المبادرة الوطنية السورية أكثر من ضرورة
- عصفور و شجرة و وطن في سر حكاية الاستاذ ميشيل كيلو
- ماذا بعد؟
- الحرية و الكرامة أهدافاً أساسية للثورة السورية
- هذه الانسانية قالت: -كفى-
- الكم و النوع في عناصر نجاح الثورة السورية.
- عودوا أنا كنتم, سوريون كما كنتم.
- حزب العائلات السورية المختلطة
- دور موسكو في التاريخ و المصير السوري
- البيان رقم واحد
- الله أكبر ..حرية
- إصرار من غير حدود
- الثورة تتجدد..الثورة تستمر..و تتكامل بالإعلان عن الجمعية الت ...


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد قنوت - إلى ما قبل قبل العصور الحجرية