أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد قنوت - هذه الانسانية قالت: -كفى-















المزيد.....

هذه الانسانية قالت: -كفى-


خالد قنوت

الحوار المتمدن-العدد: 3889 - 2012 / 10 / 23 - 14:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كانت الأعداد متواضعة قد تصل حد الشعور بالخيبة و اللاجدوى, أرسلنا الرسائل الشخصية و الدعوات على كل الوسائل الاعلامية و وسائل التخاطب الاجتماعي بأن هذه ليست مظاهرة عادية إنها وقفة عالمية من أجل الشعب السوري و تضامناً مع نضاله و ثورته اليتيمة و العظيمة في نفس الوقت.
صحيح, كان السماء ملبدة بالغيوم و قد بدأت الأمطار بالهطول و لكننا تجمعنا حول أنفسنا و حملنا أعلام الثورة و بعض اللافتات و الصور لتخبر العابرين عن الذي يحدث الآن و كل يوم و منذ تسعة عشر شهراً في بلد الياسمين و أرض الحضارات و موطن الانسان و الإنسانية الأولى.
همس بأذني أحد الأصدقاء العرب معاتباً: ماذا يحصل لكم أيها السوريون؟ مع كل مظاهرة تقل أعدادكم رغم ازدياد أعداد شهدائكم في الوطن؟ من المعيب الذي يحصل لكم هذا, و قد أفضل في المرة القادمة أن لا أشارككم لأن عددكم سيكون في تناقص و تناقص.
نظرت في عينيه و قلت له: للآسف, لم نرتق إلى مستوى البطولة و العظمة التي تحدث الآن في سورية, نحن الذين نعيش في بلد نستطيع فيه أن نمارس حريتنا و حقوقنا دون خوف أو وجل و يحمينا قانون إنساني و أخلاقي إلى أبعد الحدود مازالت سياسة الخوف و الحيرة الأسدية تطاردنا و تقض مضاجعنا. السوريون في الخارج مازالوا يعيشون قهر حافظ الأسد و ذل أجهزته الأمنية و هم في أطراف العالم. لكن هناك شابات و شباب بعمر الورد كسروا قيد خوفهم في سورية و خرجوا في طريق لا رجعة به, يقابلون الرصاص الغادر بصدورهم و يغتالون خوفهم بهتافهم و تماسكهم في ساحات الوطن يغنون و يرقصون على أغاني الثورة التي دفع ثمنها القاشوش و غياث مطر و معن عودات و باسل شحادة من روحهم و من دمهم و هي من جعلت عبد الباسط ساروت يحمل السلاح بعد أن دمرت ساحات الحرية في حمصه و قتل أصدقاؤه الذين شاركوه الغناء و الرقص و حمل كاميرات الثورة بقصف مدفعي على أيدي من تدربوا على فنون القتال في كليات و معاهد حمص العسكرية.
قال لي: هناك مشكلة في بعض السوريين لا استطيع أن أدركها, فهم بغالبيتهم يتسابقون على الأشياء و كأن الأمور تعاطي شخصي, و هنا أتذكر أني زرت سورية و فاجأني منظر عشرات محلات الشاورما بجانب بعضها و في نفس الحي, لم افهم لماذا؟
ضحكت على مسألة انتشار محلات الشاورما في نفس الحي و قلت له: الوضع تغير في سورية الآن بشكل عام, الناس في أغلب المناطق المحاصرة يعيشون في تكافل اجتماعي و وحدة حال لشعورهم الفطري بحجم المصيبة و بيقينهم أنهم يواجهون معركة مصيرية وجودية مع قوات احتلال. في المناطق المحررة هناك أشكال من التنظيم الاجتماعي لأمور الناس و قد جرت بعض الانتخابات المحلية فيها و هناك مناطق محررة بدأت بتطبيق دستور 1950 على محاكم محلية فيها قضاة و شرطة محلية. المشكلة التي تتحدث عنها مازالت في بعض السوريين الذين يعيشون خارج الوطن, فالأنا السورية, المرضية مازالت حالة مستعصية فيهم.
قال لي: كيف ذلك؟. قلت له: السوريون الذين غادروا البلد حملوا في حقائب ضميرهم, الشخصية السورية المقهورة التي عمل النظام على ترسيخها على مدى خمسة عقود. شخصية مترددة مدجنة لا تثق بقدراتها و قبل كل شيء تحمل الشك بكل شيء, لقد أحكم النظام الحصار على الانسان السوري بعد أن عاش و صال و جال في هذا العالم بدون تأشيرة دخول قبل حكم الأسد لكنها صارت بفضل حكمة الطاغية الأب ضرباً من المستحيل أو شبيهه, طوابير البشر كانت تقف على أبواب السفارات منذ منتصف الليل لكي تحصل على فرصة 2% من طالبيها, وسط سخرية الموطفين الأجانب و دهشتهم. هذا الحصار يحول الأنسان لحالة نكران للعالم و تصبح ذاته محور العالم فتتضخم الأنا العليا عنده و يتقوقع في ذاته و لا يخرج منها. هناك سوريون مازالت هذه الأنا معهم و هم قد غادروا وطنهم منذ زمن. مع الثورة تحولت هذه الأنا إلى شعور فوقي لا أستطيع تبريره فنرى ظاهرة المحللين السياسيين و القادة العظام على الفيسبوك و لتشاهدهم و تسمعهم عند بدء الحديث عن الثورة أو عن الأوضاع في الوطن, تراهم محطات ثورية للتحليل السياسي و للمعرفة التي لا حدود لها و بنك معلومات و تفاصيل في كل المواضيع, مع أن أكثرهم لم يقرأ جريدة في حياته ناهيك عن كتاب سياسي أو ثقافي و لكنه هذه الأيام يتغزل و يفاخر بتاريخ سياسي وهمي لم يحدث سوى في خياله.
هناك العديد منهم هنا يا صديقي و لكننا لا نشاهدهم في مظاهرة أو وقفة احتجاج و لم نستطع أن نقنعهم بالتبرع للآلاف من السوريين المنكوبين في الداخل و في الخارج لأنه يريد أن يعرف كيف و لمن ستذهب أمواله التي سيغدق بكرمه علينا.

و نحن في خضم حديثنا, إقترب منا شاب و في ملامح وجهه حزن و تعاطف واضحين. قال لنا: أنا و كل الكنديين متعاطفين معكم و نشاهد ما يفعله بكم رئيسكم, قتل أهلكم و أطفالكم. هذا لا يمكن أن يحدث في مثل هذا اليوم, نحن لم نعد نعيش في عصور البربرية و التوحش. إننا متعاطفون معكم و نقدر صمودكم و مطالبكم بالحرية. لم نعرف سورية قبل ثورتكم و لكننا كل يوم نشاهد على المحطات العالمية المجازر التي تحصل في بلادكم. لكم منا كل التقدير و الاحترام و الدعم.
انسحب الشاب الأشقر خطوات إلى الوراء متطأطئاً رأسه و في عينيه الزرقاوين حزن و أسى. بادلنا الشاب التحية و شكرنا له مشاعره و دعمه المعنوي لقضيتنا و لثورتنا و لسوريتنا.
كان في العشرينات من عمره و على شحمة أذنه قرط صغير و في ملامحه كل الجدية و الصرامة, شاب كندي يبعد بمكانه عن سوريا آلاف الأميال و يفصل بين بلده الحر و بين بلد يناضل من أجل حريته, محيطات و بحار و بلاد كثيرة. وطنه الذي لا يتجاوز عمره الأربعة قرون لم يمنعه من التعاطف الانساني و الأخلاقي مع وطن يعود لثمانية آلاف عام قبل الميلاد و أكثر. يسمو هذا الشاب الكندي الذي لا يرتبط بأي رابط مع الشعب السوري, يسمو بإنسانيته و أخلاقه و لا يقبل على نفسه و على مبادئه إلا أن لا يعبر عن غضب, حزن, أسى, تعاطف مع شعب شجاع يدفع ثمن رفضه لكل هذا القهر و الذل من ديمومته و توحشه.

نظرنا نحن الاثنين إلى بعضنا و على قدر الفخر و الاعتزاز الذي شعرنا به لوطننا و لأهلنا الأبطال هناك, أحسسنا بأن الذي لا يملك الحرية الحقيقية في قرارة نفسه لا يملك تلك الانسانية و تلك الأخلاق التي يملكها شاب كندي لا يربطنا به سوى الانسانية.
كان العابرون من مختلف الجنسيات, يقفون و ينظرون مشمأزين لصور أجساد أطفالنا المقطعة و أطرافهم المبتورة و عيونهم الحزينة, منهم من يلتقط الصور لنا و لأعلامنا و آخرين بهتفون معنا و يقفون بعض الوقت, لكن في الطرف الأخر كان هناك العديد من السوريين يصرون على إلتقاط الصور لأنفسهم بجانب الأعلام السورية و هم يرفعون شارات النصر و مبتسمين كأنهم في مشهد هوليودي و في عدة وضعيات لكي يحملونها مسلءً, على الفيسبوك و مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى, كأحد أعلام و زعماء الثورة السورية.
ليس لي أخيراً سوى أن أردد قول الخالد أرنستو تشي غيفارا: "هذه الانسانية قالت كفى".
كفى لكل هذا الخراب في الوطن السوري و في المواطن السوري.

خالد قنوت
23 تشرين الأول 2012



#خالد_قنوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكم و النوع في عناصر نجاح الثورة السورية.
- عودوا أنا كنتم, سوريون كما كنتم.
- حزب العائلات السورية المختلطة
- دور موسكو في التاريخ و المصير السوري
- البيان رقم واحد
- الله أكبر ..حرية
- إصرار من غير حدود
- الثورة تتجدد..الثورة تستمر..و تتكامل بالإعلان عن الجمعية الت ...
- إلى المناضل هيثم المناع:
- قرابين الحرية
- لعنة الأسد أم لعنات الشعوب
- مازال البحث مستمراً.. -حدثت في الصحراء العمانية, ربيع سنة 20 ...
- سقوط العنقاء السورية
- ثوار ضد الثورة
- ميغ 21
- الموت و لا المزلة
- جبال الصوان.. في وطن الياسمين
- قانون العزل السياسي, حق أم واجب
- مسودة بيان من أجل الوطن
- يا ثوار سورية لا تتركوا التحرير


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد قنوت - هذه الانسانية قالت: -كفى-