جبال الصوان.. في وطن الياسمين

خالد قنوت

الحوار المتمدن-العدد: 3805 - 2012 / 7 / 31 - 13:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

سألت صديقي المحاصر في إحدى المدن السورية: كيف الأحوال عندكم؟ تنهد قليلاً و أظنه ارتشف طويلاً من سيكارته, و قال لي: على الجميع أن يسمعوا مسرحية جبال الصوان فستعرفون بالضبط مالذي يجري في كل أنحاء سورية.
صمت طويلاً. كان صوته ممزوجاً بالحزن و التحدي, ممزوجاً بالألم و الفرح, خليطا منً الأسى و الثقة.
أحسست بصلابة قبضة يده على سماعة الهاتف.
جبال الصوان و كيف لعاشق لفن فيروز و الرحابنة أن ينسى أياً من تفاصيل مسرحية مهمة كمسرحية جبال الصوان و شخوصها:
- متلج الذي قتل على البوابة وحيداً تراه صوراً لآلاف الشهداء و المعتقليين السوريين ممن قضوا بصمت في أقبية و معتقلات النظام منذ خمسين سنة ذل و انعدام للكرامة حتى عودة غربة.
- فاتك المتسلط الذي حكم بلد الياسمين بالحديد و النار عقوداً من الزمن فسرق من أهله البسمة و الفرح كما سرق العقول و غلال الوطن.
- شهوان العوايني والشبيح, المدافع عن فاتك المتسلط حتى العبادة, كم لأشباه الرجال أشباه, البوطي, الحسون, هزيم, اللحام و جيش من مرتزقة الفن و الثقافة و الإعلام.
- عبدو الذي أنشد قصيدة تشيد بمتلج أمام فاتك المتسلط لتبشره بالسقوط و الهزيمة فيرتسم أمامك شريط صور لأبطال حقيقين: فرزات و فليحان و جندلي و الحلو و قسطون و فدوى و مي و و و و ... فسورية لن تصاب بالعقم يوماً.
- ديك المي الغارق بهمومه و الهارب من عفن الأيام التي لا تتركه لعزلته و لتقتنصه منها و تسلب منه الحياة فقط ليتسلى الطاغية بأعمار الناس و بمصيرهم, ألا يذكركم ديك المي بالكثيرين ممن قنصهم العسكر و هم يحملون الخبز لأولادهم كما حمل ديك المي سلة الكرز.
- أما غربة التي انتظرناها نحن طويلاً, حتى هرمنا, فقد أتت و بدون أن تطرق الأبواب. جاءت كما المطر بعد طول انحباس, كما البركان دون دخان. غربة التي أتت لتخلصنا من هذه الغربة اجتاحت سكوننا و صمتنا و حسرتنا لتبعث الحياة في مملكة الصمت و تكسر أبواب المستحيلات و تحطم الخوف الذي عشش فينا فهمنا وقتها في الأرض معزولين, مهاجرين, غرباء مرة أخرى في أوطان لا تشبهنا.
كم لغربة أقران و أحفاد, غربة تلد أبطالاً لم يخطر ببالهم أن أقدارهم سترفعهم إلى البطولة و التفاني, غربة تستنسخ خالد أبو صلاح, عبد الباسط الساروت, رياض الترك, رزان زيتونة, سهير أتاسي, عمر أدلبي, عبد الرزاق طلاس, الشيخ الصاصنة, خولة دنيا, سمر يزبك و كثيرين عرفنا و لم نعرف عنهم بعد.

تذكروا كلمات غربة:

حامل الحزن بيهربوا منو الناس
الوطن, البطولة, الآرض مش أغلى من الحياة صحيح, بس الشماتة أصعب من الموت
اللي بيحاربوا من برا بيضلو برا .. المصدر جوا
لما بيوقع القتال بين اثنين لازم واحد يخاف و اللي بخاف بينغلب
هون الندر نقرر موت أو لا
اللي ماشي صوب الموت بيغلبو و بيربحو
فتحوا شبابيكن
الآرض ما بتساع الناس و الظلم
شو بدك تقتل تتقتل ما بقى تخلص القصة

أليس كل هذا ما يحدث في وطن الشام
وطن التفاح, المشمش, الكرز و ورق الغار و التبغ وطن التين و الزيتون
وطن الفرات, العاصي, السن, اليرموك و بردي
وطن المساجد و الكنائس. وطن القلاع و النواعير.
وطن طائر الفينيق, عشتار, زنوبيا, أكاد, ماري, أفاميا و أغاريت..
وطن أبو العلاء, المنتبي, أبو فراس, ديك الجن, أبو ريشة. نزار قباني و رياض الصالح حسين
وطن أبن عربي, ابن عساكر, ابن نفيس, إلياس مرقص و ياسين الحاج صالح
وطن يوسف العظمة, سعد الله الجابري, ابراهيم هنانو, عبد الوهاب الانكليزي, عبد الرحمن الشهبندر, صالح العلي, حسين الخراط, فوزي القاوقجي, سلطان باشا الأطرش. وطن غياث مطر, معن عودات, مشعل تمو و حسين الهرموش.
وطن فاتح المدرس, ناطم الجعفري, ممدوح قشلان, محمد أورفلي, نزير نبعة, حمود شنتوت.
وطن جورج أبيض, أبو خليل القباني, سعد الله ونوس, محمد الماغوط, ممدوح عدوان و فواز الساجر.
وطن..
وطن..
وطن...
أليس ما يحدث في مدننا و قرانا و شوراعنا و أزقتنا منذ ستة عشر شهراً هو بتجرد ملحمة أسطورية كملحمة جبال الصوان؟؟
أليس وصول السوريين إلى تلك الحالة الصوفية التي تحدث عنها عزمي بشارة إلا حالة ثورية نقية لا تهادن و لا تبيع دماء الشهداء إلا بما تستحق ثمنها و كلفتها إلا و هي الحرية و الكرامة؟.

يا أبناء وطني الجريح, يا من قررتم الموت لتوهب الحياة للوطن الذي ماعاد ليكون مملكة الصمت بعد اليوم, أنتم تاج رؤوسنا و أنتم من تستحقون الحرية و الكرامة قبل أي ثرثار و منافق, لا تخافوا فقد أخذ الخوف من جلاديكم مأخذاً و أنتم خسرتم الخوف حتى الشهادة. نصركم قريب و جلادكم الخائف سيهوي كما تهوي الكوابيس من أحلامنا مع إطلالة صباحنا القادم.

جبال الصوان تعرض يومياً على مدار أربع و عشرين ساعة في أراضي الشام العدية منذ ستة عشرة شهراً و مازال العرض مستمراً حتى يسقط النظام و نبني وطن النرجس و الياسمين و زهر الرمان, من جديد.

خالد قنوت
31-7-12

#خالد_قنوت (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات