أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد قنوت - عودوا أنا كنتم, سوريون كما كنتم.














المزيد.....

عودوا أنا كنتم, سوريون كما كنتم.


خالد قنوت

الحوار المتمدن-العدد: 3881 - 2012 / 10 / 15 - 12:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


البارحة اشتد الألم و لم أعد استطيع قيادة السيارة, طلبت مني زوجتي أن أتوقف و أتصل بأحد الأصدقاء للمساعدة. لم يكن المنزل بعيد و لم يكن هناك وقت كاف لطلب المساعدة من أحد. كانت أشارات المرور ثقيلة و مؤلمة أكثر من الألم نفسه. مع كل إحساس بالإقياء حاولت أن أتوقف على طرف الطريق لأترجل من السيارة و لكني كابدت الألم و وصلت اخيراً المنزل وسط فزع زوجتي من منظر تحملي لكل هذا الألم.
كان الزمن الفاصل بين الاتصال بالاسعاف و بين قدومهم لا يتجاوز الدقاق الخمس و كانوا أمام باب المنزل بسرير الاسعاف و بكل الأجهزة الضرورية. كان فريق الاسعاف عبارة عن شابتين باسمتين, قويتين بدنيناً. بكل جدية و حرص سألتني إحداهن عن مكان الألم و تفاصيل ابتدائه و تطوره بينما كانت الأخرى تقيس الضغط و الحرارة و عمل القلب و التنفس.
إلى داخل سيارة الاسعاف حملتاني تلك الشابتين, الشابة الشقراء جلست و زوجتي إلى جانبي و قادت السيارة الشابة السمراء. لم تتوقف المسعفة عن سؤالي و الحرص على سماع إجاباتي لكي تطمئن على عدم فقداني للوعي و هي على اتصال دائم مع المشفى لتسجيل التطورات التي تتعلق بحالتي.
تم إدخالي لقسم الاسعاف و التسجيل و وضع بطاقة حول معصمي باسمي و بتاريخ دخولي و شرحوا لزوجتي أن حالتي ليست شديدة الخطورة و سيتم التعامل مع حالتي حسب الترتيب و حسب درجة خطورة كل حالة تدخل الاسعاف.
بعد حوالي الربع ساعة دخلت غرفة خاصة و قاموا بالفحوصات السريعة و أسئلة تفصيلية عن تاريخ الحالة و عن تاريخي المرضي و طلبوا تصوير أشعة سينية و طبقي, المهم أن الطبيبة أخبرتني أخيراً أن هناك بحصة في الكلية و قد ذكرت لها أني تعرضت لمثل هذه الحالة منذ أربع سنوات.
حبة المسكن التي أعطتني أياها الممرضة أزالت الألم تماماً, فجعلتني أسبح في فضاء من الخدر. بعد وقت, سألتني زوجتي عن الوجع. لم أتذكر كل ذلك الألم و لم يخطر ببالي سوى ما قاله أحد الأطباء السوريين البارحة, في مقابلة معه من مشفى ميداني في حلب: إصابات الأطفال التي تأتينا هنا نتيجة القصف الجوي و المدفعي, معظمها للأسف تنتهي بالوفاة. تنهد قليلاً ثم أردف قائلاً: حتى من نعالجهم بالبتر لا يلبث الطفل المصاب إلا و يموت بعد أيام بسبب عدم وجود مضادات إلتهاب و مسكنات. الأطفال جميعهم يموتون بعد الاصابة.
قلت لزوجتي: مالذي يحدث هناك؟ السوريون يموتون كل دقيقة و أجساد الأطفال تقصف كل صباح, فبدل أن تذهب هذه الأجساد إلى المدارس فإنها تذهب إلى السماء و لكنها تكون بقايا و أشلاء. الأكثر إيلاماً أنها تغادر الوطن ببطاقات سفر سورية و بأختام سورية و بأيدي سورية أقسى من أيادي الغرباء و ألد الأعداء.
كم أحسست بأن أنسانيتنا التي نعيشها في بلاد باردة و موحشة, هي إنسانية دافئة و حقيقية و مصانة بالوعي و القانون و التقاليد و الأعراف, لكن أنسانية هناك في وطن الدفء و الحنان تنتهك و تكوى بنار الاستبداد و الوحشية, و الأنكى أنها بفعل رجال يحملون الهوية السورية و ختماً سورياً و سلاحاً سورياً.
هؤلاء الرجال, لم يختاروا و لكنهم رضوا بأن تمسح من ذاكرتهم أنهم بالبداية هم بشر و أنهم ثانياً سوريين و أنهم لا يقتلون أعداء الوطن لكنهم يقتلون إخوتهم في الوطن و بكل تلك الوحشية و العنف. رضوا أن يختصر الوطن بشخص و بعائلة لم يسلموا يوماً من بأسها و قهرها لهم أنفسهم, نهبت منهم روحهم قبل أن تنهب إنسانيتهم و سوريتهم, فجعلت من جسد طفل سوري دريئة لقذائفهم و رصاصهم.
هذا النظام العائلة أشركهم بدم أخوتهم و لن يتوقف هذا النظام عن الاستمرار في تسخيرهم لقتل المزيد و سيأتي يوم قد يستخدم هذا النظام كل أسلحة لديه و حتى ما هو محرم و شامل و قذر قبل أن يسقط سقطته الأخيرة.
و لكن ماذا عنكم يا من قتلتم أطفال سورية و شباب و شابات سورية و رجال و نساء سورية؟, هل ستبقى هوياتكم السورية معكم؟ أم ستحتفظون بها للذكرى؟ و هل سيأتي يوم تمشون في طرقات سورية الجديدة لتشربوا و تألكوا و تعيشوا بين أخوة لكم قتلتم أطفالهم يوماً؟؟
يوم عرف أوديب أنه مارس الجنس مع والدته فقأ عيونه فماذا أنتم فاعلين؟ عندما تعرفون بأن نظام العار جعلكم تقتلون أطفالكم أطفال سورية, مرتين يوم قصفتوهم بطائرات و مدافع و دبابات دفع ثمنها أهلهم و يوم منعتم عنهم وسائل الاسعاف و النجدة و حتى الدواء و المسكنات فباتوا شهداء, ماتوا مقطعين أو مبتوري الأيدي أو الأرجل.
قد لا تنفع التوبة بعد الثورة لكنها تنفع الآن, عودا لسوريتكم, عودوا قليلاً لإنسانيتكم. أوقفوا روح الشر و أنفاس الشيطان و جسد النظام و كونوا مع من هم جسدكم و روحكم و مستقبلكم. أوقفوا هذا التاريخ المهين لهذا الوطن و شاركوا في بناء وطن جديد إنساني سوري, يليق بأن يغفر لكم ذنوبكم و عاركم. عودوا أنا كنتم, سوريون كما كنتم.



#خالد_قنوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزب العائلات السورية المختلطة
- دور موسكو في التاريخ و المصير السوري
- البيان رقم واحد
- الله أكبر ..حرية
- إصرار من غير حدود
- الثورة تتجدد..الثورة تستمر..و تتكامل بالإعلان عن الجمعية الت ...
- إلى المناضل هيثم المناع:
- قرابين الحرية
- لعنة الأسد أم لعنات الشعوب
- مازال البحث مستمراً.. -حدثت في الصحراء العمانية, ربيع سنة 20 ...
- سقوط العنقاء السورية
- ثوار ضد الثورة
- ميغ 21
- الموت و لا المزلة
- جبال الصوان.. في وطن الياسمين
- قانون العزل السياسي, حق أم واجب
- مسودة بيان من أجل الوطن
- يا ثوار سورية لا تتركوا التحرير
- من مذكرات طاغية في زمن التغيير
- بيان صادر عن المنتدى الديموقراطي السوري الكندي


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد قنوت - عودوا أنا كنتم, سوريون كما كنتم.