أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - خالد قنوت - قصة من مطار مرج السلطان














المزيد.....

قصة من مطار مرج السلطان


خالد قنوت

الحوار المتمدن-العدد: 3923 - 2012 / 11 / 26 - 15:08
المحور: كتابات ساخرة
    


خرج أمر اليوم بأن أكون ضابط الإطعام في مطار مرج السلطان العسكري, من سوء حظي أنه كان يوم الفروج, لم أعد أذكر أي يوم كان من أيام الأسبوع, المهم خرجت من البراكية التي أسكن فيها و توجهت للمطبخ. كنت ملازم مهندس مجند و كانت معرفتي بقائد اللواء قد تناقلها الجميع على أني ضابط مدعوم. على فكرة, قائد اللواء كان ضابط طيار من أنزه الضباط و أكثرهم تفانياً في عمله حتى أن الجميع كانوا يقولون أنه متزوج بالمطار فقلما يذهب لبيته, مازلت أتصل به عندما أزور الساحل السوري لأسلم عليه بعد أن سرح من خدمته في الجيش.
كان باب المطبخ مقفلاً من الداخل و كان عدد من المجندين يقفون عنده و معهم بعض الصحون و الأواني التي تنتظر الزاد. أبعدتهم عن الباب و طرقته بقوة ففتح لي مساعد أول الباب بعصبية. كان وجهه عبارة عن عظام لا روح فيها و وجهه الأصفر الشاحب لا يمكن أن أنساه حتى اليوم.
قال لي باشمئزاز: لم ننتهي من الطهي بعد, تعال بعد ساعة. مسكت الباب بقوة و قلت له: أفتح الباب أنا ضابط الأطعام اليوم.
أصفر وجهه أكثر, لأنه عرف أني أنا الضابط المدعوم قد حضرت بنفسي لمراقبة عملية الطهي و لم يكن يتوقع من مدعوم أن يتنازل لهذه المهمة.
دخلت المطبخ فوجدت عدد من المجندين في ارتباك كبير. كان هناك عدة قدور كبيرة تسمى بالجيش البلوات, مغطاة و قد بدأت بالغليان فوق نار المواقد.
توجهت للمساعد الأول و قلت له: أفتح هذه البلوات. أمر العساكر برفع الأغطية عن القدور. وجدتها مليئة بالفراريج المعدة للطهي و قد غمرتها المياه الساحنة.
كانت عيون العساكر باردة متوجسة جعلتني أشك في الموقف برمته. فقررت أن أمارس سلطتي بحكم أني ضابط مدعوم. قلت له بكل صرامة: من سمح لك بالبدء بالطهي دون أمر مني؟. قال لي بكل ثقة: يا سيدي, اليوم هو يوم الفراريج و هي تأخذ وقتاً طويلاً لطهيها و الضباط المناوبين و الجنود لا ينتظرون كثيراً في مثل هذا اليوم, سيدي, أنت لا تتعب نفسك سأرسل لك الطعام لغرفتك حال جهوزه.
سألته: هل وزنتها؟ قال: طبعاً و بإمكانك أن تتأكد. أمرت مجندين أن يضعا كل قدر على القبان. نظر المجندان للمساعد في حيرة, صرخت بهما فركضا نحو القدر و حملاه بتثاقل كبير. وضعا القدر على القبان فكان الوزن قريباً من الوزن الحقيقي لعدد الفراريج, لا بل كان أكثر من الوزن الطبيعي. سألت المساعد الذي كانت ابتسامة صفراء قد رسمها على وجهه. قال لي: طبعاً الماء يا سيدي سيزيد من الوزن. و كأنه يقول لي سحقاً بشهادة الهندسة التي تحملها.
اقتربت من القدر و حاولت أن أرفعه, كان ثقيلاً أكثر من اللازم. عدت للوراء و أمرت المجندين أن يقلبا القدر على أرض المطبخ.
اعترض المساعد بشدة و قال أنني سأتسبب بتأخير وجبة الطعام على الضباط جميعاً و هذا سيحملني المسؤولية.
كان صوتي مسموعاً لأبعد من جدران المطبخ عندما أمرته بالصمت و إطاعة الأمر. حمل المجندان القدر و رموه بمائه الساخن على الأرض فانتشرت الفراريج المغلية على الأرض و لكن ظني كان بمكانه فقد انزلقت بعد طبقة الفراريج المرتبة على السطح كتل من الحجارة كانت أسفل القدر.
خر المساعد على ركبتيه و بدء يطلب السماح و المغفرة و قال لي أن الضباط يأمروه بأن يوزع الفراريج عليهم و حسب رتبهم قبل طهيها. سألته: أليس لهم مخصصات. قال: طبعاً و لكنهم يطمعون بأكثر من مخصصاتهم و أن أكثرهم يأخذ هذه الفراريج إلى بيوتهم.
كان الغضب الذي اعتراني و خرج مني صوتاً مدوياً, قلت له: أليست هذه مخصصات المجندين يا كافر؟ قال: صحيح, يا سيدي بس ماذا أفعل؟
أمرت المجندين بالوقوف أمام المطبخ و هممت بالخروج مهدداً بأني سأذهب مباشرة لقائد اللواء. صرخ المساعد: داخل عليك يا سيدي. والله العظيم لو عرف قائد اللواء بهذا الموضوع فسيرسلني لسجن تدمر. و أخذ يرتمي على يدي يريد أن يقبلها.
أبعدته عني و نظرت في عينيه و قلت له: أنظر معك نصف ساعة سأعود و ستكون كل مخصصات المجندين من الفراريج و بالعدد موجودة في المطبخ و إلا فستعرف النتيجة حتماً.
منذ ذاك اليوم و لم أكلف بمهمة ضابط إطعام أبداً وكثير من الضباط أظهر حقداً مريراً علي دون أن أعرفهم شخصياً, لكن المجندين و العساكر كانوا دائماً يرمونني بتحية عسكرية ملؤها الاحترام و يسألوني لماذا لا تكون ضابط الإطعام لمرة ثانية؟ فذاك اليوم هو اليوم الوحيد في خدمتهم الذي أحسوا به بالشبع و السعادة و بوجبة كاملة من حقهم في الطعام و الغذاء و هم يعانون الفقر و العوز و سرقة مخصصاتهم الغذائية خلال خدمتهم للوطن. لقد كان يوم سعدهم.



#خالد_قنوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سورية الجديدة تحت المظلة الديمقراطية
- نكسة أم انتكاسة؟
- الائتلاف الوطني السوري. ما العمل؟
- المبادرة الوطنية السورية أكثر من ضرورة
- عصفور و شجرة و وطن في سر حكاية الاستاذ ميشيل كيلو
- ماذا بعد؟
- الحرية و الكرامة أهدافاً أساسية للثورة السورية
- هذه الانسانية قالت: -كفى-
- الكم و النوع في عناصر نجاح الثورة السورية.
- عودوا أنا كنتم, سوريون كما كنتم.
- حزب العائلات السورية المختلطة
- دور موسكو في التاريخ و المصير السوري
- البيان رقم واحد
- الله أكبر ..حرية
- إصرار من غير حدود
- الثورة تتجدد..الثورة تستمر..و تتكامل بالإعلان عن الجمعية الت ...
- إلى المناضل هيثم المناع:
- قرابين الحرية
- لعنة الأسد أم لعنات الشعوب
- مازال البحث مستمراً.. -حدثت في الصحراء العمانية, ربيع سنة 20 ...


المزيد.....




- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - خالد قنوت - قصة من مطار مرج السلطان