الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح -3

عبدالله اوجلان

الحوار المتمدن-العدد: 1162 - 2005 / 4 / 9 - 12:14
المحور: القضية الكردية
    

من جانب آخر، فقد كان كل من كمال بير وحقي قرار، ولدَا البحر الأسود السليمان المرتبطان بنمطي الرفاقي حتى الهيام. ولكي لا أعاني أية مشقة، مهما كانت بسيطة، كانا سبقانا جميعاً في التوجه مبكراً صوب كردستان التي يجهلان لغتها وعاداتها وأعرافها. ولكن انتظار إبداء ذات الروح الحساسة واليقِظة من أبناء المجتمع المعرَّض للخيانة، لم يكن صائباً كثيراً. فأيٌّ منهم لم يكن يسير بتوحيد فؤاده وعقله، وبطواعية. وكأنهم علِقوا بـ"بلاء الشرف". أو ربما كانوا يعتقدون بإنقاذهم الكرامة بالمسير حسب حقائقهم هم. ولكن ما عاندوا فيه كان مفهوم شرف وكرامة، لا يساوي خمسة قروش. لقد عملتُ على منحهم جميعاً ما تعجز عن منحه أي دولة أو عائلة من قيم ومقدسات. ووهبتُهم كل ما بمقدوره إنقاذ كرامتهم "بحق". وفي هذه النقطة بالذات عاندوا في عدم النضال حسب دواعي الشرف "الحقيقي"، ليشكِّلوا مشكلة كبرى مرة أخرى. لقد وضعتُ أمامهم حملة التحول إلى PKK الأولى بنجاح فائق. كان بمستطاعهم أن يكونوا حزبيين حسنين، ولكنهم لم يتنازلوا. فقمتُ بعد ذلك بوضع حملة التحول إلى PKK الثانية الكبرى أمامهم، في جبال كردستان وكافة أجزاء الوطن وخارجه، في كل قرية ومدينة. ولكنهم في هذه المرة داخوا من كثرة الإمكانيات الممنوحة. ولم يودوا حتى فهم معنى ذلك.
عندما كنت في منطقة الشرق الأوسط، و بالتحديد في سوريا، لم أستسغ طعم الطعام ولم أتذوق لذة النوم المريح ولو ليوم واحد. بل انشغلتُ في تنشئة ما يضاهي الآلاف من الفتيان والفتيات. وتحملتُ كل الضغوطات الهائلة التي لا تُصدُّق في سبيل بقائهم أحراراً وترعرعهم مع صون كرامتهم من الانكسار. ولكني كنت سأعي لاحقاً أنهم يفسرون تضحياتي النادرة تلك بشكل غلط. حيث لن يكون عدد المنجرّين وراء توهمات خادعة من قبيل "إنه - أي أنا - يعيش كالملوك" بالقليل. لا زلت أتذكر عندما اتصل بي دوران كالكان - الذي يحاول التحدث بلغة حسنة واثقاً من نفسه - على الهاتف فجأة ليطرح عليّ في غضون دقائق إقامة علاقة مع أحد الأطراف ربما تتسبب في إنهاء علاقاتنا القائمة في مكان تواجدنا. وكان – حسب ظنه - يتحدث بثورية تامة. لكنني اقتفيت أثر الممارسة العملية اللاحقة فلاحظت أنه - مهما كان حميمياً (ozverili) بشكل موضوعي- يعيش ويُحيي التصفوية منذ البداية وحتى النهاية، وحتى دون أن يدري بذلك. كان ممكناً استيعاب كيفية تصفية اليسار التركي ذاته، من خلال شخصيته، مع أن دوران يُعَدٌّ أحد أفضل الرفاق بين صفوفنا. فكيف حال الآخرين؟! إذا ما تركتَهم وشأنهم فسيعجزون حتى عن ملء بطونهم وإشباعها. والأدهى من ذلك أن عيشهم والسلاح بين أيديهم كان مرتبطاً بالمعجزات. ولكني كنت - مع ذلك – سأتحمل بلاء رفاقي عناداً لأمي.
عند التمعن في الأعماق الغائرة لهذه الظاهرة، كان من الممكن رؤية الشخصية المتأتية من المجتمع الاستبدادي الذي حجَّرته آلاف السنين وصلَّبَتْه. في حين أن الشخصية الأَمَة كانت ستكون عبدة في الأسفل واستبدادية متسلطة في الأعلى. كانت ستنقلب نسبة لا يستهان بها من جهودي المبذولة في سبيل تحليل هذه الشخصية وتحفيزها على التقدم، رأساً على عقب. فما فهموه من المسؤولية القيادية كان يفيد بـ"إعدام الأب أولاً" كمثال الباشا الغجري. وأفضل عمل كانوا خبراء فيه للغاية كان متجسداً في تصفية بعضهم البعض وإفراغ جهود بعضهم البعض من محتواها. إني مدرك تماماً كيف تسببوا – سواء بوعي أو بإهمال مقصود - في خسارة خيرة المئات من أفضل وأروع أصدقائنا. إنها لسفالة وعقلية مريعة وقلب فظ غلظ كجلد الجاموس، بحيث حوَّلَتْ دفع الصديق إلى سفر الموت للتخلص منه دون أن يرف طَرْف أو ترتجف عين، إلى عمل بسيط اعتيادي. وامتدَّتْ مثل هذه الشخصية التآمرية بالأمور داخلياً إلى أن تسبَّبَتْ في نهاية المآل في تصفيتي. ومن ضمن هؤلاء كان هناك الثلاثي شاهين باليج ومحمد شنر وجانكير خازر، الذين شكلوا شبكة عصاباتية ذات علاقات لا تزال مشبوهة وغامضة المنبع، في سبيل تصفيتي - كاحتمال كبير - في بدايات عام 1990، بعد أن قامت بالتجربة التآمرية المعروفة في قتل صديق طفولتي وابن قريتي "حسن بيندال" بسفالة مروعة، وكأنها حصلت قضاء وقدراً. لا أعتقد أن جميعهم كانوا عملاء ذاتيين، بل على الأغلب إنهم كانوا سلكوا أساليب المكائد بضراوة وشراسة بغرض الاستيلاء على التنظيم وتنفيذ باشوية الغجري فيه. وفي الحقيقة، كنتُ سأتنبه لاحقاً إلى أن تلك كانت أساليب متفشية بكثرة في هذا الوطن. فاليسار التركي - على نقيض ما يُظَن - لم يَهزِم الأنصار (الكريلا)، بل إن هؤلاء السفلة المنحطون هم الذين أوصلوا الأنصار إلى حالة مشلولة داخلياً.
وهكذا قدَّمنا المئات من خيرة رفاقي الشهداء (بدءاً من معصوم قورقماز) المجسدين أسمى آيات البسالة، والذين لا أود ذكر أسمائهم لعدم بحثي الدقيق في ذلك. ومن أشهر السفلة لدينا كان (شمدين صاكك)، الذي لم يكتفِ بنظامه العبودي، فغدا من أفضل المطبِّقين لباشوية الغجري. في حين أن جميل بايق، الذي يعد من أكثر أعضائنا المركزيين صدقاً وأمانة، والذي عقدنا عليه آمالاً كثيرة، كان عاجزاً عن إبداء الكفاءة اللازمة حتى لإعاقة فرار كل من شنر وجنكير خازر وشمدين صاكك من جانبه، بدلاً من محاسبته إياهم، على حد زعمه. وفي الحقيقة كان هؤلاء السفلة سيُلحِقون بهم عدة ضربات قاضية، لولا وجودي. حتى هذا الأمر، لم يكونوا متنبهين له، بل كانوا سيحاسبون ويسائلون البؤساء الذين تحت إمرتهم بلا هوادة، تماماً كمن (يعجز عن ضرب الحمار فيضرب سرجه). وبينما تُرِكَ الميدان مرتعاً مفتوحاً لذوي العيون الحمراء القاضين على التنظيم والأنصار، لم تكن حوادث معاقبة الفتيان اليافعين المعانين من مشاكل التأقلم والانسجام – كضرورة من ضرورات الانضباط – بالقليلة في إحصائياتها.
كانت هناك فتاة تدعى "صائكة آشكين"، وهي من أوائل المنخرطين في مجموعتنا في أورفا عندما كانت معلِّمة. كانت فتاة مضحية، ذهبت إلى بلاد الخارج وتلقت تعليمها وتدريبها لدى رفاقنا. وفي أول ممارسة لرفيقَينا دوران وعلي حيدر عندما كانا مسؤولين عن معسكر داخل الوطن، فوجئت بنبأ معاقبتها بالموت. ما قيل حينها أنها (تقلب الانضباط العسكري رأسا على عقب، تفرغ كل الأمور من محتواها، وبالتالي كان لا مناص لنا من معاقبتها). كنت مجبراً على الوثوق بما قيل، وذلك من دواعي الانضباط، ولكنها بقيت حادثة أبقيتُها في زاوية من زوايا قلبي. فحسب رأيي ما كانت فتاة تستحق تصفيتها هكذا، مهما مان جرمها كبيراً. ولكن لم يكن بيدي حيلة، حيث أن الدوغمائية _ بمعناها الاشتراكي المشيد _ كانت قد جمَّدَت فؤادي أيضاً. هكذا قتلت الاشتراكية الدولتية في روسيا خيرة أصدقائها من أمثال بهارين وزينوفييف وغيرهما. هذا إلى جانب الملايين من القرويين المغدورين والمقلوبة حياتهم رأساً على عقب. ولكن فيما بعد كان سيتبدى أن ذلك لم يكن "الاشتراكية" بل كان طراز روسيا الرأسمالية الوحشية المروعة. إنه في الحقيقة تجسيد لحالة ثورة أكتوبر العظمى- التي خلقت تلك الآمال الجليلة- المعرَّضة للخيانة. ومثلما حصل في العديد من الثورات الكبرى، فقد كانت الخيانات تبقى مكسباً لأصحابها بالأرجح. والتاريخ مليء بهذه الأمثلة بدءاً من المحمديين وحتى العيسَويين. ولكنني على قناعة بأنني أظهرتُ في مرافعتي هذه، وبإرشادات نظرية راقية، مدى ضرورة عدم النظر إلى ذلك كقَدَر محتوم. وأظن أنني حللت الشخصية الخالقة لذلك والمتسببة به إلى أن بلغتُ شخصيتي أيضاً. إنه جهد يبث على السلوان، ولو بمقدار ذرَّة.

#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات