أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - حامد حمودي عباس - داء الوعي














المزيد.....

داء الوعي


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 3974 - 2013 / 1 / 16 - 13:14
المحور: كتابات ساخرة
    


أن يترك المرء داء الوعي في بلادنا ، لهو أمر غاية في اليسر .. بل هو مدعاة للراحة الجسدية والذهنية حين يخال له بأنه غير معني بشيء ، عدا أن يمارس أخلاق الغابة في إشباع رغباته البسيطة ، ان استطاع ، كي يبدو سعيدا مع نفسه على الأقل ، وهذا يكفي لكي يعيش ..
لا داعي لأن يطالب ذلك الذي بلا وعي في بلادنا باحترام الذوق العام ، ما دام الأمر لا يعنيه وحده ، وهو ان فعلها يوما فانه سيتسبب لنفسه بالاهانة ، وإلا ما دخله في أن ينطلق بوق سيارة بيع أنابيب غاز الطبخ مثلا أمام باب داره في الصباح الباكر ، ما دام غيره من سكان الحي راضون مستبشرون ، بل وفرحون لان صوت البوق سيوقظهم لأداء صلاة الفجر ؟ .. وان كان ذلك الذي غادر وعيه غير معني بصلاة الفجر ، وينتظر حساب ربه يوم الحشر ، فعليه جريرتان ، الأولى بكونه كافر ، والثانية بأنه منحاز لطباع الكفار في الغرب ، ممن لا يقبلون ببوق ينغص عليهم حياتهم ، ويحجب عنهم فرص الراحه .
في يوم كنت قد أصررت فيه على رمي الوعي عندي في حاوية القمامة كي أريح وأستريح، وخرجت أطوي الأرض بهدوء تام ، مطرق بنظري إلى الأرض ، خشية ان يقع شيء منه على طفلة تتعثر بعباءة سترها ، وتحاول إزاحة خرقة الحجاب عن صفحات وجهها ، ثم تجري بصعوبة لتنال من كرة يلعب بها أقرانها الصبيان ، فينهرها ابوها بعنف خشية ارتكاب عيب مشين .. يومذاك ، قلت لأب الطفله :
- دعها تخفف من حصارها ياسيدي ، إنها طفلة وتهوى اللعب .
هز مسبحته وبطريقة تدل على مشاعر الغضب :
- لا .. هي بنت ولا يصح ان تكتسب أخلاق الشارع ..
شعرت حينها بالمرارة ، ولعنت قدرتي على الوعي بما يصح ولا يصح .. وأكملت مسيرتي المعفرة بالألم ، حتى بلغت نهاية الشارع ، ليلطمني منظر طفلة أخرى ، وهي تنحني بصعوبة لتنظف ، وبيديها العاريتين ، مجرى صغير لمخلفات المياه الآسنة يبدو بأنه ينساب من داخل دار ذويها ، وثمة ذئب بشري يقف قريبا منها يوجهها لأداء المهمة ..
- حذار من ان تتلوث الطفلة من هذه المياه ياسيدي ، سمعت بان أمراضا وبائية حملها لنا هذا الشتاء البارد .
رمقني الذئب وملامح الغضب بادية عليه ، ثم لم يرد ، واكتفى بان أشار للطفلة كي تنجز مهمتها بسرعه .
اللهم العن بقايا الوعي بما يصح ولا يصح .. والعن الراقصة ( هياتم ) لأنها لم تأخذني معها ، فانا حاذق أيضا في هز الوسط ، ولها علي يوم تقرر ذلك ، بأنني سأرتجف كالسعفة في مهب الريح ، وتدور رقبتي مع دوران أقراص الدف ونقرات الطبله ، ولو طلب مني الجمهور إظهار مؤخرتي على طريقة حفلات التعري فليس لدي أي مانع .. ترى لماذا لم يقسم لي الله ان أكون راقصا ، أو مديرا لأعمال السيده ( رباب )الخبيرة في خطبة النسوان في حينا المملوء بجميع ممنوعات الدنيا ؟ ..
الوعي .. ذلك المعنى الممجوج من قبل الملايين .. إنها الترهات بمعانيها ، تلك التي يسمونها بالدكتاتورية ، وحقوق الإنسان ..
تذكرت ..
لقد روت لي ابنتي ، بأن معاونة مديرة مدرستها الثانويه ، وهي التي تعلمهم الدروس في ( حقوق الإنسان ) قد جلبت إلى طالبات الفصل ، سلة فيها أكياس تحتوي كل واحدة منها على مجموعة من قطع الملبس ( حلوى ) ، وفي داخل كل كيس ورقة بيضاء ، وقامت بتوزيعها عليهن ، وأمرتهن بان لا يفتحن الأكياس إلا في ليلة امتحانات نصف السنه ، وعلى كل واحدة منهن ان تكتب في الورقة عبارة ( اللهم وفقني في امتحانات يوم الغد ) .. ثم تقوم بتناول قطعة حلوى واحده .. وهذا كفيل بالنجاح .. ومن الطريف ان إحدى الطالبات وبمرح ، قالت للمعلمه :
- هل ان الأمر أكيد ياست ؟
- لا تسألي هذا السؤال السخيف .. ونفذي ما أمرتك به لتضمني النجاح .
- أنا سوف انجح حتما .. فهل يتحقق لي حلم آخر لو نفذت ما تأمرين به ؟
- ما هو حلمك غير النجاح يابنت ؟
- عريس ياستي .. عريييييييييييس .
هل جربتم ، أيها الواعون ، أن تلقوا بوعيكم في مخابئكم ولفترة من الزمن ، لتعرفوا كيف هي الحياة حلوة وليس فيها أية منغصات تذكر ؟ .. جربوا .. ولا تخافوا ، فان الأمر ليس فيه من العار ، ما دام الجمهور لا يريد منكم أن تسافروا به إلى بطون التاريخ والفلسفة ، لا يريدكم أن تختاروا له غير ما اختار ، ولا يهوى ان تتحق له مصالحه في العدالة والحياة الكريمه .. انه يريدكم مفسرين للأحلام ، وان تخبروه كيف هي سبل إطالة الممارسة الجنسية قبل الانتهاء من حلقة الموت على أسرة الزوجيه .. انه جمهور متسامح جدا ، سوف يحييكم بتحية الإسلام ، ولا يطلب منكم غير ان تمعنوا في عملية الانحناء قليلا مع رد التحيه .. جربوا .. ليترك أحدكم غواية البحث في ما هو بعيد عن إدراك أولئك اللذين لا يسعدهم شيء بقدر ما يسعدهم فطور جيد ، وغداء جيد ، وموقد نار تنعقد من حوله جلسات السمر في ليالي الشتاء .. فهذا أفضل لديهم ألف مرة من صناديق اقتراعكم ، وصحفكم ، ومنابر وعيكم عسير الهضم .
لقد زارني احد أقاربي قبل أيام ، ليطلب مني هويات الأحوال المدنية لي ولكافة إفراد أسرتي ، بهدف تسليمها إلى إحدى الأجهزة المكلفة بإدارة الانتخابات لصالح احد المحروسين برعاية الله من علية القوم ، مقابل ان يمنحنا ذلك المحروس مبلغ مئة دولار عن كل فرد .. هذا المتطوع نفسه ، لطشنا في يوم ما بمحاضرة دينية حذرنا من خلالها بان نار جهنم ، قسمها الباري عز وجل إلى أقسام ، ترتفع فيها درجات العذاب وتنخفض حسب الجرم وشدته ، وقد كلفنا ذلك حينها ثلاثة وجبات من الشاي الساخن ، وحالات مرعبة من الإنصات القسري المميت .. وعندما طلب منا ان نمنحه أصواتنا ليسلمها إلى صاحبه ، قالت له إحدى بناتي :
- لم تخبرنا ياخال ، ماهي درجات هذا الجرم في النار يوم القيامه ؟
فسعل بشدة وغادر المنزل فوراً ، ولم ينسى ان يحمل معه حقيبته المليئة بأصوات الناخبين ، لاختيار رجل سينشغل برصد أثمانها أكثر من انشغاله بمعاني التنمية والديمقراطية ، وأضرار الاستلاف من البنك الدولي سيء الصيت .



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوراق صفراء
- اللعبة القذره ..
- قوافي مبعثره ..
- تردي الوضع البيئي في العراق .. من المسؤول ؟ ..
- هل من دور للحركات الاجتماعية والتقدمية في العالم العربي ؟
- لم يتبقى لقوى اليسار الآن غير أن تتوحد
- نغم .. والغول .
- حياة ميت
- عيون وخيال ..
- عند نهاية حافات الرأفه
- حول طريقة النشر في الحوار المتمدن
- سفر بلا حقيبه
- جلسة حوار مع الاستاذ محمد حسين يونس
- نحن .. وفن الحركة الى الأمام .
- تسقط السياسه .. عاشت الرياضه
- الكتابة في الفراغ ...
- سم العنكبوت
- خيارات السياسة العربية .. وفشل التجربه
- خلجات من طرف واحد
- وصمة عار


المزيد.....




- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - حامد حمودي عباس - داء الوعي