الوفاء للصامدين على رصيف الموقف*

ياسين لمقدم

الحوار المتمدن-العدد: 3946 - 2012 / 12 / 19 - 08:45
المحور: الادب والفن
    

يوميات الكدح


في كل باكرة الأيام يقفون بصمود وثبات على نفس الرصيف وفي نفس الساحة، يضعون أمامهم بعضا من أدوات عملهم المضني كالمعاول والفؤوس، مغرفات التمليط وأدوات التجصيص، مطارق كبيرة وأسافين، آلات لتقطيع البلاط وموازين الخيط والماء، أسلاك حديدية وأخشاب، مناشير ومسطرات، مبارد ومفكات لوالب، حلقات مطاطية ومعدنية، أشرطة ورقية خشنة وأقلام فحمية، فرشات وريشات للصباغة وأزاميل، كماشات وآلات هيدروليكية صغيرة لفتل الأنابيب، ملازم ومكابس، كاويات لحام وغراء، قفازات مهترئة وأحذية بلاستيكية. ينتظرون هنالك وأملهم أن يأتي الزبون إليهم في غبش الأصباح حيث سيختار منهم واحدا أو أكثر بعد أن يتفقوا على نوع العمل ويحددوا الثمن لذلك.

إنهم عمال البناء والرصاصيون والصباغون وغيرهم من الحرفيين المزاولين لمختلف الأشغال الشاقة كمد أنابيب مجاري المياه العادمة. لكل منهم ألف حكاية عن الغرائب التي يصادفونها في كدحهم اليومي يروونها لبعضهم ويتندرون بها حول العمل أو رب العمل، يتحدثون عن كرم أو بخل من استعار خدمتهم، عن شدته أو تسامحه، عن نباهته أو غبائه.

قد يشعلون نارا في علب الكارتون الفارغة ليتدفؤوا بها من صقيع الأصباح، وقد يطول وقوفهم دونما الحصول على فرصة عمل فتراهم ينسحبون خائبين وقد أدركتهم الظهيرة، منهم من سيعود إلى بيته بعد أن يقتني بالدين من تاجر الحي ما يسد به رمق أهله، والشباب منهم قد ينحشرون وسط رواد المقاهي الشعبية ببطون خاوية سيدلقون فيها على طول اليوم كؤوس الشاي مستنشقين أدخنة التبغ الرخيص. والجميع يحذوهم أمل اليوم الموالي فالحياة بالنسبة إليهم مجرد حظوظ لهذا ترى أغلبهم في أماسي الأيام التي يُحصّلون فيها عملا يترددون على المقاهي المعروفة بلعب القمار أو على طاولات النرد ومنصات السويرتي الموسمية فلا يغادروها إلا بعد أن يفقدوا كل شيء.

إنهم أناس عركتهم الحياة بصنوف من الشقاء وبالرغم من ذلك ترى بعضهم وعلى هرمه وعجزه مصر على كدحه يأبى أن تمتد له يد غريبة بالمساعدة المعفرة بالذل والمهانة. والمحظوظون منهم وبالرغم من قلة ذات اليد تمكنوا أن يوصلوا البعض من أبنائهم الكثيرين إلى بر الأمان بالسهر على تدريسهم والكد في ذلك لعقود من أعمارهم فما خاب أملهم ولن يهمهم جحود بعضهم بالتخلي عنهم في عجزهم، فحسبهم أن قد أدوا الأمانة.
=====================
هامش:
*الموقف : في المغرب تعني هذه الكلمة مكانا معروفا يتجمع فيه الباحثون عن عن العمل.

#ياسين_لمقدم (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات