أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين لمقدم - قصة قصيرة عيساوة














المزيد.....

قصة قصيرة عيساوة


ياسين لمقدم

الحوار المتمدن-العدد: 3792 - 2012 / 7 / 18 - 08:52
المحور: الادب والفن
    



منذ الباكرة يقفون بصمود قرب باب السوق الأسبوعي دونما كلل، نرمقهم بنظرات خاطفة حتى لا نزعجهم بتطلعاتنا الطفولية المحرجة . يمتد تحت أقدامهم حصير من الحلفاء وفوقه تجمعت العديد من القطع النقدية ، ويتوسطه صندوق خشبي صغير تغير لونه إلى الأسود بفعل تراكم الأوساخ، محكم الإغلاق، وبجنباته ثقوب تمكن ساكنه المرعب من التنفس، ومنها وبين الفينة والأخرى يمتد لسان الأفعى لتتحسس محيطها المزعج . تعلوا أصواتهم بالدعاء إلى الكرماء من الناس الذين يجودون عليهم بالمال وغيره، أسنانهم نخرها السوس بفعل الإدمان على تدخين الكيف وشرب الكحول الرديء . يتطاير الرذاذ من أفواههم وهم يدعون أهل النيات الصادقة للإقتراب . يدنو منهم عجوز بدوي رث الثياب ويسلم لكبيرهم قالبا من السكر ، ويناشده بإسم كل الأولياء الذين يذكرهم أن يرفعوا أكفهم بالدعاء لشفاء مريضة بمنزله، فيطلب منه الكبير أن يجلب له كتف خروف ، فينزعج البدوي ويتراجع ساخطا مزمجرا بكل أنواع السباب يقتحم حلقتهم محاولا استرجاع صدقته فيطوقه العيساوي في عناق ودي ويزمجر بجمل متسارعة بالدعاء للمريضة، فيردد أتباعه بقوة : آمين ، يتراجع البدوي فيمدهم ببضعة دراهم ثم ينصرف راضيا . يتنقلون على مدار الستة أيام في الأسبوع بين أسواق الناحية ، هم أربعة ، كبيرهم تجاوز الستين وصغيرهم في عقده الرابع ، وعدتهم بضعة دفوف رنانة وطبل ومزمار وصندوق به أفعى وحصير صغير يستقبلون عليه مريديهم . ويومهم السابع هو الجمعة الذي يقضونه بإحدى المقابر ، حيث تكثر الصدقات وتتعدد قصع الكسكس مع زيارات النسوة لجبانات من رحل بعد أن يعرجن على ضريح الولي ليقدمن له أصابع الشمع حتى ينير الله قبورهن بزعم القائمين على شؤون المكان. كنا ننتظر بشغف خروجنا من حصة الدراسة من أصباح أيام الثلاثاء حيث ينعقد السوق الكبير لنهرول إليهم حتى لا نفوت الموعد الأسبوعي . وكانوا إن رأوا نفور الناس منهم يدقون الدفوف بقوة على إيقاع الحضرة فيتزاحم المارة من حولهم وقد استلبهم هذا الإيقاع الصوفي، ثم يبدأ كبيرهم بسرد حكاية وما أن يصل إلى لحظة مشوقة حتى يتوقف ليجمع المال من المتحلقين حوله كل حسب أريحيته. وغالبا ما ينفض هذا الجمع مع الغروب . وفي بعض المناسبات الدينية نراهم يرفعون مجموعة أعلام متعددة الألوان وقد طرز على بعضعها آيات قرآنية علقت على عمود خشبي طويل يجتهد يافعهم في حمله، يجرون وراءهم حمارا قويا يضعون عليه أثقالهم من كسبهم اليومي في تطوافهم بين دروب المدينة . وفي الليالي الطويلة احتفاء بذكرى المولد النبوي أو مواسم الأولياء يحيون سهرات الحضرة، حيث يختلط الرجال والنساء ، الذين يعتقدون أن بهم مس من الجن أو السحر، في رقصات الجدبة حيث تتشعث الشعور وتشق الملابس وتلطخ الوجوه بدماء القرابين . ويكون لهم حضور مختلف في حفلات الختان حيث يحمل الأطفال على صهوة الجياد في مواكب كبيرة يتقدمها الآباء ويشارك فيها الأهل والجيران، ليطوفوا الأحياء والدروب بزهو كبير ثم يعرجون على ضريح من أضرحة أولياء الله ليتبركوا من ثراه ، وهنا يختلف الإيقاع الموسيقي الذي يعزفه العيساويون إذ يدع عنه عباءته الصوفية الرتيبة ليصير ذي طابع فلكلوري راقص و سريع تهتز له الأكتاف والأرداف .

ياسين لمقدم
كاتب من المغرب



#ياسين_لمقدم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مقهى -مام خليل-.. حارس ذاكرة أربيل وقلبها النابض
- بمشاركة 300 دار نشر.. انطلاق -معرض إسطنبول للكتاب العربي- في ...
- الصدق أحلى يا أصحاب. قصة للأطفال جديدة للأديبة سيما الصيرفي
- هل يمكن للذكاء الاصطناعي حماية ثقافة الشعوب الأصلية ولغاتها؟ ...
- مجتمع ما بعد القراءة والكتابة: هل يصبح التفكير رفاهية؟
- السعودية.. تركي آل الشيخ يكشف اسم فنان سوري سيشارك وسط ضجة - ...
- المحرر نائل البرغوثي: إسرائيل حاولت قهرنا وكان ردنا بالحضارة ...
- مجاهد أبو الهيل: «المدى رسخت المعنى الحقيقي لدور المثقف وجعل ...
- صدر حديثا ؛ حكايا المرايا للفنان محمود صبح.
- البيتلز على بوابة هوليود.. 4 أفلام تعيد إحياء أسطورة فرقة -ا ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين لمقدم - قصة قصيرة عيساوة