أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جواد كاظم غلوم - التعايش بلا مذاق - الملح -














المزيد.....

التعايش بلا مذاق - الملح -


جواد كاظم غلوم

الحوار المتمدن-العدد: 3944 - 2012 / 12 / 17 - 18:58
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


التعايش بلا مذاق" الملح "

عدت من زيارتي الاخيرة لصديقي الطبيب الذي ألزمني حازماً مرةً وراجياً اخرى بوداع الملح وإبعاده عن مائدة الطعام نهائيا بعد ان شرح لي وافيا مضارّه ومخاطره الجمّة وانا في الهزيع الاخير من العمر فأذعنت له راضيا مطيعا طالما ان قلبي بدأ ينهك وضغط الدم أخذ يتصاعد يوما بعد يوم
غير اني كنت هلوعا ولم أطق ان اتذوّق الماسخ من الطعام خاصة ان كل مايحيط بنا اصبح ماسخاً فكل شيء تقريبا صار مذاقه صعب الاستساغة وليس الطعام وحده وكما يقول اهلنا وكبارنا ومجرّبونا بان حياتنا اصبحت " بلا طعم "ولكي اضيف الى مائدتي شيئا من مذاق يطفئ شهيتي فقد استشرت طبيبا آخر من معارفي بهذا الامر وأوصاني باستعمال ملح طبي قليل الصوديوم يمكنه ان يكون بديلا مقنعا ويشبع رغبتي الجامحة لهذا العدو الابيض اللعين الذي كان صديقي يوما ما ولا يفارقني اينما حللت وحيثما أزفت...وبعد جهد جهيد حصلت على مبتغاي من احدى الصيدليات ولم يهمّني سعره النفيس الذي قارب العشرة دولارات لكمية لاتتجاوز الخمسين غراما
ضحكت في سرّي وتذكرت قصة قوافل الملح التي كانت تعبر الحدود ايام الدولة العثمانية بيسرٍ وسهولة حين يتساءل رجال الجمارك الصارمون اصحابَ هذه القوافل عمّا تحمله دوابُهم فيجيبون بأنه " طز" والتي تعني باللغة التركية الملح وسرعان ما يتم اعفاءها من الضرائب بسبب بخس ثمنه وضآلة قيمته الماديّة في حين ان بقية البضائع كانت تفرض عليها ضرائب تهيض العظم وتقدّ اللحم
ولا أخفي ان شهيتي لهذا "الطز" قد تفاقمت اكثر فاكثر منذ ان حذّرني طبيبي من تناوله وتساءلت مع نفسي ؛ كيف أخلي طعامي من تلك النكهة التي اضفت سرّا دفينا لتقبّله رغم التحذيرات ووصايا الاطباء بالابتعاد عنه ؟!
وأتذكر مشهدا مؤثرا قرأته سابقا في مسرحية " الملك لير " للكاتب الانجليزي وليم شكسبير حينما اراد الملك ان يختبر مدى حب ابنته الصغرى له فسألها : أتحبينني ؟. فقالت لأبيها :احبك كثيرا جدا كما احب الملح في غذائي
وفي تراثنا العريق الجميل كان الفقهاء وعلماء الدين الافاضل الكبار والشعراء منهم يكتبون قصائد فيها من الغزل الفاضح ترجمةً لمشاعرهم وأحاسيسهم بأبيات النسيب ووصف لواعج الحب فيعجب الملأ من قريضهم المكشوف وهم التُقاة الورعون لكنهم يبررون مايكتبون من تلك القصائد الغزلية بانه من باب " التمليح "لإضفاء شيء من الملاحة على دواوينهم الشعرية لتكون مستساغة رائقة للسامعين والمعجبين فالغزل ملح القصائد كما يقول نقّادنا القدامى
ومن عاداتنا الشائعة أن يقال للمرأة الجميلة الجذابة التي تمتلك حضورا وقبولا ويأنس بها الاهل وبقية الجيران بأنها "مملوحة " ولم أنسَ مطلقا يوم جاءتني امي مهللةً سعيدة عندما سألتها عن زوجة المستقبل ورفيقة العمر المزمع قدومها ضيفةً دائمة الى دارنا لتقترن بي حينما ارسلتُها لتخطب احدى بنات الجيران لتزويجها لي وصاحت بملء فمها الضحوك: زوجتك المقبلة ماأحلاها ، انها "مملوحة جدا"
لاتعجبوا سادتي من نزقي ولهفتي الشديدة الى الملح فالسيد المهاتما غاندي قطع آلاف الأميال هو وأتباعه الى "داندي" البعيدة لأنتاج هذه المادة الساحرة والحصول عليها دون ان يدفع اية ضريبة للمحتل البريطاني جرّاء شراء الملح وفضّل العصيان المدني على الخضوع للقوانين الجائرة مما يعرف ب"مسيرة الملح" في تأريخنا المعاصر
آمل أن تتحمّلوا هلعي وشوقي الى الملح عسى ان أكون مليحا امامكم وليعذرني قلبي ويسامحني ضغط دمي الذي بدأ يتصاعد امام دوّامات الهموم اليومية وتجّار السياسة الماسخة غير المستساغة في بلادي التي أقعدتني عليلا قبل ان يقعدني ارتفاع ضغط الدم

جواد كاظم غلوم
[email protected]



#جواد_كاظم_غلوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدةٌ بعنوان - شهقاتٌ ساخنةٌ من شراسة النار -
- مام - خوسيه - الرئيس الزاهد
- لا عوافي للطائفي
- ثلاثُ قصائد 1) أسمال بضمائر مستترة . 2) هزيمة بنكهة النصر . ...
- أتوَكأُ وأهشُّ أشعاري لأدخلَها بيت الحكمة
- مؤتمر الدفاع عن الأقليات الدينيّة
- فما ليَ إلاّ البيتُ منجىً وواحةٌ
- الإسلام السياسي ومعالجة مخلّفات الدكتاتورية
- مضْغةٌ من حنين
- القصيدةُ الثانية لابن زريق البغدادي
- هكذا يفضحون الفاسدين
- فصلٌ مُتهتِّك في - الهوى -
- يدي في الكتاب ورِجْلي في الرِّكاب
- تجارب صحفية جريئة خلاّقة
- لحْسُ الكوعِ...وأشياءٌ أخرى
- مصيدةُ الوطن وانفلاتُ المنفى ومابينهما
- مذكرات مثقف عراقي في سنوات الحصار/ الجزء السابع
- القوّة الناعمة ..سحرُها وتأثيرُها
- الزيارة الأخيرة لمقهى اللوكسمبورغ
- بشرى وترتعشُ الشفاهُ...


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جواد كاظم غلوم - التعايش بلا مذاق - الملح -