|
|
وعي مقطوع الصلة بالجذور (2)
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3914 - 2012 / 11 / 17 - 07:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نواصلُ مناقشةَ تقرير جمعية العمل المقدم لمؤتمرها السادس، عاكفين على تحليل الرؤية الكامنة فيه: في التقرير المذكور ثمة فقرة بعيدة عن الوضع البحريني وحول الربيع العربي تعترفُ بسماتٍ معينة موضوعية: تتشابه السمات المشتركة لدول الربيع العربي في واقعها حيث تنعدم الديمقراطية وسيطرة الاستبداد والحكم الفردي والعشائري، وانتشار الفساد مع غياب أبسط مبادئ حقوق الإنسان»، ص .22 إذًا البحرين التي أقامتْ المؤسسةَ البرلمانية وفتحتْ البابَ للتنظيمات السياسية بصورةٍ أولية واعدة، وأطلقت سراح المعتقلين وغير ذلك من الإجراءات، أليس فيها بعض سمات الوضع العربي وتحتاج بالتالي إلى تراكم نضالي ديمقراطي وهي محاطة بدول محافظة، وشبكات النظام الفاشي الإيراني التنظيمية والدعائية ملقاةٌ عليها؟ وما تعبر عنه الفقرة السابقة الذكر، من جهةٍ أخرى، هو التعميمُ غيرُ الدقيقِ ولغةٌ إنشائيةٌ لا تصلحُ للسياسة، فهناك بُنى اجتماعية متجسدة في كل بلد عربي معبرة عن مستوى من تطور رأسمالية الدولة، التي هي العقبة الكبيرة لنشوء وتطور الديمقراطية في هذه البلدان. ولهذا فقد أُتيحتْ لبلدنا قبل الربيع العربي أدواتُ تحليل ونقد وإصلاح لرأسمالية الدولة هذه، وإذا كان الدستور لا يعبرُ عن كل الطموحاتِ الديمقراطية فهو معبرٌ عن لحظةٍ سياسية اجتماعية يعيشها الشعبُ البحريني في ظلِ ظروف معينة، وثمة اقسام فيه تابعة لهيمناتٍ خارجية، ويؤدي ذلك الى عدم تلاحم صفوفه وعدم تطور الوعي الوطني لدى جماعات عديدة منه. وخلق التحول وسط الشعب وقواه السياسية لتطوير وضع البنية الاجتماعية ونقلها من هيمنةِ رأسمالية دولة لرأسماليةٍ حرة، يحتاجُ الى سنوات طويلة، وهذا التحول من حقبةٍ لحقبةٍ أخرى يتطلب توافر الشروط المختلفة وإزالة تلك النواقص في عمل الناس ووحدتهم وتطور وعيهم، وهو الأمرُ الذي يتجسدُ لاحقا في الدستورِ وتطور المؤسسات السياسية. إن الدستور هو خلاصة لتطور أي شعب وليس مواد مجردة. وكفاح الشعب المشترك الوطني هو الذي يعمد الدستور، لكن وعي جمعية العمل لا يقبلُ بتوصيف الظروف توصيفا موضوعيا، ولا بطرح الخطوات السياسية الاجتماعية المتدرجة لهذا التحول التاريخي. وعبر العبارات الملتهبة يتم توصيف الوضع: «لقد كانت ممارسات السلطة في البحرين الدافع الرئيس لأحداث 14 فبراير، من خلال فساد نظامها السياسي، وتفاقم الأزمات، إضافة لتعنت السلطة عن الحل السياسي، واتخاذها خيار إدارة الأزمات»، ص.30 إنها عدة سنوات قليلة من نشوء التجربة البرلمانية وتحولت أشياء عدة وتمت إزاحة العديد من الأزمات وتغير طابع النظام ولكن لا يعني ذلك أن كل المشكلات أُزيحت؛ فهناك العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وخاصة إدارة المؤسسات الاقتصادية العامة وعدم التحكم في البطالة وقوى العمل، وعدم ضبط السوق ضبطا وطنيا عقلانيا، وغير ذلك من المشكلات، وكانت المجموعات السياسية تحاول حلها، لكن فجأة قفزنا لمثل تلك التعبيرات السابقة المدوية وهي تطبق على الأرض وتنقلنا لأزمة ثم عودة للوراء. أممارساتُ السلطة هي الدافع الرئيس للأحداث؟ أم الاختطافُ الإيراني ومحاولة خلق فوضى غير خلاقة وحرب أهلية؟ إنها ليست سوى بضع سنوات من التحول الديمقراطي البحريني نقلت البحرين من عالم لعالم آخر، ثم تغدو السلطة هي منتجة الحدث؟ بل هي المجموعات السياسية الطائفية الفوضوية وقد انتشت بالأجواء العربية معتقدة أنها مثل البلدان العربية الملتحمة وطنيا، التي تصاعد فيها الوعي الشعبي الديمقراطي التوحيدي، أما هي فقد قفزت في الفراغ وسقطت على ظهرها. لقد أخذتها الأصابعُ الإيرانية في مغزل الفوضى، ولدينا أناس مثل كتاب هذا التقرير لا يعرفون سوى العبارات العامة الملتهبة ولا يقرأون أسس قوانين التطور الاجتماعي. يواصل التقرير: «مهد تأييد وعد والقوى السياسية المعارضة لثورات الربيع العربي السابقة لقرار تأييد أحداث 14 فبراير، واتخذت هذه القوى موقفا من أحداث 14 فبراير أعلنت فيه تأييدها للاحتجاجات السلمية»، ص.30 قوى البرجوازية الصغيرة التحديثية الضئيلة التي ذوبت الوعي الوطني داخلها وغدت في مهب الريح الاجتماعية المناطقية، كانت منذ عقدين تجر أقدامَها الهزيلة وراء الإقطاع المذهبي في البحرين، التابع لولاية الفقيه الإيرانية وتصاعد الفاشية فيها. وليس تقرير بسيوني متابعة لجذور الواقع البحريني ومعرفة خيوطه السياسية والتنظيمية والاجتماعية، بل هو توثيقٌ للحدثِ المباشر من عنف ، ولغياب حقوق الإنسان من الطرفين أثناء الصراع ونتائجه، لكن من دون وضع الأحداث في حراك التاريخ وأوضاع الطبقات لا نصل الى استنتاجات سياسية عميقة. ولهذا فإن المجموعات الصغيرة من الذين تصدعَ فيهم اليسارُ وذابتُ الوطنيةُ التوحيدية عن ممارساتهم غدتْ تلاحقُ خطوات المجموعات السياسية الطائفية التابعة للفاشية في حراكِها الذي لا تعلم هي إلى أين سيمضي. فلا تدري إلى أين تذهب بالوطن والامكانيات المفتوحة للعنف المخيف بين الدول. ومن حرق مؤسسات طبية وخدماتية في التسعينيات قام بها هؤلاء إلى مشروع حرق البلد ككل، هذا هو المسار المروع لمتابعة هذه المجموعات التحديثية للقوى الطائفية التابعة. جر هؤلاء العوام أصحاب الحسينيات ودور العبادة المختلفة ودفعهم الى صراع الشوارع المخيف من يتحمل مسئوليته؟ جر هؤلاء البسطاء وخداعهم بالشعارات الثورية البراقة وتعريضهم وعائلاتهم لكوارث من يتحمل مسئوليته غير مدبجي الكلمات غير المسئولين الفوضويين المغامرين بمصائر الشعوب. أناسٌ لا يعرفون قوانين التحولات الاجتماعية والسياسية، ويعطون فرصا ثمينة في المجلس المنتخب والنقابات والبلديات ثم يقومون بفوضى سياسية. ويعتبر كتابُ التقرير مثل هذه أعمالا بطولية كبرى، من دون ذرة من مراجعة وتدقيق في الحوادث ونقد ذاتي مسئول. لكن النتائج لم تتوقف عند هذا، بل ثمة أخرى عديدة وتاريخ قادم ملفع بالمخاطر.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وعيٌ مقطوعُ الصلةِ بالجذور(1)
-
تحولاتُ اليسارِ الإيطالي (2-2)
-
تحولاتُ اليسارِ الإيطالي(1-2)
-
الفقراءُ والفاشية الإيرانية
-
تفكيكُ شعبِنا والأمة
-
وعي اليسار في فرنسا (2-2)
-
وعي اليسار في فرنسا(1-2)
-
الوعي الفكري والسياسة في أمريكا
-
مرحلة الانسلاخ من الفاشيات
-
النضالُ المشتركُ بين العربِ والإيرانيين
-
تنوع الأنظمة العربية الديمقراطي التعاوني
-
الدساتيرُ والقلقُ السياسي
-
السيناريوهاتُ الحادةُ واحدة
-
الدساتيرُ والحراكُ الاجتماعي
-
من أسبابِ الحروبِ الأهلية
-
الأيديولوجيا والتكنولوجيا
-
الطبقة الضائعة المنتجة
-
العلمانيةُ بين المسيحيين والمسلمين
-
الإخوانُ وولاية الفقيهِ
-
موقفُ المتنبي (2-2)
المزيد.....
-
قاسم: سلاح حزب الله لن يُسلّم.. وعلى إسرائيل الانسحاب من جنو
...
-
تحطّم طائرة شحن عسكرية تركية في جورجيا وعلى متنها 20 شخصًا
-
وزارة الصحة الفلسطينية: ستة آلاف ممن بترت أرجلهم أو أحد أطرا
...
-
فيديو.. المزارع الفلسطيني شلالدة يقارع المستوطنين وحيدا
-
دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطف
...
-
أول لقاء للشرع بترامب يثير جدلا واسعا على المنصات
-
كندا فقدت وضع القضاء على الحصبة
-
بروفيسورة أميركية: واشنطن تعيد رسم الشرق الأوسط بناتو إسرائي
...
-
مسؤولة أوروبية: الفاشر أصبحت مقبرة للإنسانية وندعو لوقف فوري
...
-
ما مخاطر وتداعيات ارتفاع مستويات الدين العام عالميا؟
المزيد.....
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
المزيد.....
|