أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسيب شحادة - على هامش زيارة مسقط الرأس مؤخّرا















المزيد.....

على هامش زيارة مسقط الرأس مؤخّرا


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 3840 - 2012 / 9 / 4 - 18:59
المحور: الادب والفن
    



زرت مؤخرا مسقط رأسي، قرية كفرياسيف الجليلية، بعد غياب عنها دام ثلاث سنوات ونصف السنة. في هذه العجالة أودّ التطرق إلى بعض النواحي التي استرعت انتباهي وأراها جديرة بالذكر. السفر غير المباشر من بلاد الشمال في شهر آب “اللهاب” إلى مطار اللد عبر مطار أوروبي ضخم كمطار شارل ديغول والعودة عبر مطار فرانكفورت الواسع ليس بالأمر السهل، كما لا يخفى على كل من مرّ بمثل هذه التجربة. من نتائج مثل هذه الرحلات عدم وصول الحقائب مع المسافر. تصل تلك الحقائب إلى أصحابها في اليوم التالي على العنوان الذي يسجله المسافر في وثيقة الإعلان عن فقدان ممتلكات. فاجأتنا موظفات شركة إل عال في مطار اللد بتقديم هدية عبارة عن محفظة صغيرة تحوي ما يحتاجه المرء لقضاء يومه الأول بدون أمتعته، مثل فرشاة الأسنان والمعجون والبيجاما والمشط والشامبو. حبذا لو أولت سلطات المطارات اهتماما أكبر بهذه الجزئية، عدم وصول الحقائب مع أصحابها، على الأقل إعلام المسافرين بهذا التأخير في الوقت المناسب تجنبا لانتظار غير مجد وهدر الوقت.
زيارة الوطن تتمخض دوما عن مشاعرَ وأفكار شتى تعود بالمرء إلى عقود خلت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمكان والزمان والبشر، من أقارب وأصدقاء ومعارف. وفي هذه الزيارة تسنّى لي لقاء أصدقاء كثر منهم صديق قديم بعد غياب عقدين ونيف من السنين.

من الظواهر التي لفتت انتباهي وعكّرت صفو مزاجي، رغم معرفتي السابقة بالأمر، كان مدى انتشار بل غزو اللغة العبرية للعربية المحكية في البلاد. كنت قد تطرقت إلى هذا الموضوع الهام باختصار في مقالة “العبرنة تتفاقم دون مسوغات لغوية” وحاولت وصف الظاهرة بأبعادها اللغوية والاجتماعية والقومية. الاقتراض اللغوي ظاهرة طبيعية وصحية في شتى اللغات البشرية ولكن ما يحدث في عربية البلاد أمر آخر بالمرة، قد يؤدّي في آخر المطاف، إذ كُتب له الاستمرار بهذا الزخم والوتيرة إلى عواقبَ وخيمة حقا، اندثار هذه اللهجة، لهجة عرب الـ ٤٨. في هذه الزيارة رافقتنا بنتنا الصغرى التي لم تعش في البلاد إلا عامين من الزمن إلا أنها تجيد الحديث بالعربية ولكن كثرة الألفاظ والعبارات العبرية المقحمة في الكلام العربي العادي حال في الكثير من الأحيان دون فهم كامل ودقيق. إثر الاستفسار عن تلك الأعشاب البرية حرص المتحدثون على تجنّب هذا الدخيل غير الضروري ووجدوا كلماتٍ عربية سلسة وجميلة بدل المفردات العبرية. في هذا السياق تجدر الإشارة إلى سلسلة المقالات التي ينشرها الزميل فاروق مواسي تحت عنوان “البديل من العبرية” وأهميتها في هذا المجال . يلاحظ أن عرب البلاد المقيمين في الخارج لا يدخلون المفردات العبرية في حديثهم. اللغة، أية لغة آدمية طبيعية، ليست مجموعة من الأصوات فكلمات فجمل ففقرات فحسب بل هي أداة الفكر والوجدان الأولى وعنوان الهوية الثقافية والقومية لمتكلميها. تنمو اللغة وتزدهر بنمو ناطقيها وتطورهم. ماذا سيقال عن شخص لا يحترم لغته لا بل يزدريها؟ تمكّن الفنلندي من لغته واحترامه لها معروفان للمهتمين ونظام التربية والتعليم في فنلندا يُحتذى به كما لا يخفى على كل مثقف مطلع.

فصل الصيف في ديارنا هو موسم الأفراح لأسباب كثيرة بالرغم من شدّة الحرارة (هنا في بلاد الشمال على المرء إضافة: فوق الصفر أو تحت الصفر) لا سيما في شهري تموز وآب. هذه الحرارة الشديدة في آب المنصرم ضربت رقما قياسيا بالنسبة للسبعين عاما الأخيرة، هذا ما نوّّه به صديق لي التقيته في كفرياسيف. هذه الحرارة الشديدة في أيامنا الراهنة مقتصرة على الفضاء الخارجي إذ أن أغلبية المنازل مكيّفة (ليس مموزيچت أو فيها مزچنيم). كثرة مناسبات الزواج تسبب مضايقات غير سهلة لأسر عديدة ماديا واجتماعيا. على كل عائلة أن تقرر متى تستجيب لدعوات الفرح هذه ومتى عليها رفض أخرى لأسباب واعتبارات تراها جوهرية لنفسها. أمامنا حالة يمكن وصفها بكلمتين على الغالب الأعمّ “قرضة ودينة”، القلم وربما الحاسوب اليوم يسجل المبالغ والتواريخ لقادم الأيام. جلّ هذه المناسبات إن لم تكن كلها تقام في قاعات واسعة وحديثة حيث تقدم سلسلة من أطباق الطعام حتى التخامة. كم هائل من ألوان الطعام المختلفة يكون مصيره في حاويات النفايات. سرعة ونجاعة النوادل (لا نادلات حتى الآن، دورهن آتٍ لا محالة مستقبلا) في تقديم المأكولات وتنظيف المنافض استرعتا انتباهي وكم تمنيت أن تكون مثلا سرعة ونجاعة الطلاب وتفاعلهم في حصص الدراسة شبيهة بذلك. من ناحية معينة يمكن اعتبار هذه المناسبات فرصة جيدة للقاء الواحد بالآخر لا سيما بالنسبة لشخص مغترب يزور مسقط رأسه مرة كل بضع سنوات. مثل هذه اللقاءات تقتصر على المصافحة وعبارات المجاملة المعروفة مشفوعة بتقبيل الخدين أو قل تلامس الخدين مرتين أو ثلاث وضم الشفتين في الهواء. لا أحد يستطيع أن ينكر أن مثل هذا التلامس لا ينم في أكثرية الحالات عن عاطفة حقيقية تربط الشخصين. يبدو لي أن هذه الظاهرة النادرة جدا لدى الشعوب الأخرى هي بمثابة عادة عربية يجدر بحث أنماطها وأبعادها التقليدية في المجتمعات العربية المتنوعة، فهناك لمس الأنوف وتقبيل الجبين أو الرأس أو الكتف أو اليد للأكبر سناً أو رفع الذراع. لمس الأنوف، على سبيل المثال، عادة صحراوية قديمة لها مبرراتها التاريخية مثل التعرف على هوية الآخر.

يذكر أن غربلة العادات الاجتماعية أو قل تنخيلها تمشيا مع التطور الاجتماعي والثقافي أمر لا بدّ منه ولا يمكن الاحتفاظ بما كان قبل عدة قرون وهو لا يلائم الحياة المعاصرة. في هذا الصدد يبدو لي أن وضع اليد اليمنى على جهة الصدر اليسرى قد يكون حلا مقبولا في الكثير من المناسبات الاجتماعية العامة. خذ بعين الاعتبار إمكانية العدوى المرضية الناتجة عن تلامس اليدين وملامسة الخدين والتنفس في الأقطار الحارة خاصة حيث يتصبب الإنسان عرقا. ظاهرة شبيهة موجودة لدى شريحة هامشية في المجتمع الفنلندي هي تنقل السيچارة من فم لآخر. في بلاد الشمال قرر مؤخرا عدم مصافحة الطبيب لمرضاه ووضعت إشارة بهذا الخصوص لدرء أي سوء فهم أو تفاهم. في تقديري هناك أكثر من وسيلة للتعبير عن محبة الواحد للآخر وتقديره له دون اللمس والتقبيل والمعانقة إلخ. هناك عادات اجتماعية أراها جيدة وقد اندثرت منها مثلا ما يسمى بـ “جرن الصبار”. اعتاد أصحاب حواكير جبل قاسيون المطل على دمشق والتي كانت مليئة بشجر الصبار أو التين الشوكي بوضع جرن على حافة الطرق مليء بالماء وثمر الصبار وبجانبه سكين للتقشير لكل عابر سبيل يودّ تناول هذه الفاكهة الصيفية (أنظر مثلا أبو البقاء عبد الله بن محمد البكري (القرن الخامس عشر -السادس عشر)، نزهة الأنام في محاسن الشام، طبعة مصر ١٩٢٣). والشيء بالشيء يذكر، في هذه الأيام بالذات ينضج التفاح في فنلندا والمحصول هذا العام غزير بشكل ملحوظ ويدأب أصحاب هذه الفاكهة في حديقاتهم المنزلية على وضع وعاء مليء بالتفاح على جانب الطريق ويكتب بجانبه “تستطيع التناول”. منظر توقف تلاميذ المدرسة الابتدائية في حيّنا عند تلك الأوعية والتقاط حبة أو اثنتين لا غير و“نتشها” على الفور يثلج صدري حقا. يذكر أنه بجانب تلك الأوعية أشجار التفاح على أنواعها ولا حاجز يحول دون الوصول إليها إلا وازع الضمير!

من البدهي توقع اتساع مساحة البناء في كفرياسيف بانسلاخ السنين وتكاثر السكان وامتدادها غربا وازدياد مماثل في عدد المتاجر والدكاكين والمطاعم على أنواعها، إلا أن ما يلفت الانتباه مثلا عدم وجود بركة واحدة للسباحة ومكتبة عامة واحدة في قرية وصل عدد سكانها إلى ثمانية آلاف نسمة تقريبا. أضف إلى ذلك ضيق الطرقات في البلدة القديمة وكثرة السيارات والخطر الناجم عن ذلك وعن عدم وجود أرصفة بالمرة للمشاة. طرق وأزقة وشوارع موجودة ولكن لا تحمل أي اسم أو عنوان. رياضة المشي أضحت اليوم حاجة ضرورية لكافة الأعمار إذ غزت التكنولوجيا الحديثة كل مرافق الحياة. كفرياسيف ذات باع في التربية والتعليم منذ بدايات القرن العشرين وما زالت مدارسها تحتل مكانة مرموقة. نذكر أن مدرسة البيادر بإدارة المربية سهيلة خطيب قد حازت هذا الصيف على جائزة وزارة التعليم ضمن عشر مدارس يهودية في البلاد. الاستثمار الأهم وللمدى البعيد هو في خلق أجيال مسلحة بأخلاق حميدة وبعلم عصري مبني على التحليل والتفكيك بأساليب استنباطية، والشك وقود التفكير المبدع.

يقال عادة أن المجتمع العربي مبني على الأسرة والحمولة في حين أن الفردية هي سيدة الموقف في العالم الغربي عموما. في الوقت ذاته تلاحظ موجة متسارعة في تفكك العديد من العائلات لأسباب لا حصر لها معظمها لا مسوغ لها من حيث المنطق إلا اللهم ما ينصب في خانة القال والقيل والتحزبات والمصالح الشخصية وإضافة نتف من الأخبار المدسوسة والمغرضة من هنا وهناك دون أدنى محاولة للاستيضاح والتحقق والتمحيص. مثل هذه الحالات السرية وشبه المرضية تتكاثر وتترسخ لانعدام ثقافة المواجهة الصريحة لتصفية الأجواء على أسس أخلاقية منطقية ديدنها العدل والاستقامة في المعاملات. يبدو أن مقولة “العتاب صابون القلوب” غدت سلعة نادرة اليوم حتى في أوساط النساء الدفء الأسري العربي آخذ في الانحسار والتبخر بوتيرة متسارعة. لا يمكن ترك هذه الجزئية بلا ذكر المرأة وتهميشها في مثل هذه العلاقات المجتمعية في أغلب الحالات. ومن التناقضات الماثلة للعيان توجه فئة عمرية صغيرة، وهي في الغالب الأعم من الكهول والكهلات (أين جيل المستقبل؟)، إلى بيوت الله للتضرع والعبادة، على ما يبدو، بكل ورع وخضوع وخشوع ناسية أو متناسية سلسلة من الخطوات الضرورية لجعل مثل تلك العبادات والصلوات مقبولة لدى الباري. الصفح هو أحد مفاتيح الشفاء الروحي التي علّمنا إياها المسيح، هذا ليس تعليما فحسب بل أمر. جاء في الصلاة الربانية المسيحية الشهيرة “… اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن للمذنبين إلينا…” وتمعن عزيزي القارىء بما ورد في إنجيل متى البشير ٥: ٤٤
“أما أنا فأقول لكم: أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم”.
قد يقول الإنسان الواقعي المعاصر “لا تكرهوا الآخر”!



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شجرة المانچو
- أتستطيع الوصول إلى القمة؟
- لمحة عن القدّيس سمعان الخراز ونقل جبل المقطّم
- نظرة عامّة على بحثي وكلمات شكر
- العبرية على خلفية العربية - لقاء لغتين شقيقتين
- سرّ التعايش العربي اليهودي في حيفا ١٩٢ ...
- ما لا أعرفه هو: إلى أين أنا ذاهب؟
- حول “رحلة جبلية، رحلة صعبة” لشاعرة فلسطين
- كلمة حول كتاب جديد عن عرب إسرائيل
- العبرنة تتفاقم دون مسوغات لغوية
- رحلة إلى فلسطين قبل قرابة قرن من الزمان
- القدس مدينة السلامين: سلام سماوي وسلام أرضي
- المزوزاه، تميمة الباب، العضادة اليهودية
- عينة من أسماء النبات في اللغة الفنلندية
- جورج أوغست والين (عبد الوالي، 1811-1852)
- الكاليفالا ملحمة الشعب الفنلندي
- نافذة على السامريين
- حول المختصرات العربية
- مستقبل تدريس اللغة العربية وآدابها في جامعة هلسنكي في خطر حق ...
- من نوادر الجاحظ وطُرفه


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسيب شحادة - على هامش زيارة مسقط الرأس مؤخّرا