أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - كيف كنا وكيف أصبحنا















المزيد.....

كيف كنا وكيف أصبحنا


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3813 - 2012 / 8 / 8 - 14:00
المحور: كتابات ساخرة
    


كنا نصحو في الصباح الباكر على صوت جدتي رحمها الله وهي تقول: يا صباح يا فتّاح يا فاتح بلا مفتاح واليوم نستيقظ من النوم ومن الحلم على سماع المسبات والشتائم البلدية وأصوات الأجراس والرنات التلفونية, كانت الناس أقل عددا وأكثرُ بركة واليوم الناس كثيرون وقليلو البركة وكانت الناسُ أفضل مما هي عليه اليوم وكانت القلوب أصفى وكانت المياه أعذب ولم نكُ نحسب للكلمة التي ننطقُ حسابا واليوم نحسب للكلمة التي ننطق بها أكثر من مائة حسابٍ وحساب لأن النوايا عند الناس أصبحت كلها سيئة ولم نكن نسمع صوت إطلاق العيارات النارية إلا بين الحين والحين الآخر, ولكن اليوم كل شيء تبدل في حياتنا وتغير للأسوأ وكأننا أصبحنا نمشي بالمقلوب,اليوم يسكنني خوفٌ شديد من الأيام القادمة فمع أننا كنا نتأمل من المستقبل خيرا أو بأن يأتينا الخير من عنده صرنا اليوم نخافُ من المستقبل أو من الحديث عنه لأنه أصبح كابوسا مخيفاً, وكانت هواتفنا حين ترن ننطلقُ إليها ونتسابق على من سيمسك بسماعة التلفون أولا أنا!أم أخي! أم أختي! أم أمي! واليوم نخاف من التلفون إذا اتصل بنا أحدٌ من الناس وقبل أن نرد على الهاتف تتبادر إلى أذهاننا أسئلةً كثيرة عن الذي يتصل بنا وننتظر بأن يقوم أحدٌ آخر بالرد على التلفون لأننا في هذه الأيام لا نسمعُ إلا بالأخبار التي تُسمم البدن وتعكر صفو أجوائنا العائلية,وكنا نعيش في غرفةٍ واحدةٍ وكلنا نشاهد تلفزيونا واحدا ومسلسلا واحدا وكانت الغرفة تتسع لنا ولغيرنا من أبناء الجيران أما اليوم فعندنا في بيتنا تلفزيون عدد 2وأكثر من 500 محطة فضائية ومع ذلك لا تكفينا هذه المحطات وبيتنا من خمس غرفٍ وكلها ضيقةٌ علينا, انظروا كيف فعلت بنا السنون والأيام بالأمس كنا هناك واليوم صرنا هنا في العام الماضي كنا فوق واليوم صرنا بالأسفل وكنا نضحك من أي كلمة نقولها أو تقالُ لنا واليوم أكثر المشاهد المضحكة عالميا لا تحرك لنا شفاهنا ولا حتى قادرة على إظهار أسناننا وكنا نحتفل بأعياد الميلاد واليوم نبكي على تلك الأيام التي خلت,في العام الماضي كانت مشاعرنا أكثرَ دفئا من مشاعرنا هذا العام وفي العام الماضي لبسنا ثياب الفرح لنعبر فيها عن فرحتنا واليوم كلنا نرتدي الملابس الخاصة بالأحزان لكي نعبر بواسطتها عن أحزاننا,وقبل عشر سنوات كانت حياتنا أفضل وأحسنُ مما عليه اليوم وكنا نبحث عن أصدقاء يفرحون معنا واليوم نبحث عن أصدقاء يكونوا قادرون على الشعور بأحزاننا ومآسينا, وقبل عشر سنوات كنا ممتلئين بالحماس الشديد في كل شيء ولأي شيء واليوم نحن يائسون من كل شيء, وقبل خمس سنوات كنا نبحث عن امرأة متحمسة للحب وللرومانسية واليوم لا تستطيع ولا أي امرأة أن تعود بنا إلى الوراء حين كنا نبحثُ عن الدفء والحنان والمشاعر الرقيقة, في الأعوام التي سبقت هذا العام كنا نرضى بأي شيء واليوم لا نرضى بكل شيء, كنا قبل هذا اليوم أحسن بكثير وأجمل بكثير وكنا نبحث عن شعرةٍ بيضاء تزين رؤوسنا واليوم نبحث عمن يستطيع أن يخفي لنا الشعر الأبيض الذي ملأ رؤوسنا, كنا نشطين جدا للغاية واليوم نحن كسالى جدا إلى حد النخاع الشوكي وكانت بعض الأغاني تبعثُ فينا النشوة من جديد وتشعرنا بأننا ما زلنا قادرين على أن ملأ أجواء بيتنا فناً وطربا واليوم نبحث عن الأغاني التي تذكرنا بمآسينا وهما حاولنا تجميل صورتنا بأيدينا فإن القبح لا نستطيع أن نخفيه بكل ما نملك من أدوات تجميل وبضاعتنا صارت مثل قلوبنا فاسدة جدا ولا تصلح لتنقية الهواء والبيئة المحيطة بنا.

لقد وقعنا ضحية لرومانسيتنا المعقدة وكانت قبل ذلك رومنسيتنا بسيطة جدا يشعر فيها كل من ينظر في عيوننا وعيوننا اليوم لا نستطيع فتحها إلا على المناظر التي تبعث فينا الأشجان الحزينة, وكنا نركض كالأطفال لنسلم على من يدخل بيتنا وكنا نفرش للداخلين ملابسنا على الأرض ليمشوا عليها ولم نكن نسأل الضيف عن حاجته قبل أن ينطق بها واليوم نقف على أبواب بيوتنا خائفين جدا ومتوترين جدا نطلب من الضيف بطاقته الشخصية وبأن يعرف عن نفسه قبل أن يضع أقدامه على عتبة بيوتنا وكأننا في قسم البوليس وكأن الداخل إلينا داخلٌ إلى دائرةٍ أمنية عالية السرية, وكنا نسأل الضيف القادم عن أولاده ونعاتبه إذا زارنا بدون أن يصطحب معه كل أولاده الكبير والصغير والمقطمط بالسرير ولكن اليوم نقول للضيف: أفضل شيء للأولاد أن يبقوا في بيوتهم لأن جنة الأطفال بيوتهم, وكان المغتربون يعملون عندنا بالأجور اليومية من مصريين وسوريين وغير ذلك ولكننا اليوم نحن من يعمل في بيوتهم بالأجور اليومية وزد على ذلك أننا صرنا نسافر إلى البلدان البعيدة بحثا عن العمل تاركين الأجانب والأغيار يحصدون أموالنا حتى أن أغلبنا أصبح يتمنى لو أنه في وطنه مغتربٌ أو لاجئ سياسي, صدقوني كنا قبل عشر سنوات أحسن وأجمل بكثير وكنا مثل الأطفال نرتضي بقطعة حلوى أو ببالون صغير ننفخه ليطير في الهواء ولكننا اليوم لم نعد كما كنا ولم نعد على طبيعتنا التي خُلقنا عليها, كانت الشوارع أفضل وكانت المساحات أفضل وكانت الكتابات أفضل وكانت عناويننا أقوى وكانت أجسامنا أمتن وكانت عضلاتنا أقوى وكانت قدرة عيوننا على الإبصار أفضل من قدراتها اليوم, ترى من الذي دخل بيوتنا وعكر صفو أحلامنا ومن الذي سرق البسمة من على شفاهنا ومن الذي زرع الخوف في قلوبنا فلم تكن قلوبنا تعرف الخوف ولم تكن ألسنتنا تعرف السكوت واليوم ألسنتنا كأنها أصابع طبشورية مصنوعة من الكلس وجافة جدا وكل دقيقة نحاول ترطيبها بشفةٍ من الماء العذب.

كانت البحار أوسع وكانت الحكايات والقصص أفضل ولم نكن قد تعودنا بعد على مشاهدة الدماء التي أصبحت جزءً من حياتنا,وكانت الأنوار أشد إضاءة مما هي عليه اليوم ولم نكن نحتاج إلى من يدلنا على الطريق ولم نكن نحتاج قبل عشر سنوات لمن يمد يده في حلوقنا ليطعمنا واليوم نحن بحاجة لمن يطعمنا ولمن يضحكنا فمنذ سنةٍ تقريبا لم نعد نضحك كما كنا في الماضي نملأ البيت ضحكا وصراخا وضجيجا, كانت حياتنا أفضل وكانت قلوبنا أطيب وكانت دماؤنا أنقى وكنا نُعجب الناس ونسحرها بألسنتنا وكانت الرحلة من باب البيت إلى مصدر رزقنا تستغرقُ من نصف ساعة أو بالكثير يا دوب ساعةٍ كاملة واليوم حين نخرج لنبحث عن لقمة خبزنا نودع أولادنا وأمهاتنا لأن السفر بعيد والقافلة التي نبحث عنها ضاعت في الصحراء العربية وشربة الماء لكي نجدها نحتاج إلى قصاص أثر وإلى أجهزة رصد وكشف وقد نعود من هذه الرحلة بعد يومٍ أو يومين أو ثلاثة أيام وفي أغلب المرات نعود خالين الوفاض بلا ماءٍ وبلا طعام, وكنا إذا شعرنا بالألم لا نحتاج فقط إلا إلى حبة أسبرين لكي نرتاح من صداعنا واليوم كل العيادات الطبية وكل المستشفيات الخاصة والعامة لا تستطيع لا هي ولا كل شركات الأدوية أن تشفينا من الصداع المستمر في رؤوسنا وقلوبنا, لقد كنا أناس بسطاء جدا نعيش على البركة وعلى السبحانية واليوم حين نريد أن نستمر في الحياة يجب علينا أن نتعلم الكذب والرياء والخداع وبحاجة لنكون دهاة وماكرين حتى نستطيع أن نكسب لقمة خبزنا, كانت يا أصدقائي حياتنا مليئة بالحب وكنا نعشق ونحب كل الناس وكانت الناس تحبنا ولكن هذا اليوم ضاعت المحبة وهجرتنا الأفراح وكانت ملابسنا واسعة علينا واليوم نشعر بأنها تضغط علينا وتريد خنقنا بما فيها من أنسجة قاسية وخيوط تلتف عول رقابنا مثل حبل الإعدام والمشنقة,قبل عشر سنوات كانت بيوتنا عبارة عن منتزهات ترفيهية واليوم تحولت إلى خرائب تتصاعد منها أعمدة الدخان وثاني أكسيد الكربون.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خادم السيدين
- الإسلام نظرة من الأفق
- عائلة آل برونتي الشهيرة في الأدب
- لماذا لم يقاتل عمر بن الخطاب في معارك الرسول؟
- بين المرأة والبيئة
- الثقافة المنزلية
- الهوية الضائعة
- العلاج بالقرآن2
- الشعور بالذنب بين المسيحي والمسلم
- الافكار البسيطة تنتشر بسرعة
- الإسلام ينتهز الديمقراطية
- يا قوم
- الزكاة قانون وشريعة رومانية وثنية
- التشابه بين الشعائر السماوية والوثنية
- للأفكار أجنحة
- اقتراح جديد بشأن اليهود
- اليهود في المنام
- ماذا سيبقى مني!
- رؤيا خرافية
- المثقف في المجتمع المريض


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - كيف كنا وكيف أصبحنا