|
-أُمَّهات الحقائق- في الصِّراع السوري!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3777 - 2012 / 7 / 3 - 15:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الصراع الضاري في سورية، والذي أخَذَ يشتد ضراوة، هل يمكن أنْ يُحَل ويُسوَّى من غير طريق العنف الحربي، والذي نراه الآن، على وجه الخصوص، في شكل مجازر يومية تقترفها القوى العسكرية التابعة لنظام الحكم السوري، برئاسة بشار الأسد، ويذهب ضحيتها كثيرٌ من المدنيين (السوريين) العُزَّل؟
إذا كان ممكناً، بعد كل ما وَقَع وحَدَث في سورية من تدمير وتعذيب وتشريد وسَفْك للدماء، أنْ ينتهي هذا الصراع بما يسمح ببقاء نظام الحكم السوري، ورئيسه بشار على وجه الخصوص، وبنجاة مقترفي هذه المجازر (والجرائم) من العقاب الذي يستحقُّون، فإنَّ من الغباء السياسي بمكان أنْ يظل نظام الحكم هذا رافِضاً عملياً (رَفْضاً مُطْلَقَاً) هذا الخيار؛ وفي هذه الحقيقة التي ريب فيها يكمن تعليل وتفسير تشبُّث نظام حكم بشار بخيار حسم الصراع بالحديد والنار؛ فإمَّا أنْ يَسْحَق ثورة شعبه عليه، ويؤسِّس، من ثمَّ، لـ "سِلْمٍ أهليٍّ"، يحرسه ويصونه بالأسوأ من الفاشية، وإمَّا أنْ يستمر في حربه الوحشية على الشعب الثائر عليه، مُصارِعاً من أجل بقاءٍ لا يُبْقي على شيء من سورية، الدولة والوطن والشعب؛ وأحسبُ أنَّ خَيْر نُصْحٍ يمكن ويجب إسداؤه إلى "الوسطاء"، أكانوا من ذوي النيَّات الحسنة أم من ذوي النيَّات السيِّئة، هو ألاَّ يَضْرِبوا، في قولهم وفعلهم، صفحاً عن حقيقة أنَّ كلا طرفيِّ الصراع (نظام الحكم والثورة) قد تخطَّى نقطة اللاَّعودة؛ فلا حلَّ إلاَّ من طريق "الحسم"، فينتصر أحدهما، ويُهْزَم الآخر.
وأحسبُ، أيضاً، أنَّ بشار، مع مَنْ معه من القابضين على أَزِمَّة الحكم، يَعْلَم ويَعْرِف أكثر بكثير من غيره أنَّ مَنْ تولَّى السلطة، واحتفظ فيها، بالحديد والنار، وبشتَّى وسائل وأساليب القمع والإكراه والإرغام، لن يذهب أبداً بـ "التي هي أحسن"، أيْ بـ "الحوار" و"الإقناع" و"سلمية الحراك الشعبي (المناوئ له)"؛ فكَما جِئْتَ إلى الحكم، وبقيتَ فيه، تغادره وتذهب!
العيب، كل العيب، ليس في نَفْسِ بشار الأمَّارة بالسوء، والذي نعني به (أيْ "السوء") معاداة وكُرْه "الإصلاح (السياسي والديمقراطي)"؛ وإنَّما في "الواقع الموضوعي" لنظام الحكم السوري، والذي إنْ نَظَرْنا إليه بعيون لا تغشاها أوهام نُدْرِك، عندئذٍ، أنَّ نظام الحكم هذا هو من طبيعة وخواص جوهرية تَفْرِض عليه (فَرْضاً) أنْ يكون "واقعياً" و"عقلانياً" بما يكفيه شَرَّ تناول ولو جرعة صغيرة من "دواء الإصلاح"؛ فلو فَرَّط في "واقعيته" و"عقلانيته"، وقَبِلَ، من ثمَّ، تناول هذه الجرعة الصغيرة لَدَخَل التاريخ بصفة كونه نظام الحكم الذي نَحَرَ نفسه بنفسه؛ فلا تَدْعوه إلى أنْ يُحَمِّل نفسه ما لا طاقة له به، فإنَّ الله لا يُكلِّف نفساً إلاَّ وسعها!
ويكفي أنْ يكون نظام حكم بشار بهذه الطبيعة والخواص الجوهرية حتى يُشدِّد المَيْل لدى كثيرين في خارج سورية إلى اتِّقاء شروره ومخاطره؛ فليس ثمَّة ما هو أسوأ وأخطر من أنْ يستبدَّ بنظام حكمٍ ما المَيْل إلى "الفاشية (وإلى ما هو أسوأ منها)" مع المَيْل إلى "الشمشونية"؛ وهذا الخطر يَعْظُم إذا ما كان مَصْدَره "الجيو ـ إستراتيجي" هو دولة كسورية، وفي ظرف زمان (إقليمي ودولي) كظرف الزمان السوري.
وهذا إنَّما يعني أنَّ كثيراً من القوى الإقليمية والدولية تميل الآن إلى "مواقف عملية"، تشتري فيها "إحجامه عن الشمشونية" بثَمَنٍ (يستغليه الشعب السوري الضحية) هو "سكوتها وتغاضيها عن فاشيته في الداخل"، وكأنْ لا خيار لديها يحظى بالتأييد من مصالحها الإستراتيجية الآن (والتي، أيْ "الآن"، لا نعرف متى تنتهي) إلاَّ تَرْك طرفيِّ الصراع (نظام الحكم والشعب) يصطرعان إلى أنْ يقضي الله أمراً كان مفعولا.
إنَّنا لا نملك الحق في أنْ ندعو الشعب السوري إلى أنْ ينهي ثورته، ويَتْرُك "الميدان" عائداً إلى "الحظيرة"، مستخذياً لمشيئة نظام الحكم، من أجل أنْ يقي سورية شرور الحرب الأهلية والتمزُّق والدمار؛ فالشعب في سورية (ومهما كانت أغراض ونيَّات القوى الإقليمية والدولية اللابسة لبوس التأييد لثورة الشعب السوري) لديه من الأسباب الموجبة للثورة ما يجعل المرء يستغرب بقاءه زمناً طويلاً ممتنعاً عن الثورة؛ كما أنَّنا لا نعلِّل أنفسنا بوهم أنَّ نظام حكم بشار قابِلٌ لـ "الإصلاح (السياسي والديمقراطي)" بما يُضْعِف الحاجة لدى الشعب السوري إلى الثورة عليه، أو إلى الاستمرار في الثورة عليه، أو أنَّه (أيْ نظام الحكم نفسه) يمكن، في حال استمرار وتفاقُم الصراع، وتنامي مخاطره على سورية نفسها، أنْ يُسلِّم بقضاء الله وقدره، فيُغلِّب "بقاء سورية نفسها" على "بقائه هو"، فَيَحْزِم أمتعته ويرحل، مودِّعاً الشام وداع هرقل لها؛ وهذا وذاك إنَّما يُلْزِمان الثورة السورية بإبداء مزيدٍ من "العصامية"، وبالاعتماد على نفسها أوَّلاً وأخيراً، وبالاغتسال، عقلاً وإرادةً وفعلاً، من وَهْم "المُغيث الدولي والإقليمي"، وبالمضي قُدُماً في الصراع ضدَّ نظام حكم بشار؛ لكن من غير أنْ تَلْعَب لعبته، أو تستعمل أدواته وأسلحته ووسائله؛ فـ "الفَرْق النوعي" بينها وبينه هو الذي يجب أنْ يَظْهَر ويتَّضِح، في استمرار، ومهما كانت العواقب؛ فلا خير في ثورةٍ صارعت خصمها بما جَعَلَها تزداد شبهاً به.
إنَّ أحداً غير أصحاب العقول الصغيرة والنفوس الكبيرة لا يَرْفُض ويَسْتَكْرِه "الصراع (في حدِّ ذاته)"؛ والصراع الذي يخوضه الشعب السوري ضدَّ نظام حكم بشار هو صراع حميد في جوهره وأساسه؛ وينبغي للثورة السورية أنْ تنأى به عمَّا يمكن أنْ يُفْسِده أخلاقياً وإنسانياً وحضارياً وثورياً، وأنْ تنأى بنفسها عن "قادة (وقيادات)" تسعى في النَّفاذ إلى داخلها، لِتَفْعَل ما فَعَله "حصان طروادة"، وأنْ تتذكَّر وهي تَلْقى "التأييد المُدَلَّس" من عَرَبٍ وعَجَمٍ وبربر.. أنَّ فاقِد الشيء لا يعطيه؛ فإنَّ مَنْ جُبِلَ على العداء للديمقراطية والثورة لا يمكنه أبداً أنْ يكون نصيراً للديمقراطية والثورة في سورية!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مِنْ -سجين طرَّة- إلى -سجين طنطاوي-!
-
مرسي الذي أصبح للثورة مرساةً!
-
لا شرعية في مصر تَعْلو -الشرعية الثورية-!
-
حتى يكون مرسي مرساةً للثورة!
-
قَوْلٌ عظيم لرَجُلٍ عظيم!
-
هذا الإنكار- ل -شعبية- الثورة في مصر وسورية!
-
مصر ثَوْرَة على -الوثنية الدستورية- أيضاً!
-
لِنَحْتَفِل بهزيمة شفيق لا بانتصار مرسي!
-
لعبة العجوز الداهية طنطاوي!
-
لو قرأوا -الدولة والثورة-!
-
إيضاحات وردود
-
-مأثرة- ماركس التي عَجِزوا عن النَّيْل من إعجازها!
-
-دولة المواطَنَة- التي تتحدَّانا أنْ نفهمها!
-
-الديمقراطية- ليست -فتوى-!
-
العودة إلى 11 شباط 2011!
-
حتى يصبح -نفي الرأسمالية- هدفاً واقعياً!
-
صراعٌ يَصْرَع الأوهام!
-
خَبَرٌ صغير!
-
.. إلاَّ انتخاب شفيق!
-
مصر.. عودة الوعي وعودة الرُّوح!
المزيد.....
-
تجاهل التحذيرات.. إنقاذ متسلّق بريطاني من جبال الدولوميت كلّ
...
-
مهددة بالزوال.. نحّاتة قطع لعبة ماهجونغ الأخيرة في هونغ كونغ
...
-
رأي.. إردام أوزان يكتب: ما الأسوأ من عدم الاستقرار في سوريا؟
...
-
الداخلية السورية تعلن إحباط هجوم على كنيسة في طرطوس
-
في غزة.. الطحين -ذهب أبيض- و15 كيلومترًا تحت النار من أجل رغ
...
-
تقارير عن خلاف بين نتنياهو ورئيس أركان الجيش حول إحكام السيط
...
-
9 أسرار لاختيار الشوكولاتة الداكنة الصحية
-
الدماغ يتسبب بمشكلة خطيرة لمرضى السكري واستهدافه قد يحلها
-
بعد فضائح شهادات مزورة.. موجة استقالات تُشعل فتيل أزمة سياسي
...
-
أمازون تغلق أستوديو البودكاست وتسرّح أكثر من 100 موظف
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|