|
صراعٌ يَصْرَع الأوهام!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3750 - 2012 / 6 / 6 - 13:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"الصراع"، في نموِّه، وإذا ما احتدم، كما هي الحال الآن في سورية ومصر، هو "المغسلة"، التي بها تَغْتَسِل العقول من الأوهام، التي طالما استبدَّت بالناس، وأعْمَت أبصارهم وبصائرهم؛ فـ "الصراع"، إذا دنا من "ساعة الحسم"، كالسِّيْف في حدِّه الحدُّ بين "الحقيقة" و"الوهم".
بعض القوى الدولية، التي نَصَرَت، وتَنْصُر، نظام حكم بشار الأسد ضدَّ ثورة شعبه عليه، "مُحَجِّبةً" الأسباب والدوافع الحقيقية لموقفها المشين هذا، تقول، في مَعْرِض التبرير والاستذراع، إنَّها تَقِف ضدَّ كل محاولة، أو مسعى، لـ "تغيير نظام الحكم السوري بالقوَّة والقَسْر"، وكأنَّها تريد أنْ تقول، ضِمْناً، إنَّها لا تَقِف (ولن تَقِف) ضدَّ الشعب السوري إذا ما أرادا، أو قرَّر، تغيير نظام حكمه بـ "التي هي أحْسَن"، نابِذاً الوسائل والأساليب والطرائق التي يَكْمُن فيها معنى "التغيير بالقوَّة والقَسْر"!
مَنْ استمع إلى بيانهم "السياسي الحضاري" ظَنَّ أنَّهم يتحدَّثون عن "نظام الحكم السويدي (لا السوري)"؛ ففي الدول التي تَعْرِف كثيراً من "الحضارة السياسية"، أو تأخُذ بـ "السياسة الحضارية"، تأتي الحكومات (والرؤساء) من طريق "صندوق الاقتراع الديمقراطي الشَّفاف"، وتَذْهَب إلى موقع المعارَضة من الطريق نفسها؛ أمَّا شعوب تلك الدول فإنَّ أحداً من المحرِّضين ("الأشرار") لا يقوى على تحريضها على "تغيير أنظمة حكمها بالقوَّة والقَسْر"، أو ينفث في روعها أنَّها ليست بمَصْدَر الشرعية السياسية لحكوماتها وحُكَّامها.
إنَّها لَمِنَ "الهمجية السياسية" أنْ تَتَّخِذ "القوَّة" و"القَسْر" طريقاً إلى تغيير نظام حكم وُلِدَ من رَحْم "صندوق الاقتراع الديمقراطي الشَّفاف"، الذي تَعْكِس مرآته المصقولة الإرادة الحُرَّة للشعب، ولم يَغْتَصِب السلطة اغتصاباً، ولم يَصِل إليها على ظَهْر دبابة، ولم يستمر في الحُكْم، أو في حُكْمه الأبدي، بالقوَّة والقَسْر والإكراه.
لكن، أليس من الكذب والتضليل والخداع أنْ يقولوا للشعب السوري إنَّنا لن نَقِف ضدَّ رغبتكَ في تغيير نظام حكمكَ، المُغْتَصِب للسلطة اغتصاباً، والذي لا يَحكم، ولا يستمر في الحكم، إلاَّ بالقوَّة والقسر والوحشية، إذا ما نَبَذْت القوَّة والقَسْر، وحاوَرْتَ جلاَّدك، وجادلته بالتي هي أحسن، وتَضَرَّعْتَ إليه، وسعيت في إقناعه بأنَّ الآخرة خير وأبقى، وبأنَّ التشبُّث بالسلطة من الحياة الدنيا، وما الحياة الدنيا إلاَّ متاع الغرور؟!
"القوَّة (والقَسْر)" يُسبِّحون بحمدها إذا ما كانت وسيلة بشار للبقاء في حُكْمٍ لا يُبْقي على الشعب والوطن والدولة، ويلعنونها (ويشيطنونها) إذا ما اضطُّر الشعب (الضحية) إلى اللجوء إليها، وإذا ما قاتَلَ عَمَلاً بحقِّه (الذي لا ريب في شرعيته) في الدِّفاع عن نفسه!
دعوتهم هذه، والتي يُلْبِسونها لبوس "الحضارة السياسية"، التي لا أثر لها في بلادهم، إنَّما هي "جريمة" يرتكبونها في حقِّ الشعب السوري؛ لأنَّهم يقولون له فيها "دَعُوه يقتلكم، ويُمْعِن في تقتيلكم"؛ ومنها تتفرَّع "جريمة أخرى"، يرتكبونها في حقِّ "العقل"؛ لأنَّهم يَبُثُّون بها وَهْماً مؤدَّاه أنَّ "الغانديَّة" تَصْلُح طريقاً إلى تغيير نظام حكم لا يَعْرِف من وسائل وأساليب البقاء، أو الصراع من أجل البقاء، إلاَّ ما يشبه "مجزرة الحولة"، التي قال مرتكبها إنَّ الوحوش لا ترتكبها، ناسياً، أو متناسياً، أنَّ "الأسد" من الوحوش!
وفي مصر الآن، رأيْنا بعضاً من الأوهام وقد شرع يأفُل؛ فها هو رئيس مجلس القضاء الأعلى يَخْرُج عن صمته "الذَّهبي"، قائلاً، وكأنَّه يمثِّل "الفضيلة القانونية"، إنَّ "القضاء (أيْ سُلْطة القضاء)" أسمى وأجل من أنْ يستخذي، في أحكامه، لمشيئة "ابن الشارع"، و"الدهماء" في "ميدان التحرير"؛ فـ "القضاء"، على ما يَوَدُّ إيهامنا، إنَّما هو "ابن السَّماء"، منزَّهٌ عن كل صراعٍ بين "الحاكِم" و"المحكوم"، وليس بجزءٍ (لا يتجزَّأ) من نظام حكم مبارك (الذي يخوض الآن معركته الأخيرة من أجل البقاء).
إنَّ "مجلس القضاء الأعلى" لن يُفْهَم على خير وجه إلاَّ إذا فُهِم على أنَّه "التوأم القانوني" لـ "المجلس العسكري الأعلى (الحاكم)"؛ و"المجلسان" تتضافر جهودهما الآن على إنقاذ نظام الحكم القديم من خطر الانهيار المُحْدِق به.
لقد آمن المصريون زمناً طويلاً بوَهْم "استقلال القضاء" عن "السُّلْطة" حتى في اللحظة الحاسمة من الصراع بينها وبين الشعب؛ فإذا باحتدام هذا الصراع يُسْبِغ عليهم نعمته، ويريهم "مجلس القضاء الأعلى" بعيون يقظة لا تغشاها أوهام، ويدعوهم إلى الإيمان القويم، ألا وهو الإيمان بأنَّ مبارك مُمْتَدٌّ، يَضْرِب جذوره عميقاً، في "المجلسين"، وفي غيرهما؛ وليس ممكناً، من ثمَّ، أنْ تنتصر الثورة إلاَّ بثوَّارٍ اغتسلوا، عقلاً وشعوراً وإرادةً وسلوكاً، من هذا الوهم، وأشباهه؛ وما أكثرها!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خَبَرٌ صغير!
-
.. إلاَّ انتخاب شفيق!
-
مصر.. عودة الوعي وعودة الرُّوح!
-
-الحولة-.. صورة حاكمٍ وسُورة شعبٍ!
-
-الرَّائي- و-المرئي- في -الرؤية الكونية-
-
-العقد شريعة المتعاقدين-.. أهو مبدأ ل -السرقة-؟!
-
حتى لا ينتصر شفيق وتُهْزَم مصر!
-
إنَّها -المستحيلات الثلاثة- في الكون!
-
التفاعل بين -المادة- و-الفضاء-
-
في فلسفة اللغة
-
فساد الكِتَابة!
-
لويس السادس عشر يُبْعَثُ عربياً!
-
فكرة -الرُّوح- وكيف شَقَّت طريقها إلى رأس الإنسان
-
مرَّة أخرى وأخيرة في محاورة -أعداء ماركس-!
-
أعداء ماركس.. على هذه الشاكلة!
-
-موتى- يَنْعُون -الماركسية-!
-
في -حُرِّيَّة التعبير-
-
دَعْهُمْ يَخْتَبِرون أوهامهم!
-
-المجلس العسكري- يخوض -معركة الرئيس-!
-
-الحياة- فلسفة!
المزيد.....
-
عشرات المليارات تدرها رسوم ترامب الجمركية شهريا.. ماذا تفعل
...
-
السعودية.. أول تعليق لنجل حميدان التركي بعد إطلاق سراح والده
...
-
ترامب يعلن اقتراب قمة مع بوتين وسط تصعيد جديد في أوكرانيا
-
ترامب يرفع الرسوم الأمريكية على الهند إلى 50 في المئة بسبب ا
...
-
مسجد القلعة صرح إسلامي من العهد المملوكي في القدس
-
سلجوق بيرقدار أوغلو رئيس هيئة الأركان العامة التركية
-
-إكس-59-.. الطائرة الصامتة الأسرع من الصوت
-
أيمن عودة أحد أبرز الوجوه السياسية لفلسطينيي 48
-
أمريكا: اتهام جندي بمحاولة إرسال أسرار الدبابة أبرامز إلى رو
...
-
الرئيس التنفيذي لـ-آبل- يقدم هدية -رمزية- لترامب: لوح زجاجي
...
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|