|
-موتى- يَنْعُون -الماركسية-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3723 - 2012 / 5 / 10 - 14:29
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
"الماركسية ماتت!"؛ "الماركسية شبعت موتاً!"؛ "الماركسية وُلِدَت ميتة!"؛ "الماركسية نظرية (أو فكر) منافية للواقع!".
وهذا كله بعضٌ، أو نَزْرٌ، ممَّا قالوه، ويقولونه، في حروبهم الفكرية (التي لم تنتهِ، ولن تنتهي) ضدَّ "الماركسية"، أيْ ضدَّ "الجوهري" و"الأساسي" و"الصَّلْب" من أفكار كارل ماركس (في المقام الأوَّل). ومع ذلك، ما زال هؤلاء الخصوم والأعداء لفكر ماركس في "حوارٍ" معه؛ وكأنَّهم ما زالوا مؤمنين سِرَّاً بتهافُت منطقهم وحُجَجِهِم، وبعجزهم عن النَّيْل من قوَّة فكر هذا المفكِّر العظيم.
ومن حُجَجِهِم التي يتسلَّحون بها الآن أنَّ "طبقة ماركس"، أيْ "الطبقة العاملة"، أو "البروليتاريا"، تتلاشى وتضمحل؛ فالعُمَّال في الصِّناعة هُمْ الآن أقل من خُمْس الأيدي العاملة؛ أمَّا العاملون في الخدمات فيَزيدون عن نِصْف الأيدي العاملة؛ واستنتاجهم، من ثمَّ، أنَّ الطبقة العاملة (البروليتاريا) الصناعية ما عادت (أو ليست) أكثرية أبناء المجتمع.
ومساهمة الصناعة، مع عمَّالها، في "الناتِج القومي" تتضاءل؛ وهي الآن لا تزيد عن خُمْس هذا الناتِج (الذي يأتي معظمه من الخدمات، أيْ من قطاع لا يُنْتِج سِلعاً وبضائع، ولا يُنْتِج، من ثمَّ، ثروة مادية).
أمَّا نظرية "فائض القيمة ("فَضْل القيمة"، "القيمة الزائدة")" فتستحوذ على حُصَّة الأسد من الجهد (الفكري) الذي يَيْذُلون توصُّلاً إلى تفنيد، ودحض، وتخطيء، أساس نظرية ماركس الاقتصادية؛ فنظرية "فائض القيمة" إمَّا أنَّها غير صحيحة (مُذْ وُلِدَت) وإمَّا أنَّها كانت صحيحة في مرحلة "الثورة الصناعية"؛ ثمَّ غدت خاطئة.
ودليلهم "المُفْحِم" على "عِلْمية" تفنيدهم لنظرية "فائض القيمة" هو أنَّ جزءاً عظيماً متعاظِماً من "الناتِج القومي" يأتي من طريق "أرباح" لا تمتُّ بصلةٍ إلى مفهوم، أو نظرية، "فائض القيمة".
كل حُججهم متهافتة، تَضافَر على صُنْعِها شيئان: "العداء الأعمى" لفكر ماركس، و"الجهل به (أو العجز عن فهمه، وتمثُّله)".
"عُمَّال الصناعة (الصناعة بمعناها الواسع، أيْ الصناعة التي تشمل الزراعة الرأسمالية الآلية)" ليسوا الآن بأكثرية أبناء المجتمع؛ وهُمْ طبقة يتضاءل "وزنها الديمغرافي"؛ لكن أليس ماركس نفسه هو الذي "اكتشف القانون الاقتصادي الموضوعي" لهذه الظاهرة، أيْ لظاهرة "تضاؤل الوزن الديمغرافي" لـ "البروليتاريا الصناعية (بمعناها الواسع)"؟!
أليس هو الذي فَهِم تطوُّر النظام الرأسمالي على أنَّه، في إحدى سماته الجوهرية، "ارتفاع (أو نموٌّ) مستمر، متعاظِم، للتركيب العضوي للرأسمال"؛ أيْ التضاؤل المستمر لنِسْبَة "الرأسمال المتغيَّر (الأجور)" إلى "الرأسمال الثابت (الرأسمال في هيئة آلات ومعدَّات وأجهزة..)"؟!
أليس هو الذي شَرَح وأوضح العاقبة الحتمية لـ "ارتفاع التركيب العضوي للرأسمال (والذي من طريقه تَحِلُّ الآلة محل الأيدي العاملة)" والتي هي تَعاظُم مَيْل "معدَّل الربح" إلى الهبوط؛ لأنَّ "الرأسمال المتغيِّر"، والذي هو وحده "مَصْدَر الربح (التعبير النقدي عن "فائض القيمة")"، يتضاءل في استمرار؟!
إنَّ "العمل"، والعمل وحده، هو مَصْدَر "الثروة (المادية للمجتمع)"، وهو ما يعطي "المُنْتَج (الذي له قيمة استعمالية)" قيمته (أيْ "قيمته التبادلية").
و"الثروة المادية (للمجتمع)" إنَّما تُنْتَج (وتنمو وتتراكم) من طريق "الاقتصاد الحقيقي (الصناعة والزراعة..)"، أيْ الاقتصاد المُنْتِج للسلع والبضائع؛ وهذه "الثروة" لا تكون إلاَّ على هيئة "قِيَم استعمال (مادية)"، هي، في النظام الرأسمالي، يجب أنْ تكون، في الوقت نفسه، على هيئة "قِيَم تبادلية"، أيْ على هيئة سِلَع وبضائع.
وإنَّ عمل "البروليتاريا" في الصناعة والزراعة، وعلى الرُّغم من تضاؤل "الوزن الديمغرافي" لهذه الطبقة، هو المُنْتِج للقسم الأعظم من الثروة المادية للمجتمع؛ فهذه "الطبقة" هي المُعيل للمجتمع، أيْ لمعظم المجتمع؛ فهذا القسم الأعظم من الثروة المادية للمجتمع إنَّما يأتي من "القيمة الجديدة" التي تُنْتِجها "البروليتاريا"، والتي (أيْ "القيمة الجديدة") تُتَرْجم، نقدياً، بـ "أجور" يتقاضاها العُمَّال، وبـ "أرباح" تعود إلى أصحاب رؤوس الأموال؛ ونِسْبَة "الأجور" إلى "الأرباح" هي في تضاؤل مستمر (ولا يمنع تضاؤلها هذا ارتفاع القيمة الحقيقية للأجور).
ومن هذا "المَصْدَر (أيْ من "القيمة الجديدة")" تأتي الأجور والأرباح في القطاعات الاقتصادية غير المُنْتِجَة (بذاتها) للثروة المادية للمجتمع؛ وهنا يكمن مَصْدَر الالتباس في فَهْم وتفسير "النماء النقدي" لقطاع الخدمات، أجوراً وأرباحاً، ولسائر قطاعات الاقتصاد المشابهة له في كونها غير مُنْتِجَة للثروة المادية.
ولجلاء وتوضيح الأمر، ودَفْع الالتباس، دَعُونا ننظر إلى أسلوب الاستثمار في التجارة مثلاً (وهي قطاع لا يُنْتِج بذاته، ومن حيث المبدأ، ثروة مادية).
إذا كنتَ ثَريَّاً، تملك، مثلاً، مليون دولار، وأردتَ استثمار هذا المبلغ النقدي في التجارة، فإنَّ أوَّل شيء ينبغي لكَ معرفته هو "معدَّل الربح" في مجتمعك الآن.
لقد عَرفتَ أنَّ "معدَّل الربح" هو، مثلاً، 20 في المئة؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ المليون دولار الذي تملك، والذي تريد استثماره في التجارة، يجب أنْ يزيد، ليصبح، في نهاية نشاطكَ الاستثماري هذا، مليون وخُمْس المليون دولار.
إنَّكَ تذهب إلى ربِّ العمل الصناعي فتشتري منه، مثلاً، بثُلْثيِّ هذا المبلغ بضائع أنْتجها مصنعه، وبالثُّلث المتبقي تستأجر عمال وموظفين في متجرك.
ربُّ العمل الصناعي ارتضى (من أجل تصريف إنتاج مصنعه) أنْ يتنازل لكَ عن جزءٍ من ربحه (أيْ من فائض القيمة المُضَمَّن في البضائع التي باعَكَ إيَّاها). لقد أخذ منكَ ثُلْثيِّ مليون دولار ليُعْطِيكَ بضائع قيمتها التبادلية تَعْدِل مليون وخُمْس المليون دولار.
أنتَ الآن، وبعد إنفاقكَ مبلغ المليون دولار في تلك الطريقة، بِعْتَ كل البضائع، فأصبحت تملك مليون وخُمْس المليون دولار.
"خُمْس المليون دولار" لم يأتِ إليكَ إلاَّ من هناك، أيْ من "فائض القيمة" المُنْتَج في المصنع الذي منه اشتريتَ البضائع؛ وفي الطريقة نفسها (تقريباً) تَسْتَثْمِر أموالك، وتربح، في المصارف، وفي سائر قطاعات الخدمات.
ويجب ألاَّ ننسى أنَّ هناك قطاعات مُنْتِجة للثروة المادية للمجتمع؛ لكنها ليست رأسمالية؛ فثمَّة أشخاص يُنْتِجون سِلَعاً (أيْ ثروة مادية) من طريق عملهم الشخصي (والعائلي) فحسب، وبواسطة آلات وأدوات وأجهزة يملكونها هُمْ.
ويجب ألاَّ ننسى، أيضاً، أنَّ هناك أشياء ليست، في حدِّ ذاتها، سِلَعاً، أي ليست لها قيمة تبادلية؛ ومع ذلك تُباع، وبأسعار مرتفعة، كالأراضي؛ فليس كل ما يُباع، أو له سعر، يجب أنْ يكون سلعة، أو أنْ تكون له قيمة تبادلية.
أُنْظروا، مثلاً، إلى حجم الأموال (أو رؤوس الأموال) المُسْتَثْمَرة في رياضة كرة القدم، وإلى ما يتقاضاه اللاعبون من أجور خيالية، وإلى ما يحصل عليه المُسْتَثْمرون من أرباح خيالية أيضاً.
هذا القطاع (رياضة كرة القدم) ليس بمُنْتِج للثروة المادية؛ لكنَّه يغرف من الصَّحن نفسه، أيْ من "القيمة الجديدة" المُنْتَجة في الصناعة، أو في الاقتصاد الحقيقي.
إنَّنا نحسب مساهمة هذا القطاع في "الناتج القومي"، ضاربين صفحاً عن حقيقة اقتصادية موضوعية هي أنَّ هذه المساهمة هي في الأصل جزء من "القيمة الجديدة" المُنْتَجة في الاقتصاد الحقيقي.
لقد اكتشفوا، إذ اتَّخذوا من "السطحية" أسلوباً في الفهم والتفسير، أنَّ مساهمة الصناعة، مع عمَّالها، في "الناتِج القومي" تتضاءل؛ وهي الآن لا تزيد عن خُمْس هذا الناتِج (الذي يأتي معظمه من الخدمات، أيْ من قطاع لا يُنْتِج سِلعاً وبضائع، ولا يُنْتِج، من ثمَّ، ثروة مادية).
كلاَّ؛ فإنَّ المساهمة الواسعة لقطاع الخدمات في "الناتِج القومي" ليست، في حقيقتها الموضوعية، سوى "جزء كبير، متحوِّل، من القيمة الجديدة (المُنْتَجة في الصناعة بمعناه الواسع)".
وهذا إنْ دلَّ على شيء فإنَّما يدل على أنَّ الاقتصاد الحقيقي هو المعيل للمجتمع بأسره، وعلى أنَّ "البروليتاريا (الصناعية)" التي تضاءل، ويتضاءل، "وزنها الديمغرافي"، هي المُنْتِجة لـ "القيمة الجديدة"، التي من "صَحْنِها" يغرف الآخرون، فنرى، من ثمَّ، هذا "المشهد الخادِع"، مشهد "تضاؤل مساهمة الصناعة، وتعاظُم مساهمة قطاع الخدمات، في الناتِج القومي"؛ فماركس ما زال على حقٍّ، وعلى صواب!
وماركس ما زال يتحدَّى خصومه كافَّة على أنْ يأتوه بتفسير لظاهرة "الربح" في النظام الرأسمالي غير التفسير الذي أتى به، والكامن في نظرية، أو مفهوم، "فائض القيمة"؛ فَمْنْ أين يأتي "الربح" إذا لم يأتِ من "فائض القيمة"؟
إنَّنا نسأل، متَحدِّين، في الوقت نفسه، كل خصوم نظرية "فائض القيمة" أنْ يجيبوا عنه؛ فهلْ مِنْ مجيب؟!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في -حُرِّيَّة التعبير-
-
دَعْهُمْ يَخْتَبِرون أوهامهم!
-
-المجلس العسكري- يخوض -معركة الرئيس-!
-
-الحياة- فلسفة!
-
-الإحساس- من وجهة نظر -مادية جدلية-
-
في هذا يكمن -سِرُّ قوَّته-!
-
-أزمة- مصر تكمن في عدم اكتمال ثورتها!
-
ما لَمْ يُقَلْ في -القرية العالمية-!
-
-سادات- يلبس عمامة!
-
عندما يُحْظَر قيام أحزاب -على أساسٍ ديني- في الأردن!
-
معنى أنْ يزور نجاد -أبو موسى- الآن!
-
الديمقراطية -الفَرْدية-.. الأردن مثالاً!
-
-خُطَّة عنان-.. من -القبول النَّظري- إلى -الرَّفض العملي-!
-
-قضية اللاجئين- في مناخ -الربيع العربي-!
-
-الحتمية الماركسية- و-نقيضها الدِّيني-!
-
قانون انتخابات أردني.. جديده قديم وقديمه مُجدَّد!
-
البونابرت عمرو سليمان!
-
هل يُمْسِك عنان ب -العِنان-؟!
-
-انهيار المادة على نفسها- في معناه -الفيزيائي الفلسفي-!
-
حتى لا تغدو -الديمقراطية- نفياً ل -الوجود القومي العربي-!
المزيد.....
-
في ذكرى هيروشيما وناغازاكي- تحذير مستخلص من التاريخ: ”هذا م
...
-
من أجل تجاوز مغرب بسرعتين: مغرب الرأسماليين ومغرب الكادحين-
...
-
إجلاء موظفي سفارة کيان الاحتلال في اليونان بسبب الاحتجاجات ا
...
-
بعد «الربيع العربي»… صيف الاحترار الأقصى
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يدعو إلى تصعيد وتوحيد النضال لم
...
-
«الديمقراطية» تحذر من خطورة قرار اجتياح كل القطاع وإحتلاله ع
...
-
-أوديسة- كريستوفر نولان تُغضب البوليساريو بعد التصوير في الد
...
-
تسقط حكومة قطع الأرزاق.. متضامنون مع هشام البنا
-
تجويع غزة.. حين يتساوى الميسورون والفقراء
-
قانون طرد المستأجرين: لا بديل عن التنظيم الشعبي للدفاع عن ال
...
المزيد.....
-
الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي
...
/ مسعد عربيد
-
أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا
...
/ بندر نوري
-
كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة
/ شادي الشماوي
-
الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة:
...
/ رزكار عقراوي
-
متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024
/ شادي الشماوي
-
الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار
/ حسين علوان حسين
-
ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية
/ سيلفيا فيديريتشي
-
البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
/ حازم كويي
-
لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات)
/ مارسيل ليبمان
المزيد.....
|