أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - -الإحساس- من وجهة نظر -مادية جدلية-















المزيد.....

-الإحساس- من وجهة نظر -مادية جدلية-


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3713 - 2012 / 4 / 30 - 23:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"الإحساس (أو الأحاسيس، أو الإحساسات)"، بأعضائه (مصادِرِه، قواه) الخمسة، هو أصل، ومنبع، "المعرفة (العقلية)"، بأشكالها وصورها كافَّة؛ فليس من "فِكْرَة" في رأس الإنسان إلاَّ ولها أصلٌ، وجِذْر، ومنبع، أو عناصر، في أحاسيسه، أو في معطياته الحِسِّيَّة (أيْ ما تعطيه إيَّاه الحواس الخمس، أو إحداها، من أحاسيس).

بحاسة البصر، مثلاً، تُدْرِك أنَّ "هذا" الشيء هو "شجرة برتقال" أو "شجرة تفاح" أو "شجرة زيتون"..

وبها تُدْرِك شجرة البرتقال "هذه"، أيْ "فَرْداً" من شجر البرتقال؛ وهذا "الفَرْد" كـ "البصمة"، لجهة كونه شيئاً "لا مثيل (لا نظير) له".

لكنَّ "الشجرة العامَّة (الشجرة على وجه العموم)"، أو الشجرة، مفهوماً، فكرةً، تعريفاً، لا يمكن إدراكها بالحاسَّة نفسها (حاسَّة البصر) ولا بغيرها من الحواس الخمس. إنَّها تُدْرَك، فحسب، بـ "عَيْن العقل"، ومن طريق "التجريد (الفكري)"؛ فبفضل المُكْتَشَف من السمات والخواص المشترَكة بين الشجر جميعاً نتوصَّل إلى "مفهوم (فكرة، تعريف)" الشجرة، أو إلى "الشجرة العامَّة".

"الفَرْد" من الأشياء، أو "الشيء بعينه"، هو وحده الذي نُدْرِكه، أو يمكننا إدراكه، حسِّيَّاً؛ فهذا الإنسان الذي اسمه "زَيْد.."، والذي..، والذي..، هو، مثلاً، "إنسانٌ بعينه"، نُدْرِكه حسِّيَّاً؛ أمَّا "الإنسان العام" فلا وجود له "في الواقع الحيِّ".

لكنَّ "الفَرْد" من الأشياء لا يوجد، ولا يمكن أنْ يوجد، إلاَّ بصفة كونه "جزءاً من كل"، أو "فَرْداً من جنس (أو نوع)"؛ وهذه "الصلة الحتمية" نتوصَّل إليها، ونكتشفها، من طريق "التجريد (الفكري)"، الذي يضرب جذورها عميقاً في "المعطيات الحسِّيَّة".

و"التجريد" كمثل "الهَرَم المقلوب"، نَصْعَد فيه (أو نرتقي) من "القمة" إلى "القاعدة"؛ فـ "هذه" الشجرة التي أراها الآن هي شجرة برتقال؛ إنَّها "فَرْد" من "جنس (من الشجر)"، هو "شجر البرتقال".

في "التجريد (الفكري)"، الصاعِد من "القمة" إلى "القاعدة"، نقول إنَّها "شجرة برتقال"؛ ثمَّ نقول إنَّها "شجرة"؛ ثمَّ نقول إنَّها "نبات"؛ ثمَّ نقول إنَّها "كائن حي"؛ ثمَّ نقول إنَّها "جسم"؛ ثمَّ نقول إنَّها "مادة".

ومن طريق "التجريد"، نتوصَّل إلى "التعريف"؛ فنُعَرِّف "الإنسان"، مثلاً، على أنَّه "حيوان ناطق.."؛ فلتتأمَّلوا (فلسفياً) هذا "التعريف".

إنَّ قوام "التعريف" هو "ضدَّان متَّحِدان اتِّحاداً لا انفصام فيه"؛ وهما: "التماثُل" و"الاختلاف".

"التماثُل"، في هذا المثال، نراه في كلمة "حيوان"؛ و"الاختلاف" نراه في كلمة "ناطق"؛ فـ "الإنسان"، تعريفاً، أو في تعريف ما، هو "حيوان"، يشتَرِك، ولا بدَّ له من أنْ يشتَرِك، مع سائر أنواع الحيوان، في صفات وسمات وخواص، نبتني منها جميعاً مفهوم "الحيوان (العام)".

لكنَّ هذا الحيوان، أيْ الإنسان، يختلف، ولا بدَّ له من أنْ يختلف، عن سائر أنواع الحيوان في كونه "ناطقاً"، أيْ "يُفكِّر تفكيراً منطقياً"؛ و"الفكرة" تَظْهَر في رأسه، وتُنْقَل إلى خارج رأسه، وهي في "غلافٍ ماديٍّ"، هو "الكلام المنطوق (ثمَّ المكتوب)".

وليس من "تعريف" لأيِّ شيء إلاَّ ويُمثِّل هذا الاتِّحاد الذي لا انفصام فيه بين "التماثُل" و"الاختلاف"؛ فكل إنسان يجب أنْ يكون حيواناً (ناطقاً) لكن ليس كل حيوان يجب أنْ يكون إنساناً.

قُلْنا لا وجود في "الواقع الحي" إلاَّ لـ "الفَرْد" من الأشياء، والذي يشبه "البصمة"؛ لكنَّ هذا "الفَرْد" من الأشياء لا يوجد، ولا يمكنه أنْ يوجد، في "الواقع الحي"، إلاَّ على هيئة، أو بصفة كونه، "سيرورة" Process.

إنَّ "نبات الشعير"، مثلاً، هو، في أصله"، "حَبَّة (من حبوب الشعير)"؛ لكنَّ هذه "الحَبَّة" لا يمكنها أنْ تكون "الشعير (أو نبات الشعير)" إلاَّ إذا كانت على "هيئة مخصوصة"؛ فهي أوَّلاً يجب أنْ تُزْرَع، ويجب، من ثمَّ، أنْ يُهيَّأ لها "أسباب نموٍّ"، كالحرارة والماء والرطوبة. إنَّها يجب أنْ تكون في تفاعُل مستمر مع "بيئة مخصوصة"؛ فإذا انْتُزِعَت من بيئتها، ومُنِعَت من التفاعُل مع أشياء مخصوصة، تكفُّ عن كونها "حبَّة تعطي نبتة، تعطي سنبلة (شعير)". وهذا إنَّما يعني أنَّ "الفَرْد" من الأشياء لا يكون، ولا يمكنه أنْ يكون، هو نفسه إلاَّ بصفة كونه "ابن بيئة مخصوصة"، يتفاعَل معها، ويتبادل التأثير، في استمرار. إنَّ "الفَرْد" من الأشياء، وبصفة كونه "سيرورة"، هو وحده الموجود في "الواقع الحي"، الذي ينتقل إلينا، من طريق الحواس الخمس، على هيئة "أحاسيس"، منها ننطلق في "التجريد (الفكري)"، فنتوصَّل إلى "المفاهيم".

والآن، لنَنْظُر بـ "عين جدلية" إلى "الإحساس"، الذي يأتي إلينا من طرق إحدى الحواس الخمس، ولنَسْأل "كيف يتولَّد الإحساس؟".

ضَعْ يدك في ماء بارد، فتحسُّ بـ "البرودة". لقد تولَّد لديك الآن إحساسٌ (بالبرودة).

يدك، نسبياً، أيْ نسبةً إلى هذا الماء، كانت "حارة"؛ فلو لم تكن حارة (نسبةً إلى هذا الماء) لَمَا أحسستَ بالبرودة.

أنْ تكون يدك حارة (مِنْ قَبْل) فهذا هو "نصف الجواب"؛ أمَّا "نصفه الآخر" فهو أنْ "تُنْفى (تُلْغى)" حرارة يدك؛ فـ "يدكَ الحارة، التي تتعرَّض حرارتها للنفي" هي سبب إحساسك بالبرودة.

يدك إنَّما تمثِّل الاتِّحاد الذي لا انفصام فيه بين ضدَّين هما "الحرارة" و"البرودة"؛ ويدك "الحارة" إنَّما تمثِّل "تَوَازُناً ما" بين قطبي هذا التناقض؛ فلمَّا وَضَعْتَها في الماء البارد انتهى هذا "التوازُن"؛ لأنَّ "كفَّة البرودة" رجحت على "كفَّة الحرارة" في يدك، ثمَّ نشأ "توازُن جديد (بين القطبين)".

إنَّ "وجود" الحرارة في يدك، و"نفي" هذا الوجود، في الوقت نفسه، هما سبب (شرط) إحساسك بالبرودة؛ و"النفي"، بمعناها الجدلي، إنَّما هو "التغلُّب على" حرارة يدك، و"الإبقاء عليها" في الوقت نفسه؛ فلو كان هذا "النفي" نَفْياً تامَّاً خالِصاً مُطْلَقاً، لا يُبقي على شيء من الحرارة في يدك، لَمَا أحْسَسْتَ ببرودة أعظم عند وَضْع يدك في ماء أشد برودة من الماء الأوَّل.

الإحساس بالبرودة لا ينشأ، ولا يمكنه أنْ ينشأ، إلاَّ من الآتي: "وجود الحرارة في يدك، ونفي هذا الوجود، في الوقت نفسه".

يدك هي دائماً، وفي كل لحظة، "حارة" و"باردة" معاً؛ لكنَّك لا تحس لا بالحرارة ولا بالبرودة؛ لأنَّ قطبي هذا التناقض في "حالة من التوازُن (المؤقَّت)"؛ فإذا رَجَحَت، أو شرعت تَرْجَح، إحدى كفَّتيِّ هذا التناقض على الأخرى أحْسَسْتَ، أو تولَّد لديك الإحساس، بالبرودة، أو الحرارة.

يدك نفسها، ضَعْها الآن في ماء حارة، فيتولَّد لديك إحساس بالحرارة؛ لأنَّ البرودة موجودة في يدك؛ ولأنَّ وجودها تعرَّض للنفي في الوقت نفسه.

وهذا المعنى الفلسفي (الجدلي) لـ "الإحساس" بالحرارة أو البرودة، يتبلور أكثر بـ "الفيزياء"، أيْ إذا ما وَقَفْنا على المعنى الفيزيائي لـ "الحرارة".

إنَّ الماء مادة جزيئية، أيْ تتألَّف من جزيئات (والجزيء يتألَّف من ذرَّات). وثمَّة "فراغ" بين جزيئات الماء؛ وثمَّة "تجاذُب" و"تنافُر" بينها. وكل جزيء في حالة حركة (في المكان). وجزيئات الماء جميعاً تتحرَّك في اتِّجاهات مختلفة ومتضاربة؛ وكلٌّ منها يسير، أو يتحرَّك، بسرعة معيَّنة.

إذا زادت حركة، أو سرعة، جزيئات الماء فهذا إنَّما يعني أنَّ حرارة هذا الماء قد زادت؛ وإذا قَلَّت حركتها أو سرعتها، زادت برودته.

وأنتَ بتسخينك الماء إنَّما تُدْخِل فيه "مادة مخصوصة"، أو تملأه بمزيدٍ منها؛ وهذه "المادة المخصوصة" هي "الطاقة الحرارية"؛ وكلَّما شَحَنْتَ الماء بمزيد من هذه المادة، أو من هذه الطاقة، زادت حركة، أو سرعة، جزيئاته؛ فإذا وَضَعْتَ يدكَ فيه أحسست بهذا الشيء الذي نسميه "حرارة"، أو "سخونة".

فيزيائياً، يتولَّد هذا "الإحساس" لديك؛ لأنَّ جزءاً من تلك "المادة المخصوصة (أيْ الطاقة الحرارية)" ينتقل من جزيئات الماء (فتتضاءل حركتها، أو سرعتها) إلى جزيئات يدك، فتزداد حركتها، أو سرعتها، فيُتَرْجَم هذا الازدياد بإحساسكَ بالحرارة، التي هي حرارة يدك.

أعضاء الحِسِّ (الأعضاء الحِسِّيَّة، أو الحواس) هي خمسة (العين، والأذن، واللسان، والأنف، والبشرة). هي نفسها البصر، والسَّمْع، والتذوُّق، والشَّم، واللَّمس؛ وتسمَّى "الحواس الظَّاهرة".

و"الماء البارد (أو الحار)"، في مثالنا، إنَّما هو "المؤثِّر (المادي)"؛ وهذا المؤثِّر أثَّر بحاسَّة اللمس في يدك، فتولَّد لديكَ الإحساس بالبرودة (أو الحرارة).

وفي مثالٍ آخر، افْتَرِضْ أنَّكَ موجود في داخل حُجْرة مُظْلِمة تماماً.

أشْعِلْ الآن شمعة صغيرة واحدة، فتحس بتَبَدُّد وتلاشي الظَّلْمة؛ لقد نُفيَ وجود الظَّلام؛ لكن بالمعنى الجدلي؛ فإنَّ الحُجْرة المضيئة الآن ظلَّت تحتفظ بشيء من الظُّلْمة؛ والدليل على ذلك نراه إذا ما أشْعَلْت شمعة صغيرة ثانية؛ فمع إشعالكَ الشمعة الثانية تضيء الحجرة أكثر، أيْ يتبدَّد مزيد من ظلامها. إنَّ كل ارتفاع في منسوب الإضاءة في الحُجْرة هو "ظلامٌ تعرَّض للنفي"؛ فَمِنْ أين أتى هذا الارتفاع الجديد في منسوب الإضاءة إذا لم يأتِ من ظلامٍ ما زال موجوداً في الحُجْرة، وتعرَّض للنفي؟!

لقد أشْعَلْتَ الآن 100 شمعة، فأصبحت الحجرة شديدة الإضاءة؛ لكن يكفي أنْ تطفئ شمعة واحدة حتى تُظْلِم الحُجْرة إظلاماً نسبياً، أيْ نسبةً إلى ما كانت عليه من إضاءة شديدة؛ فكل هبوط في منسوب الإضاءة في الحُجْرة هو ارتفاع في منسوب ظلامها، الذي يظلُّ موجوداً مهما اشتد ضياؤها.

إنَّكَ تحسُّ بالنور في الحُجْرة؛ لأنَّ الظَّلام موجود؛ ولأنَّه تعرَّض للنفي، في الوقت نفسه؛ وإنَّكَ تحسُّ بالظلام في الحُجْرة؛ لأنَّ النور موجود؛ ولأنَّه تعرَّض للنفي، في الوقت نفسه.

في حُجْرة مُظْلِمة تماما يشق عليك رؤية الأشياء، وتمييز بعضها من بعض؛ وفي حُجْرَةٍ في منتهى الإضاءة، يشق عليكَ، أيضاً، رؤية الأشياء، وتمييز بعضها من بعض؛ فكلا الضدَّين يعطي، في أقصاه، أو منتهاه، نتائج وتأثيرات مشابهة لتلك التي يعطيها الآخر، في أقصاه، أو منتهاه.

"الواقع الموضوعي"، أيْ الواقع (المادي) الموجود في خارج الذِّهْن، وفي استقلال عنه، هو الذي، بتأثيره بأعضاء الحِسِّ فينا، يُولِّد لدينا أحاسيس مختلفة؛ وكل إحساس لا يتولَّد فينا إلاَّ ومعه نقيضه، أو ضديده؛ وإنَّ تناقُض الإحساس يَعْكِس تناقُض الواقع الموضوعي الذي ولَّده (فينا إذ أثَّر بحواسِّنا).

وصلة "الإحساس" بـ "المحسوس" إنَّما هي نفسها صلة "الوعي" بـ "المادة"؛ فأنتَ تحسُّ باللون الأخضر (مثلاً) إذا ما أثَّر ورق الشَّجَر بعينك، التي هي عضو (مادي) من وظائفه الإحساس باللون؛ و"المحسوس"، في هذا المثال، هو "ورق الشَّجَر".

"إحساسك باللون الأخضر" إنَّما هو كـ "الفكرة"، "صورة ذهنية"؛ و"الصورة الذهنية" تُوْجَد في "الذِّهْن (أو الوعي)" فحسب؛ فهي لا توجد في خارجه، ولا توجد مستقلةً عنه؛ أمَّا "المحسوس"، أيْ "ورق الشَّجَر"، في مثالنا، فهو "مادة"، أيْ "واقع موضوعي". إنَّه "واقع موضوعي"؛ لأنَّ "ورق الشَّجَر" موجود في خارج ذهنكَ، وفي استقلال عنه. إنَّه مستقل عنه في وجوده، وفي تطوُّره؛ وهذا لا يتعارض مع "تأثُّر ورق الشَّجَر بقوَّة ما من قواك المادية"؛ فأنتَ، مثلاً، يمكنك أنْ تخدش بظفركَ إحدى أوراق الشَّجَر؛ وهذا "تغيير" تأتَّى من تفاعُل "الذَّات" مع "الموضوع".

إنَّ "الحِسَّ (أو الإحساس)" هو ثمرة التفاعُل بين شيئين هما "الحاس"، أيْ عضو الإحساس، والذي هو "مادة"، و"المحسوس"، والذي هو "مادة" أيضاً؛ لكنَّ هذه "الثمرة" ليست، لجهة ماهيتها، بـ "مادة".

إنَّكَ لا تحس بـ "البرودة" إلاَّ لأنَّ نقيضها، وهو "الحرارة"، موجود فيكَ؛ ولأنَّ هذا "الموجود"، أيْ "الحرارة"، تعرَّض للنفي، الذي يعني (في هذا المثال) التغلُّب على "الحرارة" و"الإبقاء عليها" في الوقت نفسه. إنَّ لحظة نفي الحرارة، في يدك، وبهذا المعنى الجدلي للنفي، هي عينها لحظة إحساسك بالبرودة.

وإنَّكَ لا تحس بـ "الجوع" إلاَّ لأنَّ "حالة الشَّبَع موجودة فيك وجوداً موضوعياً"؛ ولأنَّ هذه الحالة تعرَّضت للنفي؛ ولا تحس بـ "الشَّبَع" إلاَّ لأنَّ "حالة الجوع موجودة فيك وجوداً موضوعياً"؛ ولأنَّ هذه الحالة تعرَّضت للنفي.

وإنَّكَ لا تحس بـ "الراحة" إلاَّ لأنَّ "حالة التعب موجودة فيك"؛ ولأنَّ هذه الحالة تعرَّضت للنفي.

وإنَّكَ لا تحس بـ "الحرِّيَّة" إلاَّ لأنَّكَ في واقعكَ الموضوعي تعاني شيئاً من العبودية؛ ولأنَّ هذه الحالة من العبودية تعرَّضت للنفي؛ فإنَّ لحظة الإحساس بالحرِّيَّة هي عينها لحظة التغلُّب على العبودية (في واقعها الموضوعي) والمحافَظَة على شيء منها في الوقت عينه.

إنَّ لـ "الإحساس" واقعه الموضوعي المتناقض؛ فأنتَ لا تحس بشيء ما إلاَّ لأنَّ نقيضه (الموجود في الواقع الموضوعي) تعرَّض للنفي، أيْ غُلِبَ (وقُهِرَ) واحتُفِظ به في الوقت نفسه.

"الإحساس"، والذي منه تنشأ وتُوْلَد "الأفكار" و"المفاهيم"..، إنَّما "يَعْكِس" الواقع (المادي) الموضوعي المتناقِض بطبيعته. وهذا "العَكْس" هو "صورة (حسِّيَّة، ذهنية)" لا تَظْهَر، ولا يمكنها أنْ تَظْهَر، إلاَّ في "مرآة مخصوصة" هي مِنْ مادة؛ وهذه "المادة" قوامها "الدماغ" و"أعضاء الحس الخمسة" و"الأعصاب".

تأمَّل صورة شيء أو جسم ما في المرآة العادية. افْتَرِضْ أنَّ الصورة التي تراها في المرآة هي صورة شجرة برتقال.

إنَّكَ لا تحتاج إلى تأمُّل طويل وعميق لتُدْرِك أنَّ وجود صورة شجرة البرتقال في المرآة لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، أنَّ شجرة البرتقال نفسها موجودة في هذه المرآة؛ فهذه الشجرة ما كان لصورتها أنْ تَظْهَر في المرآة لو لم تكن هي نفسها موجودة في خارج المرآة، ومستقلةً في وجودها وتغيُّرها عن المرآة؛ كما أنَّك لا تحتاج إلى مثل هذا التأمُّل لتُدْرِك أنَّ المرآة لا تُريكَ، ولا يمكنها أنْ تُريكَ، إلاَّ ما "تراهُ" هي؛ فلا صورة فيها لجسم ليس في متناوَل "عينها"؛ وتلك "المرآة المخصوصة"، أو دماغ الإنسان، لا صورة (ذهنية) فيها إلاَّ لجسمٍ يقع في مدى مداركها الحسِّيَّة؛ فالمستحيل بعينه أنْ تَعْثُر في رأس الإنسان على "فكرة" لا وجود لها، ولو على هيئة عناصر ومكوِّنات، في الواقع (المادي) الموضوعي. حتى الفكرة المتطرفة في خياليتها، أو في بُعْدها عن الواقع، وتعارُضِها معه، يجب أنْ تُبْنى من "حجارة موجودة في الواقع الموضوعي".

إنَّ كل "إحساس" يتولَّد فيك يجب أنْ يُفْهَم ويُفَسَّر على أنَّه انعكاس لـ "تناقُض واقعي موضوعي"؛ وإنَّ لحظة تغلُّب أحد طرفيِّ تناقُض (واقعي موضوعي) ما على الآخر هي عينها لحظة ولادة إحساسٍ ما؛ وينبغي لكَ أنْ تَفْهَم بنيتكَ الجسدية على أنَّها جزء من "الواقع (المادي) الموضوعي"؛ فهذا الواقع إنَّما يشمل كل ما هو موجود في خارج ذهنك، وفي استقلال عنه؛ وليس أدل على ذلك من "عملية الهضم"؛ فهذه العملية تَحْكُمها وتُنَظِّمها "قوانين (مادية) موضوعية"؛ وهذه القوانين لا يتأثَّر وجودها وعملها بجهلكَ بها، أو بمعرفتك لها؛ فما أكثر القوانين (المادية) الموضوعية التي تؤثِّر فينا، وفي حياتنا بأوجهها كافة، ولم نكتشفها، أو ندركها، بَعْد!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في هذا يكمن -سِرُّ قوَّته-!
- -أزمة- مصر تكمن في عدم اكتمال ثورتها!
- ما لَمْ يُقَلْ في -القرية العالمية-!
- -سادات- يلبس عمامة!
- عندما يُحْظَر قيام أحزاب -على أساسٍ ديني- في الأردن!
- معنى أنْ يزور نجاد -أبو موسى- الآن!
- الديمقراطية -الفَرْدية-.. الأردن مثالاً!
- -خُطَّة عنان-.. من -القبول النَّظري- إلى -الرَّفض العملي-!
- -قضية اللاجئين- في مناخ -الربيع العربي-!
- -الحتمية الماركسية- و-نقيضها الدِّيني-!
- قانون انتخابات أردني.. جديده قديم وقديمه مُجدَّد!
- البونابرت عمرو سليمان!
- هل يُمْسِك عنان ب -العِنان-؟!
- -انهيار المادة على نفسها- في معناه -الفيزيائي الفلسفي-!
- حتى لا تغدو -الديمقراطية- نفياً ل -الوجود القومي العربي-!
- الثورة المأزوم عليها.. و-الفوضى الخنَّاقة-!
- -الإخوان- الديمقراطيون!
- -إخوان- مصر ولعبة -الشَّاطِر-!
- يوم الأرض والقدس في مناخ -الربيع العربي-!
- -النَّظرية- من وجهة نَظَر جدلية


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - -الإحساس- من وجهة نظر -مادية جدلية-