|
الثورة المأزوم عليها.. و-الفوضى الخنَّاقة-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3687 - 2012 / 4 / 3 - 15:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"الربيع العربي" هو ظاهرة (سياسية ـــ تاريخية) لا تشذ عن سائر ظواهر الحياة، والتاريخ، والمجتمع، والسياسة؛ لجهة ما ينطوي عليه من تناقض، أو من طبيعة متناقضة؛ فهو إنْ اعتدته خَيْراً، فلن يكون "خَيْراً خالصاً"، وإنْ اعتدته شَرَّاً، فلن يكون "شَرَّاً خالصاً"؛ وإنِّي لأستطيع أنْ أرى فيه خَيْر كاشِفٍ، ومُظْهِرٍ، لأَنْبَل وأجْمَل وأسْمى ما في هذه الأُمَّة، ولأَنْذَل وأبْشَع وأحَط ما فيها، في الوقت نفسه؛ وإذا أردتم دليلاً، فانظروا إلى القِيَم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية في سلوك طرفيِّ الصِّراع الآن: "الشعب الثائر" و"الطاغية (مع أقلامه وألسنته وأبواقه)" وهو قاب قوسين أو أدنى من سقوطه المحتوم. وإذا كان توزيع ونَشْر الظُّلْم بالعدل والقسطاس "عَدْلاً" فإنَّ الطُّغاة العرب هُمْ أكثر الحُكَّام عَدْلاً؛ والدليل على ذلك أنَّ الطاغية العربي هو لا غيره الذي إليه يعود الفضل الأوَّل والأخير في توحيد الشعب كله ضدَّه، وفي إنزاله (عن بكرة أبيه) إلى الشارع لإطاحته وإسقاطه؛ لكنَّ هذا "الخَيْر" لا يخلو من شيء من "الشَّر"؛ فالخلاص من هذا "القاتِل (بمعنييه الحقيقي والمجازي)" قد يأتي بـ "الاقتتال"، اقتتال ضحاياه أنفسهم؛ فالطاغية العربي، والذي حَكَم، واستمرَّ في الحكم، زمناً طويلاً، بـ "سياسة فَرِّق تَسُدْ"، متوفِّراً على بَذْر بذور الشِّقاق والانقسام والخصومة والعداوة بين أبناء الشعب الواحد، كان، في الوقت نفسه، "صمام الأمان"، "مُعْتَقِلاً" في قبضته القوية كل نزاعٍ كبيرٍ بين ضحاياه، وكأنَّه يَبْذُر بيده اليمنى تلك البذور، مانِعاً بيده اليسرى انفجار الحرب (أو الحروب) الأهلية، حتى إذا سَقَطَ أحدقت مخاطِر الاقتتال بضحاياه ومُسْقِطيه، مقيماً ما يشبه الدليل على أنَّنا قَوْمٌ لا يُساسون إلاَّ بأمثاله من الطغاة، ولا نَصْلُح للديمقراطية، ولا هي تَصْلُح لنا، فـ "الفوضى"، ولا شيء غير "الفوضى"، مع ما يخالطها من اقتتال، هي التي إليها ينتهي انتهاء حُكْم الطاغية! والمأساة تَعْظُم إذا ما اتَّضَح لنا، وتأكَّد (ولقد اتَّضَح لنا، وتأكَّد، من تجربة الثورة السورية في المقام الأوَّل) أنَّ أعداء وخصوم نظام حكم بشار، من قوى إقليمية ودولية، لا يعادونه ويخاصمونه إلاَّ بما يَجْعَل سقوطه (أو إسقاطه) المحتوم (شاء المالكي أم أبى) طريقاً إلى سقوط (أو إسقاط) سورية، التي أثْخَنَها هو بالجراح، في "الفوضى الخنَّاقة". الشعب في سورية (وهذا الأمر غدا من عِداد المُسلَّمات) لن يرجع القهقرى، ولسوف يظلُّ مُصارِعاً مُضحِّياً، مُقاتِلاً، يَقْتُل ويُقْتَل ويُقتَّل، حتى سقوط نظام حكم بشار؛ لكنَّ هذه "الإيجابية الثورية والتاريخية" لن تنمو من غير أنْ تنمِّي، في الوقت نفسه، وفي هذا "المناخ الإقليمي والدولي" السيئ من وجهة نظر مصلحة الثورة السورية، نقيضها؛ فما يتعرَّض له الشعب السوري، وفي حمص على وجه الخصوص، من قَمْعٍ (يَصْلُح تعريفاً للقمع الأسوأ في العالم والتاريخ) يمكن أنْ يضطَّر ضحاياه إلى خوض الصراع بسلاحٍ مصنوعٍ من "الميكيافلية الخالصة"؛ فيغدو "إسقاط حكم بشار"، في نفوسهم، "الغاية" التي من أجل الوصول إليها تصبح كل الوسائل والأساليب مبرَّرة ومشروعة، وكأنَّ "المعجزة بعينها" أنْ يتمخَّض هذا الصراع عمَّا هو أسوأ من بقاء نظام حكم بشار. وهذا إنَّما يعني أنَّ ضحايا نظام حكم بشار سيَمْضون قُدُماً في الصراع ضدَّه، ومن أجل إسقاطه، ولو ذهبت العاقبة النهائية (لهذا الصراع) بالأشياء التي من أجلها ثاروا، وسعوا في إسقاط نظام الحكم هذا، وفي مقدَّمها "الدولة المدنية الديمقراطية، المستقرة الآمنة، والتي فيها، وبها، تتَّحِد سورية، أرضاً وشعباً، أو تظل متَّحِدة"؛ فإنَّ هذا القمع (الذي ليس كمثله قمع لجهة وحشيته) مع ما يخالطه من خذلان عربي وإقليمي ودولي متنامٍ هو وحده الذي قد يَدْفَع الثورة السورية (التي لم تَسْتَحْدِث لها بَعْد قيادةً تشبهها عَظَمَةً وثوريةً وأصالةً) إلى السير في مسارٍ يقودها قيادةً "ميكيافلية خالصة"، فلا تَصِل إلى "هدفها النهائي"، وهو إطاحة نظام حكم بشار، إلاَّ من طريق التضحية بكثيرٍ من "المبادئ" التي كَمَنَت في أساسها، وفي الدافع إليها. وهذا إنَّما يؤكِّد أهمية وضرورة أنْ يأتي "فِعْل الهدم (الضروري)" بـ "معول"، هو كناية عن "صورة البناء الجديد"، والتي يجب أنْ تُحْفَظ وتُصان، وتظل بمنأى عن كل ما يمكن أنْ يشوِّهها ويُفْسدها؛ فعَظَمَة "الثورة" إنَّما تكمن في كونها تنتصر دائماً على نفسها الأمَّارة بالسوء، تعضُّ على جراحها، تُصارِع، في ذاتها، ضدَّ كل ما يمكن أنْ يجعلها شبيهةً بخصمها وعدوها، فتُسْقِط نظام حكم بشار؛ لكن من غير أنْ تَسْقُط معه، أو تَسْقُط بسقوطه، وتظلُّ "حارَّة القلب"، "باردة العقل"، لها "ذِهْنٌ وقَّاد"، تُخاطِب خصوم نظام حكم بشار من قوى إقليمية ودولية قائلةً: لا مانِع يَمْنَع من أنْ نَضْرِب معاً؛ لكن لا مسوِّغ يُسوِّغ أنْ نسير معاً؛ فرايتنا لن تختلط أبداً براياتكم؛ لكم دينكم ولي دين"!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الإخوان- الديمقراطيون!
-
-إخوان- مصر ولعبة -الشَّاطِر-!
-
يوم الأرض والقدس في مناخ -الربيع العربي-!
-
-النَّظرية- من وجهة نَظَر جدلية
-
Arab Idol
-
الحكيم لافروف!
-
في أيِّ مسارٍ تُسيَّر -قضية الهاشمي-؟!
-
ظاهرة -مَنْ يَرْميني بالثَّلْج أرْميه بالنار-!
-
-الإعلام- و-الصراع في سورية-!
-
بريد الرئيس!
-
سفَّاح الشَّام!
-
في فِقْه -المؤامَرة-!
-
-يوم المرأة العالمي- في -عالَم الرَّجُل-!
-
نشكر أوباما.. ونهنِّئ الشعب السوري!
-
-الربيع العربي- يَطْلُب مزيداً من -الرُّوح القومية-!
-
هل يَثِق نتنياهو ب -تَعَهُّد- أوباما؟
-
مصر التي طُعِنَت في كرامتها!
-
نيوتن في -استنتاجه الخاطئ-!
-
هذا الخلل المنطقي في مفهوم -النقطة الكونية-!
-
هذا -الثقب- في مجرَّتنا!
المزيد.....
-
على طريقة -موسى- في -تحت سابع أرض-.. تيم حسن للبنوك اللبناني
...
-
-حزن عميق- في لبنان بعد مقتل أب وأطفاله الثلاثة في غارة إسرا
...
-
سينما… الفلم الوثائقي الفلسطيني: -مع حسن في غزة- لكمال الجعف
...
-
معارض تشادي يقاضي ديبي في فرنسا بعد إسقاط جنسيته
-
سوريا الجديدة تشع من جديد
-
السودان يحذّر من استخدام الدعم السريع للمرتزقة
-
مقتل عنصري أمن وإصابة ثالث بانفجار عبوة ناسفة في الأنبار الع
...
-
صحيفة أميركية: في الفاشر السودانية من لا يقتله القصف يموت جو
...
-
رئيس تجمع الأطباء الفلسطينيين بأوروبا: مآسي الغزيين ستنكشف أ
...
-
عباس وحماس يرحبان باعتراف بريطانيا وأستراليا وكندا بدولة فلس
...
المزيد.....
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|