أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - فكرة -الرُّوح- وكيف شَقَّت طريقها إلى رأس الإنسان















المزيد.....



فكرة -الرُّوح- وكيف شَقَّت طريقها إلى رأس الإنسان


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3726 - 2012 / 5 / 13 - 14:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ما هي "الروح"؟

هذا السؤال، الذي يتحدى العقل أنْ يجيب عنه مُذْ قال الإنسان بـ "الروح"، ، ظلَّ، كمثل كثيرٍ من أسئلة الوجود، مُفْتَقِراً إلى الجواب "العاقِر"، أيْ الذي لا يَلِدُ أسئلة جديدة.

الدين لم يُحرِّم هذا السؤال؛ لكنه لم يرَ من مُوجِب له؛ لأنَّ البشر، ومهما بذلوا من جهد فكري ومعرفي (وعلمي) لن يتوصَّلوا أبداً إلى معرفة ماهية الروح، فـ "خالق الكون"، الذي لا يسمح للبشر بمعرفة إلاَّ ما يريد لهم أنْ يعرفوا، جعل "الروح" من "المعارف المستحيلة" بشرياً؛ أمَّا السبب فقد يكون أنَّ العقل (البشري) قد "خُلِق" في طريقة تُعْجِزَهُ عن إجابة كثير من الأسئلة، وكأنَّ السؤال في حدِّ ذاته لم يُمْنَع إلهيَّاً عن الإنسان إلاَّ من أجل أن يفضي استغلاق كثير من المسائل إلى ترسيخ الشعور بالعَجْز (المعرفي وغير المعرفي) لدى الإنسان، والذي بفضله، أي بفضل الشعور بالعجز، ينشأ ويترسَّخ الاعتقاد بالمعجزات.

على أنَّ السؤال عن "ماهية الروح" انطوى، دائماً، على شيء من الجواب، فـ "الجهل بماهية الروح" لم يكن جهلاً خالصاً مطلقاً؛ وقد ظلَّ يشوبه ويخالطه شيئاً من المعرفة. ومِنْ هذه "المعرفة"، إذا ما نظرنا إليها على أنَّها "معرفة"، كان اعتقاد المعتقدين بـ "الروح" أنَّ الإنسان (الحي) يتألَّف من "جسد (أو مادة)" و"روح"، وأنَّ "الروح" مُدْخَلة إدخالاً (إلهياً) في الجسد، تقيم فيه إلى حين (لا يعلمه علم اليقين سوى "الخالِق") ثمَّ تغادره، أي تعود إلى "موطنها الأصلي" حيث "الخلود"؛ فـ "حياة" الإنسان ليست سوى الزمن الذي تستغرقه إقامة الروح في الجسد؛ و"موته" ليس سوى مغادرتها له وخروجها منه؛ وكل ما يميِّز الإنسان الحي من "الجماد".. من الحجر مثلاً، ليس سوى فعل وعمل وتأثير "الروح"، فالإنسان بلا "روح" إنَّما هو شيء يشبه التمثال.

ما كان في حاجة إلى الإثبات والتأكيد اتَّخذوه "مسلَّمة"، اتِّخذوها دليل إثبات أو نفي في قضايا ومسائل أخرى، فـ "الروح" كما قالوا بها ووصفوها (مع جهلهم المطبق بماهيتها) إنَّما هي الأمر الذي لا ريب فيه، وفي منزلة "المسلَّمة" أو "البديهية" التي لا يجادِل فيها إلا كل أخرق. وإذا كان لا بد من "الاجتهاد" بما يسمح به "قرار الجهل المطبق بماهية الروح" فلْيَكُن في قضايا من قبيل "تمييز الروح من النفس (أو من النفس الحيوانية)" و"مراتب ودرجات الروح"..

"الروح"، في المُعْتَقَد الديني، حقيقة لا ريب فيها؛ لكن لا البشر، ولا حتى الأنبياء منهم، يعرفون، أو في مقدورهم أنْ يعرفوا، "ما هي الروح"، أي "ماهيتها"، فهي من أمر الخالِق وحده، أيْ أنَّ معرفتها ليست من المعارف التي يَسمح الخالِق للبشر بالوصول إليها.

على أنَّ إدراج "الروح" في عداد "الأسرار الإلهية" لم يَحُلْ بين البشر وبين "السعي المعرفي" لتمييز "الكائن الذي فيه روح" من "الكائن الذي لا روح فيه"، أو الذي كانت فيه، ثمَّ "غادرته"، فـ "الكائن الذي فيه روح" يجب أن يكون "كائناً حيَّاً"؛ لكنَّهم لم ينتهوا، في سعيهم هذا، إلى "القول الفصل"، الذي فيه يقرِّون بوجود "الروح" في "كلِّ" كائن حي، أكان من "النبات" أم من "الحيوان"، فالقائلون بـ "الروح" في "الإنسان" لم يقولوا بوجودها في سائر الكائنات الحيَّة، وكأنَّ كل "كائن فيه روح" يجب أن يكون "كائناً حيَّاً"؛ لكن ليس كل "كائنٍ حيٍّ" يجب أن يكون "كائناً فيه روح". حتى "الجنين البشري" لا "تُوْضَع" فيه "الروح"، بحسب بعض وجهات النظر الدينية، إلا بعد استنفاده "مرحلة ما قبل الروح" من تطوره في رحم أُمِّه.

إنَّ القائلين بوجود "الروح"، وجوداً منفصلاً ومستقلاً في الجسد البشري، لا يجرؤون على القول بوجودها في الكائنات الحيَّة الأقل تطوراً من البشر، فـ "الخالِق" بدأ خَلْقِه لـ "البشر"، أي للنوع البشري، بخَلْق "الرجُل الأوَّل (آدم)" من "طين"، ثمَّ "نَفَخَ فيه من روحه"، فتحوَّل من "جماد" إلى "كائن حي"؛ أمَّا "المرأة الأولى (حواء)" فلم تُخْلَق كما خُلِق "الرجل الأوَّل".

وبعد خَلْق "الرجل الأوَّل" و"المرأة الأولى"، بدأ التكاثر البشري؛ لكنَّ "الروح" لا "يضعها" الخالِق في الجنين البشري إلا بعد انقضاء "المرحلة اللا روحية" من تطوره في رحم أُمِّه.

إنَّ "الإنسان"، بحسب وجهات نظر دينية، يتألَّف من عنصرين: عنصر مادي (طيني) وعنصر روحي. وهذا "العنصر الروحي" إنَّما أدْخَلَهُ "الخالِق" في "التمثال الطيني" إذ "نَفَخَ فيه من روحه"، أي من روح الخالِق ذاته، فشيء من "معدن" الخالِق دَخَلَ في "تكوين الإنسان"، فدبَّت "الحياة" في "الكائن الطيني"؛ لكن، هل في الطريقة ذاتها دبَّت الحياة في سائر الكائنات الحيَّة.. في "الأميبا"، و"البعوضة"، و"النملة"، و"السمكة"، و"الخلية النباتية"، مثلاً؟!

من قال بوجود "الروح" في الإنسان إنَّما قال بذلك لاعتقاده بأنَّ الإنسان لا يمتُّ بصلة إلى غيره من الكائنات الحيَّة. وغنيٌّ عن البيان أنَّ "المنطق الديني" في "خَلْق الإنسان" لا يسمح بالقول بخَلْق "البعوضة"، مثلاً، بطريقة "خَلْق الإنسان"، فـ "الخالِق" لم ينفخ من روحه إلا في ذاك "الكائن الطيني".

في "حواره مع صديقه المُلْحِد"، يُميِّز مصطفى محمود "الروح" في الإنسان ممَّا يسمِّيه "النفس الحيوانية"، فيقول: "الإنسان له طبيعتان، الأولى مادية، تشمل الجسد، وطائفة من الانفعالات والعواطف والغرائز، وغير ذلك من مكوِّنات نفسه الحيوانية. أمَّا الثانية فروحيَّة. إنَّها الروح التي تشمل العقل، والضمير، والحسِّ الجمالي، والحسِّ الأخلاقي، وغير ذلك من الأنا أو الذات. والجسد، في علاقته بالروح، تابع وليس متبوعاً، مأمور وليس آمراً. الجسد هو الوجود الثانوي، والدليل على ذلك هو أنَّ شخصية الإنسان لا تتغيَّر إذا ما بُتِرت يده أو ساقه، أو إذا ما زُرِعت فيه كِلْية، فالإنسان ليس هذه الأعضاء، وإنَّما هو الروح التي تُدير الجسد بأعضائه كافة. والمخ ليس أكثر من قفاز تلبسه هذه اليد الخفية التي اسمها الروح. الموت إنَّما يُدْرِكُ الطبيعة الثانوية الزائلة، أي الجسد. أمَّا الطبيعة الجوهرية الحاكمة، أي الروح، فتخلد خلود عالمها الذي إليه تنتقل من الجسد عند الموت".

وفي "تحضير الأرواح" يقول: "تحضيرها أمرٌ مشكوك فيه، فالذي يحضر في جلسات تحضير الأرواح ليس الروح وإنَّما القرين، الذي هو الجن الذي كان في صحبة الإنسان قبل موته. وهو بفضل هذه الصحبة يعرف أسراره. وهذا الجن يبقى بعد موت صاحبه، ويقلِّد صوته وسلوكه ليسخر من الموجودين، على عادة الجن في عدائهم للإنسان. أمَّا الأرواح البشرية فهي في عالم آخر هو عالم البرزخ، ولا يمكن استحضارها. ولكنَّها قد تتصل بمن تحب في الحلم أو في اليقظة".

وبعد كل هذا الشرح للروح وماهيتها وخواصها، يقول إنَّها لغز، وإنَّ أحداً لا يعلم عنها شيئاً، فهي من أمر الخالِق!

في "الروح" يكمن، في رأي مصطفى محمود، سرُّ بقاء شخصية الإنسان على ما هي عليه على الرغم من بتر عضو من أعضائه، أو زرع عضو في جسده.

لو قُطِع لسانه لقال لنا كتابةً: "ألمْ أقُلْ لكم إنَّ شخصيتي لن تتغيَّر بقطع لساني، فهي من صُنْع الروح، والروح ليست لساني ولا أي عضو آخر من أعضاء جسدي؟!".

أمَّا لو قُطِع رأسه فلن يقول شيئاً، ولن يسمعنا ونحن نقول له: "لقد فَنِيَت روحكَ إذ قُطِع رأسكَ!".

"الروح" لن نفهم منشأها في ثقافة ومعتقدات البشر إلا في سياق مقارنتها بـ "الريح". و"النَفْسُ"، أيضا، لن نفهم منشأها في ثقافة ومعتقدات البشر إلا في سياق مقارنتها بـ "النَفَس". إنَّ "النَفَسَ" هو الريح تَدْخُل في الحيِّ ذي الرئة، وتَخْرُج منه.

عند الموت، كان البشر يحاولون تمييز خواص الحيِّ من خواص الميِّت، فرأوا أنَّ "الحيَّ" يتنفس، أي تَدْخُل فيه الريح (الهواء) وتَخْرُج، من أنفه وفمه. أمَّا الموت فكان "التوقُّف عن التنفُّس" من أهم علاماته.

من هذه الظاهرة، ومن حقيقة أنَّ "الريح (أو الهواء)" ليست بالشيء المرئي، أنشأوا مفهوم "الروح"، أو "النَفْس".

"الميِّت" قد نراه في المنام، نُحدِّثه ويُحدِّثنا. ومن ذلك، أنشأوا مفهوم "الروح التي تبقى خالدة بعد موت صاحبها"، ومفهوم "ثنائية الجسد والروح"، فإذا كانت "الروح" لا تموت بموت صاحبها فإنَّ الجسد يفنى ويتحوَّل إلى "تراب".

وكان يكفي أن يروا الجسد يتحوَّل، بعد الموت، إلى "تراب" حتى يقولوا بـ "خَلْق الإنسان من طين". وهكذا نظروا إلى الجسد على أنَّه "آلة" تقوم "الروح" بتحريكها وإدارتها كيفما تشاء.

الإنسان، بحسب قصَّة الخَلْق الديني، ليس بالكائن الحي الذي له ماضٍ أو أُصول في كائن حي آخر، أي أنَّه لم يكن ثمرة تطوُّرٍ للمادة الحيَّة في عالمها الحيواني. وهو، أيضاً، ليس بالكائن المُتَّحِد في ماهيته؛ ذلكَ لأنَّه يتألَّف من شيئين منفصلين تماماً، ومختلفين ومتضادين في الماهية والنوع تماماً، فبعضه من "مادة"، وبعضه من "روح"، أدْخَلَها "الخالِق" في تلك "المادة".

وهذه "المادة" التي منها خُلِقَ "الإنسان"، أو "آدم"، إنَّما هي "الصلصال"، الذي هو طين مُركَّب من سيليكات الألومينيوم، يتميَّز بشدَّة لزوجته عند البلل وتماسكه، فإذا شُويَ بالنار فهو الفخَّار.

من هذا "الطين" في معناه الحقيقي وليس في أي معنى مجازي، صَنَعَ "الخالِق" آدم، أي الإنسان الأوَّل الذَكَر. وعندما أتمَّ صنعه، أي عندما أتمَّ صُنْعَ هذا "التمثال"، أو "الصنم"، نَفَخَ فيه من روحه، فصار حيَّاً. و"نَفْخُ" الشيء هو أن تُدْخِلَ فيه ريحاً تُخْرِجُها من فَمِكَ. وهذا ما نراه في وضوح عند نَفْخِ البالون مثلاً.

وأحسبُ أنَّ الفهم الحقيقي للنص الديني هو الذي يقوم على فهم كلماته وعباراته في معانيها الحقيقية، ففهمها في معانيها المجازية، أو التطرُّف في مثل هذا الفهم، يَجْعَل "النص" ضدَّ "منطق اللغة"، ويُدْخِله في متاهة "التدليس اللغوي"، الذي به تتحوَّل "لغة النص" إلى ما يشبه "عجيناً" يتَّخِذُ على يديِّ الشكل الذي أشاء، فتتقوَّض، في اللغة، العلاقة بين "الدال" و"المدلول".

ومع هذا التقويم للاعوجاج في تلك العلاقة، والذي لا بدَّ منه حتى يستقيم الفهم، نقول إنَّ خَلْقَ آدم، بحسب النص الديني، قد تضمَّن، في مرحلته الأخيرة، أي بعد إتمام صُنْعِه من الصلصال، إدْخال بعضٍ من "الروح الإلهية" فيه. وهذا يعني أنَّ آدم هو "الطين إذ تألَّهَ"، أي الطين إذ نفخ فيه الخالِقَ، أو الإله، من روحه. ومن ذلك جاء القول بموتٍ يفنى فيه جسد الإنسان، أو كيانه الطيني، وتخلدُ بَعْدَهُ الروح، أي روح الإنسان التي هي من الخالِق جاءت، وإليه تعود. ولولا هذا "النفخ الإلهي" لما دبَّت "الحياة" في "آدم الصلصالي".

على أنَّ النص الديني لم يُجِبْ عن أسئلة من قبيل: هل الكائنات الحيَّة الأُخرى، من حيوانية ونباتية، قد خُلِقَت في الطريقة ذاتها، أي من صلصال نَفَخَ فيه الخالِق من روحه؟

وهل "الحياة" في غير الإنسان من الكائنات الحيَّة لا تقوم لها قائمة إلا إذا نَفَخَ الخالِق في تلك الكائنات من روحه؟

وإذا كان الأمر كذلك فكيف لهذه الروح التي جاءت من روح الخالِق ذاته أن تختلف درجة ومرتبة بين الكائنات الحيَّة؟

ليس من إجابات واضحة، في "النص الديني"، عن تلك الأسئلة وأمثالها.

حتى في "خَلْق الإنسان" اختلف، أو تضارَبَ النص ذاته، ففي "خَلْق آدم"، جاء "الخالِق" بذلك "الصلصال"، الذي أتمَّ صنعه، فنَفَخَ فيه من روحه؛ ثمَّ اختلف "خَلْق حواء"، أو "المرأة الأولى"؛ ثمَّ اختلف "خَلْق ذريَّة آدم"، فـ "الجنين البشري"، وبَعْدَ مُدَّة من تَكوُّنه، في رحم أُمِّه، يَبْعَثُ "الخالِق" إليه مَلَكاً ليَنْفُخَ فيه "الروح".

كل علوم البشر إنَّما تعدل غيضاً من فيض "العِلْم الإلهي"، وما كان للبشر أن يبلغوا من العِلْم إلا ما سمح "الخالِق" لهم ببلوغه. ومهما بلغوا من العِلْم فلن يبلغوا أبداً إلا غيضاً من فيض علمه.

و"الروح"، التي بها يحيا البدن، أو بدن الإنسان، هي من الأمور التي قرَّر "الخالِق" أن يبقيها من عِلْمِهِ الذي لا يسمح للبشر أبداً ببلوغه، فهو لا يحيط أحد بشيء من عِلْمِهِ إلا بما شاء.

والقائلون بـ "الروح" اختلفوا في أمر علاقتها بـ "النَفْس"، فبعضهم قال بأن لا فَرْق بينها وبين "النَفْس"، وبعضهم ميَّز كلتاهما من الأُخرى. ومع أنَّ معرفة ماهيَّة "الروح" ليست في متناول عقول البشر، بحسب القول الإلهي، فقد نقل ابن كثير عن السهيلي قوله إنَّ الروح "ذاتٌ لطيفة كالهواء سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر.. والروح عند نفخها في الجنين هي النَفْس بشرط اتِّصالها بالبدن". وشبَّه السهيلي علاقة "الروح" بـ "النَفْس" بعلاقة "الماء"، الذي يسري في عروق شجرة التفاح، مثلاً، بـ "السائل المتأتي من عَصْر التفاح". هذا السائل بعضه ماء، وبعضه من مواد من الشجرة اختلطت بالماء. وبـ "الاتِّصال" بين "الروح"، التي نُفِخَت في الجنين والتي تشبه الماء الذي يسري في عروق الشجر، وبين "البدن"، الذي يشبه الشجرة وموادها المختلطة بالماء، "تتحوَّل" الروح إلى نَفْس. وبـ "الموت" تعود الروح إلى نقائها، كمثل الماء في عصير التفاح عند تبخُّر هذا العصير.

"الروح"، بحسب التصوُّر الديني، هي ما جعل الحياة تدب في الصلصال بَعْدَ إتمام "الخالِق" صُنْعه على هيئة إنسان. وهذا الذي به يحيا البدن إنَّما جاء من "الخالِق" إذ نَفَخَ من روحه في ذلك الصلصال.

وأحسب أنَّ هذا يكفي للقول بانتفاء الفَرْق في الماهيَّة بين "الروحين": روح الخالِق والروح في الإنسان، أي في "آدم" و"ذريَّته".

على أنَّ هذا "المنقول" من روح الخالِق، مباشَرةً، إلى "آدم الصلصالي"، أو إلى "الجنين (البشري)" عَبْرَ "مَلَك"، "تَحوَّل" إلى ما يسمَّى "النَفْس" إذ اختلطت به "أشياء من غير جنسه"، بَعْد، وبسبب، "اتِّصاله" بـ "المادة" في "آدم الصلصالي"، أو في "بدن الجنين". وبـ "الموت" يزول هذا "الاختلاط"، وتعود الروح إلى نقائها، وتُغادِر "الجسد".

إنَّ "الهواء"، و"الريح"، و"عملية التنفس" في الإنسان (أو الكائن) الحي؛ ثمَّ توقُّف هذه العملية عند الموت، و"رؤية ميِّت في المنام"، هي الأشياء والظواهر التي منها أنشأ البشر وطوَّروا مفهوم "الروح". ولا شكَّ في أنَّ صُنْع تماثيل من طين على هيئة بشر مع مقارنتها بالبشر الأحياء قد أدخل مزيداً من التفاصيل في هذا المفهوم.

بـ "الروح" يحيا البدن، بدءاً بـ "بدن الجنين"؛ على أنَّ الجنين (البشري) لا تُنْفَخُ فيه الروح إلا بعد مدَّة يقضيها بلا روح في رحم أُمِّه. وهذا يعني، بحسب بعض التصوُّرات الدينية، أنَّ الجنين، قَبْلَ ذلك، لا يُعدُّ "كائناً حيَّاً". وأحسبُ أنَّ هذا لا يلقى تأييداً في العِلْم، الذي يَنْظُر إلى الجنين مُذْ نشأ وتكوَّن على أنَّه "كائن حي".

لقد خُلِقَ "الإنسان الأوَّل الذَكَر"، أي "آدم"، من "تراب". أمَّا نسله فلم يُخْلَق من "تراب" وإنَّما من "نطفة".

و"النطفة" هي "المني". و"المني"، أو "السائل المنوي"، هو سائل ثخين مُبْيَض، تفرزه الغدد التناسلية عند الذكر في نهاية الجماع. ومن ذلك يتضح أنَّ الجنين قد خُلِقَ من ذلك السائل الذي تفرزه الغدد التناسلية عند الذكر. وهذا السائل هو "النطفة"، التي لا معنى لها سوى هذا المعنى. ويتضح، أيضاً، أنَّ "البويضة" لم تُذْكَر؛ لأنَّها ما كانت تُرى، فهي لا تُرى بالعين المجرَّدة. "المني" وحده هو الذي كان مرئياً ومعروفاً.

والآن، لا نحتاج إلى إثبات أنَّ الجنين يتكوَّن في الرحم عند "تلقيح البويضة"، أي عند اتِّحادها مع الحيوان المنوي. وليس من سبب الآن يدعونا إلى الاعتقاد بأنَّ "السائل المنوي" يَخْرُجُ من غير "الخصية".

الجنين إنَّما هو ثمرة اندماج الحيوان المنوي في البويضة. وإذا كان ممكناً النظر إلى "المني" على أنه "سائل كالماء" فليس ممكناً النظر إلى "البويضة" على أنها هي أيضا "سائل كالماء". وفَهْم "النطفة" على أنها "المني" الذ ي هو "سائل كالماء" لا يُجيز القول بـ "نطفة أُنْثوية"، تتَّحِد مع "نطفة ذكرية"، فيتكوَّن الجنين البشري.

"النص الديني"، في معناه الحقيقي الواضح والجلي، يقول بخَلْق الإنسان، أي الجنين البشري، من "السائل النووي"، أو "النطفة"؛ لكنه لم يأتِ، لا تصريحاً ولا تلميحاً، على ذِكْر الموضع الحقيقي الذي منه يخرج هذا السائل، وهو "الخصية".

إنَّ "النطفة"، كما أوضحنا، ليست "البويضة"، ولا يمكنها أنْ تكون "البويضة". ومع ذلك قال بعضهم بـ "نطفة المرأة"، أي أنَّ الإنسان يُخْلَق من نطفتين: "نطفة الرجل" و"نطفة المرأة". وفي الفَرْق بين النطفتين، قالوا إنَّ "نطفة الرجل" غليظة، منها يتكوَّن "العظم" و"العصب" في الجنين، وإنَّ "نطفة المرأة" رقيقة، منها يتكوَّن "اللحم" و"الدم" فيه.

وغني عن البيان أنَّ العِلْم لا يرى شيئاً من الصواب في النظر إلى "الحيوان المنوي" على أنَّه هو الذي يُكوِّن "العظم" و"العصب" في الجنين، وفي النظر إلى "البويضة" على أنَّها هي التي تُكوِّن "اللحم" و"الدم" فيه، فالجنين لا يتكوَّن في هذه الطريقة الميكانيكية. إنَّه يتكوَّن بـ "اتِّحاد الخليتين الذكرية والأُنثوية". وعندما تتَّحِدان تنشأ "الخلية البشرية الأُولى". أمَّا تكاثُر هذه الخلية بـ "الانقسام" فيعني أنَّ الخلايا جميعاً، أكانت في عظم الجنين أم في عصبه أم في لحمه أم في دمه، متماثلة في "المادة الوراثية".

وبحسب الوصف الديني لـ "أطوار الخَلْق"، أي للأطوار التي يجتازها الجنين البشري في نموِّه في رحم أُمِّه، تتحوَّل "النطفة" إلى "علقة (حمراء)"، تتحوَّل إلى "مضغة (مخلَّقة وغير مخلَّقة)"، تتحوَّل إلى "عظام"، تُكسى، من ثمَّ، "لحماً".

وبَعْدَ هذا الطور، الذي فيه تُكسى العظام لحماً، يَبعث "الخالِق إلى الجنين "المَلَك"، الذي يَنْفُخُ الروح فيه، فإذا نَفَخَها فيه تحرَّكَ الجنين وصار خَلْقاً آخر ذا سمع وبصر وإدراك..

"العلقة" هي قطعة من "العلق"، الذي هو الدم الغليظ الجامد. و"المضغة" هي "العلقة" إذا صارت "لحمة"، تشبه ما يُمْضَغ من اللحم. وهذه "المُضْغَة" قد تسقطها المرأة الحامل قَبْلَ "التشكيل والتخطيط"، وهذه هي "المُضْغَة غير المخلَّقة"، أو بَعْدَ "التشكيل والتخطيط"، وهذه هي "المُضْغَة المخلَّقة". ومعنى "التشكيل والتخطيط" هو أن تَظْهَر "المُضْغَة" في "ملامح بشرية" مثل الرأس واليدان والصدر والبطن والفخذان والرجلان..

ثمَّ تتحوَّل "المُضْغَة" إلى "عظام"، ثمَّ تُكسى العظام "لحماً". وهذا "التحوُّل" يكتنفه غموض وإبهام، فإذا كان لـ "المُضْغَة المخلَّقة" تلك "الملامح" فلا بدَّ لها من أن تنطوي على "عظام"، فكيف لها، إذا ما انطوت على عظام، أن تتحوَّل إلى "عظام"، تُكسى، من ثمَّ، لحماً؟!

كيف بدأت "قصَّة الخَلْق للبشر"؟

بدأت إذ اعتقد البشر القدماء أنَّ "الأنواع" في "عالم الحيوان" تتجاوَر ولا تتعاقب، فليس من "نوع حيواني" يمكن أن يتحوَّل إلى "نوع حيواني آخر؛ فـ "القط" الذي نَعْرِف هو القط ذاته الذي عَرَفَهُ الماضي، والذي سيَعْرِفُهُ المستقبل، فـ "النوع الحيواني" لا يتغيَّر، أي لا يتحوَّل إلى نوع حيواني آخر، ولو عَبْرَ ملايين السنين من التطوَّر.

وقدماء البشر كانوا يعتقدون أنَّ عُمْر "الأرض" مع بشرها وحيوانها ونباتها، لا يزيد عن بضعة آلاف من السنين. "التطوُّر" في "عالم الحيوان" لم يكن في متناوَل عقولهم، فـ "النوع الإنساني"، في معتقدهم البدائي، لا يمكن أن يجيء إلا من ذاته، أي من النوع الإنساني ذاته.

وبدأت "القصَّة" إذ تأمَّلوا "التكاثُر البشري"، فـ "عدد البشر" يزداد، فلو كان الأحياء من البشر، الآن، 1000 إنسان، ولو ماتوا، جميعاً، بَعْدَ 100 عام، فإنَّ عدد البشر لن يظل 1000 إنسان، فهو سيزيد، وسيبلغ، مثلاً، 1200 إنسان. وهذا العدد يزداد سنة بَعْدَ سنة. وهذا يعني، أيضاً، أنَّ عدد البشر في الماضي كان أقل، فَقَبْلَ 100 عام كان، مثلاً، 700 إنسان، وقَبْلَ 200 عام كان، مثلاً، 300 إنسان، وقَبْلَ 500 عام كان، مثلاً، 50 إنسان. وهذا التأمُّل لـ "التكاثر البشري"، في ماضيه، قادهم إلى الإستناج الآتي: لقد بدأ الجنس البشري بـ "فردين"، هما رجل (آدم) وامراة (حواء).

لا شكَّ في أنَّ عدد أفراد الجنس البشري، الذي ينتمي إليه "بَشَرُنا"، كان قَبْلَ آلاف (أو عشرات آلاف) السنين، أقل كثيراً من عدد أفراده اليوم. وكلَّما توغَّلْنا في ماضي الجنس أو النوع البشري رأيْنا مزيداً من الفروق والاختلافات في الصفات والسمات والملامح الطبيعية أو البيولوجية.

والجنس البشري، في أصله ونشأته وبدايته، لم يكن "فرداً"، أي آدم، ولا "فردين"، أي آدم وحواء، وإنَّما "مجموعة"، أو "جماعة"، أنْتَجها التطوُّر الحيواني الطبيعي، فمِنْ تطوُّر "نوع حيواني آخر"، أو مِنْ تطوُّر بعض من أفراد هذا "النوع الحيواني الآخر"، ظَهَر أسلاف الجنس البشري.

نحن عندما نُجري مقارنة بين شيئين فإنَّنا نقوم بالبحث والتفتيش عن أوجه "التماثل" وأوجه "الاختلاف" بينهما، فليس من شيئين إلا ويمكن إجراء مقارنة بينهما؛ ذلك لأن ليس من شيئين إلا وبينهما أوجه تماثل وأوجه اختلاف. إنَّ الشيء الذي يماثل غيره مماثَلةً مطلقة، أو يخالفه مخالَفةً مطلقة، إنَّما هو شيء خرافي لا وجود له البتة. وكل شيء يرتبط ارتباطاً عضوياً ببيئته، فلا يبقى هو ذاته إذا ما تغيَّرت بيئته.

وفي العلاقة بين الكائن الحي وبيئته نرى، أوَّلا، أنَّ الكائن الحي، كل كائن حي، لا بدَّ له من أن يتكاثر ويتناسل، ثمَّ نرى أنَّ بعضا من نسله يبقى على قيد الحياة. الكائن الحي يلِد العشرات، أو المئات، أو الآلاف، من أمثاله، أي من أفراد نوعه. وكل مولود لديه من الصفات ما يجعله مختلفاً عن "أشقَّائه". وفي هذا الاختلاف يكمن سرُّ التطور، فالمولود الذي يبقى على قيد الحياة، ويتكاثر ويتناسل، إنَّما هو الذي لديه من الصفات ما يمكِّنه من العيش في البيئة التي وُلِدَ فيها. أمَّا غيره من المواليد الأشقَّاء فلا مفرَّ له من الهلاك؛ ذلك لأنَّ البيئة التي وُلِدَ فيها، والتي هي تؤدِّي دور "الناخب" في المجتمعات الديمقراطية، لم تَجِد فيه (أي في هذا "المرشَّح" من بين عشرات ومئات وآلاف "المرشَّحين" من أشقَّائه) من الصفات ما يؤهِّله لأن يكون ابناً لها، فلم تُدْلِ بصوتها لمصلحته، أي لم تنتخبه وتصطفيه وتختاره. الذي لديه، في صفاته، أي في فطرته، ذلك "التفوُّق" هو الذي تنتخبه الطبيعة، أو البيئة، التي وُلِدَ فيها، وهو الذي، في تكاثره وتناسله، يُورِّث نسله صفاته "الجيِّدة"، فيستمر ويعظم التطور والارتقاء جيلا بعد جيل حتى يتحوَّل "النوع القديم" إلى نوع جديد أكثر تطوُّرا ورقيَّا.

لقد جانبوا "التاريخية"، أيْ جانبوا فَهْم الشيء، الذي يرونه الآن، على أنَّه مختلف حتماً في خواصِّه وصفاته عمَّا كان في ماضيه وأُصوله، فقادهم تأمُّل "التكاثُر البشري" إلى القول بـ "فردين اثنين" نشأ عنهما "الجنس البشري"، هما "الرجل الأوَّل"، أي آدم، و"المرأة الأولى"، أي حواء.

وبعدما بلغوا هذه "الحلقة الأولى" من "السلسلة"، وأمسكوا بها، تساءلوا عن "أصل" هذه "الحلقة"، فَمِنْ أين، وكيف، جاء آدم وحواء؟!

تساؤلهم هذا تأثَّر بـ "واقعهم الاجتماعي ـ التاريخي"، أي بـ "السيادة الاجتماعية للرجل"، ففهموا "حواء" على أنَّها "مخلوق خَلَقَهُ الخالِق من الضلع اليسرى لآدام"، فآدم كان نائماً عندما قام الخالِق بخَلْق حواء من ضلعه اليسرى، فاستيقظ، فرآها، فأعجبته، فأنس إليها وأنست إليه، فضاجعها، فأنجبت له أولاداً، تناكحوا وتناسلوا، وانتشروا في الأرض. ولكنْ، من أين جاء آدم ذاته؟!

كان يكفي أن يجانب البشر القدماء "التاريخية" في النظر إلى النوع البشري حتى تسيطر "الميتافيزيقيا" على "جوابهم"، و"طريقتهم في التفكير". وقد إنتهى بهم التفكير إلى القول بـ "خَلْق آدم من طين (أو صلصال)"، فهُم رأوا، أوَّلاً، كيف أنَّ الميِّت من البشر يتحوَّل إلى "تراب". ورأوا، من ثمَّ، أوجه التشابه والاختلاف بين الإنسان والتمثال الذي كانوا يصنعونه من الطين.

و"الفَرْق الجوهري" بين هذا التمثال والإنسان الحي، وهو "الحياة" بكل معانيها، حَمَلَهُم على القول بـ "الروح"، التي تَجْعَل "الحياة" تدب في "التمثال الطيني (آدم) الذي خَلَقَهُ الخالِق".

ومن مقارنتهم بين "الحي" و"الميِّت"، أنشأوا وطوَّروا مفهوم "الروح"، التي رأوها شيئاً يشبه "الريح"، أو "الهواء". في هذه المقارَنة رأوا أنَّ "الحي" يتنفس، فالهواء يَدْخُل إليه ويَخْرُج منه، عَبْرَ "الفم" و"الأنف"، بينما "الميِّت"، في صفته الأولى الظاهرة، يتوقَّف عن التنفُّس. وفهموا "الروح" على أنَّها شيء مُدْخَل ادخالاً في "البدن"، أو "الجسد"، ويمكنه العيش في خارجه، وفي استقلال تام عنه. وهذا الاعتقاد إنَّما وَلَّدَتْهُ في عقولهم ظاهرة "الحُلْم"، أو "المنام"، فالإنسان يرى في منامه إنساناً آخر، حيَّاً أو ميِّتاً. وهذا الإنسان الذي نراه في المنام إنَّما هو "الروح الزائرة".

من كل ذلك خَلَقوا "قصَّة الخَلْق لآدم"، فالخالِق خَلَقَ "الرجل الأوَّل" من "الصلصال"، أو من "خلاصة الطين"، ثمَّ "نَفَخَ فيه من روحه"، فدبَّت فيه "الحياة". وبـ "الموت" تَخْرُجُ منه "الروح"، فـ "البدن" يزول، أي يتحوَّل إلى "تراب"، بينما تَخْلُدُ "الروح". هذا "الفصل الأوَّل" من "القصَّة".

أمَّا "الفصل الثاني" فكان خَلْقُ الخالِق لـ "حواء" من "الضلع اليسرى" لـ "آدم". وفي "الفصل الثالث (والأخير)"، كانت "نهاية القصَّة". وهذا الفصل هو "فصل التناسل"، فـ "حواء" إذ ضاجعها "آدم" أنجبت له أولاداً، تناكحوا وتناسلوا وانتشروا في الأرض.

"المجهول الأعظم" في هذا الفصل كان "علاقة حواء (أو المرأة) بالانجاب"، فـ "البويضة"، التي لا تُرى بالعين المجرَّدة، لم تُذْكَر، لا تصريحاً ولا تلميحاً، في "القصَّة الدينية للإنجاب".

كل ما كانوا يعرفونه في أمر علاقة المرأة بالانجاب لم يتعدَّ الآتي: المرأة لا تستطيع الحَمْل والولادة إلا في مرحلة واحدة من عمرها. ثمَّة علاقة بين "الحيض" و"الانجاب". "رَحْم المرأة" هو المكان الذي فيه يتكوَّن وينمو "الجنين"، الذي لا يُعْرَفُ جنسه (ذكر أو أُنثى) إلا بَعْدَ خروجه من رَحْم أُمِّه. ليس من "سائل" تُفْرزه المرأة يشبه "السائل المنوي" عند الرجل. المرأة عندها فحسب "الدم" الذي يَخْرُج من رَحْمِها كل شهر ما دامت قادرة على الانجاب، و"الإفراز المهبلي". وكلا "السائلين" لا يُماثِل "السائل المنوي" من حيث علاقته بـ "الانجاب".

وإذا كانت "البويضة" لا تُرى بالعين المجرَّدة فـ "السائل المنوي"، وليس "الحيوان المنوي"، يُرى. وبناءً على ذلك، فهموا "الجنين" على أنَّه "المني يُسْكَب في الرحم"، فـ "البويضة" كانت "المجهول الأكبر" في معرفتهم تلك. وهذا "المني"، الذي منه يأتي "الجنين"، هو "النطفة".

ومع أنَّهم عرفوا معنى "الخصي"، أو "الخصاء"، فإنَّ "مَصْدَر السائل المنوي" ظلَّ غير واضح لديهم. ولجهلهم أنَّ "السائل المنوي" يُنْتَج في "الخصية" خُيِّل لهم أنَّ هذا "السائل" يَخْرُجُ من موضع آخر في جسم الرجل.

بَعْدَ ذلك، شرع البشر القدامي يتصوَّرون "أطوار الجنين"، أي المراحل التي يجتازها في نموُّه. وقد بنوا تصوُّرهم من مَشاهِد اجهاض المرأة الحامل لجنينها، فهُم رأوا "الجهيض" في غير شكل. ورأوا أشكاله تختلف باختلاف عُمْرِه. رأوه في شكل "قطعة من الدم الغليظ أو الجامد"، أي في شكل "علقة". ثمَّ رأوه في شكل "قطعة من اللحم وقد مُضِغَت"، أي في شكل "مضغة". وهذه "المضغة" كانوا يرونها "مخلَّقة" أو "غير مخلَّقة"، فـ "الجهيض"، في مرحلة من عُمْرِه، كانوا يرونه في شكل "مضغة بملامح بشرية".

وبَعْدَ "طور المضغة"، يأتي "طور العظام"، فـ "طور كسو العظام لحماً"، فـ "طور نفخ الروح في الجنين". وبحسب هذا التسلسل، تتحوَّل "المضغة" إلى "عظام"، ثمَّ يكسو الخالِق العظام لحماً.

لقد قالوا بـ "طور العظام" على الرغم من أنَّهم لم يروا، قط، جهيضاً في شكل "عظام". وأحسب أنَّ هذا الطور، أي "طور العظام"، قد قالوا به إذ رأوا "اللحم" يكسو "العظام" في جسم الإنسان، وكيف يُنْزَع (في الحيوان) عن العظام.

وبوحي من هذه "الميكانيكية" في النظر إلى العلاقة بين "اللحم" و"العظام" قالوا بتحوُّل "المضغة" إلى "عظام"، وبكسو العظام لحماً. وفي هذا "الطور"، أي في طور "كسو العظام لحماً"، يَبْعَثُ الخالِق إلى الجنين ملاكاً فيَنْفُخُ فيه الروح، فيتحوَّل الجنين إلى "كائن حي"، وكأنَّه قَبْل ذلك لم يكن بالكائن الحي.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرَّة أخرى وأخيرة في محاورة -أعداء ماركس-!
- أعداء ماركس.. على هذه الشاكلة!
- -موتى- يَنْعُون -الماركسية-!
- في -حُرِّيَّة التعبير-
- دَعْهُمْ يَخْتَبِرون أوهامهم!
- -المجلس العسكري- يخوض -معركة الرئيس-!
- -الحياة- فلسفة!
- -الإحساس- من وجهة نظر -مادية جدلية-
- في هذا يكمن -سِرُّ قوَّته-!
- -أزمة- مصر تكمن في عدم اكتمال ثورتها!
- ما لَمْ يُقَلْ في -القرية العالمية-!
- -سادات- يلبس عمامة!
- عندما يُحْظَر قيام أحزاب -على أساسٍ ديني- في الأردن!
- معنى أنْ يزور نجاد -أبو موسى- الآن!
- الديمقراطية -الفَرْدية-.. الأردن مثالاً!
- -خُطَّة عنان-.. من -القبول النَّظري- إلى -الرَّفض العملي-!
- -قضية اللاجئين- في مناخ -الربيع العربي-!
- -الحتمية الماركسية- و-نقيضها الدِّيني-!
- قانون انتخابات أردني.. جديده قديم وقديمه مُجدَّد!
- البونابرت عمرو سليمان!


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - فكرة -الرُّوح- وكيف شَقَّت طريقها إلى رأس الإنسان