أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم هيبة - لعنة الولادة














المزيد.....

لعنة الولادة


ابراهيم هيبة

الحوار المتمدن-العدد: 3760 - 2012 / 6 / 16 - 23:06
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في كل مرة انتهي فيها من قراءة جريدة، تترسخ لدي القناعة بأنه لا يجب أن أنجب أبدا. نحن نعيش في عالم ينضح بالبؤس والخشونة؛ وأن يكون المرء السبب في مجيء احدهم إلى هذه الدنيا لهو تصرف أحمق وخطأ لا يغتفر. أحيانا تتملكني الرغبة في أن أكون مثل الآخرين- أي أن أكون أبا- لكن عندما أتأمل فيما تنطوي عليه ذاتي من العيوب والإختلالات، أحمرّ خجلا من إمكانية نقلها إلى خلف محتمل. ولادة المرء في هذا العالم كارثة ما بعدها كارثة. وفي كل مرة انظر فيها إلى عيني طفل بريء، أقول في نفسي:"كم ياترى من الآلام والأحزان تنتظر هذا المسكين في الطريق؟ !" وهكذا فلا يقبل بلقب الأبوة إلا شخص خشن أو صاحب قلب متحجر.
في صبيحة أحد الأيام كنت في عيادة لطب الأسنان، وبينما كنت في غرفة الانتظار، كان يجلس بالقرب مني طفل في العاشرة من عمره ومعه أمه بجانبه. كان الطفل يتلوَّى من شدة الألم الذي كان يحدثه ضرسه المريض؛ وأنا انظر إلى ذلك المشهد قلت في نفسي : " لماذا كل هذا الألم؟ ماذا فعل هذا البريء ليمر بكل هذا الجحيم؟" بعد تفكير عميق وتأمل طويل فيما كان يحصل، توصلت إلى جواب مبدئي وبسيط: إنه يتألم لأنه وُلد. في الحقيقة، يجب أن أقول بان هذا الجواب هو الذي أسعفني في الإجابة عن كل الأسئلة التي طرحتها على نفسي في ليالي الأرق وأيام المرض.
عندما كان يهجرني النوم وأبدأ في عد الثواني والدقائق، أو عندما كان يعذبني عضو من أعضائي، أسأل نفسي: "لماذا كل هذا العذاب؟ لماذا يجب أن تكون ذاتي مسرحا لكل هذه التمزقات؟" ويجبني صوت خفي يصعد من أعماق ذاتي قائلا: " أنت تتعذب لأنك ولدت، أنت تتمزق لأنك أتيت إلى هذا العالم."
بوذا على حق:"الولادة معاناة"، ومعها يبدأ الوجود الإنساني في التدهور والانحدار نحو المرض والشيخوخة والموت وتفاصيل أخرى في الشر لا تحصى ولا تعد.
من يحدِّق جيدا فيما يحصل في السيرة الذاتية لكل إنسان، من بدايتها إلى نهايتها، لا بد وأن يتوصل إلى الاستنتاج التالي: ولادة المرء لعنة ما بعدها لعنة، والعناية الإلهية هي اكبر خرافة ابتدعتها التيولوجيا. البشر، الآن، يرون البؤس والقسوة في كل مكان ومع ذلك قلما تجد فيهم شخصا واحدا يتخذ من العقم رؤية وعقيدة؛ بل الأنكى من هذا أنهم يقومون بكل شيء من اجل إنجاح الإنجاب والتكاثر، وبهذا يثبتون بأنهم بالكاد يختلفون في شيء عن الكلاب، حيث يخضعون، مثلها، لإرادة الطبيعة بكل خصوبتها الفاحشة وتكاثرها اللامعقول.
لقد انغمست في مجلدات الفلسفة لوقت طويل، لكنني لم أجد ولو حجة واحدة تقنعني بأن الوجود أفضل من العدم؛ بل يمكنني القول بأن المرء يفقد أشياء كثيرة عندما يأتي إلى هذا العالم أكثر منه عندما يغادره. والحق أنه لولا الأنانية وغريزة حفظ النوع، لأتضح لكل واحد منا بأن مجيئه إلى هذا العالم ليس ضروريا على الإطلاق؛ فمن وجهة نظر موضوعية، كل حياة هي إما صدفة أو حادث عرضي. وفي كل مرة أصادف في طريقي شيخا يسحقه المرض أو شابا تشلّه الإعاقة أو طفلا مشردا ينام على الرصيف، لا يتبادر إلى ذهني إلا سؤال واحد: "فيماذا أفاده المجيء إلى هذا العالم؟"
فيما مضى كنت اطرح هذا السؤال على نفسي كلما نظرت في وجه إنسان سيّء الحظ؛ الآن، اطرحه في كل مرة انظر في وجه إنسان حي.



#ابراهيم_هيبة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدو المرأة
- جاذبية المشنقة
- أنا و العالم
- تأملات في الضجر
- إنسان السطوح
- منافع المرض
- مصادر الصلاة
- تمارين في الزهد
- البعد الميتافيزيقي للأرق
- حول الزواج
- مائة عام من العزلة
- عبادة الأنا
- فينومينولوجيا الموت
- بؤس الفلسفة
- الإنسان المنفصل
- تهافت الآلهة
- الحيوان الرومانسي
- شهوة التسلط
- على أجنحة الموسيقى
- الإنسان الأخير


المزيد.....




- إدارة ترامب تنشر سجلات متعلقة باغتيال مارتن لوثر كينغ
- عراقجي يؤكد تمسك إيران بتخصيب اليورانيوم رغم الأضرار الجسيمة ...
- جامعة هارفارد تطالب القضاء بإجبار إدارة ترامب على إعادة منح ...
- عاجل | ترامب: سنعيد ضرب المنشآت النووية الإيرانية إذا كان ذل ...
- شيخ عقل دروز لبنان: على الهجري -التجاوب- وإبداء -مرونة-
- فيديو متداول لـ-اشتباكات عشائر بدوية ومسلحين دروز- بالسويداء ...
- مصر: محكمة جنايات القاهرة تشطب اسم علاء عبد الفتاح من قائمة ...
- الكشف عن تفاصيل الجولة الثالثة من المفاوضات بين موسكو وكييف ...
- فيديو أثار غضبا.. إجبار شبان دروز على القفز من الطابق الرابع ...
- أزمة مياه في تونس العاصمة تزامنا مع الحر الشديد


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم هيبة - لعنة الولادة