أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم هيبة - البعد الميتافيزيقي للأرق














المزيد.....

البعد الميتافيزيقي للأرق


ابراهيم هيبة

الحوار المتمدن-العدد: 3276 - 2011 / 2 / 13 - 01:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يتربص البؤس بالإنسان في كل مكان، إنه يلاحقه حتى إلى سريره. الساعة الواحدة ليلا، أراني أتقلب على هذا الجانب حينا ثم أتقلب على الجانب الثاني حينا آخر: لا أشعر بأي ارتياح. ما الذي يجري؟ إنني لا أستطيع أن أنام. ما من فقدان يرعب الإنسان ويؤثر فيه مثل فقدانه القدرة على النوم. إنه يرمي بالفرد خارج المجرى الطبيعي للأشياء. كل الأحياء نائمون إلا أنت، كل البشر ينعمون بغيبوبة النوم فيما أنت تراقب التحرك البطيء للثواني والدقائق.
زمن الأرق زمن صعب: إنه الوضع الذي تجد فيه نفسك في عزلة مطلقة، لا وجود لشيء حقيقي إلا أنت والعدم. تقضي يوما بطوله وعرضه في مصارعة تفاهات الحياة اليومية، وعندما تأوي إلى فراشك ليلا تكتشف بأنه لا يرحب بك؛ تحاول التصالح معه بشتى الوسائل لكن لا شيء يجدي: لقد أصبح فراشك عدوك، إنه لم يعد حتى فراشا- إنه بساط من الأشواك.
ما هو الأرق؟ إنه الشعور الماحق بإطلاقية الوعي والزمن. يذهب المرء إلى فراشه في المساء، وعندما يغادره في الصباح يلاحظ بأن شيئا لم يتغير. إنه لم يتخلص ولو بمقدار ذرة من متاعبه وهمومه، لقد كانت ليلته استمرارا لعذابات نهاره. والحق أنه لا وجود إلا لجنة واحدة على هذه الأرض: النوم. اعتبر هذا الأخير غيبوبة مخلِّصة. إنه يحررنا من الوعي الدائم بحضور الذات وحضور العالم. النوم استراحة أونطولوجية ترمم الشروخ التي تحدثها مفاعيل الزمن في ثنايا الروح وجنبات القلب؛ ولولا هذه الاستراحة، التي هي أيضا شكل من أشكال النسيان، لكانت أدمغتنا قد أصيبت بالتقيح من جراء الوعي المستمر. بالنسبة إلي، في كل مرة تحاصرني الحياة وتضيق بي السبل لا أعود أرغب إلا في شيء واحد: الغرق في بحر من النوم العميق.
كل شخص أرِق هو فيلسوف رغما عنه. ففي كل مرة يهجرني فيها النوم اقضي الليل بتمامه في مراجعة كل القيم. الصمت المطلق الذي يطبق على الكون في الليالي البيضاء يخلق مناخا ميتافيزيقيا مثاليا للدخول في حوار حقيقي مع الأشياء، حتى الفلسفة، في لحظات كهذه، تنقسم إلى نمطين: الفلسفة التجريدية التي تملأ الكراسات الجامعية والفلسفة الحية التي تبدأ مع منتصف الليل.
ما يمكن أن يعانيه الإنسان المؤمن جراء الأرق هو دائما وأبدا اقل حدة مما يمكنه أن يتكبده غير المؤمن. الشخص الأول يتحمل التجربة لأنه ليس وحيدا- إنه برفقة الله. لكن الشخص الثاني ملزم بالتحلي بالكثير من الجَلَد ورباطة الجأش؛ فكونه محاصرا بين الاقتناع بفراغ الأرض والاقتناع بفراغ السماء يجعل التجربة التي يمر بها أشبه بعبور الجحيم على انفراد.
في الواقع، لا تخلو تجربة الأرق من بعض الإيحاءات الدينية؛ فكلما وجد المرء نفسه منفيا خارج الصيرورة الكونية إلا وأمسى في حاجة ماسة إلى التحاور مع طرف ما. ولا يملأ وظيفة التحاور هاته إلا الله. لكن الله الذي ينبثق من جوف خواء الأرق لا يتمظهر كموضوع إيمان بل كحد أونطولوجي. إنه النقطة التي تتوقف عندها كل قوانا الإدراكية؛ ونحن نعرف، على ما علمتنا التجارب، بأنه هناك دائما نقطة نهاية أو حد؛ ذلك أنه ليس من السهل على الإنسان النظر إلى العدم المطلق.



#ابراهيم_هيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول الزواج
- مائة عام من العزلة
- عبادة الأنا
- فينومينولوجيا الموت
- بؤس الفلسفة
- الإنسان المنفصل
- تهافت الآلهة
- الحيوان الرومانسي
- شهوة التسلط
- على أجنحة الموسيقى
- الإنسان الأخير
- فكر و وجود
- مدح الصمت
- سيميولوجيا الحجاب
- الإتجاه المعاكس
- بعيداً عن القطيع
- السيف و اليقين
- لماذا الله؟
- داء النبوة
- الأونطولوجيا الطبيعية


المزيد.....




- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم هيبة - البعد الميتافيزيقي للأرق