صادق الازرقي
الحوار المتمدن-العدد: 3713 - 2012 / 4 / 30 - 16:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يحاول القادة السياسيون العراقيون الآن، ادامة لقاءاتهم، التي حاروا في تسميتها، هل انها مؤتمر ام اجتماع ام لقاء!، وفي الحقيقة انهم ذاتهم، من أوقعنا في الفخ، فكيف سيخرجوننا منه؟!، نقول فخ، لأننا لم نزل نرسف في ظل معاناة قاسية يفتقر فيها المواطن العراقي الى ابسط حقوقه، المتمثلة بسكن لائق وضمان مالي، ولم تزل معدلات الفقر في البلد في تزايد متواصل، باعتراف المسؤولين انفسهم، برغم توفر الاموال الهائلة في خزينة الدولة. و برغم مرور تسع سنوات على التغيير الذي أحدثته الولايات المتحدة الامريكية، لم يزل كثير من المواطنين يبحثون في اكوام القمامة المنتشرة في الشوارع عن اشياء باستطاعتهم ان يبيعوها لسد جوع عائلاتهم.
ما زالت الخدمات ولاسيما الكهرباء تخضع لمقاييس الطقس، فلا هي اتت صيفا ولا اتحفونا بها شتاء ، حتى الدينار العراقي الذي تصاعدت قيمته بعيد اسقاط النظام شملته العدوى، وطفق يتراجع الى الوراء، وربما يعود القهقري الى قيمته ابان النظام السابق، وكانت اولى بوادر ذلك ارتفاع اسعار السوق واسطوانات غاز الطبخ.
نقول اوقعونا في الفخ؛ لأنهم ارادوا نظاما سياسيا على هواهم وتنفيذا لمصالحهم الشخصية، وليس ما يطمح اليه الشعب، فانشأوا دستورا غير مكتمل جاء لإرضاء نزوع طائفي وعرقي، وحتى في هذا لم نشبه الدول الأخرى، فكان المسؤولون عن سن الدستور هم ذاتهم الاعضاء الذين انتخبوا في اول دورة برلمانية وليسو قضاة وقانونيين متخصصين، وهو بعكس ما يجرى في الدول المتحضرة، بل حتى مصر فانها اشترطت ان يكون المسؤولون عن سن الدستور من خارج مجلس الشعب والحكومة و من كبار القضاة في المهنية والسن، كي لا يخضع لأهواء ونزوات الاحزاب والجهات، في حين عملنا جاهدين على انشاء دستور حاول ارضاء قادة الطوائف والاحزاب، وليس لتلبية رغبات المواطن، وكان بالإمكان تجاوز المأزق الطائفي وكذلك العرقي، وفتح بوابات النمو والازدهار ولكنهم لم يفعلوا ولا اظن انهم سيفعلون ذلك في لقاءاتهم هذه الايام .
حتى الاتفاقيات التي تعاهدوا عليها، فانهم لم ينفذوها، و بضمن ذلك اتفاقية اربيل التي صيغت الكثير من نصوصها بروح عصرية، لم يفعلوا فقراتها التي لو طبقت لنقت العملية السياسية من بعض ادرانها، برغم انهم شددوا على وضع سقف زمني للتطبيق، اذ تؤكد الاتفاقية على " وضع سقف زمني لتشريع جميع القوانين التي أوجز الدستور تشريعها لكنها لم تشرع"، وشملت القوانين التي وعدت اتفاقية اربيل بتشريعها حسب الاسبقية والاولوية التالية (على حد تعبير الاتفاقية):"قانون المحكمة الاتحادية و قانون النفط والغاز و قانون المصالحة الوطنية و قانون تنظيم الاجهزة الامنية و قانون الاحزاب و قانون مجلس الاتحاد و قانون الانتخابات و قانون مفوضية الانتخابات وقانون شبكة الاعلام و قانون هيئة النزاهة، و قانون المفتشين العامين و قانون ديوان الرقابة المالية و قانون هيئة التوازن و قانون الايرادات الاتحادية و قانون السلطة التنفيذية و قانون العمل الصحفي وحماية الصحفيين".
ومن المعلوم ان النسبة الاكبر من تلك القوانين لم تشرع لحد الآن، او ان البعض منها طبق بنواقصه، ومن تلك القوانين ، قانون النفط والغاز، وقانون الاحزاب، و قانون الانتخابات، فظل البلد من دون قانون أحزاب، برغم ان دولة مثل ليبيا التي وقع فيها التغيير بعد ثماني سنوات من التغيير لدينا، انتبهت الى خطورة ذلك، و أصدر المجلس الوطني الانتقالي الليبي منذ ايام قانوناً جديداً للأحزاب، يُحظر بموجبه تشكيل الأحزاب السياسية على أساس "ديني أو قبلي أو جهوي".
كما ان قانون الانتخابات لدينا لم يزل يخدم القوى المتنفذة التي جيرته لمصالحها، فرأينا كيف تذهب الاصوات التي ينالها بعض المرشحين في تلك الأحزاب الى اشخاص، لا يستحقونها فيعينون اعضاء في مجلس النواب ومستشارين لرئاسة الوزراء وغيرها من المناصب التنفيذية، واعطى القانون الحالي للكيان الحاصل على مقعد تعويضي الحق بتسمية اي مرشح ومن اي محافظة للمقعد التعويضي حتى لو لم يحصل على اي صوت ، وأدى بالتضحية، بحقوق أحزاب معروفة، بوساطة المماطلة والتأخير في تشريع قانوني الاحزاب والانتخابات، وبالتالي فان النواب المتواجدين الآن كأعضاء في مجلس النواب لم يكونوا ممثلين حقيقيين للشعب، لأنهم اخذوا اصوات غيرهم، وليس على وفق قاعدة التمثيل النسبي والدائرة الانتخابية الواحدة التي تمثل نظاما انتخابيا عادلا لو جرى تطبيقه.
وبدلا من إصلاح العملية السياسية، وتشريع القوانين الضرورية، لإعادة الروح لها (ناهيك عن السعي لتشريع القوانين الخاصة بحياة المواطن)، ركض السياسيون بمجرد التئام اول مجلس، الى سن القوانين التي تشيع نهمهم وشراهتهم، التي لا تحدها حدود، للاستئثار بالمال العام، فخصصوا لأنفسهم رواتب تقاعدية مليونية برغم ان كثيرا منهم لم يمكث حتى بضعة اشهر، في مجلس النواب ـ فضلا عن رواتب البرلمان الذي لا يحضر كثير منهم جلساته ـ في حين يعترضون على زيادة بائسة في رواتب المتقاعدين، ويعطلون تصنيع البلد وعرقلة انجاز الكهرباء والمواصلات، وهاهم الآن يريدون مؤخرا، زيادة معاناة الناس، بمنع السلع المستوردة او زيادة اسعارها ،عن طريق فرض الضرائب لحماية ما اسموه المنتج الوطني الذي لا وجود له في الحقيقة.
لم يدرك السياسيون العراقيون ـ ولربما تغافلوا عن ادراك ـ ان الاساس في تصحيح مسار العملية السياسية والاخفاق فيها، هو تفعيل البناء والاعمار وتحسين حياة الناس وإيصالهم الى حالة الرخاء المطلوبة والمتوافقة مع غنى البلد وثرواته، وليست التعابير المطاطة من قبيل التوافق والشراكة والمصالحة الوطنية لحل مشكلات هم اختلقوها اصلا، لو كنا أوصلنا المواطن الى حالة الرقي والتمدن، و الحياة اللائقة، لكانت جميع المشكلات قد حلت ولما شهدنا صراعا من أي نوع كان.
وبرأيي؛ ان المساعي التي تجري الآن من قبل قادة الكيانات السياسية لحل المشكلات القائمة، ومحاولاتهم لعقد ( مؤتمر، او اجتماع، او لقاء)، لن تجدي نفعا ما لم يتحول التركيز فيها، الى القيام بالخطوات التنفيذية المطلوبة لتخليص العملية السياسية من ادرانها، التي يعرفونها جيدا، وليسو بحاجة الى اعادة اجترارها والتحدث بها وكأنها انبثقت لتوها، عليهم اولا، ان يعترفوا بالظلم الذي ارتكبوه بحق الناس والحالة المزرية التي أوصلوهم اليها، من شظف العيش، وترسخ مظاهر الكآبة وانعدام روح المواطنة في الذات العراقية، وحالة التشرذم والانقسام وسطوة التشاؤم وغياب الامل لدى المواطن.
ومن دون ذلك لا معنى، و لا قيمة لجميع الاجتماعات التي عقدت والتي ستعقد ، كما ان الخلافات والنقاشات السياسية، يجب ان لا تكون بديلا عن الخلافات والتنافس بشأن تطبيق البرامج الانتخابية، التي جرى إغداق الوعود بها، ولم تنفذ حتى الآن، اذ ان الاستمرار في الجدل السياسي، يعني الهرب من تنفيذ الاستحقاقات الانتخابية والوعود المرتبطة بها، واشغال الرأي العام بجدل بيزنطي لن ينتهي ابدا، ولربما فكر بعض القادة ان يبقوه حتى نهاية الدورة البرلمانية والوزارة الحالية، ما يعني بكل الأحوال استمرار مأزق العملية السياسية الكارثي.
#صادق_الازرقي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟