خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال
(Khaled Juma)
الحوار المتمدن-العدد: 3709 - 2012 / 4 / 26 - 04:35
المحور:
الادب والفن
تُفيقُ، ثمَّ تذهبُ في غيبوبةِ المَعنى، تمدُّ يَدَها إلى وجهِها كمن يحتمي من كارثة، تشيرُ بإصبعِ يمناها إلى ظهرِ يسراها، الوشمُ غابَ في لونِ جلدِها، لم أكنْ أعرفُ أنّها تجيدُ الفلسفةَ كما تفعلُ مع زيتوناتِها القليلاتْ، لم يعرفْ أحدٌ كيفَ كانتْ إحداها تنتجُ بئرَ زيتٍ وألفَ مفاجأةٍ في غيرِ موسِمِها، وبين إغفاءَةٍ وإفاقةٍ تقول: احفظ عنّي.
لا تتجنَّب الحَجَرَ، كلُّ من طبَّعَتْهُ الأرضُ بطبعِها يعرفُ الماضي والآتي، زِدْ على نقوشِهِ إن استطَعْتَ، ولا تعتني أن يشبهَ النقشُ نقوشَ مَن مرّوا قبلَكَ، الحجارةُ لا يؤلِمُها النقشُ، يؤلِمُها التجاهُلُ، واتركْ فراغاً عليها لمن سيأتونَ بعدَكَ كي لا تدفَعَهمْ لمحوِكَ من أجلِ فراغِهمْ، لا توقِّعْ تحتَ كتابتِكْ، فالكتابةُ زمنٌ والزمنُ لا يوقِّعُ، الزمنُ إمضاءُ نفسِهِ، والغُربةُ هي الفراغُ غيرُ الْمُعبّأِ بين وقتينْ، احفظ عني: كن جسراً.
أعطِ قلبَكَ حِصَّتَهُ من الشَّجَرْ، وابتعدْ كثيراً عن حلمِكَ كي تراهُ بوضوحْ، لا حلمَ يُرى من داخِلِهِ، وتذكّرني غارسةَ زيتونٍ لا صانعةَ حِنّاءٍ للعرائسِ، الحنّاءُ وإن طالَ بها الوقتُ تزولُ، أو يزولُ الجلدُ الذي تُحنّيهِ، أما الغرسُ فيتكلَّمُ أغراساً فتصيرُ حكاياتٍ وزيتوناً من جديد، لا تدع غرورَكَ يقيسُ قلبَكَ بالبرتقالةِ، فهي ستكسبُ القياسَ ولو كنتَ على عرشٍ وحرّاسُكَ غيومٌ وأقمارْ، احفظ عنّي: لا ليلَ إلا ما نُلَيِّلُهُ بغرورِنا.
خبّئ النساءَ في الكلامْ، عريُ المرأةِ في الكلامِ عنها لا في جِلْدِهَا، عَلِّمْهنَّ وتعلَّمْ منهنَّ، قبِّلهنَّ وتقبَّل منهنَّ، ولا تجرِّب التفوُّقَ عليهنَّ، فكلُّ معركةٍ مع امرأةٍ أنتَ مهزومٌ فيها وإن أخذتَ بلادها وطردتَها من بيتِها، النساءُ عرائسُ الوجودِ، وهنَّ من يمنَعْنَ السماء من السقوطِ كقطعةِ ليلٍ على الأرضِ، إحْمِ خوفَهنَّ من الروحِ البعيدةِ كي لا تصيبَكَ الجنُّ بنَقصٍ في الرجولةِ، احفظ عنّي: الرجولةُ ناقصةٌ دائماً حينَ تخوضُ معركةً مع امرأة.
تأمَّل، ولا تدَعْ شيئاً يمرُّ دونَ أن يختمرَ في عينِ قلبِكَ، من نملةٍ لا تراكَ إلى غيمةٍ تراكَ، عبّئ الروحَ بالتفاصيلِ قبلَ أن تغلقَ الحياةُ بابَها بمزلاجِ الغيابِ، لا غيبَ إلا ما نُغيِّبُهُ دونَ أن نراه، لا تنظرْ، بل شاهد، لا تسمع بل أنصت، لا تلمس بل تغلغل، لا تتمنّى بل كُنْ، واحفظ عنّي: لا شيء يبدأُ، لا شيءَ ينتهي.
الرابع والعشرون من نيسان 2012
#خالد_جمعة (هاشتاغ)
Khaled_Juma#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟