أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العظيم فنجان - في موكب فاضل العزاوي الصامت ..














المزيد.....

في موكب فاضل العزاوي الصامت ..


عبد العظيم فنجان

الحوار المتمدن-العدد: 3654 - 2012 / 3 / 1 - 14:30
المحور: الادب والفن
    


شخصيا أعتبر أن قصيدة النثر هي قصيدة الشجعان المهزومين : الشجعان الذين آثروا الاستشهاد ، لكن من دون أن يمهّدوا إلى سلطة القوّادين . تلك هي خلاصة القصة : هذا الانقلاب في الرؤيا إلى الشهيد هو من جنس التفكير الشعري الذي يتخذ من النثر وسيلة له ، ولذلك أجد الشاعر فاضل العزاوي غريبا عن المشهد الشعري العربي ، الذي استبد به فرح انتصار اللاوزن على الوزن ، فلم يعد قادرا إلا على انتاج قصائد ، غالبا ما تكون عمودية ، سوى أنها خالية من الوزن ، وكأن القضية هي قضية وزن أو لا وزن لا غير .

في قصيدة : " الموكب الصامت " أعثر على هذا الخائب الممزق والمتشظي : الشجاع الذي ينتظره الناس بوصفه مخلّصا ، لكن أي مخلّص هذا الذي لا يلوي على شيء ، سوى أن يهز كتفيه ، ماشيا حتى نهايته المريرة ؟!

قلتُ : إن القضية ليست قضية وزن أو لا وزن ، وإنما هي قضية اخرى ، أكبر واخطر من هذا المعيار الشكلي الساذج : إنها قضية تغير " بنية " الرؤيا إلى العالم ، فبعد انتفاء قانون السببية الذي حكم العالم قرونا ، وبعد القفزات الكونية الهائلة بين النجوم ، وبعد الغوص في أعماق الكون ، لابد من اجتراح معيار ما ورائي آخر : أقصد لابد من اجتراح " ديموزي " معاصر ينحدر من بنية الرؤيا الجديدة إلى العالم : الدافع الأول في اتخاذ النثر كوسيلة شعرية .

باريس الحديثة هي التي أنتجت قصيدة النثر البودليرية ، وكومونة باريس انتجت قصيدة النثر الرامبوية ، السوريالية أنتجت قصيدة النثر الشارية ، وأخيرا قتل الأنموذج انتج قصيدة النثر الاميركية ، لأن أميركا ليست امة ، وبالتالي فلا تقاليد ولا أعراف ، سلوكا وكتابة .

هذه المحطات الأربع مهّدت لإنسان حديث ، ولشعر حديث بالتالي .

تلتقي قصيدة النثر بالسينما كثيرا ، لكن أهم ناحية هي اللامرجعية : لقد فشلت السينما في بدايتها في أوربا ، لأنها اعتمدت تقاليد المسرح ، لكنها نجحت في أميركا لأن أميركا ـ مرة اخرى ـ بلا تقاليد .

ثمة مَن يحاول أن يجترح لنا قواعد ، هي ميزان الذهب ، في كتابة قصيدة النثر ، نحن اللاجيل / الشتات / الذي أخذت به الكوارث العربية المركبة بعيدا عن القواعد وعن البديهيات : نحن الجيل الذي اكتشف أن النضال ليس الانخراط في حزب أو في حرب ، وإنما الانخراط في الحياة ، لكن كمواطن غير مطيع ، وغير مهذب ، لأن قانون الأخلاق السائد هو من صناعة الأسياد .
من بين هذه القواعد / أقصد قواعد " ميزان الذهب " الخاصة بقصيدة النثر : " اللازمنية والمجانية " ، التي حاولتُ ، بصبر وبكفاح مريرين ، أن أفهمهما ، لكن دون جدوى ، لكنني خلصتُ إلى قضية بسيطة جدا ، تختصر كل شيء : اعتماد اللا موسيقى في الشعر يعني : اللا زمنية ، وهذا يعني أن الشكل الكتلي ، أو الشكل المسطور لا يقدّم ولا يؤخر شيئا في تجنيس القصيدة : ما يجنسها حقا هو انتماؤها إلى رؤيا شعرية جديدة إلى العالم . وفي موكب فاضل العزاوي الصامت نلتقط هذه الرؤيا عبر قلب البديهية الدينية :" انتظار المخلص " ونزع الهالة القدسية التي خلعتها أديان الخلاص عليه .

يكتب فاضل العزاوي قصيدة نثر صامتة . أقصد أنه يكتب القصيدة لتـُقرأ ، لا لتـُسمع ، وهذا واضح جدا في موكبه الصامت ، الذي لا يعتني بمخارج الحروف ، فالقصيدة صامتة ، رغم تدفق حشود كبيرة من الناس إلى الموكب !

من الشائع ، في أديان الخلاص ، انتظار المخلّص ، الذي يملأ الأرض عدلا ، بعد أن امتلأت جورا وظلما : انتظار المخلص كان ، في الأصل ، طقسا عراقيا خالصا ، تلاقفته أديان التوحيد ، وحوّرته حسب مقتضى الحاجة ، حتى صار ، أخيرا ، جزءا أساسيا من آيديولوجية الشيعة الامامية .

و حسب علماء السومريات ، فإن يوم السابع عشر من تموز كان هو يوم اللطم والنواح والبكاء والندب ، بل هو يوم صيام وحزن ، عند العراقيين القدامى : هذا الحزن القاتم كان من أجل " ديموزي " الذي سبب غيابه ، وهبوطه إلى العالم الأسفل ، نيابة عن إينانا / عشتار / الجفاف ، ندرة الماء ، وبالتالي تصحّر الحياة . تقول الاسطورة المتوارثة : إن مواكب كبيرة من الناس ، تسير في مختلف المدائن السومرية ، وفي أثنائها كانت تؤدى الطقوس ومراسم الحزن المنصبّة على موت " ديموزي " لكن فاضل العزاوي ينتج اسطورته الشخصية بشكل آخر ، ويخرج بموكبه نحو غاية اخرى ، فإذا كان انبعاث ديموزي / تموز / يعيد إلى الحياة بهجة الإخضرار وزيادة النسل والمحصول ، وإذا كان " المخلّص " في الأديان كافة هو مَن يعيد العدل والنظام إلى العالم ، فإن " ديموزي " فاضل العزاوي لا يفعل شيئا ، سوى أن يهز كتفيه ، ساخرا من عالم بأكمله يملكُ أسباب أن يتحول إلى عالم أفضل ، لكنه يتكاسل ، تحت املاءات قانون الأسياد الأخلاقي والديني ، ويجلس القرفصاء منتظرا " شجاعا " مهزوما ، يحفظ عن ظهر قلب كل دروب الخذلان .

قلب الاسطورة ، وانتاجها من جديد لتنسف البنية التي وُلدت منها ، هو من جنس الرؤيا الجديدة إلى العالم ، وهو ما يمنح " الموكب الصامت " أن تكون قصيدة نثر بإمتياز .
___________________


الموكب الصامت
فاضل العزاوي


واضعا يدي في جيبي المثقوبين
سائرا في الشارع
رايتهم يتطلعون خلسة إليَّ
من وراء زجاج واجهات المخازن والمقاهي
ثم يخرجون مسرعين ويتعقبونني
تعمدت أن أقف لأُشعل سيجارة
والتفتُ إلى الوراء كمن يتجنب الريح بظهره
ملقيا نظرة خاطفة إلى الموكب الصامت :
لصوص و ملوك و قتلة ، أنبياء وشعراء
كانوا يقفزون من كل مكان
ويسيرون ورائي
منتظرين إشارة مني .
هززتُ رأسي مستغربا
ومضيت وأنا اصفر بفمي لحن أغنية شائعة
متظاهرا بأنني امثل دورا في فلم
وبأن كل ما ينبغي علي أن افعله هو أن أسيرَ دائما إلى الأمام
حتى النهاية المريرة .



#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما خطفتُ وسام الهزيمة ..
- أنا الذي أحرقتُ اور .. !
- مخطوطة الاعشاب الغامضة
- اغنية البحث عن قوت القلوب
- عليكِ السلامُ
- قصيدة نثر عن الطوفان الأخير ..
- لن ندخل المزاد لنشتريكِ ..
- جاء في أخباركِ ..
- اغنية الإله الحزين ..
- ذات ليلة ، مع أتونابشتم ، في الحانة ..
- قصيدة نثر عن الحب والهيكل العظمي للأفكار !
- محاولة لتحطيم أنف العالم ..
- الأعمال الناقصة للملاك ../ 1
- سلكتُ نفسَ الطريق الذي أتيتِ منه ..
- اسطورة المرأة الهاربة في الزمن ..
- كيف تكتب قصيدة نثر .. ؟!
- ابايعكِ على ارث الجمال ..
- كيف يفكرُ اللمعان في عقل اللؤلؤة ؟!
- نشيد الإنشاد السومري ..
- خزائن حسين علي يونس ، وثقافة الضغينة ..


المزيد.....




- فيديو يوثق اعتداء على فنان سوري.. قصوا شعره وكتبوا على وجهه ...
- فيديو.. تفاصيل -انفجار- حفلة الفنان محمد رمضان
- جواسيس ولغة.. كيف تعيد إسرائيل بناء -الثقافة المخابراتية-؟
- -كأنه فيلم خيال علمي-: ولادة طفل من جنين مجمد منذ 30 عاماً
- قمر عبد الرحمن لـ -منتدى البيادر للشعر والأدب-: حرب الوجود ا ...
- -الشاطر- فيلم أكشن مصري بهوية أميركية
- رحلتي الخريفية إصدار جديد لوصال زبيدات
- يوسف اللباد.. تضارب الروايات بشأن وفاة شاب سوري بعد توقيفه ف ...
- بصدر عار.. مغنية فرنسية تحتج على التحرش بها على المسرح
- مع حسن في غزة.. فيلم فلسطيني جديد يُعرض عالميا


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العظيم فنجان - في موكب فاضل العزاوي الصامت ..