أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - ديمقراطية .. خلف القضبان !














المزيد.....

ديمقراطية .. خلف القضبان !


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 1076 - 2005 / 1 / 12 - 09:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فى فترات طويلة من القرن الماضى ، كان الاعتقال هو القاعدة ، والاحتكام الى القضاء الطبيعى هو الاستثناء .
وفى ظل هذا الوضع المقلوب عرفت مصر العديد من المعتقلات السياسية التى انتشرت فى أنحاء متعددة من ارض الكنانة،سواء على مشارف العاصمة فى أبو زعبل وطرة وغيرهما، او بعيداً عن العمران فى جبل الطور مثلا، أو فى قلب الفيافى والقفار كما هو الحال فى الواحات.
ومن نافلة القول ان هذه المعتقلات كانت تدار بلوائح وتدابير وإجراءات لا تمت باى صلة لعهود ومواثيق حقوق الإنسان او مواد القوانين او روح الدساتير .
ومع ذلك فان هذه الأماكن التى تنتمى للعصور الوسطى لم تعدم استضافة " الديمقراطية " .
لكنها كانت " ديمقراطية " من طراز عجيب ، يمكن تسميته بـ " ديمقراطية المعتقلين داخل أسوار المعتقل " .
ذلك ان فضيلاً من المعتقلين " اخترع " آلية لمواجهة استبداد لوائح المعتقلات ، والظروف اللاآدمية للحياة اليومية خلف الأسوار ، والانتظار الى اجل غير مسمى لنسائم الحرية التى لا يعرف أحد موعداً لها .
وحملت هذه الآلية اسم " الحياة العامة " .
وبموجب هذا الاختراع المصرى يقيم المعتقلون نظاماً للتكافل والتضامن الرفاقى ، حيث تتم "مصادرة" الممتلكات الخاصة بكل معتقل لصالح الجماعة ، بمعرفة قيادة " منتخبة " وتقوم قيادة " الحياة العامة " بعد جمع هذه " الممتلكات الخاصة "- التى ليست اكثر من علب سجائر ومأكولات ومواد غذائية وجنيهات وقروش قليلة تصلهم فى حوالات بريدية من الأهالي – بإعادة توزيعها بالعدل والتساوى على جميع المعتقلين بصرف النظر عن الفقر والغنى ، او المكانة الطبيعية والاجتماعية ( السابقة للاعتقال طبعاً ) او مستوى التعليم والثقافة .
كما تتولى قيادة " الحياة العامة " توزيع جدول العمل اليدوى اليومى على الجميع بالتساوى أيضاً ، بعد اعفاء المرضى والمسنين منه . وهذا العمل اليدوي هو أعمال نظافة العنابر والزنازين ، وإعادة تصنيع " اليمك " ، وهو الطبيخ الميرى الذى تعافه البهائم .. الخ
ثم ان أحد المسئوليات الأساسية لقيادة " الحياة العامة " هى الاتصال اليومى بإدارة المعتقل، لنقل مطالب المعتقلين إليها ، سواء كانت مطالب سياسية أو مطالب متعلقة بالمعاملة اليومية، مثل مواعيد فتح العنابر والزنازين ومواعيد إغلاقها ، والزيارات ، والصحف ، والعلاج، وتحسين مستوى العسل الأسود وغيره من " قائمة " الطعام الميرى الذى يسد النفس.
أما بالنسبة للمعتقلين أنفسهم فان قيادة " الحياة العامة " تنظم برامج التثقيف ، وإنشاء إذاعة محلية وصحافة حائط او صحافة مسموعة ، وتهريب الأوراق والأقلام والكتب ، لانها ممنوعة فى اغلب الأحوال ، وتنظيم الندوات السياسية والفكرية ، والاحتفاليات ، والمناسبات الترويحية والترفيهية أيضاً ، ومحاولة خلق وسائل سرية للاتصال بالخارج ( اى خارج المعتقل ) وكسر حاجز العزلة والحصار والتعتيم والتجهيل .
وبطبيعة الحال .. فان إدارة المعتقل لم تكن تعترف بالية " الحياة العامة " تلقائياً ، بل كانت تبدأ دائما برفضها ، والإصرار على ان " كل واحد يتكلم عن نفسه " . ولا تقبلها الا كأمر واقع ، وبعد مواجهات وشد وجذب .
وفى بعض الأحيان كانت إدارة المعتقل توافق على التعامل مع قيادة " الحياة العامة " وتسبغ عليها شكلاً من أشكال " الاعتراف " الضمنى فى الغالب ، أو الاعتراف الصريح فى أحوال نادرة واستثنائية ، ليس من باب احترامها لـ " ديمقراطية المعتقلين " ، أو إعجابها بهذا الاختراع العجيب ، وانما من باب انه ربما يكون مريحاً لها فى تصريف شئون المعتقل بأقل قدر من الاحتكاكات والمشاكل لان ديمقراطية هذه " الحياة العامة " لن يترتب عليها كسر بوابات المعتقل او إطلاق سراح المعتقلين ، وانما هى مجرد وسلة للإبقاء على الاعتقال بقدر اكبر من الهدوء وليس اكثر .
وعندما تحس إدارة المعتقل بان هذه " الحياة العامة " تقوى شوكة المعتقلين ، وتعطيهم قدراً اكبر من الثقة بالنفس ، وترفع سقف طلباتهم .. فانها سرعان ما تنقض عليها ، وعليهم ، وتقوم بحملات " تأديبية " ، تعصف بهذه " الديمقراطية الموضعية " المولودة خلف الأسوار بدون أجنحة وبدون ريش والمحكوم عليها بان تبقى حبيسة العنابر والزنازين مع مخترعيها المعتقلين .
وهذا بالضبط .. حال الانتخابات الفلسطينية التى جرت تحت الاحتلال الإسرائيلي ، وحال الانتخابات العراقية التى يستميت الرئيس جورج بوش والدكتور اياد علاوى لإجرائها فى بلاد الرافدين فى ظل الاحتلال .
الفارق الوحيد ، والجوهرى ، فى حالة العراق .. ان المعتقلين المصريين ، اى المناضلين من اجل الحرية ، كانوا هم الذين يكافحون من اجل إجراء انتخابات " الحياة العامة " لدعم صمود المحرومين من الحرية ، بينما السجانون والغزاة – فى حالة بلاد الرافدين – هم الذين يصرون على إجراء هذه الانتخابات تحت تهديد الدبابات الأمريكية من اجل إسباغ شرعية زائفة على زعانف الاحتلال .



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجل الأعمال يحاور.. ورئيس التحرير يحمل مقص الرقيب
- لا يموت الذئب .. ولا تفنى الغنم !
- حرب عالمية ضد إرهاب الطبيعة
- إعادة انتخاب بوش أخطر من انفلاق المحيط الهندى
- !الأعمى الإنجليزى .. والمبصرون العرب
- الإعلام.. قاطرة الاستثمار
- ! الحكم فى نزاع -جالاوى- و -ديلى تلجراف- .. يديننا
- مفارقة -مادونا- الأمريكية .. و-وفاء- المصرية
- بوش وشارون .. أسوا أعداء الاستثمار فى العالم العربى
- !درس للعرب فى الديموقراطية .. باللغة الألمانية
- ! الاقتصاد غير السياسى
- ! لكن البعض لا يحبون شرم الشيخ..
- بيان شرم الشيخ.. الآخر
- أبو عمار: حاصروه فى الجغرافيا .. فحاصرهم فى التاريخ
- !الفنادق وشركات الطيران.. الرابح الوحيد في مؤتمر شرم الشيخ
- نصــف أمـــريكا.. الآخــــر
- شامبليون ونظريات محمود سعد وفاروق الفيشاوى
- لماذا تخون الصحافة تقاليدها؟
- !تكريم وزير .. تحت الكوبرى
- العم - ســام - .. والخالة - ســـاميـة -


المزيد.....




- عمرو موسى: إسرائيل تهدد المنطقة بأفعالها ومعاهدة السلام ليست ...
- عدم فوز أي حزب بالأغلبية في انتخابات جنوب إفريقيا وبدء محادث ...
- رسالة لواشنطن.. الصين تهدد برد قوي على السعي لانفصال تايوان ...
- الاتحاد الأوروبي قد يفرض عقوبات جديدة على وسائل الإعلام الرو ...
- البرتغال.. تصادم طائرتين خلال عرض جوي يودي بحياة طيار ويصيب ...
- -فايننشال تايمز-: أوكرانيا غير راضية عن مقترحات الناتو لتخصي ...
- القوات البحرية الجزائرية تنقذ بحارا أذربيجانيا
- حزب الله ينشر تفاصيل دقيقة لعملياته ضد الجيش الإسرائيلي وموا ...
- البيت الأبيض: إسرائيل حققت معظم الأهداف العسكرية في قطاع غزة ...
- غازي حمد: حماس ليست متمسكة بحكم غزة وعرضت ذلك على عباس ولكنه ...


المزيد.....

- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - ديمقراطية .. خلف القضبان !