أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - الساقطون الهاربون من انهيار مشروع لينين















المزيد.....


الساقطون الهاربون من انهيار مشروع لينين


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 3638 - 2012 / 2 / 14 - 18:14
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


فوجئ الساقطون بانهيار المشروع اللينيني فصرخوا .. سقطت الشيوعية فلنهرب !! ــ الحقيقة هي أنهم هم من سقط وليس الشيوعية. هربوا في جهات شتى وما كانوا ليهربوا لو لم يكونوا ساقطين أصلاً. فلو لم يكونوا ساقطين أصلاً لما هربوا في التوّ ولواجهوا السقوط وتوقفوا عنده ولو هنيهة ليتعرفوا على أسبابه. وأدل دلالة على سقوطهم أصلاً هي أن أحداً منهم لم يذكر بكلمة أسباب انهيار المشروع اللينيني التي هي المبرر الوحيد للهروب، وهو ما يشير بذات الوقت إلى أن انهيار المشروع اللينيني لا يعني سقوط الشيوعية بل سقوط أدعياء الشيوعية الذين هم ساقطون في الأصل سواء سقطت الشيوعية أم لم تسقط. ودليل آخر على سقوط هؤلاء الساقطين أصلاَ هو هروبهم في اتجاهات متباينة وليس في جهة واحدة، مما يدل أيضاً على أن افكاراً بورجوازية وضيعة شتّى كانت تختلج في عقول جميع هؤلاء الساقطين مما جعلهم يتشتتون فرقاً شتّى كل منها تدعي أنها الفرقة الناجية الوحيدة وما واحدة منها بناجية حقاً. ونعد من هذه الفرق العديدة الفرق التالية ..

(1) الأناركيون أو الفوضويون ومنهم أيتام تروتسكي، ويعتقد هؤلاء أن ثورة أكتوبر ورثها البلاشفة الذين تحولوا إلى قادة منعزلين في مكاتبهم من مثل جوزيف ستالين، وهو ما أدى إلى انهيار الثورة. هؤلاء القوم لا يعرفون ما هي الاشتركية كي يبنوها أو ينتقدوها كما نظر إليهم كارل ماركس نفسه بشخص قائدهم ومؤسس الفوضوية ميخائيل باكونين، وكما اتضح أمرهم في المؤتر العاشر للحزب الشيوعية (البلشفي) في العام 1921. منهم من يفترض أن نقابات العمال هي من يبني الاشتراكية وليس الطليعة العمالية المتجسدة في الحزب الشيوعي، ومنهم من يفترض أن المجالس السوفياتية هي التي تبني الاشتراكية، المجالس التي يتمثل فيها الفلاحون والجنود على قدم المساواة مع العمال. الفوضويون يحملون اسمهم بجدارة وامتياز فكل أفكارهم وافتراضاتهم لا تؤدي إلا إلى الفوضى. وفي تهمة البيروقراطية التي تشاركهم بها فرق أخرى هناك فرق كبير ما بين أحوال الاتحاد السوفياتي في العام 1922 حيث كانت الشعوب السوفياتية تبيت على الطوى، بكلمات لينين، وأحواله في العام 41 حين كان مؤهلاً لسحق الجيوش الهتلرية مدعومة بكل موارد القارة الأوروبية المادية والبشرية، وكل ذلك تم بقيادة "البيروقراطي" الأول جوزيف ستالين. كيف عمل هذا البيروقراطي وحيد عصره على مضاعفة الانتاج القومي عشرة أضعاف وبذات النسبة مضاعفة أعداد البروليتاريا السوفياتية !! ــ هذا هو الهيكل العظمي للإشتراكية. ما كانت الاشتراكية لتتحقق إلا على أيدي بيروقراطيين مثل هذا "البيروقراطي" !! وما يكذب دعاوى هؤلاء الفوضويين حقاً هو أن المشروع اللينيني عبر أصعب الاختبارات طيلة سبعين عاما بقيادة مغرقة في "البيروقراطية" وما كان لينهار لولا أن تم اغتياله من قبل البورجوازية الوضيعة، فيما أن مشروعاً عالمياً بحجم المشروع اللينيني يعمل بنشاط على تغيير العالم ويحيط به الأعداء من كل جانب ما كان ليعمّر أكثر من سبع سنوات بقيادة بيروقراطية بأوصافها المعروفة.

(2) فرقة الساقطين الأخرى التي تسمي نفسها "الحزب الشيوعي العمالي" تهرب مدعية النجاة بقيادة منصور حكمت. تهرب إلى المجهول نحو اشتراكية يقيمونها في البلدان المتخلفة فيما قبل الرأسمالية مثل العراق وإيران. يهربون مستنكرين تاريخ الاشتراكية السوفياتية بادعاء أنها لم تكن إلا رأسمالية الدولة. هذه الفرقة الضالة وغير الناجية لا تعرف فقط ما هي الاشتراكية لتبنيها بل إنها لا تعرف الرأسمالية أيضاً، وتجتر أفكاراً سطحية وسقيمة. تعلن أن الثورة الاشتراكية العالمية التي تنبأ بها ماركس تنطلق من ألمانيا وبريطانيا، ستنطلق من العراق وإيران حسب منصور جكمت !! وحسبه أيضاً فإن النظام السوفياتي هو نظام رأسمالي !! ما يُرثى لهؤلاء القوم هو أنهم لم يجدوا مبرراً آخر لهروبهم من الانهيارسوى الإستظلال براية تفتقر إلى أي لون من ألوان العقلانية، خلّيك عن الماركسية، لتدعي برأسمالية الدولة السوفياتية في حين أن دورة الانتاج الرأسمالي كما صاغها ماركس ( نقد ـ بضاعة ـ نقد ) لم تكن موجودة في بنية الاشتراكية السوفياتية حيث لم تكن هناك سوق للعرض والطلب على الإطلاق ومعظم الصناعات الثقيلة التي كانت عصب الصناعة السوفياتية لم تكن تستبدل بالنقد بتاتاً ولذلك لم تكن تحقق أي فائض للقيمة الذي هو روح الرأسمالية.
لئن كنا نصدق الفرقة الهاربة وراء السيد منصور حكمت باسم "الحزب الشيوعي العمالي" وأن النظام السوفياتي لم يكن منذ البدء نظاماً إشتراكياً فلنا أن نكون على ثقة تامة يأن هذه الفرقة هي من الفرق الضالة ولن تبني الاشتراكية حيث من يبني الاشتراكية لا بد له من أن يمتلك خبرة تامة في طينة بناء الرأسمالية، وهذه الفرقة غير الناجية تفتقر لمثل هذه الخبرة تماماً.

(3) الفرقة الكبرى بين سائر الفرق الهاربة من انهيار المشروع اللينيني هي الأحزاب التي ما زالت قائمة في العالم الثالث بصورة خاصة باسم الحزب " الشيوعي " بعد أن تخلت عن الماركسية مكتفية باعتبارها مرجعاً من جملة مراجع أخرى ترشد في بناء الاشتراكية كما يتفاخر بجهل فاضح الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني. الاشتراكية التي لم تعد تذكرها هذه الأحزاب إلا كلما حشرت في زاوية ضيقة. هذه الفرقة هي عملياً العقبة الكبرى على طريق العمل الشيوعي ليس فقط فيما بعد الانهيار التام للمشروع اللينيني بل هي كذلك منذ المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي حين أخذها الحماس لتحريفات خروشتشوف. هذه الأحزاب لم تكن شيوعية بالمعنى الكامل للكلمة إلا في موالاتها للقيادة السوفياتية طالما كانت تلك القيادة شيوعية فعلاً وتقود معركة البروليتاريا ضد الرأسمالية العالمية. أما بعد أن انقلبت تلك القيادة على مسيرة الحزب الشيوعي السوفياتي عندما استخذت للعسكر وقررت في اجتماعها في سبتمبر ايلول 1953 الاستغناء التام عن برنامج عمل الحزب الذي قرره مؤتمره العام في نوفمبر 52، وإزاحة جيورجي مالنكوف من مركز الأمين العام للحزب لصالح رجل العسكر خروشتشوف، منذ تلك الأثناء استولى العسكر ودائرة المخابرات تحديداً على القيادة السوفياتية التي انقلبت إلى معاداة الشيوعية وتصفية الثورة تحت شعار " إطفاء بؤر التوتر " وشعار " التعايش السلمي " والإلتقاء مع معسكر الامبريالية في منتصف الطريق. لقد سجل التاريخ العديد من الانقلابات العسكرية الرجعية في العالم الثالث في الستينيات التي ساهمت بها القيادة السوفياتية الجديدة ولو بصورة سلبيه في معظمها وبإيجابية كما في تصفية الثورة العربية عن طريق انفلاب بومدين في الجزائر وحافظ الأسد في سوريا والتخلي عن مصر الناصرية. المخابرات السوفياتية ومنذ العام 53 أخذت تعمل على تصفية الثورة الاشتراكية إلى أن انتهت إلى تفكيك الاتحاد السوفياتي، ومن يظن أن تفكيك الاتحاد السوفياتي كخطوة قاضية نهائياً على الثورة الاشتراكية قد جرت بعيداً عن أصابع المخابرات السوفياتية إنما هو واهم وساذج وأبيض السريرة.
ما نود أن نصل إليه في هذا السياق هو أن الآحزاب الشيوعية موضوع حديثنا انقلبت موالاتها لموسكو منذ العام 53 فغدت عداءً للشيوعية وليس انتصاراً لها كما تتظاهر، وكما هي في الحقيقة القيادة السوفياتية نفسها. بعيداً عن ولاء هذه الأحزاب لموسكو سواء بالمنحى الثوري الإيجابي الذي استمر لعقدين أو أكثر قليلاً أو السلبي المعادي للثورة الذي استمر لأربعة عقود، بعيداً عن هذا، يمكن القول بكل ثقة أن الأحزاب الشيوعية في العالم الثالث لم تكن يوماً شيوعية حقاً طالما انحصر عملها في النضال ضد الامبريالية وهو ما تطلب تصليب الوحدة الوطنية وتغييب الصراع الطبقي، الذي هو العمل الوحيد المميز للشيوعيين، ليحل محله الدعم الفعلي والثابت للبورجوازية الوطنية المعادية للإمبريالية وهذا ليس من طينة العمل الشيوعي. كان على هذه الأحزاب أن تعوض عن غياب العمل الشيوعي الذي هو الصراع الطبقي تحديداً بين صفوفها، أن تعوضه بالثقافة الشيوعية غير أنها قصرت في ذلك تقصيراً مروّعاً ويعود ذلك لثلاثة أسباب وهي .. أولاً، تدني المستوى الفكري للقيادات التي لم تبذل جهوداً ملموسة في التعلّم خاصة وأن القضية الوطنية شاغلتها وحولتها إلى مجرد ممتهنين للسياسة؛ ثانياً، كانت تلك القيادات تسخر من الأعضاء في أحزابها الذين ينحون إلى دراسة النظرية الماركسية دراسة جادة ومعمقة حتى شاع وصفهم بالمنظرين من باب الهزء والسخرية؛ ثالثاً، العلوم الماركسية تقوم على جملة من القوانين الطبيعية والاقتصادية عسيرة الفهم ودراسة مؤلفات ماركس يلزمها حرفية عالية لا تتوفر بغير أهل الاختصاص. لكل هذا تجد الفكر السياسي على العموم حتى في أوساط المثقفين والنخبة في درك وضيع مزر. وبالنتيجة فإن هذه الأحزاب ليست شيوعية على الصعيد العملي ولا على الصعيد الفكري. لكل ذلك كان هروب هذه الأحزاب من انهيار المشروع اللينيني إلى الليبرالية والإصلاحية دون أن تغشى وجوههم حمرة الحياء والخجل. يرفعون اليوم شعار التعددية وتداول اتلسلطة !! لكن هل يعلم هؤلاء القوم الجهلة، وذوو الوجوه التي لم يعد فيها ماء الحياء، أن التعددية وتداول السلطة تعني أول ما تعني تعايش الطبقات والذي لا يتم إلا من خلال استغلال الطبقة العاملة ــ ليس ثمة تعايش طبقي بدون استغلال الطبقة العاملة. كيف لشيوعي أن يتضمن برنامج حزبه تعايشاً طبقياً !؟ ألا تعني الشيوعية أول ما تعني إلغاء الطبقات !؟ انقلب هؤلاء الساقطون من محررين للطبقة العاملة إلى مستعبدين لها.
ما يستوجب تأكيده لهؤلاء الهاربين من انهيار المشروع اللينيني هو أنهم إنّما يهربون إلى الفراغ، بل هم يعرفون ذلك ولذلك احتفظوا باسم " الشيوعي " وإلا لكانوا قد استغنوا عنه. التعددية وتداول السلطة اللتان اتخذوهما شعاراً لهما تغطية لإفلاسهم السياسي لن يقوما في بلدان لا تنتج ما تحتاج وليس فيها طبقات تبلورت تماماً عبر وسائل إنتاج مختلفة.

(4) الفرقة الرابعة الهاربة من انهيار المشروع اللينيني هي الفرقة التي أعلنت دون مواربة طلاقها للماركسية وتأسلمت. يبرر هؤلاء طلاقهم بعيوب مزعومة في الماركسية. لم يتعرف هؤلاء القوم على تلك العيوب إلا بعد انهيار الاشتراكية السوفياتية، أو بعد أن بدت علائم الانهيار واضحة عليها. الفقر الفكري يصل إلى مثل هذا المستوى من الفجاجة المستغربة. ماركس لم يكتب حرفاً للتطبيق، كتب منهجاً للبحث والاسترشاد. والاشتراكية السوفياتية إما أن تكون قد استرشدت بالمنهج الماركسي أو لم تسترشد. في الخمسينيات برزت قيادة سوفياتية جديدة تؤكد أن التطبيقات الاشتراكية السابقة (الستالينية) لم تسترشد بماركس واقترفت أخطاء كثيرة، وتعهدت القيادة السوفياتية الجديدة بتطبيقات معاكسة تماما؛ وتحدث بعضهم آنذاك عما سموه اعتباطاً " الاشتراكية المؤنسنة " وكأنما هناك اشتراكية غير مؤنسنة كالاشتراكية الستالينية. إذاً هناك اشتراكيتان سوفييتيتان متعاكستان تماماً، اشتركية ما قبل الخمسينيات يقابلها اشتراكية ما بعد الخمسينيات. القفز عن هذه الحقيقة الصارخة والتي توقف عندها العالم كله طويلاً ما بين 1956 حين دوّى تقرير خروشتشوف السري في كل أرجاء العالم و 1964 حين سقوطه، القفز عن هذه الحقيقة الصارخة إنما هو ضرب من ضروب مكر البورجوازية الوضيعة وهي أمكر الماكرين. إن كان علينا تبرئة البورجوازية الوضيعة من كل مكر فعليها عندئذٍ أن تبرهن على استرشاد اشتراكية ما بعد الخمسينيات بماركس استرشاداً وثيقاً كي يصار إلى السكوت بداية عن عيوب الماركسية المزعومة والقبول ببحثها. غير أن الادعاء بأن اشتراكية ما قبل الخمسينيات هي التي لم تسترشد بالماركسية فهو لا يبرر الانهيار الكبير لاشتراكية ما بعد الخمسينيات وخاصة إذا ما قورنت بالنجاحات الباهرة لاشتراكية ما قبل الخمسينيات.
وطالما أن الشيء بالشيء يذكر فإننا نذكر في هذا السياق الكاتب الفرنسي المعروف روجيه غارودي الذي تأمسح (تظاهر بالمسيحية) بعد أن طرده الحزب الشيوعي بسبب أفكاره حول مسألة الردع النووي المتبادل وأثره في تغيير مسار التاريخ، وقد ردّ على ذلك القرار الخاطئ بأنه سيبقى يكرس حياته من أجل قضية الشيوعية النبيلة والنضال دون هوادة ضد الامبريالية، فذهب إلى تفسير هذيان رؤيا يوحنا في الإنجيل تفسيراً مادياً تقدمياً من أجل تشكيل فرق قتالية ضد الامبريالية من المسيحيين المؤمنين؛ وجاءت إحدى هذه الفرق إلى الأردن وشاركت الجبهة الشعبية في مواجهتها مع الجيش الأردني فيما يسمى بأيلول الأسود عام 1970. ثم تأسلم في الثمانينيات من أجل أن يتزوج فتاة مسلمة ويفسر القرآن تفسيره لرؤيا يوحنا داعياً المسلمين إلى الانخراط في النضال ضد الإمبريالية. روجيه غارودي الذي كتب أفضل ما كتب في الفلسفة المادية وقانون الحركة العامة في الطبيعة دفع به قسراً لأن يتأمسح ويتأسلم كي يبقى مناضلاً لخير ورفاه البشرية

(5) الجنس الخامس من الساقطين الذين لا تجمعهم جامعة مع الهاربين حيث أنهم لا يشكلون اتجاهاً طارداً للعمل الشيوعي كما هي الأجناس الأخرى وخاصة الأحزاب الشيوعية التي تحولت إلى وطنية ولم تتفكك بعد، وهو يضم الشيوعيين الذين كانوا قد تخلوا نهائياً عن سلاح النقد والنقد الذاتي، السلاح الوحيد لحراسة الفكر الشيوعي، وأخذوا يؤمنون بالاشتراكية السوفييتية إيمان المسيحيين ببولص الرسول الذي لم يرسله أحد آخر غير روما الكولونيالية. أصيب هؤلاء الساقطون بالارتباك الشديد جرّاء انهيار الاشتراكية المفاجئ لهم وبلغ ارتباكهم حد الإنجماد حتى أنهم عجزوا عن الهروب إلى أي جهة، تسمّروا مكانهم مع عجز كلي في تفسير أسباب الانهيار

ما يلفت الانتباه بقوة في هذا الموضوع هو أن جميع الساقطين الهاربين من انهيار مشروع لينين في الثورة الاشتراكية العالمية يشنون حملة هوجاء على باني المشروع الذي أهاجهم انهياره وهو يوسف ستالين. يدعي هؤلاء بأن ستالين ترك الاتحاد السوفياتي دولة تفتقد لأسباب الحياة. هذا إدعاء ليس باطلاً فقط بل ومثيراً للسخزية حقاً. حيث أمام الغول النازي الهتلري تحطمت امبراطوريات استعمارية عظمى مثل فرنسا وبريطانيا وما كانت لتستعيد حريتها إلا بفضل الجبروت السوفياتي ورفع راية المنجل والشاكوش فوق الرايختساغ الهتلري الذي توعد باستعباد العالم لألف عام. واليابان المعسكرة ما كانت لتستسلم للولايات المتحدة إلا بعد أن تحطمت جيوشها البرية في منشوريا على أيدي الجيش الأحمر. وفي فبراير شباط 1945 أملى ستالين على الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشيرتشل النصوص التي يريدها في ترسيم خارطة أوروبا. وفي خمس سنوات فقط 1946 ـ 1951 استطاعت القيادة السوفياتية إعادة إعمار الاتحاد السوفياتي لأفضل مما كان عليه قبل الحرب بينما فشلت دول غرب أوروبا أن تنجز ذلك خلال عشر سنوات رغم أن ما طالها من تهديم لا يقاس مع ما طال الاتحاد السوفياتي ورغم المساعدات الأميركية الضخمة لها بموجب مشروع مارشال. في 6 نوفمبر 1956 أنذر الاتحاد السوفياتي دول العدوان الثلاثي، بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، بأن توقف عدوانها على مصر عند منتصف تك الليلة وإلا ستقصف عواصمها بالصواريخ العابرة للقارات، فكان أن خضعت تلك الدول للإنذار بعد أن عبّرت الولايات المتحدة عن عجزها في مجابهة الإنذار. وفي 23 تموز يوليو 1958 أنذر الاتحاد السوفياتي الولايات المتحدة وبريطانيا بوجوب سحب قواتهما من لبنان والأردن خلال أيام وإلا اضطر إلى " حماية حدوده الجنوبية " وفسر ذلك المراقبون أن حماية الحدود كانت تعني احتلال كل من إيران وتركيا. خضعت الولايات المتحدة وبريطانيا للإنذار ووسطتا عبد الناصر كصديق للسوفييت ليجعل مدة الإنذار شهرين وليس أياماً معدودة. بمثل هذا الجبروت ترك ستالين الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي الذي كان يشكل في الخمسينيات حوالي ثلث المعمورة. في العام 1963 حين كان خروشتشوف يتبجح بأن الاتحاد السوفياتي سيسبق الولايات المتحدة في الانتاج منسوباً لكل نسمة لم يكن أحد في العالم يخطر بباله انهيار الاتحاد السوفياتي سواي حين قرأت تقرير خروشتشوف إلى مؤتمر الحزب الثاني والعشرين في العام 1961 وأكدت لرفاقي في السجن أن الاتحاد السوفياتي سينهار في العام 1990، وسوى ستالين حين خاطب الهيئة العامة للحزب في مؤتمرها التاسع عشر في العام 1952 مشيراً إلى رفاقه في قيادة الحزب بالقول .. " ليس هؤلاء من سيوصلونكم إلى الشيوعية ". في خمسينيات القرن الماضي ورغم أن جبروت دولة العمال السوفياتية تجلى بأروع صوره كان ما زال انهيار الدولة ماثلاً للعيان لدى الماركسيين اللينينيين الحقيقيين وذلك لأن طبقة البورجوازية الوضيعة كانت ما زالت واسعة وعريضة في المجتمع السوفياتي ومنها العسكر والفلاحون أعداء الإشتراكية بحكم تقسيم العمل. وما يتوقف عنده الباحث في هذا السياق هو أن المشروع الخماسي الذي أقره مؤتمر الحزب في نوفمبر 1952 بحضور ستالين وألغته القيادة في سبتمبر 1953 بغياب ستالين وبصورة غير شرعية ومخالفة للنظام، كانت تنحو لتفكيك طبقة الفلاحين والحد من العسكرة، لكن خروشتشوف جاء ليطلق العنان للعسكرة وليغني طبقة الفلاحين !!

يتعلل عامة الساقطين الهاربين في أن الاتحاد السوفياتي ما كان ليسقط لو تواجد في قيادته شيوعيون أفذاذ مثل لينين بعد رحيل ستالين. ليس ثمة أدنى اعتراض على هذا التعليل خاصة وأنه يتضمن اعترافاً لا شبهة فيه بأن ستالين هو اللينيني الفذ الذي عبر بالمشروع مختلف التجارب الصعبة دون أن يفشل لمرة واحدة. بل إن ستالين نفسه خالجه مثل هذا التعليل. وهنا نسأل هؤلاء الساقطين الهاربين لماذا لم يكن هناك مثيل للينين أو شبيه له عند رحيل ستالين !؟ الجواب الوحيد لدى هؤلاء الساقطين الهاربين هو أن ستالين عمد إلى التخلص من جميع الذين نافسوه على زعامة الحزب. القائلون بمثل هذه التخرصات الرخيصة يعتقدون أن ستالين لم يكن لديه قضية اجتماعية سياسية، قضية الشيوعية، سابقة على أولوية شخصيته وبمثل هذا الابتذال بدأ خروشتشوف هجومه على ستالين ــ وقد اعترف متأخراً بأنه أخطأ في ذلك. كرس ستالين كل حياته لتأسيس وبناء دولة العمال الأولى في التاريخ فكان يعمل في مكتبه لست عشرة ساعة يومياً دون انقطاع ولم يوفر أي وقت لحياته العائلية مما تسبب بانتحار زوجته. ولتكذيب مثل هذه التخرصات المبتذلة نشير إلى أن ستالين كان قد قدم استقالته من منصب الأمين العام للحزب خمس مرات طيلة فترة قيادته التي استمرت لثلاثين عاماً ــ المرة الأولى في العام 1924 عندما قرئت رسالة لينين الموصوفة بالوصية إثر رحيله، والثانية في العام 1927 لذات السبب، والثالثة في العام 1941 إثر شعوره بالتقصير في مواجهة العدوان النازي، والرابعة والخامسة في العام 1952 عندما ناشد الهيئة العامة لمؤتمر الحزب التاسع عشر أن تحيله على التقاعد لأن شيخوخته لم تعد تساعده على القيام بالعمل المطلوب. ثم من كان لينافس ستالين الذي كان أعظم قادة العصر كما رآه تشيرتشل !؟ وهل من المعقول من يكرس كل حياته لقضية الشيوعية أن يسعى لقتل نظرائه ممن يكرسون حياتهم لخدمة ذات الهدف !؟ وكيف يميز هؤلاء السادة الساقطون أن قادة الحزب الذين أعدموا زمن ستالين لم يكونوا خونة يستحقون الإعدام خاصة وأنهم ىجيعاً حوكموا علانية بحضور المراسلين الأجانب وسفراء الدول الغربية خاصة وأن التعذيب كان محظوراً بموجب القانون في المعتقلات السوفياتية !؟ جميع هؤلاء المشار إليهم كمنافسين لستالين حوكموا علانية وما زالت سجلات محاكماتهم في الأرشيف خاضعة للمراجعة وليس مثل محاكمة بيريا السرية وإعدامه حالاً بحضور خروشتشوف نفسه وهو ما يعتقده البعض ومنهم مولوتوف بأن خروشتشوف كان شريكاً لبيريا في جريمة تسميم ستالين وقتله.

ننتهي هنا بالاعتذار من القراء عن التكرار الممل، كما يلاحظ بعض القراء، لسرد الحقائق أعلاه فطالما أن السادة الساقطين الهاربين من انهيار المشروع اللينيني، كما في أصنافهم أعلاه، يعمهون في هروبهم، يتوجب علينا أن نعيد ونكرر كل ما يساعدهم على الوقوف على حقيقة لا يجوز بحال من الأحوال تجاوزها وهي أنه بدون التحقق من الأسباب الحقيقية لانهيار المشروع اللينيني عبثاً يناضل المناضلون من أجل التحرر والتقدم الاجتماعي خليك عن بناء الاشتراكية. القول بأن السبب هو ستالين إنما هو خدمة لأعداء الاشتراكية المتمثلون بصورة خاصة في طبقة البورجوازية الوضيعة وهي الطبقة التي اغتصبت السلطة بعد رحيل ستالين فهوت بأعظم دولة في العالم إلى الحضيض دون أن تبالي. ومن هنا فإنني أناشد المتثاقفين الذين لديهم استعداد للتخلي عن انتمائهم الطبقي أن يعودوا لمناقشة أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي وهي الشرط المسبق لرسم خارطة طريق التقدم الاجتماعي والتحرر والديموقراطية الحقيقية وما عدا ذلك فهو رياء ونفاق.



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لينين باقٍ في التاريخ
- الإسلام كما القومية لا يمتلكان فكراً
- رسالة إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني
- شبح الشيوعية لم يعد يحوم في السماء
- عن أي يسار يكتب كتبة اليسار !؟
- مواجهة مع أحد المرتدين
- نهاية إقتصاد السوق
- رفيقنا الشيوعي الأميز علي الأسدي
- ليست الأخطاء هي التي أفشلت الاشتراكية
- العمل الشيوعي في عالم خارج التاريخ
- في نقد الإشتراكية السوفياتية
- من الديموقراطية إلى الشيوعية
- خيانة الاشتراكية وانهيار الإتحاد السوفياتي
- دور النقد في انهيار الرأسمالية
- المثقفون وسقوط التاريخ
- اللغو البغو تلغيه وقائع التاريخ
- نذر الكارثة الإقتصادية تقرع طبولها
- الإفساد بالأدلجة
- نقد فظ لشيوعي ناعم
- ماذا عن وحدة اليسار


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - الساقطون الهاربون من انهيار مشروع لينين