|
أهي -ديمقراطية- أم -دينقراطية-؟!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3618 - 2012 / 1 / 25 - 14:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"الديمقراطية"، بقضاياها وقِيَمِها ومبادئها، وبما يتفرَّع منها، ويُشْتَق، من مفاهيم كمفهوميِّ "الدولة المدنية" و"العلمانية"، هي الآن، أو من الآن وصاعداً، مدار جَدَلٍ عربيٍّ جديدٍ، أكْسَبَهُ "الربيع العربي"، وفي تونس ومصر على وجه الخصوص، أهمية عملية ثورية لم نعرفها من قبل؛ والمُجَادَل في أمْرِها، هذه المرَّة، هو "الإسلام السياسي" الذي دانت، أو شرعت تَدِين، له السلطة، من طريق "صندوق الاقتراع (الشَّفاف)"، الذي جاء، هذه المرَّة، من رَحْم "الربيع العربي".
وفي مُهِمَّة، تُشبْه في استعصائها خروج المرء من جلده، يتوفَّر (أو سيتوفَّر) ممثِّلو وقادة "الإسلام السياسي"، وفي مقدَّمهم جماعة "الإخوان المسلمين"، والأحزاب التي تَسْتَحْدثها هذه الجماعة للاشتغال بالسياسة، على تقويم التناقض بين "الإسلام" و"الديمقراطية (بقيمها ومبادئها العالمية، الغربية الأصل والمنشأ)"، مستفيدين، في هذا الصَّدد، وبقَدْر الإمكان، من تجربة حزب أردوغان في تركيا.
من قَبْل، توفَّر الحاكمون باسم الدِّين، أيْ باسم الإسلام، في عالمنا العربي، و"أهل الفكر والقلم" من ذوي المصلحة في خدمتهم، على إنتاج فِكْرٍ (بعضه سياسي) تُحَرَّم فيه "الديمقراطية"، وتُلْعَن وتُذَم وتُشَيْطَن، ويُصَوَّر الاستبداد، الذي عاينته شعوبنا، وعانت منه كثيراً، على أنَّه خَيْر نظام حُكْمٍ، أو نظام سياسي، أُخْرِج للناس.
ومع اشتداد حاجة شعوبنا ومجتمعاتنا العربية إلى "الديمقراطية"، شرع بعض المفكِّرين الإسلاميين يَسْعُون إلى مَدِّ جسورٍ بين "الإسلام" و"الديمقراطية" من طريق الاقتطاع والاجتزاء، أيْ من طريق أخْذ ما اعتدُّوه صالحاً من قِيَم ومبادئ الديمقراطية، ولا يَجِدَ له صَدَّاً في الفكر الإسلامي، مؤسِّسين لِمَا أسموه "الديمقراطية الإسلامية"، والتي تُذكِّرنا بمصطلحات "الديمقراطية الاشتراكية"، و"الديمقراطية الشعبية"، و"الديمقراطية الثورية"، و"الديمقراطية الرشيدة المسؤولة"؛ ولقد تصالح بعض من هؤلاء مع "العلمانية"، مُكْتَشِفين خَيْراً دينياً في الفصل بين "الدِّين" و"الدولة"؛ فـ "العلمانية"، على ما كشفوا واكتشفوا، تُخلِّص وتُحرِّر، أيضاً، رجال الدِّين، والدِّين، من قبضة الدولة ورجالها.
باسم الدِّين، حاربوا من قَبْل، وزمناً طويلاً، "الديمقراطية"؛ وإنَّ أخشى ما أخشاه الآن أنْ تُحارَب "الديمقراطية"، التي لا دين لها، ولا جنس، ولا عِرْق، باسم "الشعب"؛ فجماعة "الإخوان المسلمين"، ومعها حزب "النور (السَّلفي)"، في مصر، على سبيل المثال، أو على وجه الخصوص، قد تَسْتَذْرع بـ "إرادة الشعب"، وبفوزها بتأييد وثقة غالبية الناخبين المصريين، لمَسْخ وتشويه وتصغير كثيرٍ من معاني الديمقراطية؛ وهذا ما يُنْبئ به بعضٌ من أقوالهم ومواقفهم التي أدلوا بها، ووقفوها بعد انتصار "صندوق الاقتراع" لهم.
"الديمقراطية" تتضَمَّن، ويجب أنْ تتضّمَّن، "الانتخاب"؛ لكنَّ "الانتخاب" لا يَعْدِل أبداً "الديمقراطية"؛ لأنَّ "الجزء" لا يَعْدِل أبداً "الكل".
ومنسوب الديمقراطية في الانتخاب يتضاءل مع الزَّج بالدين والمال والتعصُّب القبلي والعشائري..، في "الدَّافع الانتخابي" للناس؛ فالضمير الدِّيني، والضمير العشائري، والضمير الذي يُباع ويُشْرى، هي ضمائر ضدَّ الضمير الديمقراطي للناخب؛ فكيف للانتخابات عندنا أنْ تكون متصالحة مع قِيَم ومبادئ الديمقراطية إذا ما كانت إراحة الضمير الدِّيني للناخب هي ما يَحْمِله على إعطاء صوته لكل مرشَّح (فرداً كان أم حزباً) يُقدِّم نفسه على أنَّه "الإسلام"، و"الحلال السياسي إسلامياً"؟!
إنَّ "الانتهازية الانتخابية (والسياسية)" لدى "المرشَّح الدِّيني"، مع تصويت الناخب بما يريح ضميره الدِّيني، هي ما يَجْعَل "صندوق الاقتراع" عندنا عاجزاً عن الإفصاح عن إرادة شعبية تَضْرِب جذورها عميقاً في المصالح والحاجات الواقعية للناس.
في "الديمقراطية"، وبها، يتحسَّن، شكلا ومحتوى، مفهوما "الأكثرية" و"الأقلية"؛ ويتأكَّد أنَّ "الأكثرية" التي يتوفَّر على صُنْعِها "الدِّين" أو "الدَّم" أو "المال" هي خير دليل على ضآلة وزن القيم والمبادئ الديمقراطية في حياتنا السياسية، وفي انتخاباتنا على وجه الخصوص.
"الربيع العربي" لن يَكْتَمِل إلاَّ بالتأسيس لحياة سياسية قوامها أنَّ "الدولة" و"السياسة" هما شأنٌ دنيوي خالص؛ فلا وجه للشبه بين "الديمقراطية" و"الدينقراطية"!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما معنى -انحناء الزمن-؟
-
ما يَسْتَحقُّ الاهتمام في -المبادرة العربية-!
-
دُوَلٌ لنفي الحقوق!
-
-25 يناير-.. ثورة بدأت ولم تنتهِ!
-
-المستقيم- في فضاءٍ مُنْحَنٍ
-
-سَدُّ الذرائع- إذ أصبح سياسة فلسطينية!
-
شيءٌ من -فلسفة التاريخ-
-
شَرُّ البليَّة ما يُضْحِك!
-
-الزمن- إذا -تمدَّد-!
-
أسئلة تثيرها -الأزمة السورية-!
-
مِنْ أوجه -الأزمة- في -الربيع العربي-!
-
مِنَ -الكوزمولوجيا الدينية- إلى -الديانة الكوزمولوجية-!
-
-إيران الشمشونية- قَيْد الصُّنْع!
-
تسمية خادعة ل -استئناف المفاوضات-!
-
-القصور الذاتي- في -فضاءٍ مُنْحَنٍ-
-
الديمقراطية الطوباوية!
-
الفضاء -الآخر- Hyperspace*
-
معنى -النجاح- في مهمَّة -المراقبين العرب-!
-
كيف نفهم -الكون-
-
-معارِضون- يجب نبذهم!
المزيد.....
-
إسرائيل.. اليهود المتشددون يصعدون ضد الخدمة العسكرية
-
المرشد الأعلى الإيراني يعين مسئولين سابقين في مجلس الدفاع ال
...
-
على خلفية رفض تجنيدهم في الجيش الإسرائيلي.. الزعيم الروحي لل
...
-
قوات الاحتلال تعتقل 12 مواطنا من محافظة سلفيت
-
أسوأ يوم في تاريخ المسجد الأقصى!
-
أسوأ يوم في تاريخ المسجد الأقصى!
-
عالم دين سني يطالب الأمة بالإستشهاد بطريقة الامام الحسين (ع)
...
-
خبيرة دولية: الحوار بين الأديان أصبح أداة لتلميع صورة الأنظم
...
-
رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإثيوبيا: الجزيرة صوت ال
...
-
الاحتلال يبعد مفتي القدس عن المسجد الأقصى لمدة 6 أشهر
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|