|
-معارِضون- يجب نبذهم!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3583 - 2011 / 12 / 21 - 17:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"الربيع العربي" هو، في الجوهر والأساس من معناه، ثورة (شعبية) ضدَّ "الاستبداد"، الذي هو، في السياسي الضيِّق من معناه، استبداد الحاكم، أو الحُكْم، أو الحكومة؛ لكنَّ "الاستبداد"، ثقافةً وتربيةً وسلوكاً، أوسع وأشمل وأعمَّ؛ وإنِّي لأراه واضحاً جليَّاً في كثيرٍ من قوى وأحزاب وقادة وشخوص المعارَضة (العربية) لحُكَّامنا المستبدِّين.
إنَّنا، وعلى وجه العموم، لم نتوصَّل حتى الآن، وحتى في مناخ "الربيع (الشعبي الثوري الديمقراطي) العربي" إلى إنشاء وتطوير معارَضة عربية يَجْتَمع فيها، أيْ في خطابها وشعارها ومطلبها وقادتها وشخوصها، العداء للاستبداد والعداء لأعدائنا القوميين، وفي مقدَّمهم إسرائيل وحليفها الدولي الأعظم، أيْ الولايات المتحدة (القوَّة الإمبريالية العظمى في العالم).
وشَرْحاً وجلاءً لهذا الأمر، أقول إنَّ قوى المعارَضة العربية، وفي غالبيتها، أو قسمها الأكبر، إمَّا أنَّها من جنس الحاكم المستبِد نفسه، تُناصِب "الديمقراطية"، بقيمها ومبادئها العالمية، عداءً، كثيره مستتر، وقليله ظاهر، وإمَّا أنَّها من جنس "ليبراليةٍ"، تتصالح مع "مواقف قومية" تعود بالنفع والفائدة على أعدائنا القوميين، وفي مقدَّمهم إسرائيل والولايات المتحدة؛ فَلْتَدْرأ شعوبنا عن "ربيعها الثوري" شرور "المُستَبدِّين" و"الليبراليين" من قوى المعارَضة العربية.
"المعارَضة المُسْتَبِدَّة" نراها، على وجه الخصوص، في "اليسار القومي"، وفي "اليسار الشيوعي (الستَّاليني)"؛ فـ "اليسار القومي"، ولجهة مواقفه الحقيقية من "الديمقراطية"، ومن "الآخر"، جماعةً ورأياً وفكراً، ينتمي، قَلْباً وشعوراً ومَيْلاً وثقافةً، إلى "الفاشية"، وإنْ ظلَّ يساريَّ القالِب؛ أمَّا في عدائه لأعدائنا القوميين فَلَمْ يَعْرِف من طرائق وأساليب هذا العداء إلاَّ ما جَعَلَه منهزِماً منكسِراً قومياً؛ كما لم يَعْرِف من "الثقافة القومية"، ومن "ثقافة الصراع القومي"، إلاَّ ما جَعَلَه "شوفينياً" في موقفه العام من الجماعات القومية الأخرى في بلادنا العربية.
ولقد فَهِم "اليسار القومي" الصراع ضدَّ الاستعمار والإمبريالية، أيْ ضدَّ الغرب الاستعماري والإمبريالي، على أنَّه صراعٌ (أو عداءٌ) يُحلَّلُ فيه "الاستبداد"، أيْ الحاكم القومي المُسْتَبِد، وتُحرَّم "الديمقراطية"، بقيمها ومبادئها العالمية؛ وهذا "التحريم" جُمِّل وحُسِّن، مَظْهَراً، بما أسموه "الديمقراطية الشعبية"، التي في واقعها وممارستها نُفِيَت "الديمقراطية"، وسُحِق "الشعب"، وعُظِّم "الحاكِم" تعظيماً يسمو به عن البشر.
أمَّا "اليسار الشيوعي" فَلَمْ يَفْهَم "الدولة" و"الطبقة" و"الصراع الطبقي" و"الحزب" و"الديمقراطية" إلاَّ بما يُوافِق "المَسْخ الستَّاليني" لآراء ووجهات نظر ومواقف ماركس، فبدت "الماركسية"، بمسخها الستَّاليني، فكراً وعقيدةً ونظريةً لـ "الاستبداد"، أو "الحُكْم الشمولي"، الذي فيه، وبه، حلَّ "الحزب" محل "الطبقة"، وحلَّت "اللجنة المركزية" محل "الحزب"، وحلَّ "الأمين العام" محل "اللجنة المركزية"، فعمَّت وانتشرت "عبادة الفَرْد" في "عالَم الشيوعية"، بدوله وأحزابه كافَّةً.
ومع سقوط وانهيار الاتحاد السوفياتي، وأشباهه من نُظُم الحكم في أوروبا الشرقية، وثُبوت وتأكُّد إفلاس "الشيوعية"، أي "الستَّالينية"، تحوَّل كثيرٌ من "الرِّفاق" إلى "ليبراليين (جُدُد)"، فغَدوا للفساد (بكل وبأسوأ صوره وأشكاله) مَصْدَراً وجنوداً وقادةً وأقلاماً وألسنةً..
وهؤلاء في عِزِّ "نهارهم (وزمنهم) الأحمر"، لَمْ يَفْهَموا، ولَمْ تكن لهم مصلحة في أنْ يَفْهَموا، "بديل الرأسمالية (من الوجهة التاريخية)" على أنَّه (من الوجهة السياسية) احْتِفاظٌ بكل القيم والمبادئ الديمقراطية (التي جاءت بها الرأسمالية) وإضافةٌ إليها في الوقت نفسه؛ فهذا البديل لن يكون بديلاً يحظى بشرعية التاريخ إذا لم يكن متفوِّقاً، في الديمقراطية، على الرأسمالية.
إنَّني أفهم "الربيع العربي" على أنَّه "الإنسان العربي الجديد"، الجيِّد ديمقراطياً، الجيِّد قومياً، الجيِّد أممياً، الجيِّد إنسانياً؛ ولن يكون جيِّداً في كل هذه الأبعاد والمعاني إلاَّ إذا تحرَّر، في الوقت نفسه، من "المعارَضة المُسْتَبِدة"، ومن "المعارَضة الليبرالية" التي لا تنتصر لـ "الحقِّ الديمقراطي" إلاَّ لتُفَرِّط في "الحقِّ القومي".
الثورة ضدَّ الاستبداد يجب أنْ تكون أيضاً ثورة للشباب العربي ضدَّ "المُسْتَبِدِّ الآخر"، الكامن في كثيرٍ من قوى المعارَضة، وقادتها وشخوصها؛ والثورة من أجل الديمقراطية يجب أنْ تكون أيضاً ثورة للشباب العربي ضدَّ "الليبراليين الجُدُد" الذين إنْ حَكَموا فلن يحكموا إلاَّ بما يعطي شعوبنا من الحقوق الديمقراطية ما يمسخ ويُقزِّم ويُبدِّد حقوقها وقضاياها القومية.
وها نحن نرى، وفي عِزِّ "الربيع العربي"، "يساريين قوميين وشيوعيين" يخونون شعوبهم وأُمَّتهم، منتصرين للحكومات المستبدَّة، بدعوى العداء لإسرائيل والإمبريالية؛ كما نرى "ديمقراطيين" و"ليبراليين" يعادون حكوماتنا المستبدَّة؛ لكن بما يجعلهم خَوَنَة للحقوق والقضايا القومية العربية، و"حصان طروادة" لنفوذ أعدائنا القوميين، وفي مقدَّمهم القوَّة الإمبريالية العظمى في العالم، وإسرائيل؛ وكأنْ ليس لشعوبنا وأُمَّتنا الحقَّ في أنْ تجعل "ربيعها الثوري" حرباً على "الاستبداد"، بصفة كونه عدوها الداخلي اللدود، وحرباً، في الوقت نفسه، على قوى الهيمنة الإمبريالية والإسرائيلية، بصفة كونها عدوها الخارجي اللدود؛ وإنِّي لأرى فَرْقاً في "الدرجة" لا في "النوع" بين هذا العدو وذاك!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الإصلاح- في الأردن.. طريق أخرى!
-
-فلسطين- في -الربيع العربي-!
-
اقرأوا هذا الكِتاب!
-
-الموت- و-الحياة-!
-
-ديمقراطية- أم -فسادقراطية-؟!
-
-اللحظة الضائعة- في ثورة مصر!
-
العقل المُثْخَن بجراح -التعصُّب-!
-
-الدكتاتور المثالي- في -مرافعته الإعلامية-!
-
الجريدة اليومية في عصر جديد!
-
حضارة الجوع!
-
-رودوس- التي تتحدَّى -الإسلام السياسي-!
-
-الإسلاميون- و-الدولة المدنية-
-
-نبوءة- مبارك!
-
حقيقة الموقف الإسرائيلي من -الربيع العربي-
-
وفي الشتاء.. عادت الثورة المصرية إلى ربيعها!
-
قراءة في -فنجان بشار-!
-
في -الإصلاح- في الأردن.. هكذا يُفَكِّر الملك!
-
وللجيوش العربية نصيبها من -الربيع العربي-!
-
عرب 1916 وعرب 2011
-
بديل بشَّار.. نصفه فولتير ونصفه بيسمارك!
المزيد.....
-
فساتين النجمات في حفلات صيف 2025: بين الأناقة والتمرّد على ا
...
-
مراسلة CNN تضغط على ترامب بشأن الاجتماع المحتمل مع بوتين
-
البرغوثي يعلق على خطة غزة التي أعلنها نتنياهو
-
ماذا كشف نتنياهو بخطة غزة الجمعة؟.. إليك ما نعلمه ولا نعلمه
...
-
مفاوض سابق عن خطة احتلال غزة: من الصعب نجاحها وستكون باهظة ا
...
-
لماذا تقود السعودية حملة دولية للاعتراف بدولة فلسطينية؟
-
رفيقك الوفي.. كلبك قد يعيد لك توازنك ويخفف من الضغوط والتوتر
...
-
وزير الهجرة اليوناني يشيد بتراجع أعداد الوافدين بعد شهر من ت
...
-
فيدان: ناقشت مع الشرع تعميق التعاون والقضايا الأمنية
-
حكم قضائي رابع يوقف أمر ترامب بمنع منح الجنسية الأميركية بال
...
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|