|
-الإصلاح- في الأردن.. طريق أخرى!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3582 - 2011 / 12 / 20 - 13:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إنَّ أحداً من المنادين بـ "الإصلاح السياسي" في الأردن، ومن المؤمنين بأهميته وضرورته، لا يُجادِل في حاجتنا، وفي اشتداد حاجتنا، إلى "الحكومة التمثيلية"، أيْ التي تُمثِّل الشعب، وتكون صادقة في تمثيلها له، والتي تؤلِّفها الغالبية الحزبية البرلمانية؛ لكنْ ثمَّة مَنْ يُعَبِّر عن عدائه لهذا "الإصلاح" بأنْ يتساءل في دهشة واستغراب قائلاً: "أين هي الأحزاب السياسية التي يُعْتَدُّ بها حتى يصبح ممكناً قيام مثل هذه الحكومة؟!".
ولَمَّا كان الشيء بالشيء يُذْكَر تذكَّرت قصَّة الرَّجل البخيل الذي ابتاع حماراً، فَقَتَّر عليه، ولم يُطْعِمه إلاَّ بما يكفي لتقصير عُمْرِه، فلمَّا مات، قال في ألَمٍ وحسرة: "بعدما تعوَّد قِلَّة الأكل مات جوعاً"!
ليس من الأهمية في شيء أنْ تَسْأل "هل لدينا (الآن) حياة حزبية؟"؛ كما ليس من الأهمية في شيء، أيضاً، أنْ تُجيب قائلاً "كلاَّ، ليس لدينا"؛ فإنَّ السؤال الذي ما زالت إجابته تتحدَّانا هو "لماذا ليس لدينا (حتى الآن) حياة حزبية؟".
إنَّنا لا نُنْكِر، وينبغي لنا ألاَّ نُنْكِر، أنَّ "الحياة السياسية" لدينا لا يمكن تمييزها من "الموات الحزبي"، وأنَّ أحزابنا عشائر، وعشائرنا أحزاب؛ لكن، هل من طريقٍ، إذا سِرْنا فيها، نَصِل إلى "الحياة الحزبية"، التي كلها "حياة"، والملوَّنة، فكرياً وسياسياً، بألوان "قوس قُزَح"؟
أجيب قائلاً، أجَلْ، ثمَّة طريق؛ وكل ما يعوزنا إنَّما هو أنْ نجرؤ على السَّيْر فيها.
هذه الطريق تبدأ، ويجب أنْ تبدأ، من "رأس الدولة"، من المَلِك، أيْ من حيث تتركَّز السلطة الفعلية في المملكة؛ وإنَّها تبدأ بقرارٍ، بموجبه، يُحلُّ البرلمان بمجلسيه، وتُحلَّ الحكومة، ويذهب الوزراء إلى بيوتهم، ويؤلِّف القصر حكومة انتقالية، أعضاؤها من ذوي الاختصاص، لتسيير الأمور، وتصريف الأعمال، فحسب، ويُعْلَن (مع تأليف هذه الحكومة) بدء "مرحلة انتقالية"، تدوم سنة، أو أكثر، يؤسَّس فيها لـ "الملكة الثانية".
وفي هذه "المرحلة الانتقالية"، يُقام "بَرْزَخٌ ملكي" بين "الحياة السياسية" للشعب، أفراداً وجماعات، وبين "الجهاز الأمني"، أيْ يُفْصَل فصلاً تماماً بين "الأمن" و"السياسة"، ويُحْظَر على الأجهزة الأمنية كافة أنْ تمارِس أي نشاط "أمني ـ سياسي"؛ فلا يعود لـها من سلطان على حياة المواطنين السياسية، ويُمارِس المواطنون حياتهم السياسية، بكل معانيها وأوجهها، وكأنْ لا وجود لـ "الجهاز الأمني".
وتُطْلَق، في هذه المرحلة، الحرِّيات السياسية كافَّة، وفي مقدَّمها حرِّية التعبير، بكل أوجهها ودرجاتها، وحرِّية تأسيس وتكوين الأحزاب والجمعيات السياسية (وغير السياسية).
وينبغي لنا أنْ نَفْهَم "الحراك الشعبي"، مع حقِّ الاعتصام، على أنَّه "قوَّة سياسية جديدة"، جاءنا بها "الربيع العربي"، الذي هو الآن قَيْد التحوُّل إلى "مَثَلٍ عالميٍّ أعلى"؛ فهذا الحراك لا يَعْدِل الأحزاب السياسية، وإنْ شاركت فيه، وانضمت إليه، أحزاب ومنظَّمات سياسية.
كل مجموعة من المواطنين يحقُّ لها، في "المرحلة الانتقالية"، أنْ تؤسِّس لها حزباً، أو ما يشبه الحزب؛ ولا خوف على حياتنا السياسية من كثرة وتكاثر الأحزاب؛ فالمنافسة السياسية والحزبية هي وحدها الطريق إلى تحوُّل "الكثرة" إلى "قِلَّة"، و"الشتات" إلى "تَركُّز".
ومع نهاية المرحلة الانتقالية التي أنتجت ما أنتجت من أحزاب وقوى وجماعات سياسية، يُدْعى الشعب إلى انتخاب "مجلس تأسيسي" للمملكة الثانية، فيتولَّى هذا المجلس وَضْع دستور جديد، ونظام انتخاب جديد؛ فيُقَرُّ هذا وذاك في استفتاء شعبي، فتُجْرى انتخابات برلمانية؛ ثمَّ تنبثق من البرلمان الجديد حكومة الغالبية الحزبية البرلمانية التي يحقُّ لها، عندئذٍ، أنْ تَزْعُم أنَّها تمثِّل الشعب (في طريقة تأليفها، وفي ما تتمتَّع به من سلطات وصلاحيات السلطة التنفيذية).
إنَّ "الإرادة الحُرَّة للشعب (أو الأُمَّة)" هي عبارة تَفْقِد كثيراً من معناها الحقيقي إذا ما حِيِلَ بين الشعب وبين "الأسلوب الأفضل" لكشف الإرادة السياسية الحقيقية للشعب، والإفصاح عنها، وإذا لم تُتَرْجَم، في "السلطة التنفيذية"، بما يَجْعَل الحكم ممثِّلاً صادقاً لهذه الإرادة.
وهذا "الأسلوب الأفضل"، لجهة أهليته لكشف الإرادة السياسية الحقيقية للشعب، هو جَعْل الدولة كلها دائرة انتخابية واحدة، يُصَوَّتُ فيها للقوائم الحزبية، ويُحْفَظ لكل فَرْد حقُّه في الترشُّح، على أنْ يُمثِّل هذا الفَرْد مجموعة (ولو صغيرة) مِمَّن يحقُّ لهم الاقتراع، وتَمْلُك هذه المجموعة "هوية سياسية"، يُعَبَّر عنها ولو في ورقة واحدة تشتمل على ما يشبه "البرنامج (الانتخابي) السياسي".
هذه الطريق إنَّما هي اقتراح أعْلَم أنْ لا وزن له إذا ما قِسْناه بميزان "مصالح الممسكين بزمام حياتنا السياسية"؛ ومع ذلك يبقى اقتراحاً مفيداً في تمييز إصلاح من إصلاح، وفي إظهار وتأكيد أنَّ "الربيع العربي" في الأردن ما زال في أوَّله.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-فلسطين- في -الربيع العربي-!
-
اقرأوا هذا الكِتاب!
-
-الموت- و-الحياة-!
-
-ديمقراطية- أم -فسادقراطية-؟!
-
-اللحظة الضائعة- في ثورة مصر!
-
العقل المُثْخَن بجراح -التعصُّب-!
-
-الدكتاتور المثالي- في -مرافعته الإعلامية-!
-
الجريدة اليومية في عصر جديد!
-
حضارة الجوع!
-
-رودوس- التي تتحدَّى -الإسلام السياسي-!
-
-الإسلاميون- و-الدولة المدنية-
-
-نبوءة- مبارك!
-
حقيقة الموقف الإسرائيلي من -الربيع العربي-
-
وفي الشتاء.. عادت الثورة المصرية إلى ربيعها!
-
قراءة في -فنجان بشار-!
-
في -الإصلاح- في الأردن.. هكذا يُفَكِّر الملك!
-
وللجيوش العربية نصيبها من -الربيع العربي-!
-
عرب 1916 وعرب 2011
-
بديل بشَّار.. نصفه فولتير ونصفه بيسمارك!
-
إيران.. هل أزِفَت ساعة ضربها؟
المزيد.....
-
مصر.. صورة مبنى -ملهوش لازمة- تشعل سجالا واستشهادا بهدم كنيس
...
-
حصري لـCNN.. نجمة يوتيوب -السيدة راشيل- ترد على انتقادات دعم
...
-
في إيران.. بحرينية تستكشف كهفًا ينبت فيه الشَّعر احتار العلم
...
-
إسرائيل تقرّ خطة للسيطرة على مدينة غزة
-
الولايات المتحدة تزيد مكافأة القبض على مادورو إلى 50 مليون د
...
-
-قمة سلام تاريخية-.. ترامب يستضيف زعيمي أرمينيا وأذربيجان
-
قفزة نوعية في الذكاء الاصطناعي.. أوبن إيه آي تطلق التحديث ا
...
-
-كمين- في ريف بنسلفانيا.. مسلح يقتل جارته ويصيب شرطيين
-
لماذ يقلل الخبراء الروس من أهمية لقاء بوتين-ويتكوف في موسكو؟
...
-
لماذا يكره -نبي الجغرافيا- أميركا وأوروبا إلى هذا الحد؟
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|