أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جواد البشيتي - حضارة الجوع!














المزيد.....

حضارة الجوع!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3568 - 2011 / 12 / 6 - 14:02
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


الجوع هو وحش العولمة الذي يفترس فقراء العالم, أي غالبية البشر؛ فهل من قلة أم من كثرة في الغذاء يجوع العالم?

الرأسمالية, اليوم، حرة طليقة, لا رادع يردعها, ولا ضديد يوازنها, فـ "يؤنسن" ما تيسر من "وحشيتها"؛ وهي تُرينا، في وضوح أكثر من ذي قبل، تناقضها المنافي للعقل؛ فمن فيض في الغذاء, يُنْتَج, ويعاد إنتاج, الجوع الجماعي ـ العالمي, وكأن العالم لا يُنْتِج من الغذاء ما يكفي لتلبية حاجة البشر كافة إليه إلا ليجوع أكثر!

الإحساس (البشري) بالجوع هو, في معنى ما, أصل الحضارة؛ فهذا الإحساس هو الأقوى بين أحاسيس الإنسان لجهة دفع صاحبه إلى العمل, والتعلم, والإبداع. إنَّ خشية الإنسان (بوصفه جزءا لا يتجزأ من جماعة بشرية) من الجوع وعواقبه المختلفة, ومن الموت جوعا, هي ما حملته, وتحمله, على العمل, والتعلم, والإبداع.

على أن البشر اليوم, حيث الرأسمالية المنفلتة, بـ "وحشيتها الجينية", من عقالها هي التي تمسك بقبضة من فلاذ (تلبسها قفازا ناعما من حرير هو "الديمقراطية") بخناق العالم, انتزعت من أياديهم كل الوسائل التي بها يمكنهم "إنتاج شبعهم", فارضةً عليهم, من ثم, أن يستنفدوا جل وقتهم وجهدهم في البحث عن "الرغيف", وأشباهه, فشرعت "شمس الحضارة" تغرب عن غالبية البشر؛ فكيف للحضارة أن تشق لها طريقا إلى حياة هؤلاء إذا ما انتفى من يومهم "وقت الفراغ", الذي بوجوده واتساعه, تحضر الحضارة, وإذا ما أصبح الجهاد اليومي, وعلى مدار الساعة, في سبيل الحصول على "الرغيف" هو الذي يستبد بهم, تفكيرا وشعورا وعملا?!

إنني لم أرَ من قضية يتركز فيها الفقر الأخلاقي والإنساني والحضاري للحكومات والحكام والدول.. كمثل قضية الفقر؛ لقد استنفدوا جهدا فكريا وأكاديميا عظيما من أجل تعريف "الفقر", وإنشاء وتطوير معايير ومقاييس له, واكتشاف أنواعه وأنماطه, وضم ظاهرته, أو ظواهره, إلى العلم, منطقا ومنهجا; ولكن من غير أن يوفَّقوا; لأن ليس لهم مصلحة في أن يوفَّقوا, في مكافحته, وقهره, ومنع استشرائه.

الفقر ليس قدرا, وليس بالظاهرة التي يمكن إلباسها لبوس الحتمية التاريخية, أو النظر إليها مع أسبابها على أنها فطرة الطبيعة التي فطر الناس والمجتمعات الإنسانية عليها. إنه كبرى الجرائم المنظَّمة, ومَصْدر كل شر اجتماعي وأخلاقي وسياسي; وإنه الجريمة التي تعدل شرط بقاء لمرتكبيها, الذين منهم (ومن أجلهم) يظهر المنادون بمكافحة الفقر, الذي كلما كافحوه, بأساليبهم وطرائقهم, استشرى واستفحل, وكأنهم, في سعيهم لمكافحته, يريدون قتل البعوض بعوضة بعوضة مع الإبقاء على المستنقع.

الفقراء, الذين, سنويا, يموتون بالملايين جوعا, وبسبب أمراض الفقر, أين يعيشون؟

إنهم يعيشون في عالم ينتج من الغذاء أكثر كثيرا مما يستهلك, أي أنهم يعيشون في عالم الوفرة الغذائية; ومع ذلك يحاصر الجوع والمجاعة مئات الملايين من البشر!

إنها الظاهرة ذاتها.. ظاهرة "الغزارة في الإنتاج (الغذائي) والظلم في توزيعه", فالرأسمالية, ومهما سعوا في أنسنتها, مع أنها, في العولمة, وبالعولمة, تميل إلى مزيد من الوحشية, لا تبقى إلا بالإبقاء على الفقر والفقراء, فالفقر مع كل منتجاته الاجتماعية والسياسية والروحية, هو خير مجال تستثمر فيه المال والسلطان والنفوذ, فالمناداة برأسمالية بلا فقر وفقراء إنما تشبه المناداة بعالم كله فضيلة ولا أثر فيه للرذيلة!

بالفقر, والإفقار, يخلقون بشرا على مثال مصالحهم الفئوية الضيقة, ويشددون الميل لدى كثير من الناس المهدَّدين بالموت جوعا إلى التخلق بأخلاق العبيد, ويجعلون البشر وقودا لحروبهم, التي يشحنونها بكل عصبية تعمي الأبصار والبصائر, وتُلِّون الجريمة بلون الفضيلة, ويسلِّعون كل ما ينبغي لنا تنزيهه عن التسليع كالمبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية, فتزدهر تجارة الذمم والضمائر والعقائد والمواقف.. والمقالات.

حتى الدين يتجر به حيث ينتشر الفقر, ويتركز الفقراء, فيؤوَّل ويُفسَّر بما يوافق مصالح فئوية ضيقة, أو بما يشحن السياسة, قولا وفعلا, بوحشية تضاهي الوحشية السياسية للقوة الإمبريالية العظمى في العالم.

وحتى مشاعرنا الإنسانية نستثمرها في الفقر, وكأنها من النمط الذي يزول إذا ما زال الفقر والفقراء, فالجائع نبحث عنه لنطعمه يوما ولو جاع بعد ذلك دهرا; والفقير نتصدق عليه بما يكفي من المال لجعله فقيرا إلى الأبد, منجبا لنا مزيدا من الفقراء.

ويكفي أن نطعم ذاك, ونتصدق على هذا, حتى ننعم برضا النفس, وكأن البر والإحسان هما كل ما يمكننا, وينبغي لنا, عمله في سبيل مكافحة الفقر, الذي, في ثقافتنا, نفهمه على أنه ظاهرة طبيعية حتمية قدرية, لا محل لها بين الظواهر التاريخية, فالمجتمع الإنساني ولد مع أغنياء وفقراء, ولسوف يظل في حاله تلك إلى الأبد; وكل ما يمكنا عمله لا يتعدى الإحسان إلى الفقير, والتصدق عليه!

لقد حان لنا أن ننظر إلى الفقر على أنه كبرى الجرائم التي نرتكبها, أفرادا وجماعات وحكومات, في حق من نزعم أنهم أخوة لنا, بحسب هذا المعيار أو ذاك من معايير الأخوة, وأن ننظر إلى جزء كبير, أو إلى الجزء الأكبر, من مالنا الحلال على أنه حق للفقير, اغتصبناه في طرائق وأساليب شتى, فالفقر لا يتحدانا على أن نكافحه بما أوتينا من فضيلة البر والإحسان, وإنما يتحدانا على جعله جزءا من الماضي الوحشي للإنسانية, فالعالم الذي تحتاج إليه الإنسانية الحقة للإنسان إنما هو العالم الذي لا فقر فيه يولد أغنياء, ولا غنى فيه يولد فقراء!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -رودوس- التي تتحدَّى -الإسلام السياسي-!
- -الإسلاميون- و-الدولة المدنية-
- -نبوءة- مبارك!
- حقيقة الموقف الإسرائيلي من -الربيع العربي-
- وفي الشتاء.. عادت الثورة المصرية إلى ربيعها!
- قراءة في -فنجان بشار-!
- في -الإصلاح- في الأردن.. هكذا يُفَكِّر الملك!
- وللجيوش العربية نصيبها من -الربيع العربي-!
- عرب 1916 وعرب 2011
- بديل بشَّار.. نصفه فولتير ونصفه بيسمارك!
- إيران.. هل أزِفَت ساعة ضربها؟
- كيف تفهم الولايات المتحدة -الربيع العربي-؟
- اكتشفوا أنَّ -الربيع العربي- ليس -ثورة-!
- أردوغان التونسي!
- -البحرين- بميزان -الربيع العربي-!
- -الحركة الطبيعية- و-الثلاثية الهيجلية-!
- رسالتان متزامنتان!
- هذا هو جسر الانتقال إلى الديمقراطية!
- وفي القصاص حياة!
- في الأردن.. إصلاحٌ يحتاج إلى إصلاح الحراك!


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جواد البشيتي - حضارة الجوع!