|
شَرُّ البليَّة ما يُضْحِك!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3608 - 2012 / 1 / 15 - 15:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إنَّ أحداً ممَّن ليس لديهم مصلحة في الحياد عن الموضوعية في النَّظر إلى الأمور، وفي معاندة الحقائق التي يكشفها ويُظْهْرِها ويؤكِّدها، في استمرار، واقع الصراع المحتدم في سورية بين الشعب المنتفض الثائر وبين نظام حكم بشار الأسد، والذي تخطَّى فيه الطرفان نقطة اللاعودة، لا يُنْكِر فَشَل محاولة الحل العربي لـ "الأزمة السورية"، والتي تُرْجِمَت، واقعياً وعملياً، حتى الآن، بإرسال بعثة المراقبين العرب؛ وكأنَّ هذه البعثة لم تأتِ، ولم تَعْمَل، إلاَّ لتُثْبِت وتؤكِّد عجز جامعة الدول العربية عن فِعْل أيِّ شيء يُعْتَدُّ به لحل هذه "الأزمة"، ولرَفْع منسوب الثِّقة، سوريَّاً وعربياً ودولياً، بجدوى الجهود والمساعي العربية في هذا الشأن.
أمَّا شَرُّ البَليَّة الذي يُضْحِكُ فهو إبداء بعض المتوفِّرين على طَبْخ الحلول العربية الاهتمام ببحث ودراسة اقتراح إرسال قوَّة عسكرية عربية إلى سورية لوضع حدٍّ لإراقة (أو لإراقة مزيدٍ من) الدماء، وكأنَّ طَلَبَ مزيدٍ من الفشل، وبَذْل مزيدٍ من المحاولات الفاشلة، هما كل ما تستطيع فعله وعمله جامعة الدول العربية، التي قادها عَجْزها إلى الإيمان بمعجزة "أنْ تتمخَّض المحاولة الفاشلة نفسها، إذا ما تكرَّرت، عن نتائج مختلفة، أو عمَّا يجعلها ناجحة"؛ وها هو الواقع يتحدَّاهم الآن أنْ يقيموا الدليل على أنَّ العاجِز عن أنْ يَقْفِز ولو قَفْزة صغيرة يستطيع "القَفْز الطويل (أو العالي)"، حتى لا نقول "الطَّيران"!
إنَّهم لم يستطيعوا إعداد وتجهيز بعثة من المراقبين لتُراقِب، على ما يُفْتَرَض، التزام، أو مدى التزام، نظام الحكم السوري تنفيذ كل ما تضمَّنته "المبادرة العربية"، توصُّلاً إلى جَعْل الطرفين يخوضان الصراع بوسائل وطرائق وأساليب تنتفي باللجوء إليها، والأخذ بها، الحاجة إلى "حماية المدنيين (الثائرين على نظام حكم بشار)"؛ فاكتشفوا أنَّ "الحلَّ" يَكْمُن في "حَجَرٍ أكبر"، يُمْسِكون به، ويَقْذِفونه؛ وكان هذا "الحَجَر" هو اقتراح إرسال "قوَّة عسكرية عربية"، تَنْتَشِر وتَعْمَل بما يَجْعَل المتظاهرين ضدَّ نظام حكم بشار في أمْنٍ وأمانٍ، ويسمح للحراك الشعبي السِّلْمي المتعاظِم والمتَّسِع، بفضل التزام نظام الحكم السوري "التي هي أحْسَن" في خوض الصراع، بـ "إقناع" القابضين على زمام الحكم بالجنوح إلى حلٍّ نهائي لـ "الأزمة" من طريق التفاوض (ولو ألبسوه لبوس "الحوار") الذي يسمح بإعادة السلطة المُغْتَصَبة إلى أصحابها الشرعيين، أيْ إلى مَنْ يحقُّ له حيازتها، وهو الشعب.
كان "التوقُّع الواقعي"، أيْ الذي تُجيزه "حقائق الواقع"، هو أنْ تُعْلِن جامعة الدول العربية فشل سعيها ومحاولتها، وإعادة المراقبين العرب إلى بلادهم، وأنْ تقرِّر، من ثمَّ، اجتياز "الهُوَّة السحيقة" كما يجب أنْ تُجْتاز، أيْ بقفزة واحدة، وليس خطوةً خطوةً؛ فإذا بها تختار "الهروب إلى الأمام" حلاًّ، وكأنَّ خشيتها من إعلان، أو من عواقب إعلان، فشلها، هي ما ألْهَمَها، وزيَّن لها، اقتراح إرسال "قوَّة عسكرية عربية" إلى سورية؛ وعلى المدنيين في سورية أنْ يَصْبِروا ويُثابروا، ولو ثَبَر (أي هلك) منهم الآلاف؛ فإنَّ "جيشاً عربياً" يُعَدُّ ويُجهَّز، ولسوف يَصِل إليهم، ولو آجلاً، ويذود عن حقِّهم في الصراع السِّلْمي لنَيْل حقوقهم (الإنسانية والسياسية والديمقراطية)!
كانوا يعتزمون الاستعانة بالأمم المتحدة في تحسين أداء وعمل المراقبين العرب؛ لأنَّ عجزهم شدَّد لديهم الميل إلى إرجاع الضَّعْف الذي أظْهَرته وأكَّدته بعثة المراقبين العرب إلى "أسباب فنِّية" في المقام الأوَّل؛ فإذا أعانتهم الأمم المتحدة على سَدِّ "النواقِص الفنِّية" نجح المراقبون العرب في تأدية العمل، وإنجاز المهمة؛ لكنَّهم سرعان ما تخلُّوا عن هذا الاقتراح الذي رأى فيه نظام الحكم السوري أوَّل التدويل.
والآن، يعتزمون، على ما يبدو، إنفاق مزيدٍ من الجهد والوقت في دراسة الاقتراح الجديد (إرسال قوَّة عسكرية عربية) وتَفَحُّص جدواه، وفي استجماع التأييد له، عربياً، فإذا تواضَعَت الدول العربية على الأخذ به، وتشاورت في أمره مع نظام الحكم السوري، شرعوا يُعِدُّون لهذا الأمر الجديد عُدَّته؛ وليس بالأمر ذي الأهمية عندهم أنْ يَفْهَم نظام الحكم السوري موقفهم هذا على أنَّه مزيدٌ من الوقت يُمْنَح له عربياً لسفك مزيدٍ من دماء المتظاهرين ضدَّه، توصُّلاً إلى حَسْم الصراع لمصلحته بالحديد والنار.
وإنِّي لمتأكِّد أنَّ إرادة غربية تكمن في هذا السعي العربي الذي لن ينزل برداً وسلاماً على الشعب السوري، وثورته، وكأنَّ شعارهم هو "إذا لم تستطعْ إغاثة ونصرة المقموع، فانضمَّ إلى القامِع في قَمْعِه"!
الغرب (وفي مقدَّمه الولايات المتحدة) ليس لديه الآن من المصالح ما يسمح له بأنْ يَقِف من الثورة السورية موقِفاً يبدو فيه منتصِراً لـ "المبادئ"؛ فـ "المبادئ" لا تَصْلُح إلاَّ إذا كانت متصالحة مع مصالحه؛ وهي الآن ليست متصالحة معها.
أمَّا ذريعته فهي "العرب ما انفكوا يحاولون؛ والروس والصينيون ما زالوا يمانعون؛ وعلى الشعب السوري أنْ يرى في موقف الغرب هذا "تعليلاً" و"اعتذاراً"!
وإنَّها "الضَّارة" التي فيها تَكْمُن "النافعة"؛ فإنَّ ثورة الشعب السوري لن تكتسب مزيداً من الزخم والقوَّة والأهمية الثورية إذا لم تُطلِّق ثلاثاً أوهام "التعريب" و"التدويل"، وتمضي قُدُماً إلى الأمام، معتمدةً على نفسها، فعَظَمة الثورة تتأتَّى من عصاميتها، وإنْ أتتها بمزيدٍ من المعاناة.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الزمن- إذا -تمدَّد-!
-
أسئلة تثيرها -الأزمة السورية-!
-
مِنْ أوجه -الأزمة- في -الربيع العربي-!
-
مِنَ -الكوزمولوجيا الدينية- إلى -الديانة الكوزمولوجية-!
-
-إيران الشمشونية- قَيْد الصُّنْع!
-
تسمية خادعة ل -استئناف المفاوضات-!
-
-القصور الذاتي- في -فضاءٍ مُنْحَنٍ-
-
الديمقراطية الطوباوية!
-
الفضاء -الآخر- Hyperspace*
-
معنى -النجاح- في مهمَّة -المراقبين العرب-!
-
كيف نفهم -الكون-
-
-معارِضون- يجب نبذهم!
-
-الإصلاح- في الأردن.. طريق أخرى!
-
-فلسطين- في -الربيع العربي-!
-
اقرأوا هذا الكِتاب!
-
-الموت- و-الحياة-!
-
-ديمقراطية- أم -فسادقراطية-؟!
-
-اللحظة الضائعة- في ثورة مصر!
-
العقل المُثْخَن بجراح -التعصُّب-!
-
-الدكتاتور المثالي- في -مرافعته الإعلامية-!
المزيد.....
-
قبل قمة ترامب وبوتين.. زيلينسكي يطرح 5 مبادئ لـ-مفاوضات السل
...
-
الكأس السوبر الأوروبية: باريس سان جرمان يحرز اللقب بفوزه على
...
-
نتنياهو ينكر مجددًا وجود مجاعة في غزة.. وحماس تدعو إلى -مسير
...
-
غرامة بـ110 آلاف دولار لسائق ملياردير في سويسرا.. ما السبب؟
...
-
خلال استقباله لاريجاني.. رئيس وزراء لبنان يوجه -رسائل حازمة-
...
-
رئيس أركان إسرائيل من جنوب لبنان: غيّرنا الواقع الأمني
-
محادثات في برلين تسبق قمة ترامب وبوتين بألاسكا
-
غياب الأغلبية في الكنيست يؤجّل التصويت على تمديد أوامر استدع
...
-
رسالة “الجمل” لشباب الجامعة العمالية: قاوموا اليأس ودافعوا ع
...
-
-تعاون في حدود السيادة-.. قراءة في زيارة لاريجاني إلى لبنان
...
المزيد.....
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|