|
الديمقراطية الطوباوية!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3590 - 2011 / 12 / 28 - 14:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا ديمقراطية بلا انتخابات؛ فإنْ شككتم في الأمر فاسألوا الأمم والمجتمعات العريقة في الديمقراطية؛ لكن هل من انتخابات بلا ديمقراطية؟
إنَّ ما عَرَفْناه في عالمنا العربي من تجارب انتخابية (وما أكثرها) يقيم الدليل المُفْحِم على أنَّ "الانتخابات المنزوعة الديمقراطية" ممكنة؛ لا بل هي "الواقعة"، أيْ ما حَدَثَ ووُجِد (في لغة فلسفية).
ويكفي أنْ تَحْضُر الانتخابات في غياب الديمقراطية (التي إنْ قلَّ عدد الديمقراطيين في المجتمع هبط منسوبها) حتى يَسْتَبِدَّ بإرادة الناخب (التي ينبغي لها، في الأصل، أنْ تكون حُرَّة، أيْ مقيَّدة بما هو مُقْتَنِع به) المال (السياسي ـ الانتخابي) أو الانتماء الديني أو العصبية (التعصُّب) المنافية للديمقراطية كالعصبية القبلية والعشائرية.
وهذه المفاسِد الثلاث التي تتكالب على "صندوق الاقتراع"، أيْ تتواثب عليه كما تَفْعَل الكلاب، تَعْظُم شأناً وتأثيراً، مع غياب الحياة الحزبية، أو ضآلة (وتضاؤل) وزن الأحزاب في حياة المجتمع السياسية، ومع شيوع ظاهرة "المرشَّح الفَرْد" بفضل نظام وقوانين الانتخاب؛ فهذا المرشَّح، وإذا ما شاعت ظاهرته، هو نَزْعٌ لـ "السياسة" من "الانتخاب".
ولكل مَنْ التبس، ويلتبس، عليهم الأمر، أقول إنَّ "الديمقراطية" تَتَضَمَّن "انتخابات"؛ لكنَّها لا تَعْدِل "الانتخابات"؛ فما أكثر الانتخابات عندنا، وما أقلَّ الديمقراطية؛ وكلَّما كَثُرت، وتكاثرت، انتخاباتنا، ضَؤلَت، وتضاءلت، ديمقراطيتنا، على افتراض أنَّ لها وجوداً في الأساس من حياة مجتمعنا السياسية (ومن حياته على وجه العموم).
"الديمقراطية"، بكل أوجهها وقيمها ومبادئها، هي "مَطْلَب" مجتمعنا، وإنْ لم تَجْهَر به إلاَّ قِلَّة قليلة من أبنائه؛ فالمجتمع، وعى ذلك أم لم يعِ، يحتاج إليها احتياج الكائن الحيِّ إلى الهواء النظيف، وله مصلحة كبرى فيها؛ أمَّا "الانتخابات (المنزوعة الديمقراطية)" فهي "مَطْلَب (وحاجة)" كل من يَحْكُم من طريق هذا الاغتصاب، أو ذاك، للسلطة (الفعلية) من أيدي أصحابها الشرعيين، أيْ من أيدي مَنْ يحقُّ لهم (وهُمْ الشعب) امتلاكها وحيازتها وممارستها؛ فـ "الشرعية (في الحُكْم)"، والمتأتية من انتخابات تفتقِر إلى الشرعية الديمقراطية، هي اللبوس الذي يلبسه (أيْ ينبغي له أنْ يلبسه) كل مغْتَصِب للسلطة.
إنَّهم ثلاثة أطراف يَلْعَبون "اللعبة الانتخابية": "الشعب"، أيْ جمهور الناخبين الفعليين، و"النوَّاب"، أيْ المرشَّحون الفائزون، و"السلطة الفعلية"، أيْ مغتصبوها.
و"اللعبة" هي أنْ "يَنْتَخِب" الشعب، على أنْ يَنْتَخِب (ولو على وجه العموم) مَنْ لـ "السلطة الفعلية" مصلحة في انتخابه؛ فينتهي "العُرْس الانتخابي" إلى "مأتم ديمقراطي" ما أنْ يرى الشعب ممثليه يديرون له ظهورهم، لا عمل يؤدُّونه، وعلى خير وجه، إلاَّ عمل الخادم لدى "السلطة التنفيذية"، ولو كان المزاوِل لها أصغر وزير؛ أمَّا الذريعة التي يتذرَّع بها "النائب ـ الخادم" فهي خدمة منتخِبيه والتي هي بحكم طبيعتها لا يمكن أنْ تتأتِّي إلاَّ من طريق خدمته السياسية للسلطة التنفيذية؛ فهو يعطي ما لله لله، وما لقيصر لقيصر!
ومن طريق هذه "اللعبة الانتخابية"، والتي تُلْعَب في مَلْعَبٍ ليس من جنس ملاعب الديمقراطية، نَصِل إلى "برلمان"، يَزِن بـ "ميزان التصويت (أو الأصوات)"، عُشْر الوزن الديمغرافي للشعب؛ أمَّا بـ "الميزان السياسي"، أيْ بميزان التمثيل السياسي للشعب، فلا وزن له.
والمهزلة التي تَصْحُب هذه المأساة نراها في حجم ما يمكن تسميته "الأصوات الرَّاسِبة"، أي الأصوات التي أخفق أصحابها في إنجاح مرشَّحيهم؛ فهذا الحجم قد يَعْدِل حجم "الأصوات الفائزة"، أيْ الأصوات التي جاءت بـ "البرلمان".
ولو أرَدَت مقياساً تقيس به منسوب الديمقراطية في التصويت نفسه فما عليكَ إلاَّ أنْ تتفحَّص "الدَّافِع (أو الحافِز) الانتخابي"؛ فليس من دافِعٍ دَفَع الناخب إلى الإدلاء بصوته لمصلحة مرشَّحٍ ما إلاَّ الدَّافع المنافي تماماً للقيم والمبادئ الديمقراطية؛ فهل من وجود لهذه القيم والمبادئ في دوافع يتضافَر على صُنْعِها "المال (السياسي ـ الانتخابي)"، و"الانتماء الديني"، و"التعصُّب القبلي والعشائري"؟!
قُلْ لي ما الذي حَمَلَكَ على التصويت، أَقُلْ لكَ مَنْ أنتَ، من وجهة نظر الديمقراطية.
إنَّ الانتخابات لن تكون ديمقراطية إلاَّ إذا تحرَّر "الدافع الانتخابي"، أيْ ما يَدْفَع الناخب إلى التصويت، من "المال (السياسي ـ الانتخابي)"، و"الانتماء الديني"، و"التعصُّب القبلي والعشائري"؛ لكن، هل من سبيل إلى ذلك في مجتمع ارتضى، وأراد له أسياده، أنْ يظلَّ صحراء قاحلة لجهة صلته بقيم ومبادئ الحياة الديمقراطية، فإنْ خَرَج إلى الاقتراع فلا يَقْتَرِع إلاَّ بما يَضْمَن بقاء السلطة الفعلية في أيدي مغتصبيها، وكأنَّه يَقْتَرِع (أيْ يوقِد) النَّار لتأتي على الأخضر واليابس من حقوقه السياسية والديمقراطية، ومن مصالحه الحقيقية (لا الوهمية)!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفضاء -الآخر- Hyperspace*
-
معنى -النجاح- في مهمَّة -المراقبين العرب-!
-
كيف نفهم -الكون-
-
-معارِضون- يجب نبذهم!
-
-الإصلاح- في الأردن.. طريق أخرى!
-
-فلسطين- في -الربيع العربي-!
-
اقرأوا هذا الكِتاب!
-
-الموت- و-الحياة-!
-
-ديمقراطية- أم -فسادقراطية-؟!
-
-اللحظة الضائعة- في ثورة مصر!
-
العقل المُثْخَن بجراح -التعصُّب-!
-
-الدكتاتور المثالي- في -مرافعته الإعلامية-!
-
الجريدة اليومية في عصر جديد!
-
حضارة الجوع!
-
-رودوس- التي تتحدَّى -الإسلام السياسي-!
-
-الإسلاميون- و-الدولة المدنية-
-
-نبوءة- مبارك!
-
حقيقة الموقف الإسرائيلي من -الربيع العربي-
-
وفي الشتاء.. عادت الثورة المصرية إلى ربيعها!
-
قراءة في -فنجان بشار-!
المزيد.....
-
فساتين النجمات في حفلات صيف 2025: بين الأناقة والتمرّد على ا
...
-
مراسلة CNN تضغط على ترامب بشأن الاجتماع المحتمل مع بوتين
-
البرغوثي يعلق على خطة غزة التي أعلنها نتنياهو
-
ماذا كشف نتنياهو بخطة غزة الجمعة؟.. إليك ما نعلمه ولا نعلمه
...
-
مفاوض سابق عن خطة احتلال غزة: من الصعب نجاحها وستكون باهظة ا
...
-
لماذا تقود السعودية حملة دولية للاعتراف بدولة فلسطينية؟
-
رفيقك الوفي.. كلبك قد يعيد لك توازنك ويخفف من الضغوط والتوتر
...
-
وزير الهجرة اليوناني يشيد بتراجع أعداد الوافدين بعد شهر من ت
...
-
فيدان: ناقشت مع الشرع تعميق التعاون والقضايا الأمنية
-
حكم قضائي رابع يوقف أمر ترامب بمنع منح الجنسية الأميركية بال
...
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|