أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - شيءٌ من -فلسفة التاريخ-















المزيد.....

شيءٌ من -فلسفة التاريخ-


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3609 - 2012 / 1 / 16 - 12:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


التاريخ، في عالمنا العربي، هو الآن قيد الصنع، على أيدي "الربيع العربي"؛ فهل من شيءٍ يَجْدُر بنا قوله في "فلسفة التاريخ"؟

في جملة، قلَّت كلماتها، وغزرت معانيها، أرسى هيجل حجر الأساس لعلم التاريخ، مُجْهِزا على الأساطير والأوهام التي عاثت (زمنا طويلا) فسادا في فهم وتفسير أحداث التاريخ.

في جملته تلك، قال هيجل: "كل الأحداث العظيمة، والشخصيات العظيمة، في التاريخ، تظهر (إذا جاز القول) مرتين".

هيجل فهم "الأحداث العظيمة"، و"الشخصيات العظيمة"، في التاريخ بما يوافق "ثلاثيته الشهيرة"، فقال بضرورة (وحتمية) أن تظهر مرتين؛ ولكن من غير أن يضرب صفحا عن حقيقة أن "المرة الثانية" تشبه "المرة الأولى" في "الشكل"، أو في ما هو أقرب إلى "الشكل" منه إلى "المحتوى (الواقعي الحقيقي)".

أما ماركس فتوفر على إجابة سؤال آخر هو "كيف يُصْنَع التاريخ؟".

لقد فهم ماركس "التاريخ" على أنه شيء يُصْنَع صُنْعا، ويُخْلَق خَلْقْا؛ ولكن ليس من "العدم (التاريخي)"؛ فالبشر هم الذين يصنعون "تاريخهم"؛ وبـ "أيديهم" يصنعونه. أجل بـ "أيديهم"؛ لكن ليس على (أو حسب) هواهم.

"التاريخ"، بحسب وجهة نظر ماركس، يُصْنَع صُنْعا، وهو شيء "قيد الصنع"، وليس بالشيء "المصنوع من قبل"، بقوى غريبة عن البشر، وعن مسرح التاريخ، وكأن لا خيار لدى البشر إلا أن يعملوا، ويفعلوا، ويتفاعلوا، بما يؤدي إلى الحادثة التاريخية، المقرَّرة من قبل، ومنذ الأزل، ومن خارجهم، وجودا وإرادة ووعيا.

حتى "إرادتهم الحرة" لا يمكن فهمها وتفسيرها إلا على أنها، على ما قال نيتشه، جزء من "نظام قدري" لا مهرب لهم منه، فالإنسان "يختار"؛ ولكن بما يقيم الدليل على أن هذا الذي وقع عليه "اختياره" هو نفسه "المقرر له" من قبل.

في قوله "إن البشر يصنعون بأيديهم تاريخهم؛ ولكن ليس على هواهم.."، تخطى ماركس التناقض الزائف والمصطنع بين "الموضوع" و"الذات" في "صناعة التاريخ"، فالبشر لا يصنعون تاريخهم في (ضمن) ظروف يختارونها بأنفسهم. لقد نُقِلَت إليهم مباشرة من الماضي؛ فأدمغة الأحياء (من البشر) محاصَرة دائما بـ "تركة الأموات (الأجيال الغابرة)".

البشر ينشغلون دائما بـ "تغيير" أنفسهم، والأشياء من حولهم؛ ومن هذا "الانشغال" للأفراد والجماعات تبدأ "صناعة التاريخ".

و"كيمياء التاريخ" هي ما يفسر ظاهرة أن صُنْع التاريخ يتمخض، كثيرا، أو على وجه العموم، عن "نتائج" لم يرغب فيها "الصناَّع"، من أفراد وجماعات، ولم تكن على هيئة "أهداف" في خططهم ومساعيهم. وطالما رأينا تلك "النتائج"، أو بعضها، في تضاد مع ما رغب فيه البشر، في أثناء "تغييرهم" لأنفسهم، وللأشياء من حولهم؛ ولكن، مهما كانت "النتائج"، ومهما كانت درجة توافقها أو تعارضها مع ما توقعه البشر، وأرادوه، ورغبوا فيه، وسعوا إليه، فإنها لا يمكن أن تكون غير "الضرورة"، فصُنْع التاريخ لن يأتي أبدا بنتائج لا يسمح بظهورها أو تحققها الواقع الاجتماعي والتاريخي للبشر المتوفرين على صنعه.

في التاريخ، وفي كثير من أحداثه ومنعطفاته وتطوراته الكبيرة والمهمة، نرى، عادة، "الماضي" يحضر في "الحاضر".. حتى "الموتى"، مع كثير من الأشياء التي ماتت، وشبعت موتا، يُسْتَحْضَرون، وكأن حكم الأموات للأحياء، الذين يتوفرون على صنع الحدث التاريخي، لم ينتهِ بعد.

إنه "تناقض" يلازم، عادة، كل حدث تاريخي عظيم، فالبشر المنشغلون بخلق شيء جديد كل الجدة.. بخلق شيء لم يكن له من وجود من قبل، يُبْدون ميلا قويا إلى "استحضار أرواح الماضي"، وكأن الحدث التاريخي الجديد، بمحتواه الواقعي، يحتاج إلى "شكل" يستمد جمالا من "الماضي"، أي مما مضى واندثر وأصبح أثرا بعد عين؛ ولكن "ظلاله"، من فكر، ولغة، وأزياء، وشعارات، لم تفقد بعد نفوذها في عقول وأفئدة الأحياء، صنَّاع الحدث التاريخي، الذي يكتسي جديده، وهو "المحتوى"، بجمال وجلال وهيبة ووقار وقدسية "القديم"، و"القِدَم".

وعندما يُعْرف "السبب"، أي عندما يُفسَّر هذا التناقض، يبطل "العجب"، فالبشر لا يَسْتَحْضِرون الماضي، أو أرواح الماضي، إلا خدمة لمقاصد وأهداف الحاضر، أي خدمة لمقاصدهم وأهدافهم.

ومن أجل ذلك فحسب، نراهم يستعيرون من الماضي الأسماء، والشعارات القتالية، واللغة، والأزياء، فيبدأون العمل، أي عملهم التاريخي، وكأنهم يمثِّلون مسرحية على مسرح التاريخ، فهذا القائد الجديد نراه يرتدي رداء ذلك القائد القديم؛ وهذا الحدث الجديد نراه يلبس لبوس ذلك الحدث القديم، فيجتمع في العمل التاريخي الكبير "الخلق" و"التمثيل".

كَسْو "محتوى" الحدث التاريخي الجديد، أو الذي قيد الصنع، بجمال وجلال وهيبة ووقار وقدسية "القديم" هو عمل، لا يخلو، على أهميته وضرورته الواقعيتين، من الوهم والخداع، فالباحث، في جد وموضوعية وعلمية، في التاريخ، بأحداثه المهمة، وشخوصه الشهيرة، سيقف على أنماط من التفسير والتعليل والفهم غريبة كل الغرابة عن التاريخ، منطقا وواقعا؛ وهذا ما يؤكد أن لكل عصر حقائقه وأوهامه.

إننا، ونحن مشدودين إلى مشاهدة فصول هذه "المسرحية التاريخية"، التي ليست بالأولى ولن تكون بالأخيرة، ننسى أو نتناسى حقيقة بسيطة، هي أن "القيادة" لا تعدو أن تكون "اختراعا" تلده "الحاجة" كما تلد سائر الاختراعات، فالبشر، وفي كل مجالات حياتهم، لم يخترعوا، قط، ولن يخترعوا، أبدا، شيئا لم تشتد حاجتهم إليه من قبل، فالحاجة تظل تضغط، وتفعل فعلها في عقول الناس وقلوبهم حتى تلد على أياديهم "الاختراع"، الذي بفضله يتمكنون من تلبيتها وإشباعها.

إنها "مصادفة" أن يكون اسم هذا القائد العظيم زيد أو عمرو؛ أو أن يولد حيث ولد؛ لكنها "ضرورة" أن يكون، لجهة عمله ومهمته، مشابها لزيد أو عمرو في المحتوى والخواص الاجتماعية والتاريخية.

والقائد وزنه من وزن بلده ومجتمعه وأمته، فالرئيس باراك أوباما يفقد معظم وزنه وأهميته إذا ما "استعارته"، مثلا، "جمهورية أرض الصومال" ليتولى رئاستها.

وانظروا، أيضا، إلى "العقائد"، إذ سطع نجمها وإذ أفل من ثم. كانت تنتصر وتسود وتغلب سواها، ويُقْبِل الناس عليها إقبالا منقطع النظير؛ لأنها تكونت ونمت في رحم حاجاتهم الإنسانية التاريخية؛ ثم ولدت لتلبي وتشبع، على خير وجه، هذه الحاجات. وإذ تبدلت هذه الحاجات دخلت العقائد نفسها (وبسبب نمطها السكوني) في نزاع متزايد مع أجنة الحاجات الجديدة، فأخذت تلقى صدا لها في عقول البشر وأفئدتهم ومشاعرهم ووجدانهم، فاقدة، من ثم، رصيدها الشعبي ومبرر وجودها.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شَرُّ البليَّة ما يُضْحِك!
- -الزمن- إذا -تمدَّد-!
- أسئلة تثيرها -الأزمة السورية-!
- مِنْ أوجه -الأزمة- في -الربيع العربي-!
- مِنَ -الكوزمولوجيا الدينية- إلى -الديانة الكوزمولوجية-!
- -إيران الشمشونية- قَيْد الصُّنْع!
- تسمية خادعة ل -استئناف المفاوضات-!
- -القصور الذاتي- في -فضاءٍ مُنْحَنٍ-
- الديمقراطية الطوباوية!
- الفضاء -الآخر- Hyperspace*
- معنى -النجاح- في مهمَّة -المراقبين العرب-!
- كيف نفهم -الكون-
- -معارِضون- يجب نبذهم!
- -الإصلاح- في الأردن.. طريق أخرى!
- -فلسطين- في -الربيع العربي-!
- اقرأوا هذا الكِتاب!
- -الموت- و-الحياة-!
- -ديمقراطية- أم -فسادقراطية-؟!
- -اللحظة الضائعة- في ثورة مصر!
- العقل المُثْخَن بجراح -التعصُّب-!


المزيد.....




- السعودية.. تركي آل الشيخ يرد على حملة ضده بعد تدوينة -الاعتم ...
- مدى قدرة جيش إسرائيل على بسط سيطرة كاملة في غزة؟.. محلل إسرا ...
- إعلام رسمي إيراني: المعدوم بتهمة التخابر مع إسرائيل كان عالم ...
- إشادة فرنسية أمريكية.. حكومة لبنان تتجه لنزع سلاح حزب الله
- المجلس الأمني الإسرائيلي يقر خطة نتانياهو -للسيطرة على مدينة ...
- دبي .. روبوت في اجتماع رسمي
- حراك شعبي في هولندا دعما لغزة وتنديدا بالمجازر الإسرائيلية
- تحقيق يكشف فظاعات وجرائم ارتكبت بمخيم زمزم للنازحين في دارفو ...
- خمسة مبادئ وانقسام حاد.. تفاصيل قرار -الكابينت- لاحتلال غزة ...
- مصر.. صورة مبنى -ملهوش لازمة- تشعل سجالا واستشهادا بهدم كنيس ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - شيءٌ من -فلسفة التاريخ-