أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمن خضير عباس - فجيعة لغياب آخر














المزيد.....

فجيعة لغياب آخر


رحمن خضير عباس

الحوار المتمدن-العدد: 3574 - 2011 / 12 / 12 - 22:28
المحور: الادب والفن
    


ليس ثمة اكثر ايلاما من رثاء الأصدقاء . هؤلاء الذين اختطفهم الموت . بعد ان طوتهم محن الغربة وأوجاعها سنين طويلة , فما أن تحلم بلقاء بعضهم حتى يأتيك نبأ غيابه ألأبدي وكأنهم زهدوا بالحياة واستسلموا لرحيل ابدي , ناكثين عهودهم في لقاء قريب يضمنا في وطن غادرناه مكرهين , وأقسمنا بأننا سنعود يوما اليه وسننشب أظافرنا في ترابه خشية الضياع . وهاهو مهدي محمد علي يرحل في رقدة ابدية لم يسع اليها, تاركا اوراقا مبعثرة , ومسودات لقصائد لم تٌنجز ومقالات لم تكتمل .هل استسلم لراحة ابدية وهو الذي يضج بالفرح والحياة؟ هل أن جسده النحيل لم يصمد امام اعصار روحه المتوثبة والمشاكسة ؟ والتي تحاول أن تتأنق بالصبر الجميل لتحدي اوجاع الأغتراب القسري الذي قذفه بعيدا عن مهد طفولته . كانت البصرة " جنة بستانه " . احبها بجنون وكأنه يهجس أن طوفانا سيعصف به ويقذفه بعيدا عنها . وهذا ماحصل له ولغيره في اواخر سبعينات القرن الماضي . حيث اجتاحت جحافل التخلف والأقصاء الوطن ومدنه مسلطة شعاراتها الشوفينية المقيتة . وكان اليساريون والمثقفون والشيوعيون اهداف هذه الحملة غير المشرّفة .فتوجهت لهم معاول الهدم والتنكيل والأعتقال والقتل . وكان مهدي واحدا من هؤلاء . قاذفا بنفسه في متاهة صحراء لانهائية . وكأنه يحتمي برمضاء الربع الخالي من قسوة ذالك التسلط المقيت الذي قاد البلد الى هذا الخراب . لقد كانت هذه الرحلة عبر الصحراء قد وُثقت فنيا وشعريا من قبل الشاعرمهدي محمد علي , وكانت مجموعته (رحيل 78 ) حافلة بشجن الرحلة ومخاطرها ومخاوف الضياع . حيث كانت القصائد تلتقط فحوى العنف والقسوة والأقصاء , كما تحمل روح التحدي وانتصار الأنسان على جلآديه . كذالك جاءت قصائد الشاعر عبد الكريم كًاصد الذي شاطر الفقيد مرارة التجربة . وكانت محطات المنفى , والرحيل من بلد الى آخر . وفي كل ذالك كانت الحقائب جاهزة للعودة , التي طالت , واخذت تأكل من العمر أجمل ايامه . وحينما استقر في حلب سمّاها البصرة , وكأنه يريد ان يقنع نفسه أنه مازال في العشار وشط العرب وسوق الهنود .
شكلت الطفولة لدى الشاعر الراحل مهدي محمد علي ابعادا كبيرة , فهي لاتعني البراءة فحسب وانما تعني الحياة بكل معانيها . كما انها تعكس جزءا من زمن جميل مر كالأحلام , وذاب في وقائع مثيرة وعاصفة قتلت بهجته . لقد بقي مهدي طفلا في مشاعره وبرائته واحاسيسه ومشاعره رغم خيوط الشيب التي توجت شعره الجميل . بقي طفلا رغم الغضون التي ترسبت على جبهته .
في عام 1995 وصلتني رسالة منه يذكر فيها " لقد عكفت ثماني سنوات على كتابة مدينتي البصرة .. حولتها الى سطورمكتوبة , اعود اليها عند حاجة الروح وهي عطشى ..فكانت 435 صفحة دفتر . ستظهر قريبا في كتاب يحمل عنوان ( البصرة ..جنة البستان ) ارسم فيها بصرتي خلال 1950 -1960 بالذاكرة الطفولية تحديدا .. "
لقد اعتقدنا أنّ مهدي سينسى البصرة في خضم حياة متسارعة , وفي ظل زمن تراكمت سنواته . غير ان لهاث قصائده يعكس عطَبا لايمكن اصلاحه . يقول في احدى قصائده
" غيرأنك لم تسمعي عند بابي ضجة الروح
والخريف الذي ظل في غرفتي
ساكنا كالغبار
الخريف الذي ظل يتبعني في المنافي "
حينما حدث التغيير , وسقط النظام . اعتقد مهدي بان البصرة ستعود جنة لبستانه . لكنه لم يجد البستان بل وجد خرابا هائلا . فعاد الى منفاه , ليس من خلال الصحراء – كالمرة السابقة - . بل من خلال الروح التي تصحرت , ومن خلال خيبة تراكمت . فعاد الى حلب من جديد وهويجر أذيال الخيبة .
ستبقى يامهدي – يا طفلنا البهي – حيّا في الذاكرة
أوتاوة - كندا



#رحمن_خضير_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكرى العاشرة لرحيل الشاعر عبد الخاق محمود
- شموع كهرمانة وشيزوفرينيا الشعر
- إمرأة من اقصى المدينة
- أنامل ومخالب
- سوق النساء
- جرح ومنفى.. مرارة النأي عن النخل
- الكرة..وولاية الفقيه
- احزان على ضفاف الذاكرة
- ليس دفاعا عن علاوي
- الرجل الوحيد
- درعا تتألق
- فجيعة الغياب
- سيدات الفصول
- بين الشطرة وتارودانت ...... متاهة غربة
- الحجارة الثلجية
- قهوة الروح الجديدة
- شكوك حول الديمقراطية
- من دوّار الؤلؤة الى بنغازي
- الكتاب الأخضر وشجون السلطة
- خريف البطريرك


المزيد.....




- شارك في -ربيع قرطبة وملوك الطوائف-، ماذا نعرف عن الفنان المغ ...
- اللغة الروسية في متناول العرب
- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمن خضير عباس - فجيعة لغياب آخر