أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - عدنان حسين أحمد - الرهان اليساري والعلماني لا يزال قائما















المزيد.....


الرهان اليساري والعلماني لا يزال قائما


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 18:41
المحور: ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
    


الناقد والإعلامي عدنان حسين أحمد . . الرهان اليساري والعلماني لا يزال قائما
1ــ هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟
لم تنبثق ثورات الربيع العربي من فراغ، فثمة أسباب كثيرة يمكن الإشارة إليها والوقوف عندها لعل أبرزها القمع والاستبداد الذي تواجهه الشعوب العربية بمختلف ألوانها وأطيافها وطبقاتها الاجتماعية. وهذا القمع المبرمج الذي كان يؤازره المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية هو الذي مهّد الطريق لنشوء الدكتاتوريات العربية وحافظ عليها على مدى عقود طويلة من الزمن. كما أن تردّي الأوضاع الاقتصادية لعموم طبقات المجتمع العربي قد لعب، هو الآخر، دوراً مهماً في تثوير الشعوب العربية التي تروّضت على مدى العقود الخمسة الماضية في الأقل والتي شهدت دكتاتوريات رصينة وأنظمة مستبدة قامعة تصورت خطأً أنها سوف تكون بمنأى عن هذه الانتفاضات العفوية أو الاحتجاجات العارمة التي هزّت أركان النظام العربي المستبد في عدد من الدول العربية على رأسها تونس ومصر وليبيا واليمن سوريا، وسوف تتواصل في بلدان عربية أخرى بما فيها العراق وبعض دول الخليج وبعض الأنظمة الملكية العربية التي لا تتورع عن قمع شعوبها حتى وإن كانت تتوفر على أوضاع اقتصادية جيدة، لكنها تنسى أو تتناسى أن كرامة الإنسان هي خط أحمر ولا يمكن التجاوز عليه مطلقاً مهما كانت المبررات. وعوداً على جوهر السؤال فيما إذا كانت القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية قد لعبت دوراً مؤثراً في مثل هذه الثورات المليونية الكبرى التي صدمت الأنظمة الاستبدادية وصعقتها إلى الدرجة التي أفقدتها صوابها ورشدها بالكامل، أقول نعم، لقد لعبت القوى اليسارية مثل هذا الدور وأثرّت في الثورات المليونية، لكنها لم تكن لوحدها، ولم تأخذ الطابع الأشمل فيه لأن كل المحللين العرب والأجانب قد اتفقوا إلى حد كبير بأن السبب اقتصادي أولاً وهذا صحيح لو أخذنا (ألبو عزيزي) أنموذجاً، المواطن التونسي الذي حرق نفسه احتجاجاً على اهانته طبعاً وبحثه عن تأمين هاجس الطعام، مضافاً إلى آلية القمع التي طفحت ولم تترك في القوس منزعاً. من هنا فإن دور النقابات العمالية لابد أن يكون مهيمناً على اعتبار أن شريحة الطبقة العاملة في العالم العربي هي من أوسع الشرائح الموجودة فيه، وكذلك الأمر بالنسبة للاتحادات الجماهيرية التي تهيمن، هي الأخرى، على مساحات واسعة من الحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي في العالم العربي. ربما أختلف مع بعض المحللين في رسم أبعاد هذه الظاهرة وأقول إن المفكر الأميركي جين شارب قد لعب دوراً أساسياً في تثوير هذه المظاهرات الاحتجاجية المليونية التي تهدف إلى اسقاط الأنظمة الدكتاتورية وتحويلها إلى أنظمة ديمقراطية كما يجري الآن على الساحة العربية التي تجتاحها الفوضى الخلاقة، لكنها ستتحول في خاتمة المطاف إلى أنظمة ديمقراطية حتى وإن استغرقت زمناً طويلاً لا تتحمله أعصاب المواطن العربي المنهكة. أحيل القارئ الكريم هنا إلى ضرورة قراءة كتاب المفكر جين شارب الذي يحمل عنوان (من الدكتاتورية إلى الديمقراطية) وهو منهاج عمل حقيقي يعين الثوار والمحتجين على كيفية تتبع الخطط المنهجية الكفيلة باسقاط الطغاة والمستبدين أينما كانوا على وجه المعمورة.

2- هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟
لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن الاستبداد والقمع العربيين لا مثيل لهما في المشهد الاستبدادي العالمي الذي يتوفر في قارتي آسيا وأفريقيا على وجه التحديد. وقد لعب الأميركان والغرب الأوروبي، كما أشرت آنفاً، دوراً مهماً في تعزيز هذه الظاهرة خدمة لمصالحهم الاقتصادية والجيوبوليتيكية، وربما يعرف القارئ الكريم جيداً كيف دعمت الإدارة الأميركية الأحزاب الدينية المتشددة التي تمشي إلى الوراء، أي عكس حركة التاريخ، وعززت موقعها في أفغانستان، تثميلاً لا حصراً، ثم انقلبت عليها بعد عقد من الزمان لتشرع في مقاتلتها بطريقة شرسة غير مسبوقة انتهت بقتل زعيمها بن لادن وإلقاء جثته في البحر بطريقة مخالفة للقوانين والأعراف الدولية والإنسانية على الرغم من وحشية بن لادن وإجرامه الذي لا يختلف عليه اثنان ولا يتناطح عليه كبشان! كما عززت أميركا والغرب والأوروبي استبداد رؤساء سابقين من بينهم جمال عبد الناصر، أنور السادات، حسني مبارك، صدام حسين، حافظ الأسد، زين العابدين بن علي ومعمر القذافي، كما عززت وساندت حتى الآن العديد من الأنظمة الملكية التي تقمع شرائح محددة من شعوبها كلما تملمت هذه الأخيرة أو تظاهرت محتجة لأسباب، مع الأسف الشديد، غالبيتها مذهبية دينية، في حين يُفترض أن تحتج هذه الشرائح وتثور لأسباب أكثر عمقاً من الجانب المذهبي الذي يرتبط في مجمله بجوانب خرافية لا تقدّم ولا تؤخر، بينما ينتظر المراقبون للأوضاع السياسية والحراك الاجتماعي والثقافي أن يثور هؤلاء لحقوقهم الأساسية في الجوانب السياسية والثقافية والاقتصادية التي تؤكد إنسانية الإنسان ولا تضعه في مواجهة الجوانب الخرافية التي أكل الدهر عليها وشرب. وهذا ما حدث بالضبط في دولة البحرين الشقيقة التي تظاهر فيها الناس محتجين لأسباب مذهبية تقف وراءها إيران من دون أدنى شك في محاولة يائسة لجر هذه المنطقة الآمنة والمترفة إلى ما لا تُحمد عقباه بغية تحويل انتباه المحتمع الدولي بعيداً عما يجري في جمهورية إيران الإسلامية التي تقمع العرب والكورد والتركمان والبلوش وغيرهم من القوميات الأخرى التي تنضوي الآن تحت الحكم الثيوقراطي الإيراني. وعوداً على بدء فإن هذه الأنظمة الاستبدادية تستطيع أن تحدّ من تأثير القوى اليسارية والديمقراطية لبعض الوقت، لكنها لا تستطيع أن تقمعها لمدة طويلة من الزمن، ولهذا فأنا أدعو رموز هذه الأنظمة القمعية في كل مكان من كرتنا الأرضية لأن يعيدوا النظر في هذا النمط الاستبدادي من الحكم الذي يستطيع من دون شك أن يستمر لعدة عقود، لكنه سوف ينتهي في نهاية الأمر نهاية تراجيدية مروعة ولا حاجة لإيراد بعض الأمثلة لأنها هناك نهايات تراجيدية لا تزال طرية في ذاكرة المواطن العربي أو غير العربي.
3- هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها و ابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟
العالم في كل مكان على وجه البسيطة يتقدّم بخطوات قد تكون متسارعة أو بطيئة، ولكن يجب الانتباه إلى أن هذه الثورات لا تهدف فقط إلى تحقيق مجتمع يساري ديمقراطي حسب، فثمة مجتمعات قد تتجه إلى الخصخصة أو اقتصاد السوق أو أي شكل من أشكال المجتمع الرأسمالي الذي يتململ هو الآخر لأسباب غالبيتها اقتصادية، لكنها تنطوي في داخلها على أسباب إنسانية واجتماعية لها علاقة بحقوق الإنسان وعيشه الكريم وراحته النفسية. وربما يكون من المفيد أن نشير إلى التظاهرة المليونية التي خرجت يوم الأربعاء الماضي المصادف 30 نوفمبر 2011 في لندن وعدد من المدن البريطانية لأسباب لها علاقة مباشرة بالراوتب التقاعدية لموظفي القطاع الحكومي العام، والعمل لمدة أطول وما إلى ذلك، أي أن الجوانب الإنسانية حاضرة بقوة إضافة إلى حضور الجانب الاقتصادي الذي يعد المحرك الرئيس في هذه الاحتجاجات والمظاهرات. إن الدروس العظيمة المُستخلصة من هذه الثورات أو الانتفاضات أو الاحتجاجات على الرغم من عدم دقة هذه التوصيفات هي دروس كبيرة وغاية في الحساسية تدفع القوى اليسارية والديمقراطية إلى الانتباه بأن العالم ليس أحادياً، وأن هناك أضداداً أخرى ينبغي الانتباه إليها لأن هناك بلداناً ثارت لأسباب اقتصادية مثل تونس، أو أن السبب الاقتصادي كان مهيمناً، لكن ليبيا ثارت بسبب القمع واستعمال القوة المفرطة من قبل النظام الهمجي للقذافي ودائرته القبلية والعائلية الضيقة، فيما ثار المصريون للسببين في آن معاً، وهكذا ثار السوريون بسبب القمع وسياسة الحزب الواحد ووحشية الأجهزة الأمنية، أما احتجاجات العراقيين فقد جاءت نتيجة للنقص المروع للخدمات والفساد الإداري والسجناء الذين زجت بهم السلطات لأسباب كيدية وانتقامية وما إلى ذلك، وهناك احتجاجات مذهبية ضيقة كما هو الحال في البحرين والسعودية، واحتجاجات دينية تهميشية كما هو حال الأقباط في مصر. الغريب أن هذه الثورات والانتفاضات والاحتجاجات قد تصب في مصلحة الأحزاب الدينية وهذا حصل في تونس وسوف يحصل في مصر بحسب المؤشرات الانتخابية الأولية. ربما نختلف على موضوع اليسار أو اليمين لأن العالم فيه معسكرات متعددة ولا ضير في أن يكون الشعب هنا أو هناك أو في منتصف المسافة، لكن الشيء المهم أن يتوفر النظام الديمقراطي الذي يمنح مختلف طبقات المجتمع الحق في الثروة والسلطة وأن يضع الجميع على قدم المساواة من دون التفريق بين فئة أو أخرى من فئات المجتمع.
4ــ كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة ؟
الملاحظ أن حظ الأحزاب اليسارية واللبيرالية العلمانية ضعيف جداً كما حدث في ثلاثة بلدان تخلصت بيدها من أنظمتها الدكتاتورية المستبدة وهي تونس ومصر وليبيا حيث هيمنت الأحزاب الدينية بقوة على الرغم من الوعود التي قطعتها على نفسها في عدم قمع العلمانيين والليبراليين واليساريين وما إلى ذلك، ولكن منْ يضمن مثل هذه الوعود التي قد تكون مفخخة وأنها أطلقت لتهدئة النفوس ريثما تتم لهم السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة والحياة في المجتمع التونسي ثم يبدأوا مرحلة القمع ومصادرة الحريات من جديد. ولا يخفى على القارئ الكريم بأن الأخوان المسلمين في مصر الذين لم يبذلوا جهوداً جبارة في الثورة أو الانتفاضة المصرية لكنهم يتقدمون الصفوف في الانتخابات الجارية، كما تقدمت الأحزاب الإسلامية في ليبيا وبدأت بعزف النغمة الأولى لتعدد الزوجات بحجة أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي وأن القادمين الجدد يتمسكون بقواعد الإسلام المعتدل والمتسامح وما إلى ذلك من تصريحات غير مطمئنة تنذر بمستقبل قلق يهدد طبيعة الحياة السياسية والاجتماعية في ليبيا الجديدة. وهذا الأمر لا يختلف كثيراً عما حدث في العراق إذ سيطرت الأحزاب الإسلامية على مقاليد الحكم وحاولت أن تمشي بالمقلوب أيضاً أسوة بالأنظمة الدينية المتخلفة في العالم العربي وشبيهاتها في أفغانستان وإيران والباكستان وغيرها من الدول المتشددة. إن الأحزاب اليسارية، على وجه التحديد، تستطيع أن تشارك في شكل الحكم شرط أن تقدم برنامجاً ثرياً يخدم المواطنين الذين يؤمنون بالفكر اليساري ويضعون ثقتهم فيه، لكن عليهم أن يضعوا في الحسبان أنهم سيقفون بكل تأكيد في مواجهة أحزاب دينية استطاعت أن تجيّش الملايين في مناسبات دينية لا تغني ولا تسمن من جوع، لكنها انجرفت لأنها تضع ثقتها دائماً في موضوعات غيبية لا تحتكم فيها إلى منطق العقل وصوت الحقائق العلمية الدامغة.
5- القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟
إن التنسيق بين القوى اليسارية في الدول العربية هو عملية شاقة وتحتاج إلى تجارب وخبرات كبيرة لا نتوفر عليها، مع الأسف الشديد، في عالمنا العربي، بخلاف الأوروبيين الذين ينشطون في هذا المضمار ولديهم برامج كثيرة يعملون فيها معاً وربما تكون تجربة الاتحاد الأوروبي هي خير مثال لما نذهب إليه، هذا إضافة إلى العديد من البرامج المشتركة العلمية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والصحية وما يتعلق بالحدود والهجرة وما إلى ذلك. لاشك في أن البرامج بين القوى اليسارية في عالمنا العربي سوف توحد الجهود السياسية والتنظيمية وتقرب وجهات النظر بين الشخصيات السياسية الديمقراطية والعلمانية والليبرالية وتساعد على تبادل المعلومات والخبرات والأنشطة والكتب والإصدارات والنشرات والصحف. إن تعدد اللقاءات والاجتماعات الدورية بين القوى الديمقراطية والعلمانية العربية يتيح لها أن تجدد معلوماتها وتختبر توجهاتها الجديدة التي تنضاف إليها كل يوم بوصفها حاضنة تتقبل الأفكار والرؤى الجديدة التي تعمّق من أنشطتهم الفكرية المتواصلة. وبالمقابل ينبغي على هذه القوى أن تواصل العمل ضمن المشاريع القطرية العربية لأن واقع الحال العربي ما يزال مجزّءاً أو يأخذ شكل فضاءات أو كتل كما هو الحال في الفضاء المشارقي أو المغاربي أو الخليجي أو الشامي وهكذا. فالعمل القطري أو ضمن حدود البلد الواحد يجب أن يتعمق ويتواصل بغية تفعيل الحراك السياسي ضمن بقية المسارات الثقافية والاجتماعية والفكرية.
6ــ هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير و آفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية؟
إن قبول القيادات الشابة أو النسائية في الأحزاب والقوى اليسارية أمر لابد منه، بل هو مسألة حتمية يجب على هذه الأحزاب أن تأخذ بها وتتبناها بشكل متواصل. فمهما بلغت القيادات القديمة في الأحزاب اليسارية من تطور وعمق، ومهما حصلت على خبرة وتجربة طويلة فإن الشباب هم القادرون على تجديد دماء هذه القوى اليسارية مع الأخذ بنظر الاعتبار أن خبرات الأعضاء الكبار تظل موضع احترام وتقدير، ويظلون مرجعاً تعود إليه القيادات الشابة كلما دعت الحاجة إلى ذلك. وفيما يتعلق بالنساء فأعتقد جازماً بأن هذا الموضوع يجب أن ينتهي الآن، فليس هناك فرق بين الرجل والمرأة، ويجب على المرأة أن تأخذ حقها وحصتها في مختلف ميادين العمل وهناك آلاف النساء اللواتي يترأسن أحزاب ومنظمات سياسية في معظم بلدان العالم، بل أنهن يقدن بلداناً بكاملها وذكراتنا لاتزال طرية وهي تتذكر أنديرا غاندي وبناظير بوتو وتانسو تشلير وبندرانايكا وكورازون أكينو وسونغ شينغ لينغ (الصين) وإيزابيلا مارتنيز دي بيرون (الأرجنتين) وأغاثا بربارا (مالطا) وسابين بيرغمان_بول (ألمانيا الشرقية) ونينو بورجانازده (جورجيا) ومن الشخصيات النسوية التي تقود حالياً بلداناً مهمة مثل براتيبها باتيل (الهند) وكريستينا فرنانديز دي كيرشنر (الأرجنتين) وروزا أتونباييفا (قره غيستان) وديلما روسيف (البرازيل) وداليا غريباو سكايتي (ليتوانيا) وعاطفة يحيى آغا (كوسوفو) وأنغيلا مريكل وعشرات الأسماء الأخرى التي لا يمكن ذكرها في هذا المجال. وقد أثبتت القيادات النسوية، ليس على صعيد الحكم حسب، وإنما في كل مجالات الحياة الأخرى بأن المرأة متمكنة جداً من أداء المهمات التي تسند إليها مهما كانت كبيرة. أنا أعتقد من وجهة نظري المتواضعة بأن القوى اليسار العربي بحاجة ماسة إلى العناصر النسوية التي سوف تضيف دماءً جديدة لتهشيم آلية التلقي القديمة التي يتسيّد فيها الرجل على المرأة. ويجب أن نعمل على وفق المبدأ القائل بمساواة المرأة مع الرجل في كل الأشياء وأنا واثق ثقة كبيرة بأن واقع الحال سوف يتغير نحو الأفضل.
7- قوي اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟
لا أظن أن قوى اليسار وحدها هي التي تدافع عن حقوق المرأة ومساواتها بالرجل لأن العالم كله تقريباً لم يعد يحتمل هذه التفرقة القائمة على الجنس (ذكر وأنثى). العالم الغربي يضمن للمرأة أشياء كثيرة، وكما ذكرت في إجابتي السابقة أن المرأة في عدد كبير من بلدان العالم تحتل الموقع الرئاسي أو منصب رئيس الوزراء، هذا إضافة إلى شغْلِها لكل المناصب الأخرى في الدولة وهناك أدلة دامغة تثبت هذا الكلام. إن ما نحتاجه في الأحزاب والقوى اليسارية العربية والعالمية أيضاً هو إعطاء كل ذي حق حقه. خذ الحكومات العراقية التي تعاقبت منذ احتلال العراق وحتى يومنا فسوف تجد أن كل الأحزاب قد همشت المرأة وأقصتها من المناصب المهمة في الدولة العراقية، وأعني بها السياسية تحديداً، أما القوى اليسارية فهي لم تنجح في الحصول على بضعة مقاعد في البرلمان لكي ترضي بعض الشخصيات السياسية البارزة فيها اللهّم إلاّ رئيس الحزب الشيوعي العراقي الأستاذ حميد مجيد موسى الذي تربع على الكرسي اليتيم الذي حصده (أعرق حزب في العراق) الأمر الذي صدم، ولايزال يصدم المراقبين السياسيين في العراق والوطن العربي في الأقل. إن قوى اليسار مدعوة حقاً لأن تراجع برنامجها السياسي والفكري وأن تتقصى أسباب هذا الانهيار الذي حدث في مشهدهم الانتخابي، ولماذا عزف الناس عن ترشيحهم؟ أنا أعرف جيداً أن المدّ الديني المتخلف يستطيع يستوعب هذه الأصوات الأمية التي تمثل شريحة مخيفة في المجتمع العراقي المعاصر، ولكن المطلوب من الأحزاب اليسارية والديمقراطية والعلمانية في العراق أن تعيد طرح بضاعتها بطريقة أخرى والنزول إلى الشارع بقناعات علمية تفنّد هذه الخزعبلات والظواهر الخرافية التي تهيمن على الشارع بحيث يلبي نداء أية مناسبة دينية مهما كانت بسيطة وساذجة ولا تخرج عن إطار الخرافة أكثر من سبعة ملايين مواطن يتقدمهم، مع الأسف الشديد، بعض الناس المحسوبين على الوسط الثقافي العراقي وحملة الشهادات العلمية الذين يؤمنون بكل ما هو غير علمي ويقف بالضد من التصورات الأولية حتى لطالب المرحلة الابتدائية. إذن، يتوجب على القوى اليسارية أن تنْشط في مواجهة هذا المدّ المتخلف الذي يحتاج أوسع شريحة في المجتمع العراقي وبينهم نساء طبعاً، وكلما قلّت هذه الجموع المتخلفة وتضاءلت نستطيع القول بأن قوى اليسار والعلمانية والديمقراطية بخير، وكلما ازدادت هذه الحشود التي تمشي عكس تيار الزمن فلابد أن نعترف بفشلنا وخسارتنا أمام الرهان العلماني والديمقراطي واليساري في آنٍ معا.
8ــ هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر ؟
لابد من الحد من تأثير الإسلام السياسي وحتى الإسلام نفسه بوصفه ديناً لأنني أعتقد أن التديّن مسألة خاصة جداً تتلخص في علاقة الكائن بربه وهو حرّ في الطريقة يتعبد بها شرط أن لا يؤثر على الآخرين ويقودهم مثل قطعان الماشية، وهذا ما هو حاصل في العراق والدول العربية والإسلامية. فالأحزاب الدينية أو الإسلامية تتدخل في كل صغيرة كبيرة ولا تترك للمواطن حق الاختيار وتأسيس القناعات المناسبة له. إن ما تقوم به الأحزاب الإسلامية بشقيها الشيعي والسني هو مصادرة لدور الفرد وتهميشه والتفكير نيابة عنه، وأكثر من ذلك زجّه في مسيرات (مليونية) حاشدة في هذه المناسبة الدينية أو تلك. كل الأحزاب الدينية التي جاءت إلى السلطة في العراق طرحت مشروعات علمانية لا علاقة لها بالإسلام وأبسط مثال على ذلك هو حزب الدعوة الإسلامية الذي طرح برنامجاً عاماً وعلمانياً قبل الانتخابات، وحينما وصل إلى سدة الحكم تغير أداءه وبدأ حملات عديدة للحد من كل الظواهر العلمانية في تضييق الخناق على الفنون الجميلة وتحريم الخمرة والنوادي الليلية وما إلى ذلك من ظواهر يعرفها المواطن العراقي جيداً، لكنه سمح للمسيرات المليونية ومواكب العزاء والتطبير (إيذاء النفس بحسب قوانين الأرض والسماء) وسواها من الظواهر التي لا تتناسب مع روح العصر لأن هؤلاء الناس البسطاء هم خميرته وبيئته الانتخابية التي يعتمد عليها في كسب الأصوات التي توصله إلى كرسي السلطة. إن ما هو مطلوب من الأحزاب اليسارية والعلمانية أن تروّج للعلم والثقافة بكل أشكالها، وهذان العنصران هما الكفيلان بقلب كفة الموازنة لكل ما هو عقلاني وذهني ومقبول، أما غيابهما فيشكل هيمنة حقيقية للخزعبلات التي أوردناها آنفاً. وإذا بقي البلد على ما هو عليه فإنه مرشح لأن يكون قندهاراً جديدة.

9- ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر..... الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديداً وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟
لولا التقنيات الجديدة لتأخرت هذه الثورات والاحتجاجات المليونية العارمة التي شهدتها غالبية البلدان العربية وعلى رأسها تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين وغيرها من الدول العربية. لقد لعب الإنترنيت وتفرعاته من طرائق التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والتوتير دوراً مهماً وأساسياً في حشد هذه الجموع في توقيت محدد يرتأيه المتظاهرون أو المحتجون لكي يهزوا عروش الطغاة بما فيهم أولئك المتجبرين الذين كانت تؤازرهم أميركا وبعض بلدان المعسكر الغربي الرئيسة مثل إنكلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا. إنني أشبّه تقنيات التواصل الاجتماعي بالهبة العظيمة التي حطّت علينا من جهة مجهولة غامضة لم نعرفها حتى الآن، ولولا هذه التقنيات لظل القذافي ومبارك وبن علي يطلون علنا بوجوههم البشعة ويمزقوا آذاننا بأخاليطهم وهذياناتهم الهوجاء التي لا تنتهي. لذلك فإن الأحزاب اليسارية والديمقراطية يجب أن تواكب هذه التطورات العلمية وتعلّم عناصرها على استعمال هذه التقنيات بحرفية عالية لأنها تخدم الإنسان وتذلل له الكثير من مصاعب الحياة وتحدياتها.
10- بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيّمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟
أخشى أن تكون شهادتي مجروحة في هذا المنبر الحر الذي عملت فيه منذ الأيام الأولى لانطلاقته فقد كان ولا يزال أنموذجاً للفضاء الحر والمفتوح الذي لا يضع شروطاً على المادة المنشورة في أبوابه المتنوعة. لقد حصل هذا الموقع على جوائز وشهادات كثيرة أنصفت القائمين عليه ومنحتهم حقهم الطبيعي في الاشادة والتكريم لأنهم يستحقون ذلك. كما أتمنى عليهم أن يظلوا مخلصين في تبني الحقائق حيثما كانت وأن (لا يخشوا طريق الحق لقلة سالكيه)! إنه منبر متفرد بين قليل من المنابر الإعلامية المتميزة التي جلبت لهم هذا العدد الكبير من القراء والكتاب الذين يتطلعون إلى هذا الفضاء النظيف الذي يزوّدهم بأشهى الوجبات الفكرية والثقافية على وجه التحديد. وفي الختام لا أملك إلاّ أن أنحني إجلالاً لكل الأخوة والأخوات القائمين على هذا الموقع النخبوي والجماهيري في آنٍ معا.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التوجّهات الجديدة في الاقتصاد العراقي. . . إشكالية التنمية و ...
- دور كفاءآت المهجر في تطوير التعليم العالي في العراق
- إشكالية تطوّر العملية السياسية وتأخّر الإعمار في العراق(ج1)
- مهرجان ريندانس السينمائي الدولي يحتفي بالفكر الأميركي الثوري ...
- أدب السجون في العراق: جدار بين ظلمتين مثالاً
- تريّيف المدينة العراقية
- الدكتور حميد الهاشمي يتحدث عن -عجلة المدنية وعصا العشائرية-
- المبالغة والغرور
- تحيّة لدار الشؤون الثقافية العامة
- الروائي زهير الجزائري في أمسية ثقافية بلندن (3)
- إلى السيد نوري المالكي، رئيس مجلس الوزراء المحترم
- شركة الناصر للطيران
- الأحزاب الدينية والسينما العراقية
- الشخصية المنشطرة وتعزيز الأمكنة الافتراضية
- الحقوق المائية
- رواتب البرلمانيين العراقيين
- القرصنة والابتزاز
- مُحفِّزات أعمال الشغب والعنف في بريطانيا
- الجادرجي في أمسية ثقافية بلندن يتحدث عن تأثير ثورة 14 تموز ع ...
- صلاح نيازي يرصد التغييرات التي طرأت على الأدب والفن بعد ثورة ...


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - عدنان حسين أحمد - الرهان اليساري والعلماني لا يزال قائما