|
شروع فى قتل أقدم دولة فى التاريخ
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 3547 - 2011 / 11 / 15 - 16:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"تسونامى العنف" الذى يجتاح مصر من مشرقها إلى مغربها ومن شمالها إلى جنوبها أخطر من أن يوضع تحت لافتة "الانفلات الأمنى" الممجوجة، وأعمق من حصره فى الحدود الضيقة للحسابات الانتخابية البرلمانية الوشيكة. فهذا عنف يحمل سمات وملامح جديدة. فلم تعرف مصر فى السنوات والعقود الماضية مثلا قيام قرية بفرض "حصار" على قرية أخرى وعدم السماح بدخول أى شىء إليها سوى الاحتياجات الضرورية من السلع التموينية . ويحدث ذلك على مرأى ومسمع من قوات الأمن والشرطة العسكرية التى تقف مكتوفة الايدى لا حول لها ولا قوة، ويزداد العجب عندما نرى فى خلفية هذا الحصار العسكرى عودة الى الجذور القبلية والعشائرية من "هوارة" إلى "أشراف" و"عرب". ولم تعرف مصر فى السنوات والعقود الماضية مثلا تهديداً بقطع خط السكك الحديدية والطرق الدولية والسريعة مع ما يترافق مع ذلك من اختطاف رهائن فى وضح النهار. ولم تعرف مصر فى السنوات والعقود الماضية مثلا ان يندلع هذا العنف فى سبع محافظات فى وقت واحد، وأن تدور رحاه فى الوجهين البحرى والقبلى سواء بسواء. وفى ذات الوقت جرى تفجير أنبوب الغاز الطبيعى المتجه الى الاردن واسرائيل فى سياق حملة متصاعدة لتيارات أصولية من بينها جماعة التكفير والهجرة، التى لم تعد بعضها تخفى تخطيطها لاقامة "إمارة إسلامية" على أرض الفيروز. *** وبالطبع .. فانه يمكن استنتاج أن "الفراغ الأمنى" الحادث منذ 28 يناير الماضى، قد أغرى أطرافا كثيرة على "ملء" هذا الفراغ. لكن يبدو ان "خصخصة الفضاء الأمنى" يتجاوز حكاية "البلطجية" الملتوتة. فالواضح ان النسبة الأكبر مما يطلق عليه بـ "الانفلات الامنى" ليست النسبة "الإجرامية" المعتادة أى اللصوص وقطاع الطرق وعصابات الجريمة المنظمة أو شبه المنظمة فى الريف والحضر. بل ان النسبة الأكبر ينخرط فيها "ناس" من خارج دائرة الجريمة، قرروا ان يأخذوا حقهم، أو ما يتصورون انه حقهم، بأيديهم، سواء من "أهالى" آخرين، أو من "الحكومة" التى مازالت بسياساتها وأشخاصها نسخة كربونية من حكومات نظام حسنى مبارك فى الأغلب الأعم. وهذا معناه ان "الاهالى" كسروا احتكار الدولة ل_ "العنف" وقاموا بخصخصة هذا العنف خارج دائرة القانون وخارج نطاق الشرعية القديمة التى سقطت مع سقوط حسنى مبارك، أو فقدت أنيابها ومخالبها مع ترنح نظامه. وهذا هو أخطر ما فى الأمر، لان المسألة لم تعد مقتصرة على إسقاط "نظام" بل تجاوزت ذلك الان الى بدايات "تفكيك دولة". وبالتوازى مع الذبول – المتعمد – لـ "الرابطة الوطنية" عادت الحياة تدب فى "الانتماءات الأولية" قبلية وعشائرية ومذهبية واثنية وعرقية وخلافه. ومع عودة الروح الى هذه الانتماءات الأولية، ما قبل الوطنية، نشطت "جرثومة التفكك" وبدأت تنخر فى الاندماج الوطنى. ولو ان المسألة كانت – كما يتصور البعض – مقدمات لتعطيل الانتخابات البرلمانية المقبلة أو التأثير فى مسارها لصالح هذا الطرف أو ذاك، لهانت وأمكن تدارك مضاعفاتها وتوابعها بصورة أو اخرى. أو حتى لامكن تحمل تكلفتها ودفع فاتورتها. لكن "تسونامى العنف" المتسلسل والمتصاعد على النحو الذى نراه يكتسب خطورته الاستثنائية من كونه مقدمة لتفكيك الدولة المصرية. فمن هذا المنظور المخيف يجب البحث عن الخيط الرفيع جدا الذى يربط الاحداث المتفرقة التى تجرى على أرض شبه جزيرة سيناء، حيث سيناريو الانفصال – بصورة أو أخرى – لم يعد أضغاث أحلام اعتبرناها مجرد "تخاريف" فى السابق. ومن نفس هذا المنظور تصبح الأحداث المتفرقة التى تجرى فى أسوان مجرد المشهد الافتتاحى لحركة نوبية ساعية الى اكتساب حق تقرير المصير. ومن نفس هذا المنظور يصبح الظهور المسرحى لـ "هواره" و"أشراف" و"عرب"، وقبائل وعشائر شتى مثل العبابدة والجعافرة وغيرهما، ومؤتمرات تحمل لافتات غير مألوفة من قبيل، مثل "اتقوا شر الصعيد إذا غضب"، وتلوح بإضرام حريق بطول البلاد وعرضها إذا لم يتم الاستجابة لاملاءات بعينها، وبدأت تمارس العنف بالفعل بما فى ذلك حفر الخنادق حول القرى وفرض الحصار واختطاف الرهائن وقطع خطوط الإمداد والتموين وتشكيل "محاكم أهلية" ، يصبح كل ذلك شروعاً فى القتل لـ "الدولة – الأمة". فإذا أضفنا الى ذلك الإحياء المتعمد للنعرات الطائفية، والأبعاد التصعيدية لهذا المنحنى الطائفى خاصة بعد أحداث ماسبيرو، تصبح الدولة وكل قيم الحداثة فى مهب الريح. وإذا وضعنا فى الاعتبار – بعد ذلك كله – ان هناك قوى اقليمية ودولية من مصلحتها تفكيك أوصال الدولة المصرية، ولم تتوقف يوما عن تغذية وتمويل المخططات المؤدية الى ذلك، لأدركنا ان الخطر ماثل، خاصة فى سياق محاولات إعادة رسم خرائط الجغرافيا السياسية للمنطقة بأسرها. *** هذا الخطر المحدق ليس نتيجة ثورة 25 يناير كما يروج البعض لكنه بالأحرى الثمرة المرة لسنوات وعقود من الاستبداد من جانب، وفاتورة التلكؤ عن إرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة من جانب أخر. ولم يعد بالامكان التسامح مع مزيد من التلكؤ أو التواطؤ مع جرثومة التفكك مهما كانت المظاهر التى تتجلى بها دينية كانت أو مذهبية أو عرقية أو طائفية أو قبلية وعشائرية.. أو غير ذلك من انتماءات وهويات سابقة على الرابطة الوطنية.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتخابات .. وثقافة الاستهانة
-
استفزاز مزدوج !
-
تبرعوا لبناء.. -تليفزيون مستقل-
-
لا أحد ينام فى مصر!
-
إشعاع ميدان التحرير يصل إلي «وول ستريت» (1)
-
ابحث مع الشعب: جهاز أمن خرج ..ولم يعد!
-
سجن أبوغريب علي أرض مطار القاهرة!
-
إشعاع ميدان التحرير يصل إلي «وول ستريت»(2)
-
ليالي -الثورة- في فيينا
-
من المسئول عن مذبحة ماسبيرو؟
-
-بدلة- المشير!
-
مستقبل مجتمع -البيزنس-... بعد الثورة
-
الدين والسياسة.. للمرة الألف!
-
احمد عز مازال يهدد
-
إيقاظ قانون سيئ السمعة
-
ثورة الاقتصاد:الفريضة الغائبة (2)
-
ثورة الاقتصاد : الفريضة الغائبة (3)
-
ثورة الاقتصاد:الفريضة الغائبة (4)
-
ثورة الاقتصاد: الفريضة الغائبة (5)
-
ثورة الاقتصاد: الفريضة الغائبة (1)
المزيد.....
-
للتخفيف من قيظ الصيف..فيلة تتراشق بالماء في حديقة حيوانات بإ
...
-
حان الوقت لتغييرها.. أسوأ 10 كلمات مرور في العالم
-
الإمارات: شرطة دبي تعتقل 3 بلجيكيين مطلوبين للإنتربول بتهمة
...
-
روسيا تعلن السيطرة على قرية جديدة في غرب دونيتسك وسط استمرار
...
-
ما مدى جدية الدعوات الغربية بالاعتراف بدولة فلسطينية؟
-
الدفاع المدني يعلن السيطرة على حرائق اللاذقية بعد معركة استم
...
-
الاتحاد الأوروبي يطالب بـ -حلٍّ عادل- في في قضية الرسوم الجم
...
-
شعارات مناسبة الذكرى 67 لثورة 14 تموز 1958
-
ماكرون يستعد لإعلان زيادة جديدة في ميزانية الدفاع في ظل تصاع
...
-
اتهامات متبادلة بين إسرائيل وحماس بعرقلة مفاوضات الهدنة
المزيد.....
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
-
مغامرات منهاوزن
/ ترجمه عبدالاله السباهي
المزيد.....
|