أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمود فنون - عبد الناصر 28|9|1970















المزيد.....

عبد الناصر 28|9|1970


محمود فنون

الحوار المتمدن-العدد: 3500 - 2011 / 9 / 28 - 23:40
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


في يوم 28 |9|1970 وصلت البوسطة القادمة من سجن كفار يونا عبر عديد من السجون الى سجن بير السبع ,مساء,وعلى ما يبدو كنت النازل الاول منها ,حيث استقبلني السجان حال وصول قدماي الى الارض بالقول "مات عبد الناصر,عبد الناصر مات "كانوا يقولون اقوال كهذه عادة كنوع من الاغاظة والاهانة ,فنهرته بغضب...
كنت حينها تعبا ومنزعجا من سوء الرحلة التي لم تنتهي متاعبها بعد ,فنحن ننزل من البوسطة(وهي سيارة مخصصة لنقل المعتقلين بين السجون في رحلة عذاب قد تبدا من سجن نابلس الى جنين وطول كرم ومن ثم الى ... حتى تصل الى منتهاها وقد تستغرق الرحلة يوما او يومين ,ففي تلك الرحلة قضيت ليلة في سجن الرملة, ومن بعده الى سجون اخرى حتى استقر بنا المقام في سجن السبع ,وكنت منقولا من نابلس اثر اضراب طويل عن الطعام احتجاجا على اعتقال آباء وذوي المناضلين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بسبب قيام الجبهة بخطف الطائرات اثناء احداث ايلول الاسود التي ذبحت خلالها المقاومة الفلسطينية في الاردن .
"مات عبد الناصر,عبد الناصر مات"اخذت بنهره الا انه قاطعني وقال" انا اقول الصحيح, لا اشتم,عبد الناصر مات ,انا احب عبد الناصر ..عبد الناصر كبير..."في الحقيقة اخذت اميل الى تصديقه.
لم تكن الصحف تاتي بانتظام كانت جريدة اسمها جريدة اليوم تصل بشكل متقطع الى السجون ويمكن لاي شرطي ان يحجزها ويمكن وبسبب غياب الشرطي السجان المكلف بالرقابة على المطبوعات الداخلة الى السجن ,يمكن ان تتعطل حتى يعود .اما الراديو فكان مثبتا دائما على اذاعة اسرائيل وغالبا يفتحونه عند الاخبار وعند فترة ام كلثوم التي تبث بعد اخبار السادسة والنصف ,ونستمع للراديو عبر سماعات مثبتة في الساحات الخارجية وغالبا ما يكون الصوت مصحوبا بتشويش متعمد بالاضافة الى التشويش الناتج عن سوء السماعات وسوء تركيبها.
تفاعلت كل الصور والخيالات في رأسي وكل ما وعيته عن تجربة عبد الناصر منذ عام 1956 والعدوان الثلاثي حيث كنت لا زلت صغيرا ,وطالبا في المدرسة ولم يكن عندنا راديو وربما لم اكن شاهدت الراديو بعد ولكني اتذكر ما كان يشرحه الاساتذة وما يتناقله الكبار عن بور سعيد والابطال الذين كنت أتخيلهم وأتخيل نفسي واحدا منهم, والاهم هي صورة عبد الناصر التي أخذت تتشكل في ذهنيتي وذهنية كل من عاصر تلك التجربة صورة البطل العربي الذي يحارب الانجليز والفرنسيين واليهود والذي سيحرر الوطن السليب الذي كان الاساتذة يشرحون عنه باستمرار, وطبريا وحيفا ويافا وكل المدن الفلسطينية المحتلة التي كانت صورها معلقة على جدران غرفة الصف ....كنت بلغت التاسعة من عمري...
وبعد ان تم استلامي من قبل ادارة سجن بئر السبع وبعد الكثير من الانتظار استلمت "البرش"اربع بطانيات قديمة وغيارين وكاس بلاستك للشرب وصحنين بلاستك للاكل وملعقة وغيارين داخلي وشبشب وبصطار, ولا اذكر شيئا آخر مثلي مثل غيري من المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلالفي ذلك الوقت.
ظلت التفاعلات في داخلي تشغلني الى ان ادخلوني الى غرفة رقم اثنين في قسم "المحني"كما هو متعارف عليه وتعني المعسكر ,وهومبني من جدران مصبوبة جاهزة بسمك اربعة سنتمتر وكل غرفة بطول حوالي ثلاثين مترا, وعدد كبير من الشبابيك الزجاجية التي تفتح وتغلق من الخارج وسقف من الاسبست ,هذا في صحراء النقب : انها جهنم ,انها شديدة الحرارة نهارا واشد في ايام الصيف وباردة ليلا واشد برودة في ايام الشتاء ,بينما السجين مزود بالبطانيات الاربعة ليفترشها ويتقي برودة الارض ويتغطى بها ليتقي برودة الطقس...
قدمت نفسي حال وصولي فعرفني العديد من المعتقلين كانوا قد سمعوا باسمي من خلال تبادل المعلومات بين المعتقلين في سياق تنقلاتهم حيث كنت بالمصادفة او لاي سبب آخر معروفا وانا في سجن الخليل وكذلك وانا في سجن نابلس المركزي.وحصل تعارف حيث عرفت عطالله ابو غطاس وعدنان جابر وعلي العواودة وعادل سمارة وعمر خليل وعلي جبر ومحمود عدوان وابراهيم ابو غلوس وآخرين كان عددهم يربو على السبعين سجينا .
وفي اول فرصة قلت لهم ان السجان قال ان عبد الناصر مات ,ولاحظت الدهشة والمفاجئة والانفعال الشديد عليهم مما يدل على انهم لم يكونوا يعلمون وقال قائلهم "اليوم لم يفتحوا الراديو".
وعلى الفور انتظمت الاجتماعات وبدأت جلسات التأبين للقائد القومي العربي الذي وافته منيته ونحن جميعا متعلقين بحبال الامل المشدودة به.بعضهم بكى وبعضهم قرض الشعر وقيلت الكلمات المؤثرة المفعمة بالعاطفة والمعبرة في نفس الوقت عن مناقبه.
كان شخصية عظيمة في نفوسنا زاده فقده اجلالا واكبارا وشموخا ,وافتقدناه بكل تياراتنا السياسية والاجتماعية لقد كان مقداما ويبذل جهده قدر طاقته.
افتقدناه :فقد مات اثر مذابح ايلول وبالذبحة الصدرية,مات وفلسطين لا زالت كلها تحت الاحتلال الاسرائيلي ,ولا زال الكثير من البلدان العربية تحت حكم الانظمة الرجعية.
انقضى الليل وكاننا لم ننم,كيف سنعبر عن انخراطنا في هذا الحدث الكبير ونحن في براثن السجن؟نحن منفعلون الى اقصى الدرجات ونبحث عن طريقة للتعبير الجماعي والسياسي عن هذا الانفعال,وربما كانت هذه التجربة الاولى من نوعها التي يعاني منها المعتقلون وتتفجر مشاعرهم الوطنية ممزوجة بمشاعر الحزن .. وكان القرار ان نعيد الطعام في اليوم التالي ونقيم نوع من المهرجانات .كانت هذه ادنى اشكال التعبير من وجهة نظرنا لكنها هي المتاحة.
في اليوم التالي وعند توزيع الطعام وهو يوزع بعد الساعة السادسة صباحا بقليل ,وكان المعتقلون في الاقسام قد تواصلوا مع بعضهم لتعميم القرار فتمت اعادة الطعام ,فجاء الضابط المناوب(بن عمو) راكضا الى غرفتنا التي كانت تضم ابرز رجالات السجن, مستفسرا عن السبب ,فابلغه المتنفذون ان هذا شكل تعبير عن فقدان عبد الناصر ,وللغرابة انه تفهم الموقف وقال: يعني انتم تصومون اليوم حدادا او حزنا او ماشابه فاجابه المكلفون بالحديث بالايجاب ,فتقبل الامر .
كنا نتوقع انهم سيتخذون ضدنا اجراءات قمعية وكنا مستعدون لتحمل ذلك فيما لو حصل .
لقد تفهم ضابط السجن ان هذا امر جلل بالنسبة لنا ,فلم يحضروا لنا وجبة الغداء من تلقاء انفسهم ,وعند اذان المغرب احضروا لنا وجبة افضل من المعتاد بكثيروفي موعد الافطار تماما.
لقد شعر المعتقلون ومن خلال كلمات التابين والنقاشات في الجلسات ان عبد الناصر قد مات وان الناصرية ربما تكون في نهايتها .وكان هذا تعبيرا قويا عن العاطفة تجاه عبد الناصر وتأثرا بسطوة شخصيته الجماهيرية والقيادية وقرب هذه الصفات من المزاج الجماهيري المتعاطف مع عبد الناصر والملتف حول قيادته بشكل تلقائي اكثر منه منظما .
ان هذا الشعور العميق كان موجودا وكان حقيقيا وفي ذات الوقت كان الصدق مع الذات الفلسطينية يدفع الى الكثير من الانتقادات التي بالرغم من كل جديتها لم تكن تؤثر على محبته والانشداد اليه .
لقد كان عروبيا وتحرريا ووحدويا ,وكان مع الجماهير في قضاياها المطلبية ,
فقد ساند حركات التحرر العربية والافريقية وفي كل مكان وقدم لها الدعم الممكن وساند ثورة الجزائر بل وساهم النظام المصري وخطابات عبد الناصر في خلق تعاطف عربي قوي مع الثورة الجزائرية العظيمة والبطولية ,ووقف ضد الرجعيات العربية صراحة وكشف تواطئها مع الغرب الاستعماري وحرض ضدها هو ونظامه ووسائل الاعلام المتاحة لديه .
لماذا اكرر ابراز دوره الشخصي ؟:ذلك انه كان ملهما للجماهير وتثق الجماهير فيما يقول وبعد ذلك تاتي مصداقية اقطاب النظام ووسائله الاعلامية .
من هنا تعلمت الجماهير العريضة ان تميز بين القوى التقدمية والرجعية.وتعلمت ان تحب الدول الاشتراكية الصديقة والصين ويوغسلافيا والهند, وتعادي الامبريالية, وتعلمت التمييز بين معسكر الاعداء والاصدقاء حول مطالب واماني الامة العربية.ان التمييز الدقيق بين العدو والصديق ومعرفة امكانيات تحييد قوى ومصادقة قوى والحذر من قوى كل هذا من الدروس المهمة في العمل الوطني والثوري ولا يجوز الخلط كما هو حاصل حاليا في هذا الربيع العربي, حيث يتم خلط الاعداء بالاصدقاء ويتم التصديق بان امريكا وفرنسا تناصر الشعوب ضد حكامها الظالمين .ان امريكا تساند مصالحها ضد الحكام الظالمين وضد الشعوب ايضا.وهي والدول الغربية تتسلق على المسار الثوري من أجل سرقة نتائج الثورات وسقفها في حدود المطالب الديموقراطية وبعض الاصلاحات البسيطة .
لقد تقبلت الجماهير العربية العريضة فكرة الاشتراكية من خلال دعاية الناصرية والثقافة القومية والتحررية المعادية للاستعمار والاستغلال الاستعماري والاستغلال الطبقي ,وطرح فكرة الاشتراكية العربية,واقام القطاع العام .
ان من ابرز نتائج النظام الناصري في الميدان الاجتماعي كان الاصلاح الاقتصادي والاهم الاصلاح الزراعي والقضاء على الاقطاع وتوزيع الاراضي على الفلاحين,وكان القضاء على الالقاب المصاحب للاصلاح الزراعي مسألة مهمة في القضاء على التراتب الطبقي في التعامل اليومي, وذلك بالغاء امتيازات الالقاب امام القانون وفي التعامل اليومي ,وتنبع اهمية هذا الامر كونه موروث اقطاعي عميق ومحافظ عليه من قبل الحكومات,وكانه قدر مقدور الى ان جائت الناصرية ونسفته من اساسه.
لقد تمثل المعتقلون الناصرية بما لها وما عليها وتضامنوا مع غياب قائدها وبطلها الاول على انه بطل الامة العربية وبطل التحرر القومي والوحدة العربية .فالناصرية قرعت طبول الوحدة العربية وعمقت التوجهات نحوها وجعلتها جزءا راهنا في مهمات الامة وقواها الحية وبنفس الدرجة جعلت مهمة التحرر من الاستعمار المباشر وغير المباشر مهمة راهنة ايضا واصبحت الامة العربية على ابواب الانعتاق .من هنا ندرك جميعا حجم الخسارة التي المت بالامة العربية بموت القائد الكبير عبد الناصر.



#محمود_فنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رد على تعليق ابراهيم نجاجرة على مقالتي -الملف الفلسطيني الى ...
- لماذا ندرس الفتنة
- الملف الفلسطيني الى اين؟
- تعليق على خطاب ابو مازن
- نقاش مع- احمدك يا الله-
- الثورات العربية في بدايتها
- هل يمكن صياغة استراتيجية جديدة؟نقاش مع مهيار اقطامي
- تعليق مامون شكارنة على مقالتي بخصوص منشور اسلام
- معركة الجمل حقيقة واقعة يا مامون
- معركة الجمل حقيقة تاريخية يا مأمون
- اجابة على طلب شاهر الشرقاوي
- رسالة الى اسلام مشاغب
- هل دم المسلم على المسلم حلال؟
- هل انتصرت الثورة في ليبيا؟
- هل انتصرت الثورة الليبية
- ملاحظات على الثورة الليبية
- هل تتوفر امكانات المقاومة الثورية؟
- تتعرض غزة للايذاء الاسرائيلي,وهم يتفرجون
- الجاسوسية مرافق للاحتلال مثلها مثل الثورة
- ملاحظات على تعليق الاستاذ مامون شكارنة


المزيد.....




- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بشبهة -رشوة-
- قناة -12-: الجنائية ما كانت لتصدر أوامر اعتقال ضد مسؤولين إس ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمود فنون - عبد الناصر 28|9|1970